جلسة 21 ديسمبر سنة 1939
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.
-------------------
(18)
القضية رقم 46 سنة 9 القضائية
(أ) حجز ما للمدين لدى الغير.
التقرير بما في الذمة. امتناع المحجوز لديه عن ذلك. تقريره بأقل من المطلوب منه. امتناعه عن تقديم المستندات الدالة على صحة ما قرّره. غش وتدليس. الحكم عليه بدفع القدر المحجوز من أجله. جوازه ولو كان المطلوب منه أقل من ذلك.
(المادة 429 مرافعات)
(ب) استئناف. تضامن.
محجوز لديهم. تقريرهم بما في ذمتهم على خلاف الواقع غشاً وتدليساً. إلزامهم على وجه التضامن بدين الحاجز. تساويهم في المسئولية التقصيرية التي ترتب عليها الحكم عليهم بوجه التضامن. رفع استئناف من أحدهم. انتفاع الآخرين منه. لكل منهم أن يتقدّم بدفاعه في هذا الاستئناف.
(المادة 108 مدني)
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن أوراق الدعوى - في أن الست فريدة رشيد كانت قد استصدرت أحكاماً شرعية بمتجمد نفقتها ضدّ مطلقها محمد خليل برعي، ولما كان مدينها هذا مستحقاً في وقف الحاج خليل حمدان برعي فقد أوقعت بمقتضى هذه الأحكام في 8 من فبراير سنة 1936 تحت يد النظار على هذا الوقف، وهم الطاعن وعبد الفتاح رفعت بك والشيخ صابر حمدان برعي، حجزاً تنفيذياً على ما استحق وما يستحق لمطلقها في هذا الوقف وفاء لمبلغ 602 جنيه و600 مليم وكلفتهم بالتقرير بما في ذمتهم بقلم كتاب محكمة الخليفة. وفي 17 من فبراير سنة 1936 قرّر كل من الطاعن وعبد الفتاح رفعت بك بقلم كتاب تلك المحكمة بأنهما عينا حديثاً في النظر على هذا الوقف وأنهما أجرا أطيانه ابتداء من سنة 1936 ولم يحصلا شيئاً من الإيجار الجديد أو القديم، وأنهما ليسا مدينين لمحمد خليل برعي في شيء لا في الحال ولا في الاستقبال. فرفعت الست فريدة أمام محكمة مصر الابتدائية دعوى على نظار الوقف الثلاثة قالت في صحيفتها المعلنة لهم في 16 و17 من فبراير و26 من إبريل سنة 1937 بأنهم قرروا غشاً وتدليساً بأن ليس في ذمتهم شيء للمحجوز عليه محمد خليل برعي. وطلبت من أجل ذلك الحكم عليهم بأن يدفعوا لها من مالهم الخاص بوجه التضامن والتكافل مبلغ 710 جنيهات وفوائده القانونية من يوم إعلانهم بصحيفة الدعوى لغاية السداد مع المصاريف والأتعاب والنفاذ. وبعد أن نظرت المحكمة هذه الدعوى حكمت بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1937 حضورياً بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعية مبلغ 602 جنيه و600 مليم والفوائد باعتبار المائة خمسة سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية الواقعة في 16 من فبراير سنة 1937 لغاية السداد مع المصاريف المناسبة و300 قرش أتعاب محاماة بانية حكمها على "أن المدّعى عليهم بعد توقيع الحجز تحت أيديهم تصرفوا في إيراد الأطيان الموقوفة الذي حصل من تاريخ الحجز إلى وقت رفع الدعوى، وقرروا غشاً وتدليساً بأن ليس في ذمتهم شيء للمحجوز عليه فيكونون ملزمين شخصياً بدفع المبلغ الذي وقع الحجز عليه وهو 602 جنيه و600 مليم طبقاً للمادة 429 مرافعات مع التضامن لأن المدّعى عليهم تواطؤا على تضييع حق المدّعية".
استأنف عبد الفتاح رفعت بك هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وطلب بعريضته المعلنة في 5 و7 من فبراير سنة 1938 وللأسباب الواردة بها الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغائه بالنسبة له ورفض طلبات الست فريدة هانم قبله مع إلزامها هي وباقي المستأنف عليهم متضامنين بمصاريف وأتعاب المحاماة. وبجلسة 2 من إبريل سنة 1938 رفعت الست فريدة استئنافاً فرعياً ضدّ عبد الفتاح رفعت بك طلبت فيه تعديل الحكم المستأنف إلى 710 جنيهات.
ورفع كل من فؤاد برعي أفندي (الطاعن) والشيخ صابر برعي استئنافاً عن الحكم المذكور وطلبا للأسباب الواردة بصحيفة ذلك الاستئناف المعلنة في 11 و14 من يونيه سنة 1938 الحكم بقبول استئنافهما شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الست فريدة مع إلزامها بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
نظرت محكمة الاستئناف هذه الاستئنافات الثلاثة. وبجلسة 29 من أكتوبر سنة 1938 قرّرت ضم هذا الاستئناف الأخير إلى الاستئناف الأوّل. وقد دفعت الست فريدة بعدم قبول استئناف فؤاد أفندي والشيخ صابر برعي شكلاً لرفعه بعد الميعاد لأن أوّلهما أعلن بالحكم الابتدائي في 18 من ديسمبر سنة 1937 وأعلن ثانيهما في 28 منه واستئنافهما لم يرفع إلا في 14 من يونيه سنة 1938 أي بعد ستة شهور من تاريخ إعلانهما بالحكم الابتدائي. وقد ردّ كل من فؤاد أفندي والشيخ صابر على هذا الدفع بأنهما يستفيدان من الاستئناف المرفوع من عبد الفتاح رفعت بك لوجود حالة التضامن بينهم. ولما كان استئناف رفعت بك مقبولاً كان استئنافهما كذلك مقبولاً ولو رفع بعد الميعاد. وفي 20 من إبريل سنة 1939 حكمت محكمة الاستئناف حضورياً: (أوّلاً) بعدم قبول الاستئناف المرفوع من فؤاد برعي أفندي والشيخ صابر برعي لرفعه بعد الميعاد واعتبار الحكم الابتدائي نهائياً بالنسبة لهما مع إلزامهما بمصاريف استئنافهما ومبلغ 600 قرش أتعاباً للمحاماة للمستأنف عليها. (ثانياً) بقبول الاستئناف الأصلي المرفوع من عبد الفتاح رفعت بك شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دفع المستأنف عليها قبله مع إلزامها بالمصاريف عن الدرجتين بالنسبة له ومبلغ 500 قرش أتعاب محاماة عنهما. (ثالثاً) بقبول الاستئناف الفرعي المرفوع من الست فريدة رشيد شكلاً وفي موضوعه برفضه وإلزامها بمصاريفه.
لم يعلن هذا الحكم ولكن فؤاد عثمان برعي أفندي قرّر بالطعن فيه بطريق النقض بتقرير مؤرّخ في 13 من يونيه سنة 1939 أعلن للمطعون ضدّهما في 19 منه إلخ.
المحكمة
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من وجوه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون بتقريره عدم قبول استئناف الطاعن شكلاً بعلة رفعه بعد أكثر من ستين يوماً من تاريخ إعلان الحكم الابتدائي. ووجه الخطأ على ما يقول الطاعن أنه قد حكم عليه من محكمة أوّل درجة بإلزامه مع آخرين بوجه التضامن بدفع مبلغ للمطعون ضدّها فاستأنف أحد المحكوم عليهم وهو عبد الفتاح رفعت بك في الميعاد ثم رفع الطاعن استئنافه بعد الميعاد وطلب أن يقضي بقبوله شكلاً لأنه يستفيد من استئناف زميله المحكوم عليه معه بالتضامن - ذلك الاستئناف المرفوع في الميعاد، ولكن محكمة الاستئناف لم تقبل وجهة نظره متعللة بأن مصلحته تختلف عن مصلحة عبد الفتاح رفعت بك مع أن من آثار التضامن سواء أكان مصدره العقد أم كان مصدره القانون أن يعتبر المتضامنون بعضهم وكلاء عن بعضهم الآخر. هذا هو مبنى الطعن.
وحيث إنه تبين من مراجعة الحكم الابتدائي أنه أسس قضاءه بإلزام الطاعن ومن حكم عليهم معه بالتضامن على أنهم قرّروا بما في ذمتهم غشاً وتدليساً وعلى أنهم تواطؤا على تضييع حق المطعون ضدّها. واستند الحكم إلى المادة 429 من قانون المرافعات.
وحيث إنه من المقرّر قانوناً أنه إذا كلف الحاجز المحجوز لديه بأن يقرّر بما في ذمته فامتنع هذا عن التقرير أو قام به ولكنه انحرف عن الحق فجعل للدين مقداراً أقل من قيمة المطلوب منه أو امتنع عن تقديم المستندات الدالة على صحة أقواله، وكان موقف المحجوز لديه في ذلك مبنياً على الغش والتدليس، جاز الحكم عليه طبقاً للمادة 429 مرافعات بدفع القدر الذي وقع الحجز من أجله حتى ولو كان المطلوب أقل من ذلك.
وحيث إن الطاعن قد قرّر هو وعبد الفتاح رفعت بك بما في ذمتهما بمحضر واحد مؤرّخ في 17 من فبراير سنة 1936 بمحكمة الخليفة الجزئية، وقد اعتبرت المحكمة الابتدائية أن هذا التقرير حصل بطريق الغش والتدليس فألزمتهما مع الناظر الثالث بدين الحاجزة على وجه التضامن على أساس أن ما أتوه يكوّن شبه جنحة مدنية. ومن ذلك يتضح أن جميع المحكوم عليهم متساوون في المسئولية التقصيرية التي ترتب على استظهارها الحكم عليهم بوجه التضامن.
وحيث إن المسئولين بالتضامن يعتبرون طبقاً لأحكام المادة 108 من القانون المدني كفلاء بعضهم لبعض ووكلاء بعضهم عن بعض في وفاء المتعهد به، ومن شأن هذه الوكالة المتبادلة أن ينتفع المتضامنون من عمل أحدهم الذي يباشره في حدود هذه الوكالة. ولا شك أن استئناف أحد المتضامنين المرفوع في الميعاد القانوني يستفيد منه كل متضامن معه وكان من حقه أن يمثل في هذا الاستئناف ويتقدّم بدفاعه فيه. ومن ثم فلا أهمية لميعاد الاستئناف بالنسبة له.
وحيث إنه لذلك يكون قضاء محكمة الاستئناف بعدم قبول استئناف الطاعن لرفعه بعد الميعاد غير صحيح قانوناً، ومن ثم يتعين نقض الحكم فيما قضى به من عدم قبول استئناف الطاعن والحكم بقبوله شكلاً. ولا محل لنظر باقي الأوجه فإنها منصبة على الحكم الابتدائي الذي لم يفصل فيه استئنافياً بالنسبة للطاعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق