جلسة 18 من نوفمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم حسن علام، وسليم راشد أبو زيد.
--------------------
(173)
الطعن رقم 48 لسنة 31 القضائية
(أ) تزوير. "الادعاء بالتزوير". دعوى. "نظر الدعوى أمام المحكمة".
عدم جواز الحكم بتزوير الورقة وفي الموضوع معاً. يجب أن يكون القضاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى.
(ب) تزوير "أثر الحكم بالرد والبطلان". بيع.
رد وبطلان عقد البيع المطعون فيه بالتزوير لا يعني بطلان الاتفاق ذاته وإنما بطلان الورقة المثبتة له. جواز إثبات الاتفاق بدليل آخر مقبول قانوناً.
(ج) خبرة. محكمة الموضوع.
مناقشة الخبير المنتدب في الدعوى. تعيين خبير آخر أو ثلاثة خبراء لخطأ أو نقص في عمل الخبير الأول أو في بحثه. أمر متروك لمطلق تقدير محكمة الموضوع.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنة أقامت على المطعون ضدهم الستة الأولى الدعوى رقم 200 سنة 1955 مدني كلي دمنهور طلبت فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 28 أغسطس سنة 1954 الصادر لها من مورثهم المرحوم يوسف يوسف المهدي عن المنزل المبين بصحيفة الدعوى بثمن قدره 2000 ج - أنكر المطعون ضدهم من الثاني للسادسة توقيع مورثهم على العقد المذكور وبتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1955 قضت المحكمة بتوجيه اليمين المنصوص عليها في المادة 394 من القانون المدني إليهم وبعد أن حلفوها قضت بتاريخ 15 مارس سنة 1956 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الطاعنة بكافة طرق الإثبات أن المورث قد وقع بإمضائه على عقد البيع المطعون فيه بالجهالة ولينفي المطعون ضدهم ذلك، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1956 للطاعنة بطلباتها - استأنف المطعون ضدهم من الثاني للسادسة هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 18 سنة 13 ق وطلبوا تعيين خبير لمضاهاة توقيع المورث على عقد البيع على توقيعاته الصحيحة، ثم أدخلوا المطعون ضدهما الأخيرين ليقدما عقدين عليهما توقيع للمورث أحدهما عقد إنشاء شركة تضامن محرر في أول يناير سنة 1942 وثانيهما عقد تعديل الشركة المذكورة محرر في 15 يناير سنة 1953 وذلك للاستعانة بهما في عملية المضاهاة التي طلبوا إجراءها فقدمها المطعون ضده السابع وبتاريخ 19 يناير سنة 1958 حكمت المحكمة "بندب قسم التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي خبيراً في الدعوى تكون مهمته مضاهاة الإمضاء المنسوبة للمرحوم يوسف يوسف المهدي المثبتة على عقد البيع المطعون عليه المحرر في 28 أغسطس سنة 1954 على إمضائي المورث المذكور المثبتين على العقدين الرسميين المحررين في أول يناير سنة 1942 و15 يناير سنة 1953 وبيان ما إذا كانت الإمضاء المطعون عليها تتحد مع الإمضاءين المشار إليهما أم لا" وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت المحكمة بتاريخ 31 من ديسمبر سنة 1960 في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرد وبطلان عقد البيع الابتدائي المؤرخ 28 أغسطس سنة 1954 المنسوب صدوره من مورث المستأنفين المرحوم يوسف يوسف المهدي والمتضمن بيعه للمستأنف عليها المنزل المبين الحدود والمعالم بعقد البيع ورفض دعوى المستأنف عليها (الطاعنة) وبتاريخ 25 من يناير سنة 1961 طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها رأيها بنقض الحكم في خصوص السبب الأول وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وحدد لنظره 4 من نوفمبر سنة 1965 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب يتناول السببان الثالث والرابع منها قضاء الحكم برد وبطلان العقد المؤرخ 28 أغسطس سنة 1954 بينما يتناول السببان الأولان قضاءه في موضوع الدعوى ومن ثم ترى هذه المحكمة أن حسن الترتيب يقتضي تقديم السببين الثالث والرابع.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وفي بيان ذلك تقول الطاعنة بأنها وإن كانت قد قبلت إجراء المضاهاة إلا أنها قيدت قبولها هذا بأن تجري هذه المضاهاة على أوراق رسمية وإذ اعتقدت أن عقد الشركة المحرر في أول يناير سنة 1942 وعقد تعديلها المحرر في 15 يناير سنة 1953 هما عقدان رسميان فقد وافقت على إجراء المضاهاة عليهما. وبتاريخ 19 يناير سنة 1958 أصدرت محكمة الاستئناف حكماً بندب قسم التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لإجراء المضاهاة على ذينك العقدين اللذين وصفهما هذا الحكم بأنهما رسميان وبذلك يكون الحكم قد قطع بوجوب إجراء المضاهاة على عقود رسمية، ولما كان قد تبين بعد تقديم الخبير تقريره أن العقدين آنفي الذكر اللذين جرت المضاهاة عليهما لا تتوافر فيهما شروط الرسمية لأنه لم يحررهما موظف عام ولم يحصل التوقيع عليهما أمامه فإنهما لا يكونان صالحين للمضاهاة طبقاً لما قضى به الحكم التمهيدي آنف الذكر ولا يؤثر في ذلك كون الطاعنة قد وافقت على إجراء المضاهاة عليهما لأن موافقتها كانت مشروطة بأن يكونا رسميين ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ اعتمد نتيجة المضاهاة التي أجريت على هاتين الورقتين العرفيتين قد خالف قضاء الحكم التمهيدي السابق كما خالف القانون بإجازته إجراء المضاهاة على أوراق عرفية غير معترف بها - وتضيف الطاعنة أن الحكم قد خالف القانون أيضاً باعتماده نتيجة المضاهاة التي أجريت على ورقة عرفية ثالثة عبارة عن صورة من عقد تعديل الشركة المؤرخ 15 يناير سنة 1953 وذلك على الرغم من اعتراض الطاعنة على جواز إجراء المضاهاة على تلك الورقة وطلبها استبعادها.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود بأن الطاعنة لم تقدم إلى محكمة النقض ما يفيد تمسكها لدى محكمة الموضوع بعدم جواز إجراء المضاهاة على الورقتين الأوليتين المؤرختين أول يناير سنة 1942 و15 يناير سنة 1953 لعدم توافر شروط الرسمية فيهما بل الثابت من الصورة الرسمية للمذكرة المقدمة منها لمحكمة الاستئناف - وهذه الصورة مقدم من الطاعنة نفسها بملف الطعن أنها أقرت في الصحيفة الثالثة من هذه المذكرة المقدمة بعد تقديم تقرير الخبير - بتوافر شروط الرسمية في هاتين الورقتين إذ ورد في هذه المذكرة ما نصه "أن شروط الرسمية متوافرة في الورقتين الرسميتين المقدمتين وفقاً لقرار 18 ديسمبر سنة 1957 لأنهما حررتا بمحكمة طنطا وكفر الشيخ وبمعرفة موظف الشركات المختص وحصل التوقيع أمامه على ذات العقد وتعديله" ومن ثم يكون قول الطاعنة في سبب الطعن بعدم توافر الرسمية في هاتين الورقتين هو قول فضلاً عن أنه عار عن الدليل فإنه لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع وبالتالي لا تقبل إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ومن ثم يكون ما رتبته الطاعنة على هذا القول من مخالفة الحكم المطعون فيه للحكم القاضي بندب قسم أبحاث التزييف والتزوير ومخالفته للقانون لاعتماده نتيجة المضاهاة التي أجريت على الورقتين المذكورتين كل هذا يكون منهار الأساس - على أنه ما دامت الطاعنة قد اعترفت أمام محكمة الموضوع بصحة توقيع المورث على الورقتين المشار إليهما فإنهما تكونان صالحتين لإجراء المضاهاة عليهما ولو كانتا عرفيتين وذلك طبقاً للمادة 269 من قانون المرافعات. أما عن الورقة الثالثة التي تعيب الطاعنة على الحكم المطعون فيه اعتماده نتيجة المضاهاة التي جرت عليها فإن هذا الحكم قد ذكر في أسبابه أنه مع استبعاد هذه الورقة فإن رأيه في تقرير الخبير لا يتغير وذلك لما ظهر للمحكمة من وجود اختلاف ظاهر بين إمضاء المورث على عقد البيع المطعون فيه وإمضائه الموقع به على الورقتين الأخيرتين المعترف بهما من الطاعنة - وما دام الحكم قد استبعد تلك الورقة التي اعترضت عليها الطاعنة فليس لها أن تدعي بعد ذلك أنه عول عليها في قضائه.
وحيث إن الطاعنة تنعى في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه خطأه في تطبيق المادتين 243 و244 من قانون المرافعات وفي بيان ذلك تقول إن مفهوم المادة الأولى يدل على أن مناقشة الخبير واجبة كما أن تعيين خبير آخر أو ثلاثة خبراء واجب أيضاً طبقاً للمادة 244 كلما رأت المحكمة وجود نقص أو خطأ في تقرير الخبير الأول الذي سبق ندبه وقد امتنعت محكمة الاستئناف عن مناقشة الخبير الذي ندبته كما امتنعت عن تعيين خبير آخر لتدارك ما وقع فيه ذلك الخبير من نقص في عمله وبحثه ومن تضارب في النتائج التي وصل إليها في تقريره كما أن المحكمة استشهدت في حكمها بفقرات من تقرير الخبير مع أن هذه مسائل فنية لا يمكن للمحكمة الإلمام بها لعدم خبرتها بفن مضاهاة الخطوط كما أن المحكمة قد اعتمدت تقرير الخبير على الرغم مما شابه من عيوب ومما أبدته الطاعنة من مطاعن وملاحظات فنية تهدم هذا التقرير وبذلك جاء الحكم المطعون فيه فاقداً لمقومات الاطمئنان إليه ومشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود بأنه ليس في نص المادة 243 من قانون المرافعات ما يلزم المحكمة بمناقشة الخبير الذي عينته في الدعوى بل إن الأمر في إجراء هذه المناقشة جوازي لها متروك لمطلق تقديرها فإن رأت في تقرير الخبير ما يغني عن إجراء هذه المناقشة فهذا حقها الذي لا معقب عليه فيه - والأمر كذلك بالنسبة لما نصت عليه المادة 244 من قانون المرافعات من تعيين خبير آخر أو ثلاثة خبراء آخرين إذا تبين للمحكمة وجود خطأ أو نقص في عمل الخبير الأول أو في بحثه - فتلك رخصة أخرى منحها المشرع للمحكمة فلا يعاب عليها عدم استعمالها، وقد رد الحكم المطعون فيه على ما طلبته الطاعنة من تعيين خبير آخر لإجراء المضاهاة بقوله "إن الثابت من تقرير الخبير أن عملية المضاهاة تمت على هذه الأسس الفنية على وجه تطمئن معه المحكمة كل الاطمئنان إلى سلامة النتيجة التي انتهى إليها... والاختلاف على ما جاء بتقرير الخبير ظاهر بين الإمضاء المطعون عليها وبين الإمضاء على العقدين المقدمين والمعترف بهما من المستأنف عليها "الطاعنة" ولذلك كله كان طلب ندب خبير آخر من الجدول لإعادة إجراء المضاهاة على ما تقدمه المستأنف عليها من أوراق أخرى لا محل له" وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه يتضمن الرد الكافي على طلب الطاعنة تعيين خبير آخر وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الخبير الذي عينته في الدعوى ولم تر لزوماً لتعيين خبير آخر فهذا أيضاً حقها الذي لا رقيب عليها فيه. والنعي مردود في شقه الثاني بأن الحكم المطعون فيه قد رد على كل ما أبدته الطاعنة من اعتراضات وملاحظات على تقرير الخبير وكان رده على ذلك وافياً ولا قصور فيه وتقدير المحكمة لعمل الخبير هو مما يدخل في سلطتها الموضوعية وهي باعتبارها الخبير الأعلى لها أن تقدر رأي الخبير ولو كان في مسألة فنية دون حاجة للاستعانة في ذلك برأي خبير آخر ما دامت هي لم تر لزوماً لاتخاذ هذا الإجراء.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على قضاء الحكم المطعون فيه برد وبطلان العقد المؤرخ 28 أغسطس سنة 1954 على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن الطاعنة تنعى في السببين الأول والثاني على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إن هذا الحكم إذ انتهى إلى تزوير العقد المؤرخ 28 أغسطس سنة 1954 الذي قدمته لإثبات حصول التعاقد الذي طلبت الحكم بصحته ونفاذه لم يقتصر في قضائه على الحكم برد وبطلان الورقة وإنما قضى في نفس الوقت في موضوع الدعوى برفضها دون أن يتيح للطاعنة فرصة لاستكمال دفاعها في هذا الموضوع أو يرد على ما كانت قد قدمته من دفاع فيه وبذلك خالف حكم نص المادة 276 من قانون المرافعات التي تقضي بأن يكون الحكم برد وبطلان الورقة سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى. وإذ كان من حق الطاعنة بعد أن أخفقت في الدليل الكتابي الذي قضى برده وبطلانه أن تثبت حصول التعاقد الذي ادعته بأي دليل كتابي آخر أو بمبدأ ثبوت بالكتابة تكملة البينة والقرائن أو بتوجيه اليمين الحاسمة إلى الخصم فإن الحكم المطعون فيه إذ حرمها من حقها في هذا الإثبات بقضائه برد وبطلان الورقة المؤرخة 28 أغسطس سنة 1954 وفي الموضوع في وقت واحد فإنه يكون أيضاً قد أخل بحقها في الدفاع.
وحيث إن المادة 276 من قانون المرافعات تنص على أنه "إذا قضت المحكمة بصحة الورقة أو بردها أو قضت بسقوط الحق في إثبات صحتها أخذت في نظر موضوع الدعوى في الحال أو حددت لنظره أقرب جلسة" ومفاد ذلك أنه لا يجوز الحكم بتزوير الورقة وفي الموضوع معاً بل يجب أن يكون القضاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى وذلك حتى لا يحرم الخصم الذي تمسك بالورقة التي قضي بتزويرها من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من أدلة قانونية أخرى لإثبات ما أراد إثباته بتلك الورقة - لما كان ذلك، وكان قضاء الحكم المطعون فيه برد وبطلان العقد المؤرخ 28 أغسطس سنة 1954 لا يعني بطلان الاتفاق ذاته وإنما بطلان الورقة المثبتة له ومن ثم فإن هذا الحكم لا يحول دون إثبات حصول هذا الاتفاق بأي دليل آخر مقبول قانوناً - لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه في موضوع الدعوى يكون باطلاً بما يستوجب نقضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق