الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 أبريل 2023

الطعن 45 لسنة 10 ق جلسة 5 / 12 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 79 ص 280

جلسة 5 ديسمبر سنة 1940

برياسة حضرة محمد فهمي حسين بك وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

----------------

(79)
القضية رقم 45 سنة 10 القضائية

بيع. 

حق الضمان. متى يتولد هذا الحق؟ من وقت منازعة الغير للمشتري في المبيع. عدم حصول تعرّض فعلي للمشتري. مجرّد خشيته تعرّض الغير أو علمه بوجود حق للغير على المبيع. لا يخوّله حق الرجوع على البائع بالضمان. دعوى الضمان. مدّة التقادم المسقط لها. لا تبدأ إلا من وقت التعرض.
(المواد 266 و300 و304 مدني)

-----------------
لا يوجد فيما ورد بالقانون من نصوص في صدد حق الضمان المقرّر للمشتري على البائع ما يحدّد وقت نشوء هذا الحق أهو وقت عقد البيع أم وقت التعرّض الفعلي. فإن المادتين 266 و300 من القانون المدني قد نصتا فقط على إلزام البائع بأن يمكن المشتري من الانتفاع بالمبيع وحيازته حيازة هادئة، والمادة 304 توجب على البائع إذا حصل تعرّض للمشتري أن يردّ إليه الثمن مع التضمينات. أما النصوص الأخرى فلا تتضمن سوى الأحكام التي تراعى في تعيين الثمن وتقدير التضمينات. وإذن ففقه القانون هو الذي يرجع إليه في تحديد هذا الوقت. وإذ كانت الحقوق لا تكون موجودة إلا من الوقت الذي فيه يمكن قانوناً المطالبة بها فإن حق الضمان لا ينشأ إلا من وقت منازعة الغير للمشتري في المبيع. ولهذا تواضع الفقه على أن مجرّد خشية المشتري تعرّض الغير أو علمه بوجود حق للغير على المبيع لا يخوّله حق الرجوع على البائع بالضمان ما دام لم يحصل له تعرّض فعلي، وبالتالي لا تبدأ مدّة التقادم في دعوى الضمان إلا من وقت هذا التعرّض.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة والتي كانت من قبل تحت نظر محكمة الموضوع - فيما يأتي:
اشترى مورّث الطاعنين (الشيخ عبد العزيز خليل البيه) من مورّثة المطعون ضدّهم (الست هتم علي بحيري) فداناً و8 قراريط بعقد عرفي تاريخه 20 ديسمبر سنة 1911 ومسجل في 28 من ذلك الشهر. وفي سنة 1918 نزع البنك الزراعي المصري ملكية العين المشتراة، فرفع مورّث الطاعنين الدعوى رقم 3972 سنة 43 قضائية أمام محكمة مصر الابتدائية المختلطة طالباً إلغاء إجراءات نزع الملكية التي قام بها البنك، أو الحكم له بمبلغ 200 جنيه قيمة الثمن الذي دفعه و50 جنيهاً بصفة تعويض. وفي 13 من نوفمبر سنة 1918 قضت المحكمة المذكورة برفض دعوى إلغاء إجراءات نزع الملكية الموجهة إلى البنك، وبقبول دعوى الضمان وإلزام مورّثة المطعون ضدّهم ومحمد سليمان الجزلة بأن يدفعا للمدعي متضامنين مبلغ 200 جنيه مع الفوائد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. فرفع الطاعنون بعد ذلك الدعوى رقم 316 سنة 1936 أمام محكمة شبين الكوم الابتدائية على المطعون ضدّهم وطلبوا في صحيفتها المعلنة بتاريخ 6 و8 من سبتمبر سنة 1936 نزع ملكية المطعون ضدّهم من فدان و7 قراريط وسهم والمنزل الموضحة حدودها بتلك الصحيفة وفاء لمبلغ 208 جنيهات المحكوم به من المحكمة المختلطة. وفي أثناء نظر هذه الدعوى دفع محامي المطعون ضدّه الأوّل بعدم جواز نزع الملكية لأن مورّثته كانت من صغار الزرّاع، فقضت المحكمة بتاريخ 24 من فبراير سنة 1938 بقبول هذا الدفع وعدم جواز نزع الملكية. وبتاريخ 11 من أغسطس سنة 1938 استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالبين بصحيفة استئنافهم المقيدة برقم 733 سنة 55 قضائية إلغاءه ورفض الدفع الفرعي المقدّم من المعارض ضدّه الأوّل والحكم بنزع الملكية. وبتاريخ 20 من يونيه سنة 1939 قضت محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضدّهم بجميع الطرق بما فيها البينة أن مورّثتهم كانت تشتغل بالزراعة وأجازت للطاعنين النفي بالطرق ذاتها. ثم قضت بتاريخ 6 مارس سنة 1940 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنفين بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة عن الاستئناف للمستأنف عليه الأوّل (المطعون ضدّه الأوّل).
أعلن هذا الحكم للطاعنين بتاريخ 30 من مايو سنة 1940 فطعن فيه وكيلهم بطريق النقض في 29 من يونيه سنة 1940 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم في 7 و11 من يوليه سنة 1940... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم أنه خالف القانون في تعيينه وقت نشوء الدين الذي على ضوئه تم الفصل في الدفع المقدّم من المطعون ضدّه الأوّل إذ قال إنه في تاريخ نزع الملكية في سنة 1918، مع أنه كان ينبغي أن يكون في التاريخ الذي حصل فيه التعاقد بين مورّث الطاعنين ومورّثة المطعون ضدّهم أي وقت عقد البيع في سنة 1911، إذ في هذا الوقت كان مورّث الطاعنين يتعامل على أساس أن البائعة له تملك أكثر من خمسة أفدنة. وإزاء نزع ملكية الأطيان من تحت يده يكون له حق الرجوع بالثمن المدفوع منه والذي نشأ عن عقد البيع بما أن هذا العقد هو أساس الصلة بينهما ومنه يبتدئ حق مورّثهم. وما جاء في الحكم المطعون فيه من أن الحق في رفع دعوى الضمان لا يبتدئ إلا من تاريخ التعرّض الفعلي لا يغير وضع المسألة. لأن الحق في الدعوى غير الحق الذي نشأت عنه. وعقد البيع هو الذي تولدت عنه الالتزامات التبادلية التي منها التزام المشتري بدفع الثمن في مقابل التزام البائع بنقل الملكية غير مشوبة بما يؤثر فيها. فإذا ظهر أن البائع لم يوف بالتزامه وحصل التعرّض كان ملزماً برد الثمن. ومنشأ هذا الالتزام هو عقد البيع نفسه، لا التعرّض الذي كان سببه فعلاً سابقاً على تاريخ البيع. يؤيد ذلك: (1) ما جاء في المادة 266 من القانون المدني من أنه يترتب على البيع الصحيح "أنه يلزم البائع بتسليم المبيع للمشتري وبضمانة عدم منازعته فيه، فعلى مقتضى هذا النص يكون منشأ الضمان وقت البيع لا وقت التعرّض. (2) ما جاء في المادة 300 من أن "من باع شيئاً يكون ضامناً للمشتري الانتفاع به بدون معارضة من شخص آخر له حق عيني على المبيع وقت البيع". ومفاد ذلك أن حق الضمان إنما يرجع إلى وقت البيع وإن كان لا تجوز الدعوى به إلا عند التعرّض الفعلي. (3) ما جاء في المادة 306 من تخويل المشتري الرجوع على البائع بالثمن المدفوع منه بتمامه ولو نقصت قيمة المبيع. وهذا يدل على أن الحكم في دعوى الضمان أساسه الحق الذي ينشأ من الإخلال بعقد البيع مما يستوجب الرجوع إلى تاريخ هذا العقد.
ومن حيث إن ما يثيره الطاعنون يرجع إلى ما جاء في الحكم في الفقرات الآتية: "وحيث إنه عن المسألة الأولى فإن المستأنفين (الطاعنين) يذهبون إلى أن تاريخ نشوء الدين هو سنة 1911 وهو التاريخ الذي اشترى فيه مورّثهم الفدان و18 قيراطاً من مورّثة المستأنف ضدّهم (المطعون ضدّهم) وهو القدر الذي نزع ملكيته بعد ذلك البنك الزراعي، وترتب على نزع الملكية الحكم من المحاكم المختلطة بالتعويضات. وحجتهم في ذلك أن البائع يكون ضامناً للمشتري الانتفاع بالشيء المبيع بدون معارضة من شخص آخر له حق عيني على المبيع. ويقولون بأنه إذا ثبت أن تاريخ نشوء الدين هو سنة 1911 يكون الدين قبل صدور القانون رقم 4 سنة 1913 المعدّل بالقانون رقم 10 سنة 1916 الخاص بعدم جواز توقيع الحجز على الأملاك الزراعية الصغيرة".
"وحيث إنه من المقرّر فقهاً وقضاء أن حق المشتري في رفع دعوى الضمان على البائع لا ينشأ إلا من اليوم الذي يحرم فيه فعلاً من العقار المبيع لأي سبب سابق على البيع لم يكن له يد فيه".
"وحيث إن الثابت الذي لا نزاع فيه أن نزع الملكية كان في سنة 1918 فيكون حق المشتري وهو مورث المستأنفين (الطاعنين) قد نشأ من هذا التاريخ لا قبله".
هذا ما جاء في الحكم وكان مثاراً للطعن.
ومن حيث إنه لا يوجد فيما أورده القانون من نصوص في صدد حق الضمان المقرّر للمشتري على البائع ما يفيد أن هذا الحق ينشأ من وقت عقد البيع أو من وقت التعرّض الفعلي. فإن المادتين 266 و300 من القانون المدني إنما نصتا فقط على إلزام البائع بأن يمكن المشتري من الانتفاع بالمبيع وحيازته حيازة هادئة. فإذا لم يقم بهذا الالتزام وحصل التعرّض للمشتري وجب عليه وفقاً للمادة 304 رد الثمن مع التضمينات. أما المواد التي تلي هذه المادة فلا تتضمن سوى الأحكام التي تراعى في تعيين الثمن وتقدير التضمينات. والواقع أن هذه النصوص لم تتعرّض لتعيين الوقت الذي يتولد فيه حق الضمان. كما لم يتعرّض لذلك أي نص آخر من نصوص القانون فيجب الرجوع - كما قالت هذه المحكمة من قبل - إلى فقه القانون الذي بمقتضاه يعتبر الحق موجوداً من الوقت الذي يمكن قانوناً المطالبة به. وينبنى على ذلك أن حق الضمان لا ينشأ إلا من وقت منازعة الغير للمشتري في المبيع. ومما يؤيد هذا النظر ما هو مقرّر من أن مجرّد خشية المشتري تعرّض الغير أو علمه بوجود حق للغير على المبيع لا يخوّله حق الرجوع على البائع بالضمان ما دام لم يحصل له تعرّض فعلي، ومن أن دعوى الضمان لا تبدأ مدّة التقادم المسقط لها إلا من وقت هذا التعرّض. وما ذلك إلا لأن التعرّض هو منشأ الحق في الضمان، وأن البائع قبل حصول أي تعرّض ليس عليه من التزام سوى تمكين المشتري من الحيازة الهادئة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر أن حق الطاعنين لم ينشأ إلا من وقت نزع الملكية قد أصاب خلافاً لما يزعمونه. ولذلك يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق