جلسة 16 من مارس سنة 1978
برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة عز الدين الحسيني وعضوية السادة المستشارين: الدكتور مصطفى كيره، وعثمان الزيني، وسعد العيسوي، والدكتور سعيد عبد الماجد.
----------------
(152)
الطعن رقم 351 لسنة 44 القضائية
(1) إعلان "بطلان الإعلان". بطلان. استئناف. إثبات.
حضور الخصم الذي يسقط الحق في التمسك ببطلان الصحيفة لعيب في الإعلان هو الذي يتم بناء على إعلان الورقة ذاتها. مجرد الحضور في الزمان والمكان المعينين في الورقة قرينة على أن الحضور تم بناء على الورقة. والتمسك ببطلانها إثبات العكس.
(2) تقادم "تقادم مسقط" انقطاع التقادم.
للمحكمة من تلقاء نفسها أن تقرر بانقطاع التقادم إذا طالعتها أوراق الدعوى بقيام سببه.
(3) هبة "التزام" "الشرط الفاسخ" عقد.
تعليق الهبة على شرط فاسخ. تحقق الشرط. أثره. جواز استرداد الواهب ما وهبه. لا يجوز للموهوب له التمسك بقيام مانع من الرجوع في الهبة. علة ذلك.
(4) دعوى. عقد "فسخ العقد" تقادم.
حق الواهب في استرداد المال الموهوب في حالة تحقق الشرط الفاسخ الذي علق عليه الالتزام. أساسه دعوى الفسخ. عدم خضوعها للتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 187 مدني.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي وتلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن وزير المالية والاقتصاد (المطعون عليه) أقام الدعوى رقم 7569 سنة 1971 مدني كلي جنوب القاهرة ضد الطاعن بصفته المصفى لجمعية الاقتصاد والتعاون لموظفي هيئة البريد وطلب فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 58691 جنيهاً و233 مليماً، وقال بياناً لها أن الوزارة كانت تمنح تلك الجمعية إعانة سنوية تعادل 2% من مجموع مرتبات الموظفين بمصلحة البريد الخارجين على الهيئة والمؤقتين في مقابل أن تصرف الجمعية مكافآتهم عند ترك الخدمة أو الوفاة، ولما صدر القانون رقم 545 لسنة 1953 ونص فيه على التزام الوزارة بصرف المكافآت المستحقة للعاملين البائعين لها توقفت عن دفع تلك الهبة وطالبت الطاعن برد ذلك المبلغ والذي ظهر في ميزانية الجمعية عن السنة المالية المنتهية في 31/ 12/ 1959 أنه لم يصرف لهؤلاء الموظفين، وإذ امتنع السداد فقد أقام الدعوى بطلباته. وبتاريخ 27/ 4/ 1952 حكمت محكمة أول درجة بانقضاء التزام الطاعن بالتقادم الطويل استأنف المطعون عليه بالاستئناف رقم 3735 سنة 89 ق القاهرة. وفي 14/ 6/ 1973 حكمت محكمة الاستئناف برفض الدفع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن ثم عادت في 31/ 3/ 1974 وحكمت بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه المبلغ المطلوب. طعن الطاعن في هذين الحكمين بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
حيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 12/ 6/ 1973 الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه دفع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن لعدم إعلانه بصحيفته إعلاناً صحيحاً خلال ثلاثة أشهر من تقديمها إلى قلم الكتاب، وأن إعلانها باطل لأن الورقة سلمت في مسكنه مع أنه يجب تسليمها في مقر الجمعية التي يمثلها، وأن حضوره بالجلسة المحددة لنظر الاستئناف لا يزيل هذا البطلان لأنه لم يكن بناء على الإعلان ولكنه علم مصادفة بقيام الاستئناف وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض هذا الدفع استناداً إلى القول بأن مجرد حضور الطاعن بالجلسة يزيل البطلان ولم يورد الدليل على أن ذلك الإعلان الباطن كان مصدر علم الطاعن بالجلسة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه طبقاً لنص المادة 114 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يزول البطلان في ورقة التكليف بالحضور الناشئ عن عيب في إعلانها بحضور المعلن إليه بالجلسة المحددة في هذا الإعلان. ولئن كان حضور الخصم الذي يسقط الحق في التمسك بالبطلان هو الذي يتم بناء على إعلان الورقة ذاتها، إلا أن مجرد الحضور في الزمان والمكان المبينة في الورقة يقيم قرينة قضائية على أن الحضور تم بناء على الورقة، ومن ثم يقع على التمسك ببطلانها عبء إثبات العكس. ولما كان الطاعن - المستأنف عليه - قد حضر بالجلسة الأولى التي تحددت لنظر الاستئناف في الإعلان الذي وجه إليه في مسكنه في خلال الموعد القانوني، ولم يقدم لمحكمة الاستئناف أي دليل على أن حضوره بتلك الجلسة لم يكن بناء على هذا الإعلان أو يطلب منها تحقيق ذلك، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون أو القصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت في الأوراق والقصور في التسبيب ذلك أن الحكم المطعون فيه رفض الدفع بسقوط الدين محل النزاع بالتقادم الطويل تأسيساً على أن مدة التقادم قد انقطعت بالطلب الذي حرره رئيس الجمعية بتاريخ 25/ 4/ 1956، في حين أن المطعون عليه لم يتمسك بهذا الخطاب أو يستند إليه في دفاعه، كما أنه صادر من رئيس الجمعية الذي لا يملك الإقرار بالدين طبقاً لنظامها الأساسي، فضلاً عن أنه لا يتضمن إقراراً صحيحاً أو ضمنياً بالدين وأن تضمن مفاوضه في إنهاء النزاع، ومن ثم لا يقطع التقادم حسب التيارات الواردة به والتي لم تشر إليها محكمة الاستئناف في حكمها.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المطعون عليه وقد تمسك أمام محكمة الموضوع بانقطاع التقادم وقدم لها مستنداته التي اعتمد عليها في دفاعه ومن بينها الخطاب المؤرخ 25/ 4/ 1956 فلا محل للنعي على قضائها بأنها استندت إلى هذا الخطاب باعتباره قاطع للتقادم وحسبها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تدفع أمامها بالتقادم حتى يتعين عليها أن تثبت شرائطه القانونية ومنها المدة بما يعترضها من انقطاع، إذ أن حصول الانقطاع يحول دون اكتمال مدة التقادم مما يقتضي التثبت من عدم قيام أحد أسباب الانقطاع، ومن ثم فالمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تقرر بانقطاع التقادم إذا طالعتها أوراق الدعوى بقيام سببه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بانقطاع التقادم على أن رئيس الجمعية الطاعنة قد أثر صراحة المديونية في الخطاب المؤرخ 25/ 4/ 1956، وكان الإقرار بالدين أو الحق قبل اكتمال مدة التقادم لا يتضمن تصرفاً في الحق ذاته ولكنه يتضمن نزولاً عن مدة التقادم التي انقضت فيكفي أن تتوافر في المقر أهلية الإدارة، وكان لا يعيب الحكم أنه لم يذكر عبارات الخطاب الذي اعتمد عليه ما دام هذا المستند مقدماً للمحكمة وترافع بشأنه الخصوم، مما يكفي معه مجرد الإشارة إليه، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس، لما كان ذلك وكان الطاعن لم يقدم صورة رسمية من الخطاب المؤرخ 25/ 4/ 1956 للتدليل على ما تمسك به من أن عباراته لا يتضمن الإقرار بالدين، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة الثابت بالأوراق يكون مجرد من الدليل.
وحيث إن حاصل السببين الرابع والخامس الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على ما تمسك به من أن صدور القانون رقم 545 لسنة 1953 لا يمكن اعتباره عذراً للرجوع في الهبة لأنه وإن كانت المبالغ التي وهبتها الدولة إلى الجمعية التي يمثلها الطاعن مخصصة لصرف المكافآت المستحقة لبعض العاملين بمصلحة البريد وهم المستخدمين الخارجين على الهيئة والمؤقتين إلا أنه من حق هؤلاء كما جاء بكتاب وزارة المالية المؤرخ 31/ 1/ 1954 الجمع بين المكافآت المستحقة لهم قبل الدولة وتلك التي تصرفها لهم الجمعية من أموالها الخاصة، هذا إلى خطأ الحكم إذ قضى بالرجوع في الهبة في حين أن الجمعية تلقتها بعوض هو قيامها بسداد المكافآت المستحقة لبعض الموظفين ومن ثم لا يجوز الرجوع فيها وفقاً لنص المادة 503 فقرة (ز) من القانون المدني.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على قوله" ولما كان قانون نظام الجمعية قد نص في الفقرة رابعاً من البند الرابع من الباب الثاني على أنه موارد الجمعية (المبلغ المخصص من الحكومة للجمعية من أول يناير سنة 1904 بواقع 2% من مجموع ماهيات المستخدمين الخارجين عن هيئة البريد والذي يصرف لهم دون سواهم وعن المدة السابقة حتى سبتمبر سنة 1953 طالما أن هذا الباب مرصد بإيرادات الجمعية) ومؤدى ذلك أن المبلغ الذي كان يدفع من الحكومة لم يكن إعانة منها للجمعية لتحقق أغراضها بل كان هذا المبلغ مخصصاً لفئة معينة من موظفي هيئة البريد الأمر الذي يجعل من حق الحكومة استرداد المبالغ التي لم يتم صرفها بعد لهؤلاء الموظفين، ويؤكد هذا النظر البند 24 من الباب الرابع من نظام الجمعية الذي نص على أن للأعضاء الخارجين عن هيئة العمال الحق في الاستيلاء على نصيبهم في الإعانة التي تمنحها الحكومة للجمعية من سنة 1904 وعن المدة السابقة حتى سبتمبر سنة 1953 وذلك علاوة على مكافآت الجمعية المنصوص عنها في البندين 18، 19 من نظام الجمعية، فالجمعية بحكم قانونها تقر بأن المبالغ التي تؤديها الدولة إليها ليست إعانة بالمعنى المطلق بحيث يكون لها التصرف فيها في أي غرض من أغراض الجمعية وإنما هي هبة مشروطة ومخصصة لغرض معين وأشخاص محددين من أعضاء الجمعية هم أولئك المشار إليهم في قانونها... ولما كان للواهب العدول عن الهبة متى تخلف الشرط الذي صدرت به فلا جدل في أن المبالغ التي دخلت ذمة الجمعية المستأنف عليها ولم تكن قد استحقت لهم حتى صدور القانون رقم 545 لسنة 1953 قد تخلف شرط التبرع به إذ التزمت الدولة بأن تؤدي إليهم مباشرة حقوقهم كاملة، كما أن الجمعية بحكم قانونها لا يجوز لها أن تتصرف فيها بغير هذا الغرض المحدود هو ما يجعل المطالبة هنا على أساس القانون "ولما كان الالتزام في عقد الهبة - شأنه شأن سائر العقود - قد يكون معلقاً على شروط فاسخ فإنه إذا تحقق الشرط ترتب على ذلك زوال الالتزام وجاز للواهب أن يسترد ما وهبه. ولا يشترط في هذه الحالة أن يستند الواهب إلى عذر مقبول وإنما يكفي تحقق الشرط، كما لا يجوز للموهوب له أن يتمسك بقيام مانع من الرجوع في الهبة، لأن العقد شريعة المتعاقدين ويجب عليهما تنفيذ ما اشتمل عليه، ويقوم مقام القانون في تنظيم العلاقة بينهما، بل هو يفسخ القانون في دائرة النظام العام والآداب، ولما كانت محكمة الموضوع بما لها من سلطة تفسير العقود قد استظهرت للأسباب السائغة السابق بيانها أن الدولة وهبت جمعية الاقتصاد لموظفي البريد التي يمثلها الطاعن المبلغ موضوع النزاع هبة معلقة على شرط فاسخ هو عدم استحقاق مستخدمي المصلحة الخارجين على الهيئة والمؤقتين لمكافآت من قبل الدولة، وأن هذا الشرط قد تحقق بصدور القانون رقم 545 لسنة 1953 الذي حمل الدولة بالمكافآت المستحقة لهم ورتب الحكم على ذلك قضاءه برد المبلغ الموهوب، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أو شابه قصور في التسبيب.
وحيث إن حاصل السبب الثالث الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن الدعوى في حقيقتها دعوى رد ما دفع بغير وجه وتمسك على هذا الأساس بسقوط الحق في إقامتها بمضي أكثر من ثلاث سنوات على تاريخ علم المطعون عليه بحقه في الاسترداد، ورفض الحكم المطعون في هذا الدفاع بمقولة أن دعوى الرجوع في الهبة واسترداد المبالغ الموهوبة ليست من الدعاوى التي نص القانون على أجل قصير لتقادمها، في حين أن المادة 181 من القانون المدني الذي بينت الحالات التي يصح فيها استرداد غير المستحق ولم تذكر دعاوى معينة وإنما أجازت الاسترداد متى كان للوفاء وقد تم تنفيذاً لأي التزام زال سببه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه وإن كان حق الواهب في استرداد المال الموهوب في حالة تحقق الشرط الفاسخ للهبة يقوم على أساس استرداد ما دفع بغير وجه حق، وقد أكدت المادة 182 من القانون المدني هذا المعنى بنصها على أنه يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام زال سببه بعد أن تحقق، إلا أنه لما كان الثابت أن المطعون عليه رفع دعواه بطلب رد المبلغ الموهوب، وكان الطاعن قد نازعه في ذلك، وكان رد المبلغ لا يقضي به في هذه الحالة إلا كأثر من الآثار المترتبة على انفساخ العقد طبقاً للمادة 160 من القانون المدني التي تقضي بأنه إذا فسخ العقد أعيد للمتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، وكانت دعوى الفسخ لا تخضع للتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 187 من القانون المدني ولا تتقادم إلا بمضي خمس عشرة سنة، فإنه طالما يكون له أن يطالب بالآثار المترتبة عليها ومنها رد المال الموهوب، إذ لا يكون هذا المال مستحق الأداء ممكناً المطالبة به إلا بعد تقرير الفسخ. إذ كان ذلك فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق