جلسة 18 فبراير سنة 1943
برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك وأحمد نشأت بك المستشارين.
------------------
(24)
القضية رقم 34 سنة 12 القضائية
دفاع.
دعوى ريع. رفضها استناداً إلى توافر حسن النية لدى واضع اليد. استئناف المدعي هذا الحكم. إلغاء الحكم المستأنف لانتفاء حسن النية. انتقال المحكمة الاستئنافية إلى الكلام في الريع دون مناقشة الخصوم فيه. تقديره على أساس الثمن. إخلال بحق الدفاع. يجب أن يتاح للخصوم فرصة الكلام في الريع.
الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهما الأولين بصفتهما دعوى أمام محكمة طنطا الابتدائية قيدت بجدولها برقم 290 سنة 1936 طلب فيها: (أولاً) الحكم عليهما بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 322 مليماً و1484 جنيهاً، من ذلك مبلغ 322 مليماً و1196 جنيهاً ريع 6 ف و5 ط و10.5 س التي آلت إليه بطريق الميراث عن مورثه يوسف واصف وذلك عن المدة من أول ديسمبر سنة 1918 إلى آخر سنة 1934 الزراعية ومبلغ 288 جنيهاً إيجار حصته في المنزل المتروك عن المورث عن المدة من يناير سنة 1919 إلى سنة 1935 وفوائده القانونية من تاريخ استحقاق ريع كل سنة إلى يوم الوفاء مع ما يستحق من ريع المنزل بواقع جنيهين شهرياً ابتداءً من يناير سنة 1936 وفوائده القانونية من يوم الاستحقاق إلى الوفاء. (ثانياً) إلغاء كتاب الوقف الصادر من زوجة مورثه السيدة حنينة جرجس سعد والمحرر بمحكمة شبراخيت الشرعية في 7 من أغسطس سنة 1928 ومحو تسجيله واعتبار الأطيان الواردة به بعد استبعاد نصيبه ونصيب أخيه باسيلي قزمان تركة عن المورثة (حنينة جرجس سعد).
وفي 20 من ديسمبر سنة 1936 أدخل الطاعن المطعون ضده الثالث لسماعه الحكم مع باقي المطعون ضدهم بأن يدفع من تركة المورثة المبالغ سالفة الذكر.
وأقام المطعون ضده الأخير (باسيلي قزمان) دعوى أمام محكمة طنطا الابتدائية ضد الطاعن والمطعون ضدهما الأول والثاني بصفتهما قيدت برقم 137 سنة 1937 طلب بعريضتها (أولاً) الحكم بإلزامهم بأن يدفعوا له متضامنين مبلغ 322 مليماً و1628 جنيهاً وفوائده القانونية من تاريخ استحقاق ريع كل سنة إلى يوم الوفاء وما يستجد من ريع الأطيان والمنزل باعتبار نصيبه فيه جنيهين شهرياً (ثانياً) إبطال كتاب الوقف سالف الذكر ومحو تسجيله واعتبار الأطيان الواردة به بعد استبعاد نصيبه ونصيب أخيه واصف قزمان تركة عن المرحومة حنينة جرجس سعد. وبعد أن ضمت محكمة طنطا الدعويين إحداهما للأخرى وسمعت دفاع الطرفين فيهما قضت في 19 من يناير سنة 1938 برفض دعوى المدعيين واصف وباسيلي قزمان بشطريها مع إلزام كل منهما بمصاريف دعواه وإلزامهما بمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة لناظري الوقف.
استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بالاستئناف رقم 842 سنة 55 قضائية طالباً الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم على المطعون ضدهم بأن يدفعوا له من تركة حنينة جرجس سعد مبلغ 1196 جنيهاً قيمة الريع حتى نهاية سنة 1934 مع باقي الطلبات. وفي 17 من يناير سنة 1940 قضت تلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلب ريع الأطيان من التركة وبإلزام تركة المرحومة حنينة جرجس سعد في شخص باسيلي قزمان بهذا الريع وقدره خمسمائة جنيه مع الفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية الواقعة في 20 من ديسمبر سنة 1936 حتى الوفاء وبتأييد الحكم فيما قضى به من رفض باقي الطلبات وألزمت باسيلي قزمان من تركة مورثته بالمصاريف المناسبة وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة للطاعن عن الاستئناف وألزمت الطاعن بباقي المصاريف وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة للمطعون ضدهما الأول والثاني عن الاستئناف.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 26 من مايو سنة 1942 فقرر وكيله الطعن فيه بطريق النقض بتقرير مؤرخ في 31 من الشهر ذاته أعلنه للمطعون ضدهم.
المحكمة
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم أن محكمة الاستئناف قضت في الريع دون أن تهيئ له فرصة الكلام فيه وتقديم ما لديه من المستندات المؤيدة لدعواه فجاءت الأسباب التي بنت عليها حكمها في هذا الصدد غير راجعة إلى عناصر الدعوى، وكان السبب في ذلك أن انصرفت جهود المحكمة إلى مناقشة أساس الدعوى وهل كانت حنينة جرجس سعد سيئة النية أم حسنتها في وضع يدها على نصيب الطاعن، ولهذا أرجأ تقديم مستنداته الدالة على الريع إلى ما بعد القضاء في هذه المسألة التي كانت محور الجدل.
ومن حيث إنه يؤخذ من الحكمين الابتدائي والاستئنافي أن الطاعن بعد أن قضى له نهائياً في الأطيان المخلفة عن عمه وبطلان العقد الصادر من هذا الأخير إلى زوجته حنينة جرجس سعد رفع دعوى للمطالبة بريع نصيبه في الميراث فقضى ابتدائياً برفضها استناداً إلى توافر حسن النية لدى حنينة، فرفع استئنافاً عن الحكم فقضى فيه بإلغاء الحكم المستأنف. وقد نفت المحكمة في حكمها حسن النية ثم انتقلت إلى الكلام في الريع دون مناقشة الخصوم فيه وقامت بتقديره تقديراً لم تحصله من عناصر الدعوى بل على أساس الثمن.
ومن حيث إنه واضح مما تقدم أن محكمة الاستئناف قد فصلت في الريع دون أن تمكن الخصوم من المرافعة فيه حتى تستبين مقداره من عناصر الدعوى ذاتها. وإذا كانت المحكمة الابتدائية لم تكن بحاجة إلى التصدي لمقدار الريع بعد أن استبانت حسن نية حنينة جرجس سعد في وضع يدها على ما خلف المورث فقد كان من واجب محكمة الاستئناف حين خالفت المحكمة الابتدائية في وجهة نظرها أن لا تفصل في الدعوى إلا بعد أن تكون قد هيأت للخصوم فرصة الكلام في الريع ذاته وهو موضوع الدعوى، أما وهي لم تفعل ففي هذا إخلال بحقوق الدفاع يعيب الحكم ويوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
(1) كان مبنى الطعن - كما هو ظاهر من الحكم - "أن محكمة الاستئناف قضت في الريع دون أن تهيئ للطاعن (وهو المدعي) فرصة الكلام فيه وتقديم ما لديه من المستندات المؤيدة لدعواه إلخ إلخ".
ويبدو عجيباً اعتذار المدعي عن عدم إبداء أقواله في تقدير الريع وتقديم مستنداته عليه بأن المحكمة "انصرفت جهودها إلى مناقشة أساس الدعوى (وهو سوء نية المدعى عليه)... وأنه لذلك أرجأ تقديم مستنداته الدالة على الريع إلى ما بعد القضاء في هذه المسألة (مسألة سوء النية) التي كانت محور الجدل". كأنه كان على المحكمة أن تجزئ موضوع الخصومة وتفصل في أجزائها واحداً تلو الآخر وفقاً لمشيئة المدعي!! وغير ظاهر من الوقائع أن المحكمة قد أمرت بقصر المرافعة على توافر سوء النية لدى المدعى عليه وأنها أرجأت البحث في تقدير الريع إلى حين الفصل في هذه المسألة. لهذا لا نستطيع أن نفهم كيف كان على المحكمة أن تهيئ للمدعي فرصة جديدة للكلام في الريع ذاته - كما يقول الحكم - ، وكيف يكون في قضائها بالريع مقدراً على أساس الثمن، دون غيره من العناصر التي لم يطرحها أحد عليها، إخلال بحقوق الدفاع.
ولا يخفى الفرق بين الدفوع الموضوعية، مثل الدفع بحسن نية واضع اليد، وبين الدفوع الشكلية (أوجه الدفع الابتدائية) التي يجب على المحكمة أن تفصل فيها قبل التعرض للموضوع أو أن تأمر صراحة بضمها إلى الموضوع والمرافعة فيها معه. لأن المرافعة في الدفع الموضوعي هي مرافعة في صميم الموضوع، فتجزئة الدعوى لا تكون إلا إذا أمرت المحكمة صراحة بالتجزئة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق