جلسة 4 من إبريل سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد وعبد القادر هاشم النشار وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع - نواب رئيس مجلس الدولة.
------------------
(93)
الطعنان رقما 549/ 801 لسنة 35 القضائية
(أ) عقد إداري - تنفيذي - نظرية الظروف الطارئة.
يستلزم لتطبيق نظرية الظروف الطارئة أن تطرأ خلال مدة تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة المتعاقدة أو من عمل إنسان آخر لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعاً ومن شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً - متى توافرت هذه الشروط مجتمعة التزمت جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في تحمل نصيب من خسائره ضماناً لتنفيذ العقد على الوجه الذي يكفل حسن السير المرافق العامة بانتظام واضطراد - يكون من حق الطرف المضار أن يطلب من الطرف الآخر مشاركته في الخسارة التي يتحملها فيعوضه عنها تعويضاً جزئياً - هذا التعويض لا يشمل الخسارة كلها ولا يغطي إلا جزءاً من الأضرار التي تصيب المتعاقد - ليس له أن يطالب بالتعويض بدعوى أن أرباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع عليه كما أنه يجب أن تكون الخسارة واضحة متميزة - نتيجة ذلك: يجب لتقدير انقلاب اقتصاديات العقد واعتبرها قائمة أن يدخل في الحساب جميع عناصر العقد التي تؤثر في اقتصادياته واعتبار العقد في ذلك وحدة واحدة ويفحص في مجموعه لا أن ينظر إلى أحد عناصره فقط بل يكون ذلك بمراعاة جميع العناصر التي يتألف منها - أساس ذلك: قد يكون بعض هذه العناصر مجزياً ومعوضاً عن العناصر الأخرى التي أدت إلى الخسارة - لا تنطبق هذه النظرية إذا كان خطأ المتعاقد قد وقع في أمور متوقعة قبل تنفيذ العقد وفقاً للسير الطبيعي للأمور وللنظام المعتاد للعمل في الإدارة العاملة.
(ب) - دعوى - إثبات في الدعوى - تكوين عقيدة القاضي.
المواد 64، 65، 69 من الدستور.
يتحتم قيام الأحكام القضائية في تحديدها للوقائع التي تتعلق بالأنزعة التي تحسمها على ما يثبت من المستندات أو غيرها من الأدلة ووسائل تحقيق ادعاءات الطرفين وفقاً لقواعد وأصول الإثبات التي نظمتها نصوص قانون مجلس الدولة وقانوني المرافعات والإثبات التي تحقق القطع واليقين في وقائع النزاع التي لا يسوغ قانوناً أن تقوم على الظن والتخمين أو على المعلومات الشخصية للقضاة أو الاستنتاج غير السديد والذي لا تؤدي المقدمات التي يوردها الحكم إلى النتائج التي يرتبها عليه - استقلال القضاء يحتم على القاضي القضاء على أساس وقائع ثابتة بأدلتها القانونية بعد تحقيقها وتحديدها بيقين وهذا وحده الذي يمثل ضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات وتحقيق سيادة القانون ويكفل رعاية وتوطيد حق الدفاع - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الخميس الموافق 26/ 1/ 1989 أودع الأستاذ الدكتور/ محمد عصفور المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 549 لسنة 35 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 18/ 12/ 1988 في الدعوى رقم 3674 لسنة 41 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضها مع إلزام المدعيين المصروفات.
وطلب الطاعنان في ختام تقرير الطعن الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية بدفع التعويض المناسب الذي يقرره أهل الخبرة مع تمكينها من التقرير بترك الخصومة في طلب التعويض عن فروق الأسعار الذي رفعت به دعوى مستقلة أمام القضاء الإداري مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وفي يوم الأربعاء الموافق 15/ 2/ 1989 أودع الأستاذ/ أديب نظير الباقوري المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 801 لسنة 35 ق عليا عن ذات الحكم المذكور، وقد طلبا في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلزام الجهة الإدارية بدفع مبلغ ستة ملايين وسبعة عشر ألفاً وسبعة وثمانين جنيهاً مصرياً مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأودع الأستاذ المستشار/ عبد السميع بريك مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعنين ارتأى فيهما الحكم بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للطاعنين التعويض المناسب الذي تقدره المحكمة مع إلزامها بالمصاريف.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 6/ 7/ 1992 حيث تم نظر الطعن أمامها بالجلسة المذكورة والجلسات التالية حتى تقرر بجلسة 7/ 12/ 1992 إحالة الطعنين إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 10/ 1/ 1993 وبهذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 28/ 2/ 1993 ومذكرات لمن يشاء خلال أسبوعين ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 4/ 4/ 1993 لإتمام المداولة وبالجلسة المذكورة صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعنين قد أقاما الدعوى رقم (3674) لسنة 41 ق بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) بتاريخ 29/ 4/ 1987 وطلبا في ختامها الحكم بإلزام المدعى عليهما بصفتهما بأن يؤديا لهما مبلغ 6017687 جنيه (ستة ملايين وسبعة عشر ألف وستمائة وسبعة وثمانين جنيهاً) على التفصيل الوارد بعريضة الدعوى مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وقالا بياناً لدعواهما أنه بتاريخ 16/ 6/ 1984 رست المناقصة الخاصة بإنشاء (26) عمارة سكنية لمدينة أبو النمرس مجموعة رقم (1) عليهما بناء على محضر لجنة البت المحرر بتاريخ 27/ 6/ 1984 والمعتمد من محافظ الجيزة في 4/ 7/ 1984، وبتاريخ 26/ 7/ 1984، تحرر عقد مقاولة فيما بين المحافظة وبينهما وتضمن إلزامها ببناء العمارات مقابل مبلغ خمسة ملايين وستة عشر ألفاً وخمسمائة وأربعة وسبعين جنيهاً مصرياً ومائة وأربعة وأربعين مليماً لا غير، وبتاريخ 11/ 8/ 1984 صدر لهما أمر البدء في العمل حيث بدأ المدعيان في عمل جسات للتربة في 1/ 9/ 1984 إلا أن الأهالي اعترضوا طريقهما علاوة على اعترض رئيس مجلس مدينة أبو النمرس لهذا الإجراء ثم صدر أمر بوقف العمل بهذا الموقع بعد أن قاما بنقل المعدات إليه، وأنه بتاريخ 1/ 11/ 1984 تقدما بخطاب لوكيل وزارة الإسكان متضمناً تسجيل واقعة الاعتراض المذكورة ومنه تسببه من إلحاق الضرر نتيجة عدم تسليمهما الموقع موضوع عقد المقاولة وما ترتب على ذلك من آثار ونتائج وبتاريخ 8/ 11/ 1984 تم تشكيل لجنة لمعاينة مواقع بديلة واتضح من المعاينة على الطبيعة أن المواقع البديلة غير صالحة وغير جاهزة وتقع في عدة مواقع تصل إلى ستة مواقع وأنها لا تفي بالعدد المطلوب من العمارات ولا تفي بالغرض الذي من أجله تحرر عقد المقولة سالف الذكر، وتقرر البدء في العمل واستبداله لموقع آخر، وبتاريخ 22/ 12/ 1984 تم تشكيل لجنة أخرى لمعاينة المواقع المقترحة لإنشاء هذه العمارات بجميع زمامات منطقة أبو النمرس فوجدت اللجنة موقعاً واحداً يسع لعدد خمس عمارات فقط فوعد رئيس مجلس مدينة أبو النمرس بالاتصال بإدارة المياه لتحديد مدى إمكانية إخلاء هذا الموقع خلال عشرة أيام من تاريخه، وأنه حرصاً من المدعيين على تنفيذ عقد المقاولة فقد تقدما بتاريخ 30/ 12/ 1984 بخطاب لوكيل وزارة الإسكان لضرورة إيجاد موقع آخر يتم تسليمه لهما حتى يتسنى تنفيذ المقاولة وتفادياً للأضرار التي ستلحق بهما نتيجة زيادة الأسعار وبتاريخ 14/ 1/ 1985 أعيد اختيار موقع آخر بنزلة الأشطر في حدود فدانين تقريباً ولكن هذا الموقع الأخير مغمور بالمياه بارتفاع يصل إلى قدمين تقريباً وأنه محاط بمصارف من جميع الجهات ولا توجد أماكن تسع لخمس عمارات امتداداً للعمارات والتي كان يتم تنفيذها في ذلك الوقت، وبتاريخ 20/ 5/ 1985 تقدم المدعيان بخطاب آخر شرحا فيه أن العمل لم يبدأ إلا بالنسبة لخمس عمارات فقط أما باقي المجموعة وعددها واحد وعشرين عمارة فقد تم اختيار موقع بمعرفة الجهة الإدارية اتضح أنه مغمور بالمياه، وعلى أثر ذلك تحرر محضر اجتماع مؤرخ 11/ 2/ 1985 بحضور وكيل وزارة الإسكان وسكرتير عام المحافظة والمستشار القانوني للمحافظة واقترحوا عليهما ضرورة عمل دراسة كاملة عن أبحاث التربة وذلك في مدة أقصاها شهر، وبالفعل فقد قاما بتكليف أحد المهندسين الاستشاريين الذي قدم تقريره، وبتاريخ 29/ 5/ 1985 أرسل المدعيان خطاباً للمدعى عليه الثاني يتضمن عدم توفيق اللجنة المشكلة للمعاينة أكثر من ثلاث مرات في إيجاد موقع بديل، وبتاريخ 26/ 6/ 1985 تم إخطارهما بالحضور لاستلام موقع عمارة واحدة داخل مركز أبو النمرس وبالفعل تم الاستلام في 20/ 8/ 1985 أي بعد رسو العملية باثني عشر شهراً وأن المدعيين قاما بإخطار المدعى عليه الثاني في 26/ 10/ 1985 بعدم وجود مواقع خالية لإقامة العمارات بمدينة أبو النمرس بناء على محاضر المعاينة سالفة الذكر، وبتاريخ 3/ 11/ 1985 أرسلا إخطاراً إلى المدعى عليه الثاني بالمطالبة بفروق الأسعار والتعويض عن الأضرار التي أصابتهما نتيجة هذا التأخير، وبتاريخ 5/ 11/ 1985 استلم المدعيان موقعاً يسع لعدد خمس عشرة عمارة وأعطى لهما مهلة 90 يوماً لإزالة العوائق فيكون تاريخ بدء العمل هو 8/ 2/ 1986 أي بعد ثمانية عشر شهراً من صدور أمر بدء العمل علماً بأن مدة العملية كلها عشرون شهراً، وأضاف المدعيان أنه بتاريخ 2/ 12/ 1985 صدرت فتوى من مجلس الدولة تضمنت الموافقة على زيادة الأسعار في عام 1985 بمقدار 25% عما كانت عليه في عام 1984 وبعد ذلك تسلم المدعيان الموقع لبناء عشرين عمارة منهم موقع لثلاثة عشر عمارة بتاريخ 8/ 2/ 1986 وموقع لسبع عمارات بتاريخ 16/ 6/ 1986 أي بعد مضي سبعة وعشرين شهراً من تاريخ صدور أمر بدء العمل الذي لم ينفذ بسبب يرجع إلى الجهة الإدارية، في حين أنهما خصصا العدد والآلات والأدوات التي تكفل لهما الوفاء بكامل التزاماتهما المترتبة على عقد المقاولة خلال المدة المحددة للانتهاء من العمليات خلال المدة المحددة به، وأن حجم الإنتاج الشهري الذي تمثله تلك الآلات والمعدات والسيارات التي خصصت لهذه الأعمال لا يقل عن مائة ألف جنيه في الشهر إذا ضرب في 18 شهر فإن المبلغ الإجمالي يصبح 1800000 أي مليون وثمانمائة ألف جنيه، بالإضافة إلى الرواتب التي تدفع للعاملين لمدة تزيد عن ثمانية عشر شهراً دون إنتاج وتبلغ في مجموعها 1200 × 18 شهراً =21600 جنيه للمهندسين علاوة على 10800 جنيه رواتب ثلاثة من العمال الفنيين ثم مصروفات مكتبية تبلغ 18 × 1500 = 27000 جنيه فتكون الجملة 69400 جنيه، كما أن توقف العمل بسبب الجهة الإدارية قد ألحق بالمدعين أضراراً معنوية تتمثل في إساءة سمعتهما كمقاولين لهم تاريخ معروف لدى العامة والخاصة الأمر الذي يحق لهما المطالبة بمبلغ 100000 جنيه كتعويض عن هذا الضرر، ويضاف إلى المبالغ المطالب بها فروق أسعار بواقع 25% في السنة طبقاً لفتوى مجلس الدولة سالفة الذكر والتي تبلغ عن مدة سنتين 2558287 جنيه وبذلك يبلغ مجموع المبالغ المطالب بها مبلغ وقدره 6017687 جنيه، وخلص المدعيان إلى طلباتهما سالفة الذكر، وبجلسة 18/ 12/ 1988 حكمت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام المدعين المصروفات، وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت بالأوراق أن محافظة الجيزة قد تعاقدت مع المدعيين في 26/ 7/ 1984 على إنشاء عدد 26 عمارة بمنطقة أبو النمرس وصدر بذلك أمر البدء في العمل في 11/ 8/ 1984 لإنجاز العمل خلال فترة عشرين شهراً إلا أنه عند قيامهما بعمل جسات للتربة اعترض العمل بعض الأهالي بالمنطقة علاوة على اعتراض رئيس مجلس مدينة أبو النمرس الأمر الذي جعل جهة الإدارة تبحث عن مواقع بديلة لإنشاء هذه العمارات حيث تم تحديد مواقع جديدة بالحوامدية لتنفيذ بعض هذه العمارات، وبذلك تكون هذه الأحداث قد اعترضت تنفيذ العقد بالصورة المتفق عليها وأن هذه الأحداث وهذه الظروف لم تكن معروفة لدى الطرفين وقت التعاقد الأمر الذي ترتب عليه إن جعلت تنفيذ العقد عبئاً جديداً على كاهل المدعيين ويجعل تنفيذ التزاماتهما أكثر كلفة الأمر الذي يتحقق معه اعتبار هذه الظروف غير المتوقعة بمثابة ظروف طارئة يتعين أعمالها على الدعوى وترتيب كافة الآثار القانونية بشأنها، وأضافت المحكمة أنه فيما يتعلق بالتعويض عن فروق الأسعار عامي 84، 1985 فقد انتهت إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة إلى أحقية المدعيين لتعويضهما عما أصابهما من أضرار نتيجة التأخير في تسليم الموقع وقد قامت الإدارة بتعويضهما بمبلغ 57945 جنيه وهي قيمة الزيادة التي يستحقانها وفقاً لخطاب الجهاز المركزي للمحاسبات في القيمة المتعاقد عليها والدفعة المقدمة وما تم صرفه للمقاولين وتاريخ استلام المواقع وعدد العمارات بكل موقع والمدة الزمنية الخاصة بالتأخير في استلام الموقع والمدة المحددة لتسليم الأعمال للمشروع وتحليل الأسعار ومواكبتها لتواريخ استلام المواقع المختلفة الأمر الذي يتعين معه وقد استجابت جهة الإدارة لهذا الطلب فإنه بذلك قد تكون طبقت النظرية تطبيقاً صحيحاً، وأنه فيما يتعلق بالأضرار المادية فإن الثابت أن الأرض التي كانت محافظة الجيزة تزمع إقامة العمارات عليها بمنطقة أبو النمرس كانت مشغولة بالمزروعات مما جعل الأهالي واضعي اليد عليها يعترضون تنفيذ المشروع، وكذا رئيس مجلس المدينة الأمر الذي يؤكد أنه لم يكن قد بدء في تشغيل أية معدات أو آلات أو سيارات لعدم صلاحية المنطقة للعمل خاصة وأن المذكرات المقدمة من المدعيين تؤكد أن العمل الذي اعترض عليه الأهالي لا يعدو أن يكون عمل جسات للتربة مما لا يكون ثمة خسارة لحقت بهما، وهو ما ينصرف كذلك إلى أجور ومرتبات العاملين طرفهما باعتبار أن أجور هؤلاء لا تترتب إلا ببدء العمل، أما عن الأضرار الأدبية التي يطالب المدعيان بالتعويض عنها فلا تستند إلى أساس قانوني أو واقعي يبرره ذلك أن التأخير في تنفيذ المشروع لا يحول دون الدخول في أية عمليات أخرى إذا أخذ في الاعتبار أن هذا المشروع لم يتم الاستغناء عنه نهائياً، وانتهت محكمة القضاء الإداري إلى إصدار حكمها برفض الدعوى موضوعاً وألزمت المدعيين بالمصروفات.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل - كما ورد في تقريري الطعن رقمي 549، 801 لسنة 35 ق. ع عن ذات الحكم المطعون فيه - أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون عندما أقحم نظرية الظروف الطارئة لأن الطاعنين لم يؤسسا دعواهما على هذه النظرية وإنما الأساس القانوني الحقيقي هو المخالفات الصارخة من جانب الإدارة بشروط التعاقد وكذلك الإخلال الجسيم بالالتزامات العقدية بما ألحق أفدح الأضرار بهما وهو ما سلمت به الجهة الإدارية نفسها بعد التجائها إلى إدارة الفتوى بمجلس الدولة كما أن القول بأن الجهة الإدارية قد عوضت الطاعنين بما يجاوز خمسة وسبعين ألف جنيه غير صحيح ولم يحدث ولا تزال ذمة الجهة الإدارية مشغولة بمئات الألوف من الجنيهات استناداً إلى فتوى مجلس الدولة وإقرار الجهة الإدارية نفسها، وأن ما ورد بالحكم من عدم تحمل الطاعنين لأية خسارة لعدم وجود سيارتهما وآلاتهما بالموقع، يناقض ما هو ثابت بالأوراق وما سجلاه في خطاباتهما وتقاريرهما المرفوعة إلى المحافظة فضلاً عن استحالة اشتراكهما في أية مناقصة تطرح من جانب المحافظة وقد شلت حركاتهما تماماً بتسخير وتعطيل آلاتهما ومعداتهما في مواقع غير مهيأة للعمل، وأنه في مجال التعويض فلاً يجب الخلط بين الزيادة التي وافق عليها المحافظ بنسبة 25% وكان مصدرها فتوى مجلس الدولة وبين التعويض بسب عدم تنفيذ التزام الإدارة بتسليم المواقع لمدة سنتين تقريباً وهو ما يخضع للقواعد العامة في المسئولية العقدية، وأن عدم بدء العمل في موعده لا يعني أن الطاعنين لم يقوما بإعداد المعدات اللازمة والآلات والسيارات والأدوات اللازمة لتنفيذ هذه العملية بمجرد التعاقد، إذ أن الأمر يقتضي أن تكون جاهزة للتشغيل فور صدور أمر البدء في العمل وخلص المدعيان إلى طلب الحكم لهما بالطلبات سالفة الذكر.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تطبيق نظرية الظروف الطارئة يستلزم أن تطرأ خلال مدة تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة المتعاقدة أو من عمل إنسان أخر لم تكن في حسبان المتعاقدة عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعاً ومن شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً فإذا ما توافرت هذه الشروط مجتمعة التزمت جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في تحمل نصيب من خسائره ضماناً لتنفيذ العقد على الوجه الذي يكفل حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد فنظرية الظروف الطارئة تقوم على فكرة العدالة المجردة التي هي قوام القانون الإداري كما أن هدفها تحقيق المصلحة العامة فرائد الجهة الإدارية هو كفالة حسن سير المرافق العامة باستمرار وانتظام وحسن أداء الأعمال والخدمات المطلوبة وسرعة انجازها كما أن هدف المتعاقد مع الإدارة هو المعاونة في سبيل المصلحة العامة ذلك بأن يؤدي التزامه بأمانة وكفاية لقاء ربح أو أجر عادل وهذا يقتضي من الطرفين التساند والمشاركة للتغلب على ما يعترض تنفيذ العقد من صعوبات وما يصادفه من عقبات ويكون من حق المتعاقد المضار أن يطلب من الطرف الأخر مشاركته في هذه الخسارة التي تحملها فيعوضه عنها تعويضاً جزئياً، وهذا التعويض لا يشمل الخسارة كلها ولا يغطي إلا جزءاً من الأضرار التي تعين المتعاقد فإن المدين ليس له أن يطالب بالتعويض بدعوى أن أرباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع عليه كما أنه يجب أن تكون الخسارة واضحة متميزة.
ومن ثم يجب لتقدير انقلاب اقتصاديات العقد واعتبارها قائمة أن يدخل في الحساب جميع عناصر العقد التي تؤثر في اقتصادياته واعتبار العقد في ذلك وحدة ويفحص في مجموعه لا أن ينظر إلى أحد عناصره فقط بل يكون ذلك بمراعاة جميع العناصر التي يتألف منها إذ قد يكون بعض هذه العناصر مجزياً ومعوضاً عن العناصر الأخرى التي أدت إلى الخسارة.
ولا تنطبق هذه النظرية إذا كان خطأ المتعاقد قد وقع في أمور متوقعة قبل تنفيذ العقد وفقاً للسير الطبيعي للأمور وللنظام المعتاد للعمل في الإدارة العاملة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قد تعاقدت مع الطاعنين بتاريخ 26/ 7/ 1984 على إنشاء عدد (26) عمارة بنواحي مدينة أبو النمرس بقيمة إجمالية مقدارها 5016574.144 (خمسة ملايين وستة عشر ألفاً وخمسمائة أربعة وسبعين جنيهاً ومائة وأربعة وأربعين مليماً)، وقد تحدد في البند السابع منه أن مدة تنفيذ جميع الأعمال موضوع هذا العقد أقصاها عشرون شهراً تبدأ من بعد تسليم الموقع بمدة خمسة عشر يوماً، وقد صدر أمر بدء العمل لهما بتاريخ 8/ 8/ 1984 وتم تسليم الموقع لهما بتاريخ 20/ 8/ 1984 بموجب محضر تسليم إلا أنه عند قيامهما بعمل محضر جسات للتربة اعترض العمل بعض الأهالي بالمنطقة وكذلك رئيس مجلس مدينة أبو النمرس الأمر الذي تسبب في توقف العمل لحين اختيار جهة الإدارة لمواقع بديلة، حيث تم اختيار هذه المواقع وسلمت للطاعنين في 23/ 1/ 1985 (بالنسبة لعدد خمس عمارات) وفي 13/ 8/ 1985 (بالنسبة لموقع عمارة واحدة)، وفي 19/ 12/ 1985 (بالنسبة لعدد 13 عمارة) وفي 6/ 7/ 1986 (بالنسبة لعدد 6 عمارات) وفي 16/ 10/ 1986 (بالنسبة لموقع عمارة واحدة) ولا شك أن هذه الأحداث التي قد طرأت عند تنفيذ العقد واعترضت هذا التنفيذ بالصورة المتفق عليها، وإن كانت لم تكن تعرفها جهة الإدارة وقت التعاقد بدليل أن الجهة الإدارية المتعاقدة سلمت بالفعل موقع العمل المتفق عليه وأصدرت أمرها بالبدء في العمل بتاريخ 11/ 8/ 1984 لإنجاز العمل خلال فترة عشرين شهراً إلا أنه عند قيام الطاعنين بعمل جسات للتربة اعترض العمل بعض الأهالي بالمنطقة علاوة على اعتراض رئيس مجلس مدينة أبو النمرس مما جعل جهة الإدارة تبحث عن مواقع بديلة لإنشاء هذه العمارات حيث تم تحديدها بعد ذلك وسلمت بالفعل للطاعنين في تواريخ متتالية إلا أنها كانت أمراً متوقعاً بحسب طبائع الأمور وفقاً لما يقتضيه طبيعة العمل الإداري المنظم في مثل هذه العملية حيث تتم الدراسة بجدوى المشروع وإمكانية تنفيذه من قبل جهة الإدارة المختصة سواء من حيث طبيعة المواقع وخلوها من الموانع ومن حيث إعداد شروط التعاقد وفقاً للقانون حيث يرتبط موعد تنفيذ وانتهاء العملية بميعاد متعاقد عليه تلتزم بمقتضاه الجهة الإدارية المختصة وفقاً للدراسة الفنية والقانونية والإدارية والاقتصادية للعملية بجميع أركانها وظروف تنفيذها ومن أبرز هذه الجوانب موقع أداء العمل وميعاد التسليم للمقول في ضوء الظروف الطبيعية والقانونية للموقع لبدء ميعاد التنفيذ للعقد بما يرتبه ذلك من التزامات قبل كل طرف من الطرفين المتعاقدين وبذلك فإن هذه الأحداث والظروف والتي لم تكن معروفه لدى الطرفين وقت التعاقد إلا أن هذه الظروف بالنسبة لطبيعة الموقع وظروف العمل به ومدى إمكان تسليمها للمتعاقد ومدى موافقة الجهات الإدارية المعنية وهي مجلس مدينة أبو النمرس ورئيس المجلس....... من الأمور التي تدخل في مجال الدراسة الحتمية الواجبة للموقع واللازمة لتحديد ميعاد تسليمه بمعرفة جهة الإدارة والتي يبين بوضوح من وقائع النزاع ومستنداته أنها لم تقم بدراستها الدراسة الواقعية الكافية لعدم تعويق تسليم الموقع إلى الطاعنين للوفاء بالتزاماتهم وهذا التقصير من جهة الإدارة في هذا الخصوص سواء في الدراسة المسبقة أو في تنفيذ التزامها التعاقدي بتسليم الموقع خالياً في الميعاد المحدد لهما وهو ما أقرت بحدوثه عندما اتجهت إلى تحديد مواقع بديلة سلمتها للطاعنين في تواريخ متتالية بعد الموعد العقدي لتسليم الموقع الأصلي حسبما سلف البيان.
ومن ثم وإذ ترتب على هذا التقصير في الدراسة وفي تسليم الموقع إلى الطاعنين على فترات بعد التاريخ التعاقدي المحدد أضراراً ادعى الطاعنان تحملهما لنتائجها تتمثل فيما أصابهم من خسارة وما فاتهم من كسب فقد كان يتعين - وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - وطبقاً للمبادئ العامة الحاكمة للعقود الإدارية من وجوب تنفيذها حسبما يقتضيه حسن النية وأن يتحدد على نحو قاطع قيمة الضرر وفقاً لعناصره المختلفة لتحديد قيمة التعويضات التي يطالب بها الطاعنين.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالتعويض الناجم عن الزيادة في الأسعار بين عامي 84، 1985 فالثابت أنه وإن كان هذا الموضوع قد عرض على إدارة الفتوى لوزارتي التعمير والإسكان وارتأت أحقية الطاعنين إلى تعويضهما عما أصابهما من أضرار نتيجة التأخير في تسليم الموقع ويتمثل هذا التعويض في فروق الأسعار وتبلغ 57945 جنيه وهي تمثل قيمة الزيادة في الأسعار لتأخير التنفيذ بسبب عدم تسليم المواقع في الميعاد المتفق عليه التي يستحقها الطاعنين وفقاً لخطاب الجهاز المركزي للمحاسبات، ولم تنكر جهة الإدارة على الطاعنين حقهما في صرف هذا المبلغ ولم تتنازع فيه مما يعد حقاً لهما لا مطعن عليه إلا أنه يدعى الطاعنان عدم تسلمهما هذه الفروق وهي أحد عناصر التعويض أما فيما يتعلق بالأضرار المادية الأخرى المتمثلة في أجور ومرتبات المهندسين والعمال وأجور العدد والآلات والسيارات.
ومن حيث إنه قد ذهب الحكم الطعين إلى أنه ما دام أن الثابت أن الأرض التي كانت محافظة الجيزة تزمع إقامة العمارات عليها بمنطقة أبو النمرس كانت مشغولة بالمشروعات مما جعل الأهالي واضعي اليد عليها يعترضون تنفيذ المشروع وكذلك رئيس مجلس المدينة فإن ذلك مما يؤكد عدم وجود معدات أو آلات أو سيارات قد بدأ تشغيلها لاستحالة ذلك بالنظر إلى الظروف المحيطة بمنطقة العمل، فضلاً عما هو ثابت بمذكرات الطاعنين أنفسهم من أن ما بدء فيه من عمل هو مجرد عمل جسات للتربة لم تكن تستأهل وجود عدد كبير من تلك المعدات، وهو ما يصدق أيضاً بالنسبة لأجور ومرتبات العاملين وأنه بالنسبة للمطالبة بالتعويض عن الأضرار الأدبية والمعنوية، والمتمثلة في عدم دخولهما في مناقصات جديدة، فمردود عليها بأن التأخير في تنفيذ المشروع لا يحول دون الدخول في أي عمليات أخرى، كما أنه لا تأثير لما حدث على سمعتهما وشهرتهما بعد أن بات معروفاً أن أسباب التأخير في التنفيذ لن تكن لأسباب راجعة لهما.
ومن حيث إن هذا الذي ذهب إليه الحكم الطعين فيما يتعلق بتحديد الوقائع الأساسية اللازمة للفصل في النزاع على عناصر التعويض المتمثلة في تكلفة الآلات والأجور وفوات فرص الكسب على الطاعنين كان قد أقامه على مجرد الاستنتاج من وجود مزروعات في موقع العمارات المحدد في العقد وافتراض عدم الارتباط من المتعاقدين الطاعنين على توفير الآلات أو العمالة الفنية أو غيرها اللازمة للعملية وذلك على سبيل الاستنتاج المنطقي الذي لا يرتبه حتماً وبالضرورة مجرد وجود مزروعات في موقع العمل المتعاقد عليه ويتعارض مع ضرورة وحتمية قيام الأحكام القضائية في تحديدها للوقائع التي تتعلق بالانزعه التي تحسمها على ما يثبت من المستندات أو غيرها من أدلة ووسائل تحقيق ادعاءات الطرفين وفقاً لقواعد وأصول الإثبات التي نظمتها نصوص قانون مجلس الدولة وقانوني المرافعات والإثبات والتي تحقق القطع واليقين في وقائع النزاع التي لا يسوغ قانوناً أن تقوم على الظن والتخمين أو على المعلومات الشخصية للقضاة أو على الاستنتاج المنطقي غير السديد والذي لا تؤدي المقدمات التي يوردها الحكم من النتائج التي يرتبها عليها.
وحيث إنه كان يتعين على محكمة أول درجة بناء على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة وما يحتمه الالتزام بما قضى به الدستور من أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وأنها بجميع سلطاتها الثلاث بما في ذلك السلطة القضائية تخضع للدستور والقانون وأن استقلال القضاء لا يعني فقط عدم المساس بحرية وقدسية ضمير القاضي وحظر أي تدخل من أية سلطة وأي فرد وعدم وجود سلطات لغير الدستور والقانون في تكوين عقيدة القاضي وقناعاته في أي دعوى فإن هذا الاستقلال يحتم عليه عدم القضاء بغير معرفة على وقائع النزاع بعد تحقيقها وتحديدها بيقين، ولا أيضاً يجوز للقاضي القضاء بعلمه الشخصي فاستقلاله يحتم عليه القضاء على أساس وقائع ثابتة بأدلتها القانونية بعد تحقيقها وتحديدها بيقين وهذا وحده الذي يمثل ضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات وتحقيق سيادة القانون ويكفل رعاية وتوطيد حق الدفاع/ المواد 64، 65، 69 من الدستور، وإذ لم يأخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر وقضى برفض الدعوى بناء على الاستنتاج الظني لعناصر التعويض فيما عدا فروق الأسعار فإنه يكون قد صدر على غير سند صحيح من الواقع أو حكم القانون لقيامه على تقييم وتحديد غير سليم للواقع، ولعدم إنزاله على المنازعة صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه قد أقيم على سند سليم واجباً قبوله وإلغاء الحكم المطعون فيه، ولما كان قد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه ما دام أن موضوع الدعوى ليس مهيئاً للفصل فيه إذ أن عناصر التعويض عن خطأ الإدارة في اختيار وتسليم موقع العمل للطاعنين لم يتم تحديدها على سبيل القطع واليقين بوسائل الإثبات التي حددها القانون وبالتالي فإنه لا محل للتصدي للفصل في الموضوع حتى لا يفوت على الطرفين مرحلة من مراحل التقاضي ومن ثم فإنه في الحالة الماثلة يتعين الأمر بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها مجدداً من هيئه أخرى.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً بهيئة أخرى، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها بمصروفات هذا الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق