جلسة 31 من مارس سنة 1981
برئاسة السيد/ المستشار نائب المحكمة محمد محمود الباجوري وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد العزيز الجندي، مصطفى قرطام، جلال الدين أنسى، أحمد كمال سالم.
----------------
(184)
الطعن رقم 33 لسنة 50 القضائية
(1) أحوال شخصية "الشهادة".
الشهادة في الفقه الحنفي. شروطها. كفاية توافق أقوال الشهود دون تطابقها مع بعض المدعي به.
(2) أحوال شخصية "التطليق للضرر". محكمة الموضوع.
التطليق للضرر. شرطه أن تصبح العشرة بين الزوجين مستحيلة بسبب إيذاء الزوج لزوجته بالقول أو بالفعل. معيار الضرر شخصي استقلال محكمة الموضوع بتقدير عناصر الضرر.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت ضد الطاعن الدعوى رقم 1194 سنة 1978 شمال القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية "نفس" طالبة الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة تأسيساً على أنها زوجته بصحيح العقد الشرعي وأنه اعتدى عليها بالقول والفعل اعتداءات بالغة الخطورة مما لا يستطاع معه دوام العشرة بينهما، وفي 24/ 2/ 1979 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق وبعد سماعها شهود الطرفين حكمت بتاريخ 19 - 1 - 1980 برفض الدعوى استأنفت النيابة والمطعون ضدها هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 30، 36 لسنة 1979 ق القاهرة، وفي 3/ 4/ 1980 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبتطليق المطعون ضدها من الطاعن طلقة بائنة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بالسببين الأولين منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم قضى بالتطليق استناداً إلى ما استخلصه من أقوال شاهدي المطعون ضدها من أن ضرراً لحقها من جراء اعتداء الطاعن عليها بالألفاظ الثابتة بتحقيق محكمة الدرجة الأولى - حال أن هذين الشاهدين قد شهدا بوقائع لم تكن المطعون ضدها قد أوردتها في صحيفة الدعوى، وتناقضت أقوالهما في الوقائع التي شهدا بها وفي ألفاظ السباب التي نسباها إلى الطاعن، لأنهما وإن شهدا بأنهما دخلا إلى شقة والدة المطعون ضدها إثر استغاثة انبعثت منها فإن أولهما قرر أنه رأي الطاعن في حالة غضب ممسكاً بأطباق المائدة يريد قذف المطعون ضدها ووالدتها بها بينما قرر ثانيهما أنه رآه يقذفهما بالأطباق بالفعل، كما لم تتطابق شهادتهما في شأن ألفاظ السباب التي قرر أن الطاعن وجهها إلى زوجته ووالدتها، الأمر الذي يقطع بكذبهما ويبطل شهادتهما، يؤيد ذلك أن هذه الواقعة لا يتصور حدوثها من مثل من كان في ثقافة الطاعن ووظيفته وفي منزل أهل زوجته وبحضورهم، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يعول على شهادتهما بشأن وقوع التعدي بالفعل فإنه ما كان يجوز له أن يعول على أقوالهما بشأن واقعة السب، وإذ أهدرت محكمة الدرجة الأولى أقوال هذين الشاهدين لعدم اطمئنانها إليها فقد كان يتعين على محكمة الاستئناف أن تبين سبب آخذها بشهادتهما.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان المقرر في فقه الحنفية - وعلى ما جرى به قضاء هذه محكمة - أنه وإن كان يتعين لقبول الشهادة على حقوق العباد أن تكون موافقة للدعوى وأن ترد أقوال كل شاهد مطابقة لأقوال الآخر، إلا أنه لا يشترط أن تكون هذه الموافقة تامة بأن يكون ما شهد به الشهود هو عين ما ادعاه المدعي وأن تتطابق أقوالهم في اللفظ والمعنى معاً، بل يكفي أن توافق شهادتهم بعض المدعي به وأن تتوافق أقوالهم في إفادة المعنى المقصود بالدعوى، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون ضدها أقامت دعواها بطلب التطليق تأسيساً على اعتداء زوجها الطاعن عليها بالقول والفعل اعتداء بالغاً وأحضرت للإثبات شاهدين شهدا باعتدائه عليها بالسب المقذع وهي صورة من صور الاعتداء بالقول المدعي به وبذلك تكون شهادتهما قد وافقت بعض الدعوى فتقبل باعتبار أن أخذ القاضي بها يجعل المشهود به هو القدر الثابت في الدعوى بالبينة، كما يبين من تلك المدونات أن أقوال هذين الشاهدين وإن لم تتطابق في اللفظ إلا أنها توافقت بما اشتملت عليه من ألفاظ للسباب تفيد معنى واحد فتعتبر شهادتهما قد اتفقتا بطريقة التضمن وهو ما يكفي بتطابقهما ولا يغير من ذلك تفاوتهما في بيان حالة الانفعال التي كان عليها الطاعن وقت توجيه السباب إلى المطعون ضدها واختلافهما فيما إذا كان أثناء ذلك يقذف بالأطباق أو كان ممسكاً بها ويهم بإلقائها وإذ أن هذه الواقفة تخرج عن المقصود بالدعوى وبالتالي لم تكن هناك حاجة لإثباتها ويستوي ذكرها أو السكوت عنها فلا يمنع الاختلاف بشأنها من صحة الشهادة ولا يمنع من قبولها، لما كان ما تقدم وكان ما يثيره الطاعن من استبعاد حصول واقعة التعدي منه على النحو المشهود به لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يقبل التحدي به أمام محكمة النقض، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الاستئناف أن تستخلص من أقوال الشهود ما تطمئن إليه ولو ذهبت في ذلك مذهباً مخالفاً لتقدير محكمة أول درجة ولا يكون عليها في هذه الحالة أن تبين الأسباب المبررة اكتفاء بدلالة الأخذ بشهادتهم وحسبها إقامة قضائها على ما يحمله، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون إذ اعتبر أن مجرد التعدي بالقول مرة واحدة مبرراً للحكم بالتطليق مع أن الضرر الموجب للتفريق يجب أن يكون ضرراً خاصاً ناشئاً عن الشقاق بين الزوجين لازماً غير قابل للزوال، وأن يتكرر وقوعه بما يفصح عن استحالة دوام العشرة بين الزوجين.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية بما نصت عليه في فقرتها الأولى من أنه إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب إلى القاضي التفريق وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما، قد خلت من تحديد وسيلة إضرار الزوج بزوجته والذي يخولها الحق في طلب التطليق، وكان الشارع قد استقى الحكم المقنن بهذه المادة من مذهب الإمام مالك فيتعين الرجوع إليه في هذا الخصوص، لما كان ذلك، وكان المقرر في فقه المالكية أن للزوجة طلب التطليق إذا أوقع الزوج بها أي نوع من أنواع الإيذاء بالقول أو الفعل الذي لا يكون عادة بين أمثالهما ولا يستطاع معه دوام العشرة بينهما وأنه لا يشترط لإجابتها إلى طلبها وفق المشهور عندهم أن يتكرر إيقاع الأذى بها بل يكفي لذلك أن يثبت أن زوجها أتى معها ما تتضرر منه ولو مرة واحدة، وكان تقدير عناصر الضرر مما تستقل به محكمة الموضوع ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة، وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى بتطليق المطعون عليها من الطاعن قد أقام قضاءه على ثبوت الضرر الحاصل من الإيذاء بالقول الفاحش، وكانت هذه الدعامة قد استقامت وتكفي لحمل الحكم، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق