الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 أبريل 2023

الطعن 61 لسنة 12 ق جلسة 4 / 3 / 1943 مج عمر المدنية ج 4 ق 33 ص 62

جلسة 4 مارس سنة 1943

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة، وبحضور حضرات: حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

----------------

(33)
القضية رقم 61 سنة 12 القضائية

مسئولية. 

مسئولية رجال الحفظ عند القيام بمهامهم عما يقع منهم من قتل. مناطها. مثال.
(المادتان 151 و152 مدني)

--------------
إنه وإن كان لرجال الحفظ عند القيام بمهام وظائفهم واضطلاعهم بالمحافظة على الأمن العام والعمل على استتباب السكينة وصيانة الأرواح والأموال أن يتخذوا من الوسائل ما يكفل تحقيق هذه الأغراض ولا تكون ثمة مسئولية عليهم إذا هم في سبيل القيام بهذه الواجبات، أصابوا أحداً من المتجمهرين، إلا أنهم تحق عليهم المسئولية إذا هم أتوا في أداء ذلك أعمالاً خارجة عما يكون لازماً لتحقيق هذه الأغراض. وإذن فإذا كانت المحكمة قد استبانت من الوقائع التي ذكرتها في حكمها أن القتيل الذي يطالب ورثته بالتعويض عن قتله لم يكن مشتركاً في التجمهر بل كان يسعى لتجنبه حتى لقد لجأ لعيادة أحد الأطباء بالدور الثاني، وإن إصابته إنما كانت وهو بداخل هذه العيادة ومن غير مقتض من الدفاع عن النفس أو تشتيت المتظاهرين، فإن حكمها بالتعويض على وزارة الداخلية بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية يكون صحيحاً ومقاماً على ما يسنده قانوناً.


الوقائع

تتحصل وقائع الطعن في أن حميدة علي عمر عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر، وحميدة عمر سليم (المطعون ضدهما) أقامتا ضد الطاعنة أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 473 سنة 1935 قالتا فيها إن مورثهما أحمد عبد الله سليم أصيب بمقذوف ناري قضى على حياته من أحد رجال البوليس بغير مسوّغ شرعي في يوم 14 من مايو سنة 1931 عندما كان بعيادة الطبيب حسن كامل أثناء إضراب عمال عنابر السكة الحديد وطلبتا الحكم بإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع لهما 500 جنيه تعويضاً عما لحقهما من الضرر بقتل مورثهما. وفي 18 من فبراير سنة 1937 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق وبعد سماع الشهود حكمت في 20 من يونيه سنة 1940 برفض الدعوى. فاستأنف المطعون ضدهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وقيد استئنافهما برقم 150 سنة 58 قضائية، وطلبتا الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع لهما 500 جنيه تعويضاً مع المصاريف والأتعاب، عن الدرجتين.
وفي 14 من يونيه سنة 1941 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع للمستأنفة الأولى بصفتيها وللمستأنفة الثانية مبلغ 250 جنيهاً والمصاريف المناسبة عن الدرجتين و600 قرش أتعاب المحاماة عنهما ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
أعلن هذا الحكم للطاعنة في 20 من يوليو سنة 1942 فطعنت فيه بطريق النقض في 17 من أغسطس سنة 1942 بتقرير أعلن للمطعون ضدهما إلخ إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن ما بني عليه الطعن يتحصل فيما يأتي:
أولاً - مخالفة الحكم للقانون وخطؤه في تأويله. وفي ذلك تقول الطاعنة إنها أبدت في دفاعها أن رجال البوليس والجيش كانوا حين أطلقوا النار على المتظاهرين في حالة دفاع شرعي عن أنفسهم وأن إصابة مورث المطعون ضدهما وقعت أثناء استعمالهم هذا الحق، فإذا ما أصابوا شخصاً من غير المتظاهرين أثناء دفاعهم فلا مسئولية تترتب على هذا الفعل. والحكم المطعون فيه مع تسليمه بصحة هذا المبدأ رأى أنه لا ينطبق على حالة ما إذا كان رجال القوة تجاوزوا حدود واجبهم بتوجيه نيران بنادقهم إلى الوادعين في عقور الدور ولم يشتركوا في التظاهر حتى ولو كانوا مطلين من نوافذهم إذ لا يمكن اعتبارهم كمن يكون سائراً في الطريق عرضاً مع المتظاهرين فأصيب أثناء ذلك.
وقد أورد الحكم المطعون فيه أن مورث المطعون ضدهما أصيب بعيار ناري قضى على حياته من رجال القوة الذين كانوا يتعقبون المتظاهرين في الطريق العام لتفريق تجمهرهم ومنع اعتدائهم وكانوا عندئذ في حالة دفاع شرعي. ويستتبع هذا الذي رأته محكمة الموضوع انتفاء مسئولية الحكومة أياً كانت الصورة التي حصلت فيها الإصابة ما دام الفعل بدأ مشروعاً بصرف النظر عما إذا كان مورث المطعون ضدهما سائراً في الطريق عرضاً مع المتظاهرين أو مطلاً من نافذة أو غير ذلك.
وتقول الطاعنة إنها تمسكت أيضاً بأن إصابة مورث المطعون ضدهما وقعت أثناء استعمال البوليس لحقه في تفريق التجمهر ولو بالقوة وفقاً للقانون رقم 14 لسنة 1923 ولكن الحكم المطعون فيه رأى أن نصوص هذا القانون لا يصح أن تسري على الوادعين في عقور الدور. وهذا غير صحيح إذ أن ما يجب التعويل عليه هنا أيضاً أنه متى كان الفعل قد بدأ صحيحاً فلا تأثير لنتائجه في هذا الاعتبار.
وحيث إنه وإن كان لرجال الحفظ عند القيام بمهامهم واضطلاعهم بالمحافظة على الأمن العام والعمل على استتباب السكينة وصيانة الأرواح والأموال أن يتخذوا من الوسائل ما يكفل تحقيق هذه الأغراض ولا يكون ثمة مسئولية عليهم إذا هم أصابوا في سبيل القيام بهذه الواجبات أحداً من المتجمهرين إلا أنهم إذا أتوا في ذلك كله أعمالاً خارجة عما يستلزمه نطاق هذه الأغراض من الوسائل حقت عليهم المسئولية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه استعرض وقائع الحادثة واستبان منها بوضوح أن مورث المطعون ضدهما لم يكن مشتركاً في التظاهر بل كان متجنباً إياه وفاراً من طريقه حتى لجأ لعيادة أحد الأطباء بالدور الثاني وأصيب بينما كان بداخل هذه العيادة. ثم عقب الحكم على ما تقدم بالرد على ما دفعت به الطاعنة من أن رجال الحفظ كانوا وقت الحادثة في حالة دفاع شرعي عن أنفسهم بما يأتي: "من حيث إن ما تمسكت به المستأنف عليها (الطاعنة) من أن رجال القوة يعتبرون أنهم كانوا في حالة دفاع شرعي في حالة إصابة المجني عليه على اعتبار أن من يستعمل حق الدفاع الشرعي إذا أصاب شخصاً غير من اعتدى أو حاول الاعتداء فلا مسئولية عليه، وأن العبرة بالظروف التي أحاطت بالمدافع عن نفسه أو ماله بصرف النظر عن نتيجة فعله لأن الفعل إذا ما بدأ صحيحاً ومشروعاً فلا يسأل من أتاه عن نتائجه. على أن هذا المبدأ صحيح فيما تقرر فيه، ولكنه وإن كان ينطبق على ما مثل فيه اعتماداً على الظروف الواضحة فيه سالفة الذكر فلا ينطبق على حالة مغايرة يعتبر فيها أن رجال القوة تجاوزوا حدود واجبهم بتوجيه نيران بناقدهم إلى الوادعين في عقور الدور الذين لم يشتركوا في التظاهر ولو كانوا مطلين من نوافذهم، فلا يمكن اعتبارهم ملحقين بهذا التظاهر أسوة بمن يكونون سائرين في الطريق عرضاً مع المتظاهرين فأصيبوا أثناء هذا التظاهر. ولو ترك لرجال القوة الأمر بغير احتياط بالمرة لاتسع الخرق وعم الاعتداء سواء على المتظاهرين وغيرهم من الوادعين في عقور دورهم البريئين البعيدين عن التظاهر، ولا يعتبر في حدود الدفاع الشرعي شيء من هذا بالمرة". ثم عرض الحكم بعد ذلك إلى ما تمسكت به الطاعنة من أن لرجال القوة حق تفريق المظاهرات إلى حد القتل دون أن يؤدي ذلك إلى مسئولية جنائية أو مدنية استناداً إلى ما تقضي به المادتان الرابعة والتاسعة من القانون رقم 14 لسنة 1923 وقال في هذا الشأن إن الأحكام الواردة في هذا القانون لا تتسع لأكثر مما هو مقرر فيها. وإذا كان الغرض منها استتباب الأمن وصون الأرواح فلا يصح أن تسري على الهادئين الوادعين في عقور الدور بل ومن كان في مستشفيات المرضى كحالة مورث المستأنفتين (المطعون ضدهما) السابق بيانها، وقد ثبت منها إصابته وإصابة غيره، وهو التمورجي، بينما كانا بالعيادة وقد أصاب الرصاص نافذتها كما أصابهما. وليس في إزهاق حياة الأنفس الوادعة في الدور أية صيانة للأرواح ولا ملافاة للخطر، وليس هناك ضرورة ما لتوجيه طلقات الرصاص في غير ما قصدت له، وإن إطلاقها لأعلى ليس معناه إطلاقها لداخل الدور، ولا تعتبر في هذه الحالة أنها رصاصة طائشة كما تبين من المعاينة الدالة على انتشار الرصاص في النافذة وعدة مواضع من الداخل".
وحيث إنه يستفاد مما سلف أن محكمة الموضوع إذ رأت أن إصابة مورث المطعون ضدهما بينما كان بداخل عيادة الطبيب لم يكن ليستدعيها دفاع رجال البوليس عن أنفسهم من المتجمهرين في الطريق ولا قيامهم بتفريق المتظاهرين تكون قد استظهرت تجاوز رجال الأمن الحدود التي يسوغ لهم قانوناً العمل في نطاقها وبينت خطأهم في قتل المجني عليه وما ترتب على هذا الخطأ من مسئولية الطاعنة. وبهذا يكون تطبيقها لحكم القانون (المادتين 151 و152 مدني) لا مطعن عليه.
ثانياً: تناقض الحكم وقصوره في التسبيب. وفي هذا تقول الطاعنة إنه بينما يقرر الحكم المطعون فيه أن الرصاصة التي أصابت مورث المطعون ضدهما لم تكن رصاصة طائشة، وأن إطلاق الأعيرة النارية عمداً من أحد رجال القوة بالكيفية التي أصابت المجني عليه لا يخلي مسئولية الطاعنة على أي وجه من الوجوه - بينما يقرر الحكم ذلك إذا به يقول إن مورث المطعون ضدهما أصيب من عيار ناري من رجال القوة المتعقبين للمتظاهرين لتفريق تجمهرهم ومنع اعتدائهم، وإنهم كانوا في حالة دفاع شرعي. وهذا فضلاً عن أن بالحكم قصوراً في عدم تبيانه ما استندت إليه المحكمة في اعتبار أن الرصاصة كانت معتمدة.
وحيث إن ما تنعاه الطاعنة على الحكم من حيث التناقض مردود. وهذا لأن الحكم ولو أنه سلم بأن الحالة التي كانت قائمة جعلت رجال القوة في حالة دفاع شرعي أثناء تفريقهم المتظاهرين إلا أنه قال مع ذلك إن إطلاق الأعيرة عمداً بالكيفية التي أصابت مورث المطعون ضدهما إلى أعلى وفي اتجاه الدور حتى وصل المقذوف إلى داخل العيادة لم يكن له مقتض عند قيامهم بواجباتهم. وظاهر بجلاء أن ليس فيما قاله الحكم عن الوقعتين أي تناقض، إذ المستفاد منه أن رجال البوليس أثناء تفريقهم المتظاهرين ودفاعهم عن أنفسهم تعمدوا إطلاق الرصاص إلى أعلى بغير أن يقصدوا قتل شخص ما، فعدت المحكمة فعلهم هذا خطأ ورتبت عليه مسئوليتهم. أما القصور الذي تقول الطاعنة بوجوده في الحكم فينفيه ما أورده الحكم من الوقائع وما رتبه عليها من الاستخلاص السليم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق