جلسة 14 مايو سنة 1942
برياسة حضرة علي حيدر حجازي بك وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وحسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.
---------------
(153)
القضية رقم 54 سنة 11 القضائية
(أ) رهن.
استغلال العقار المرهون. على الدائن استنزال قيمة الغلة من الدين المؤمن بالرهن: من الفوائد والمصاريف ثم من أصل الدين. أجرة الأرض المرهونة. لا يصح اعتبارها فوائد عن الدين يضمنها الرهن. يجب على الدائن تقديم حساب عن غلة الأرض المرهونة. عدم تحصيله إياها. تقصير منه يتحمل نتائجه.
(المادة 545 مدني)
(ب) فوائد عن متجمد الفوائد.
شرط الحكم بها. حصول اتفاق خاص على ذلك أو رفع الدعوى بهذا الطلب.
(المادتين 126 و127 مدني)
الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة والتي كانت من قبل تحت نظر محكمة الموضوع - فيما يأتي: في 14 من يناير سنة 1926 ارتهن جندي قرياقص موسى ولبيب سمعان قرياقص (الطاعنان الأوّل والثاني) من الشيخ سليمان عبد الرحمن جابر (المطعون ضدّه) بعقد رهن حيازة مسجل في 17 من فبراير سنة 1926: 20 فداناً و4 أسهم ضماناً لوفاء مبلغ 1220 جنيهاً. وفي 17 من نوفمبر سنة 1928 ارتهن وهبه قرياقص (الطاعن الثالث) وإقلاديوس موسى روفائيل (مورّث باقي الطاعنين) من نفس المدين (المطعون ضدّه) بعقد رهن حيازة مسجل في 13 من ديسمبر سنة 1928: 29 فداناً و4 قراريط و22 سهماً ضماناً لوفاء مبلغ 1800 جنيه. وفي 13 من يونيه سنة 1934 رفع المطعون ضدّه أمام محكمة أسيوط الابتدائية على الطاعنين الأوّل والثاني الدعوى رقم 506 سنة 1934 التي أحيلت فيما بعد إلى محكمة سوهاج الابتدائية بعد إنشائها. وطلب الحكم بفسخ عقد الرهن المؤرّخ في 14 من يناير سنة 1926 وبراءة ذمّته من المبلغ الوارد به وإلزام المدّعى عليها بمبلغ 315 جنيهاً والفوائد بسعر 5% من تاريخ المطالبة الرسمية للوفاء، وتسليم العين إليه ومحو التسجيل المتوقع عليها مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ثم عدّل طلباته بإعلان تاريخه 30 من سبتمبر سنة 1938 أدخل فيه الطاعن الثالث ومورّث باقي الطاعنين وطلب الحكم بصفة أصلية ببطلان عقدي الرهن السالف ذكرهما وتسليمه الـ 49 فداناً و5 قراريط وسهمين المرهونة ومحو التسجيلات المتوقعة عليها مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، واحتياطياً بفسخ عقدي الرهن المذكورين وبراءة ذمّته من دين الرهن وفوائده وحفظ حقه في زائد المنفعة وتسليمه الأطيان مع محو التسجيلات وإلزامهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ورفع الطاعنان الأوّل والثاني أمام محكمة سوهاج الابتدائية الدعوى رقم 146 سنة 1937 على المطعون ضدّه وطلبا فيها الحكم بإلزامه بمبلغ 1220 جنيهاً وحبس العين المرهونة لهما وقدرها 20 فداناً و4 أسهم تحت يدهما حتى يستوفيا دينهما وملحقاته. كما رفع الطاعن الثالث ومورّث باقي الطاعنين أمام المحكمة المذكورة الدعوى رقم 147 سنة 1937 على المطعون ضدّه وطلبا فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع لهما مبلغ 1816 جنيهاً و150 مليماً وحبس العين المرهونة لهما وقدرها 29 فداناً و4 قراريط و22 سهماً حتى يستوفيا دينهما وملحقاته. وفي 21 من يونيه سنة 1937 قرّرت محكمة سوهاج الابتدائية ضم الدعويين رقم 146 و147 سنة 1937 إلى الدعوى رقم 274 سنة 1936 واعتبرت أن هناك ارتباطاً لا يتجزأ بين الرهنين. ثم في 19 من إبريل سنة 1938 أصدرت حكماً تمهيدياً في الدعاوى الثلاث قطعت فيه في بعض نقط النزاع ثم ندبت ثلاثة خبراء لعمل الحساب والاستهلاك ورسمت لهم الطريق الذي يسلكونه في مباشرة عملهم. وقد سجلت المحكمة في حكمها الوقائع الآتية:
(1) أن المعاملة بين طرفي النزاع ترجع إلى 5 من إبريل سنة 1923 حينما اقترض المدين 1000 جنيه بفائدة 210 جنيهات سنوياً واستمرّت المعاملة على هذا الأساس وانتهت بتحرير عقد الرهن الأوّل. (2) أن المدين اقترض 1000 جنيه أخرى في أوّل سنة 1927 بكمبيالة وبفائدة 120 جنيهاً سنوياً وانتهى الأمر بتحرير عقد الرهن الثاني بعد إضافة الفوائد المستحقة عن الدينين وبلغ مجموع ذلك كله 1800 جنيه. (3) أن الأطيان المرهونة كان يزرعها المدين الراهن سنوياً حتى نهاية سنة 1934 ثم وضع الدائنون يدهم عليها من سنة 1935. (4) أن سعر الفائدة انخفض ابتداء من سنة 1929، فقد استأجر المدين الأطيان في سنتي 1929 و1930 بعقد إيجار بمبلغ 630 جنيهاً في السنتين، أي بما يوازي 9% سنوياً واتفق الطرفان على تكملة الفائدة إلى 12% بواسطة تحرير كمبيالتين كل منهما بمبلغ 90 جنيهاً، وتحرّر عقد إيجار بمبلغ 630 جنيهاً عن سنتي 1931 و1932. أما في سنتي 1933 و1934 فقد استأجر المدين الأطيان بسعر الفدان 300 قرش بعد خصم المال أي أن الفائدة هبطت إلى نحو 5%. (5) أن الدائنين حصلوا في 10 من إبريل سنة 1930 على حكم بإلزام المدين بمبلغ 630 جنيهاً عن إيجار سنتي 1929 و1930، واستصدروا في 26 من يونيه سنة 1932 حكماً بإيجار سنتي 1931 و1932، واستصدروا في 27 من مايو سنة 1934 حكماً ثالثاً بإيجار سنتي 1933 و1934. وقد دفع المدين بعض ما حكم به إلا أن المحكمة ترى أن يجرى الحساب على أساس أنها دفعت جميعها على أن يكون للدائنين تنفيذها ضدّ المدين فيما يكون باقياً في ذمته لهم منها. فرفع الطاعنون الثلاثة الأوّل ومورّث باقي الطاعنين استئنافاً عن الحكم التمهيدي أمام محكمة استئناف أسيوط وقيد استئنافهم برقم 102 سنة 13 وطلبوا في صحيفته إلغاء الحكم التمهيدي والقضاء بما يأتي: (أوّلاً) رفض دعوى المطعون ضدّه. (ثانياً) إلزامه بأن يدفع لهم مبلغ 3036 جنيهاً و150 مليماً وحبس العين المرهونة وقدرها 49 فداناً و5 قراريط وسهمان. (وثالثاً) إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ثم توفى إقلاديوس موسى وحل محله ورثته. وفي أثناء سير الاستئناف باشر اثنان من الخبراء العمل في الدعوى الابتدائية وقدّما تقريرين مستقلين، وذلك لعدم الاتفاق فيما بينهم. وفي 25 من أكتوبر سنة 1938 قرّرت المحكمة الابتدائية استبعاد التقريرين المقدّمين من الخبيرين وندبت خبيرين بدلهما للانضمام للخبير الثالث. وقد باشر هؤلاء مأموريتهم وقدّموا تقريراً خلصوا في نتيجته إلى أنه تبقى للطاعنين في ذمة المطعون ضدّه من مبلغي الرهن حتى أوّل أغسطس سنة 1938 مبلغ 397 جنيهاً و726 مليماً على أن يكون للمدّعى عليهم الحق في تنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحتهم ضدّ المطعون ضدّه والخاصة بمبلغ الإيجار. وقد عرض المطعون ضدّه المبلغ الذي أظهره الخبراء ثم أودعه بخزانة المحكمة وتبين بعد ذلك أن هناك فرقاً قدره 813 مليماً نشأ عن احتساب الفائدة عن سنتي 1933 و1934 بواقع 8% بدلاً من 9%، وقد عرض المطعون ضدّه هذا الفرق ثم أودعه بخزانة المحكمة. وفي 31 من مايو سنة 1939 قضت المحكمة الابتدائية: (أوّلاً) بصحة العرضين الحاصلين من المطعون ضدّه البالغ قدرهما 398 جنيهاً و239 مليماً وفسخ رهن 49 فداناً و5 قراريط وسهمين الموضحة بعقدي الرهن وبراءة ذمة المطعون ضدّه من المبالغ الواردة بالعقدين سالفي الذكر ومحو التسجيلات المتوقعة على الأطيان المبينة بهما بناء على ذلك الرهن وإلزام باقي الخصوم بتسليمها له. (ثانياً) برفض باقي طلبات المطعون ضدّه، وأيضاً جميع طلبات خصومه. (ثالثاً) إلزام المطعون ضدّه بالمصاريف الخاصة بمبلغ 398 جنيهاً و539 مليماً وإلزام باقي الخصوم بباقي المصاريف.
فرفع الطاعنون أمام محكمة استئناف أسيوط الاستئناف رقم 47 سنة 15 قضائية عن هذا الحكم وطلبوا إلغاءه بكامل أجزائه والحكم لهم بطلباتهم الأولى. ورفع المطعون ضدّه الاستئناف رقم 53 سنة 15 قضائية عن الحكم المذكور طالباً: (أوّلاً) الحكم ببطلان عقدي الرهن الصادرين منه وما لحق بهما من عقود إيجار صورية. (وثانياً) الحكم بصرف مبلغ 398 جنيهاً و539 مليماً المودع منه بخزانة محكمة سوهاج بغير قيد ولا شرط وإجراء عملية الاستهلاك على أساس أن لا فوائد للخصوم وبراءة ذمته من مبلغ 3000 جنيه مجموع دين الرهنين وحفظ حقه في استرداد ما دفعه من الفوائد الزائدة على الحدّ القانوني بدعوى مستقلة. ومن باب الاحتياط الحكم بفسخ عقدي الرهن وبراءة ذمته من دين الرهن على أساس إضافة مبلغ 465 جنيهاً لحسابه والحكم بصرف مبلغ 398 جنيهاً و539 مليماً المودع وحفظ حقه في استرداد الزائد له من الفوائد المدفوعة. (وثالثاً) إلزام الطاعنين بالمصاريف عن الدرجتين وأتعاب المحاماة المناسبة. وفي 11 من يناير سنة 1940 قرّرت محكمة الاستئناف ضم الاستئناف رقم 102 سنة 13 قضائية المرفوع عن الحكم التمهيدي والاستئناف رقم 53 سنة 15 قضائية إلى الاستئناف رقم 47 سنة 15 قضائية. وفي 16 من نوفمبر سنة 1940 قضت بقبول الاستئنافات الثلاثة شكلاً ورفضها موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت كل مستأنف بمصاريف استئنافه وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 30 من يوليه سنة 1941. فقرّر وكيلهم الطعن فيه بطريق النقض في 26 من أغسطس سنة 1941 إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك لأنه: (أوّلاً) اعتبر مبلغ 811 جنيهاً و810 مليمات الباقي في ذمة المطعون ضدّه من قيمة الإيجار المحكوم بها عليه مدفوعاً من أصل الرهن مع أنه فوائد عن الدين، وعقود الرهن صريحة في أن العين ضامنة للأصل والفوائد، فالأخذ بما ارتآه الحكم يضيع هذا الامتياز ويخالف ما هو مدوّن بالمستندات. (ثانياً) لم يحتسب لهم فوائد عن متجمد فوائد كل سنة كاملة مع أن القانون يجيز احتسابها، خصوصاً إذا كان هناك اتفاق عليها، والاتفاق موجود في المذكرة المقدّمة من وكيل المطعون ضدّه فقد أقرّ لهم صراحة بهذا الحق وأجرى حسابه على هذا الأساس.
ومن حيث إنه عن الوجه الأوّل فإن مقتضى القانون في المادة 545 مدني أن يسعى الدائن المرتهن في استغلال العقار المرهون بحسب ما هو قابل له، على أن تستنزل قيمة الغلة من الدين المؤمن بالرهن بحيث إنها تستنزل أوّلاً من الفوائد والمصاريف ثم من أصل الدين. ولما كان للدائن المرتهن في سبيل ذلك أن يستغل العقار بنفسه أو أن يؤجره لغير المدين الراهن، أو أن يؤجره لنفس المدين الراهن بالشروط الواردة في القانون، ولما كان مما لا نزاع فيه أنه إذا أجره لغير المدين لا يكون دين الأجرة المقتضى تحصيله من هذا الغير مضموناً بالرهن، ويجب استنزال قيمته من الدين على الوجه المتقدّم حتى لو عجز الدائن المرتهن عن تحصيلها - لما كان ذلك فإن الحالة لا تتغير إن كان الإيجار للمدين نفسه. ولا يصح أن يعتبر دين الأجرة فوائد مستحقة للدائن على المدين، لأن الأجرة، على خلاف الفوائد، هي من حق الراهن على الأساس المتقدّم، لا المرتهن. فالقول إذن بأنها من قبيل الفوائد التي يضمنها الرهن خطأ، وتشبيهها بها من باب القياس مع الفارق. ومتى كان هذا مقرّراً فإن الحكم المطعون فيه يكون صحيحاً فيما انتهى إليه من عدم عدّ ديون الأجرة مضمونة بالرهن باعتبارها فوائد الدين المرهون، خلافاً لما يزعمه الطاعنون.
ومن حيث إنه لما كان من الواجب كما تقدّم أن تخصم قيمة الغلة من الدين المضمون بالرهن فإنه يجب على الدائن المرتهن أن يقدّم حساباً عنها، بحيث إنه إن لم يحصل قيمة الغلة، أو أهمل في تحصيلها، فإنه يكون مسئولاً عن عمله ويجب عليه أن يتحمل النتائج المترتبة عليه. فإذا كان الطاعنون في الدعوى بعد أن أخذوا في تنفيذ الأحكام الثلاثة الصادرة لهم، وبعد أن حصلوا جانباً منها وحجزوا على الحاصلات واتخذوا إجراءات أخرى في سبيل دين الأجرة، تنازلوا عن هذه الإجراءات فلا يلومون إلا أنفسهم، وليس لهم أن يدعوا أن دين الأجرة مضمون بالرهن.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني فإن الحكم المطعون فيه لم يخطئ إذ لم يقض للطاعنين بفوائد على متجمد الفوائد. ذلك لأنه يشترط قانوناً للحكم بهذه الفوائد أن يكون قد حصل اتفاق خاص بشأنها بين الطرفين، وإلا فلا يجوز الحكم بها إلا من وقت رفع الدعوى بطلبها، وما دام لا يوجد أي اتفاق بين المدين والدائنين في هذا الخصوص، ولم تحصل مطالبة بتلك الفوائد وقت رفع الدعوى فإن إقرار المحكمة عمل الخبراء من عدم احتساب فوائد مركبة لا تثريب عليها فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق