الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 أبريل 2023

الطعن 24 لسنة 10 ق جلسة 17 / 10 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 70 ص 253

جلسة 17 أكتوبر سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

---------------

(70)
القضية رقم 24 سنة 10 القضائية

وصية بمال. 

إجازتها مع اشتراط عدم تسليم سند الوصية إلى الموصي له إلا برضاء الورثة الذين أجازوها. هذا الشرط مبطل للإجازة. 

(المادتان 55 و254 مدني)

---------------
إذا اشترط الورثة حين توقيعهم بإجازة الوصية على سندها الصادر من المورّث لأحدهم أن يبقي السند لدى أمين متفق عليه، وألا يسلم لمن صدر له إلا برضائهم، فهذه الإجازة تقع باطلة لاقترانها بما يبطل مفعولها وهو عدم تمكين الصادر له السند من الانتفاع به إلا بمشيئتهم.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر المستندات المقدّمة لهذه المحكمة والتي كانت من قبل تحت نظر محكمة الموضوع - في أن الطاعنة رفعت الدعوى رقم 1380 سنة 1938 أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية ضدّ المطعون ضدّهم وآخر (أخيها معين أحمد لطفي أفندي) قالت في عريضتها المعلنة بتاريخ 16 و17 من يوليه سنة 1938 إنها تداين والدتها المرحومة فاطمة هانم صدّيق مورّثة المطعون ضدّهم في مبلغ 6000 جنيه بموجب كمبيالة مؤرّخة في 22 من سبتمبر سنة 1936 وثابتة التاريخ في 24 منه ومستحقة السداد في 22 سبتمبر سنة 1937 وإنه يحق لها أن تطلب من المطعون ضدّهم تسديد هذا الدين من تركة المتوفاة لأنهم لم يقوموا بتسديده رغم اعترافهم الثابت كتابة على ظهر السند بأن الدين في ذمة مورثتهم، وطلبت الحكم بإلزامهم بأن يدفعوا لها ذلك المبلغ وفوائده بواقع 9% من تاريخ الاستحقاق للسداد مع المصاريف والأتعاب.
وبإعلان تاريخه 13 من أكتوبر سنة 1938 أدخلت الطاعنة - بعد حصولها على تصريح من المحكمة - صاحب العزة محمد زكي علي بك في الدعوى ليقدّم السند المودع لديه والذي تعتمد عليه الطاعنة في هذه الدعوى. وقد حضر أمام المحكمة الابتدائية وقرّر بمحضر جلسة 12 من نوفمبر سنة 1938 ما يأتي:
"أنا لم أستلم السند المرفوعة بشأنه الدعوى من الآنسة شريفة لطفي ولكني استلمته يوم وفاة والدتها من السيدة شريفة هانم رياض حرم المرحوم رياض باشا في المنزل الذي تقيم فيه المرحومة فاطمة هانم، وعلمت من السيدة شريفة هانم أن المرحومة فاطمة هانم كتبت ذلك السند لمصلحة ابنتها شريفة قبل دخولها مستشفى الدكتور مورو لعمل عملية جراحية خطيرة، ولم تكن شريفة المدّعية تعلم بهذا السند. وبعد الوفاة على إثر العملية بحثت شريفة هانم رياض عن السند في المنزل فوجدته وسلمته إليّ، فلما اطلعت عليه أخبرتها أن هذا السند لا قيمة له قانوناً إلا بقبول باقي الورثة، فطلبت مني أن أعمل على تحقيق رغبة المرحومة فاطمة هانم بالنسبة لكريمتها شريفة فأخذت السند وقابلت عمر وفايز وناصر وجلال الذين كانوا موجودين بمصر وطلبت منهم أن يقبلوا سداد المبلغ المحرّر به السند من تركة والدتهم فامتنعوا في بادئ الأمر لأنهم يعرفون أن السند لا قيمة له فألححت عليهم بما لي في نفوسهم من التأثير لأني أنا الذي توليت تربيتهم بعد وفاة والدهم المرحوم أحمد لطفي بك. ورغما من المخاوف والتي أبدوها لي من نتائج قبولهم سداد المبلغ رضوا أن يكتبوا عليه عبارة القبول بشرط أن يبقى السند في يدي ولا أسلمه لأختهم شريفة إلا برضائهم جميعاً، فقبلت هذا الشرط وكتبت عبارة القبول على السند بخطي وجعلتهم يوقعون عليها ووقعت عليه بصفة شاهد ووقع عليه معي محمود شوكت بك زوج خالتهم. أما معين فلم يكن موجوداً لأنه في بعثة في أوروبا ولم يعد للآن".
وبتاريخ 11 من مارس سنة 1939 حكمت محكمة أوّل درجة حضورياً برفض دعوى المدّعية (الطاعنة) وألزمتها بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 555 سنة 56 قضائية طالبة إلغاء الحكم المستأنف والقضاء لها بما طلبت أمام محكمة أوّل درجة. وبجلسة المرافعة الأخيرة تنازلت الطاعنة عن مخاصمة أخيها معين. وبتاريخ 28 من أكتوبر سنة 1939 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفة بالمصاريف و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليهم. وفي 4 من إبريل سنة 1940 طعن وكيل الطاعنة في ذلك الحكم بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم في 6 من ذلك الشهر، وقدّمت الطاعنة مذكرة وحافظة مستندات في 23 منه... إلخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن وجوه ثلاثة: يتحصل أوّلها في أن الحكم المطعون فيه أثبت في أسبابه أن طرفي الخصومة أقرا الوقائع التي أدلى بها حضرة محمد زكي علي بك مع أن الواقع الصحيح هو أن الطاعنة لم تقرّ هذه الوقائع في مجموعها على النحو الذي أثبته الحكم وتأثر به في قضائه، فهي لم تعترف بصحة ما نقله من أقوال محمد زكي علي بك عن اقتران شرط الإجازة بعدم تسليم السند. ثم إن هذا الشرط لم يكن مكتوباً وإنما رواه زكي بك على سبيل الشهادة ولم يكن المقام مقام تحقيق بالمعنى القانوني. ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم ذهب إلى أن أصحاب الشرط وهم المطعون ضدّهم قد أرادوا بشرطهم أن يكون متصلاً بإجازتهم، وبذلك أبطلوا مضمون الإجازة بعدم تمكين الطاعنة من الانتفاع بها، وفي هذا إلغاء لها. وما كان للحكم أن يذهب هذا المذهب بعد أن سلم بأن الشرط، على فرض وجوده، لا يتصل بالإجازة ولكنه ينصب على بقاء السند في يد محمد زكي علي بك؛ ولا يجدي الحكم في ذلك اعتباره ما تم بين زكي بك وبين المطعون ضدّهم عقداً قابلاً للتفسير فإن إقرار زكي بك إنما كان تعليلاً منه لحيازته ورقة تثبت حقاً للطاعنة. فبعد أن أقرّ بهذه الحيازة انفتح للخصوم أن يرتبوا على نفس الورقة وعلى مضمونها فقط ما لهم من حقوق ويدللوا عليها بما يبيحه القانون من طرق التدليل، وذلك من غير انزلاق إلى فرض ثبوت كل ما رواه زكي بك. ويتحصل الوجه الثالث في أن الحكم استبعد البحث في وكالة زكي بك ومداها، وهل هو تجاوز حدود وكالته في قبول شرط عدم تسليم الورقة أو لم يتجاوزها. كذلك أغفل الحكم دفاع الطاعنة بأن شرط عدم تسليم ورقة السند يستفاد منه أن خصوم الطاعنة أرادوا أجلاً للوفاء، وفي هذا جميعاً ما يبطل الحكم المطعون فيه. هذا هو محصل ما بني عليه الطعن.
وبما أن الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت بالنص ما قرّره حضرة محمد زكي علي بك أمام محكمة مصر الابتدائية بجلسة 12 من نوفمبر سنة 1938 وسبق تدوينه في الوقائع ذكر ما يأتي:
"وحيث إن الطرفين أقرّا الوقائع المتقدّمة التي أدلى بها حضرة محمد زكي علي بك".
"ومن حيث إنه يبين من هذه الوقائع أن إجازة المستأنف عليهم المذكورين الوصية اقترنت بشرطهم بقاء السند في يد حضرة محمد زكي علي بك وعدم تسليمه لأختهم المستأنفة إلا برضائهم جميعاً، ومن الواضح أنهم يريدون ذلك الشرط عدم تمكينها من الانتفاع بهذه الإجازة إلا إذا أرادوا هم ذلك".
"وحيث إن اقتران عقد الإجازة بمثل هذا الشرط موجب لفساد هذا العقد ومبطل له، لأنه ربط حصول مضمون الإجازة بحصول واقعة تبطل هذا المضمون وهي عدم تمكين المستأنفة من الانتفاع بهذه الإجازة إلا إذا شاءوا ذلك، فكأنهم قالوا إنهم يجيزون الوصية إذا أرادوا ذلك، وفي هذا تأكيد نفي الإجازة لا إنشاؤها. ويتعين حينئذ اعتبار هذه الإجازة غير موجودة أصلاً. ومن ثمة سند الدين المطالب به ما زال وصية من مورّثة الطرفين للمستأنفة لم يجزها باقي الورثة المستأنف عليهم، وتكون دعوى المستأنفة لا أساس لها، ويكون الحكم المستأنف برفضها في محله ويتعين تأييده".
"ومن حيث إنه متى كان رفض الدعوى قد بني على الأساس المتقدّم ذكره فلا محل للخوض فيما أثارته المستأنفة من البحث في صفة حضرة محمد زكي علي بك في هذا التعاقد. كذلك لا فائدة للمستأنفة من القول بأن الشرط منصب على تسليم العقد فقط دون غيره بعد أن تبين غرض المستأنف عليهم من اقتران الإجازة بهذا الشرط كما سبق إيضاحه".
هذا ما استندت إليه محكمة ثاني درجة في قضائها.
وبما أن ما جاء في الوجه الأوّل لا يستقيم مع ما هو ثابت في محضر جلسة 8 من أكتوبر سنة 1939 المقدّمة صورته مع المستندات إذ يؤخذ من ذلك المحضر أن شرط عدم تسليم السند سلمت الطاعنة على لسان وكيلها بأنه حصل كما رواه محمد زكي علي بك ولكن وكيلها عطف على ذلك بقوله إنه شرط وارد على تسليم السند وغير لاحق بالإجازة. وهذا القول لا يزحزح صحة الواقعة في ذاتها وهي قيام الشرط مهما أريد من توجيه منحاه وتأويل المراد به تأويلاً لم تأخذ به محكمة الموضوع عندما استعرضت جميع ملابسات الدعوى. فالقول بأن تلك المحكمة قد تقوّلت على الطاعنة ما لم تقله لا أساس له إذن.
وبما أن ما جاء في الوجهين الثاني والثالث يرد عليه بادي الرأي أن دعوى الطاعنة إنما قامت على رواية محمد زكي علي بك الثابتة في محضر 12 من نوفمبر سنة 1938 وهي سندها الوحيد فيها. وقد سارت محكمة الموضوع على هذا النظر وتفهمت هذه الرواية في مجموعها وبكل أطرافها مستهدية بظروف الدعوى، وخلصت من ذلك جميعاً إلى أن إجازة إخوة الطاعنة للوصية اقترنت بشرطهم بقاء سندها في يد زكي بك وعدم تسليمه لها إلا برضائهم جميعاً، أي أنهم عنوا بالشرط عدم تمكينها من الانتفاع بالإجازة إلا إذا أرادوا هم ذلك، وفي ربطهم حصول مضمون الإجازة بحصول واقعة تبطل هذا المضمون، وهي عدم تسليم السند للطاعنة، تلك الواقعة المنوطة فقط بإرادتهم جميعاً - إن هذا الربط فيه إبطال للإجازة وإفساد لأثرها. وليس من ريب في أن هذا الذي ذهبت إليه المحكمة كان في حدود اختصاصها الموضوعي في تفسير السند الوحيد في الدعوى والأخذ بجميع ما شمِله متراصاً متماسكاً كما ينبغي. وقد جاء تفسيرها متسقاً مع الوقائع التي ذكرتها تأييداً له، وجاء التكييف القانوني لهذا التفسير سليماً لا عيب فيه. أما ما عابته الطاعنة من فوات بحث صفة زكي بك ومدى وكالته، ثم الإغضاء عن الدفاع الذي تقدّمت به عن إرادة خصوم الطاعنة بشرطهم عدم تسليم السند كسباً لأجل يمدّ لهم في الوفاء - كل هذا لا محل للالتفات إليه بعد أن خلصت المحكمة إلى أن إجازة الوصية باطلة قانوناً للاعتبارات السليمة السابق ذكرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق