الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 أبريل 2023

الطعن 21 لسنة 11 ق جلسة 4 / 12 / 1941 مج عمر المدنية ج 3 ق 127 ص 387

جلسة 4 ديسمبر سنة 1941

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك وبحضور حضرات: علي حيدر حجازي بك ومحمد كامل الرشيدي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(127)
القضية رقم 21 سنة 11 القضائية

مسئولية مدنية. 

الأشجار التي تزرعها الحكومة على جوانب الطرق العمومية. وجوب تعهدها بالملاحظة. إصابتها بمرض وبائي. مسارعة الحكومة إلى تنجيزها بمجرّد شكوى صاحب الزراعة المجاورة، ثم إلى إزالة هذه الأشجار بعد أن لم تنجح هذه الوسيلة. لا تقصير من جانب الحكومة ولا مسئولية عن الضرر الذي يصيب زراعة مجاورة.
(المادة 151 مدني)

---------------
للحكومة - رعاية للمصلحة العامة - أن تغرس الأشجار على جوانب الطرق العمومية، إلا أنه يجب عليها - اتقاء للأضرار التي قد تتسبب عن الأشجار التي تزرعها - أن تتعهدها بالملاحظة. فإذا ما انتاب هذه الأشجار مرض وبائي كان عليها أن تبادر على اتخاذ الوسائل التي من شأنها أن تحول دون انتقال المرض إلى الزراعات المجاورة. ومتى قامت بذلك فإنها تكون قد أدّت كل ما عليها. وإذن فإذا كان الثابت أن الحكومة قامت بتبخير الأشجار التي غرستها على أثر شكوى صاحب الزراعة القائمة هذه الأشجار على السكة الزراعية التي تشقها، ثم لما لم تجد هذه الوسيلة في استئصال المرض الوبائي الذي أصيبت به بادرت إلى إزالتها، ولم تنفق من الوقت في سبيل ذلك كله إلا ما اقتضاه إجراء هاتين العمليتين، الواحدة تلو الأخرى، فإنها لا تكون قد قصرت في شيء، ولا تصح مطالبتها بتعويض عن الضرر الذي يصيب زراعة مجاورة.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة والتي كانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - فيما يأتي:
في يوم 7 من فبراير سنة 1938 أقام الطاعن الدعوى رقم 642 سنة 1938 أمام محكمة مصر الابتدائية على المطعون ضدّهما، وقال في صحيفتها إنه استأجر من وزارة الأوقاف 270 فدّاناً بناحية طوخ بمركز ملوي لمدّة ثلاث سنوات تبدأ من نوفمبر سنة 1935 وتنتهي في نوفمبر سنة 1938، وقد وجد في وسط هذه الأطيان سكة زراعية مشغولة من الجانبين بأشجار توت قديمة مملوكة لوزارة المواصلات ومصابة بحشرة البق الدقيقي إصابة لم يكن يتاح له أن يتبينها في مبدأ الأمر. وما كادت الزراعة تنبت حتى انتقل إليها ذلك المرض من الأشجار، فأخذ يشكو إلى مدير مصلحة الطرق، ولما لم يفعل شيئاً لدفع هذا الضرر أنذر مصلحة الطرق في 23 مايو سنة 1936 مبيناً لها ما أصابه من الأذى، غير أن هذه المصلحة لم تتحرّك إلا بعد مضي عام من تاريخ الإنذار إذ أعلنت في 31 من يوليه سنة 1937 عن بيع الأشجار، أي بعد سنتين زراعيتين هما سنة 1935 - 1936 و1936 - 1937، فاضطرّ إلى أن يلجأ لقاضي الأمور المستعجلة برفع دعوى طلب فيها تعيين خبير لإثبات حالة تلك الأشجار ومدى ما أنتجته من ضرر لزراعته وتقدير الضرر وما يستوجبه من تعويض. وقد باشر الخبير مأموريته وقدّم تقريراً أثبت فيه الحالة وقدّر التعويض بمبلغ 576 جنيهاً. فطلب الطاعن في هذه الدعوى القضاء له بمبلغ 800 جنيه تعويضاً عما ناله من ضرر بسبب امتناع المدعى عليها عن إزالة الأشجار عقب إنذاراها بذلك، كما قصر التعويض على سنتي 1936 و1937 إذ أن الوزارة أزالتها بالفعل في آخر سنة 1937. وفي 20 من مايو سنة 1939 قضت المحكمة برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصاريف وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وفي 23 من سبتمبر سنة 1939 استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر وطلب إلغاء الحكم المستأنف وإلزام المطعون ضدّها بأن تدفع له 800 جنيه والمصاريف عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 5 من يناير سنة 1941 قضى بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنف بالمصاريف... إلخ.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 10 من مارس سنة 1941 فقرّر وكيله بالطعن فيه بطريق النقض في 3 من إبريل سنة 1941 إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أوجه: (أوّلها) إقامة الحكم المطعون فيه على مسخ في وقائع الدعوى. (وثانيها) النقص في التسبيب والقصور في الرد على أوجه الدفاع العامة في النزاع. (وثالثها) الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويل نصوصه.
وفي بيان الوجه الأوّل يعيب الطاعن على الحكم مخالفته للواقع الثابت في الدعوى سواء في تقرير خبير إثبات الحالة أو في دفاع الخصوم أمام درجتي التقاضي أو في أسباب الحكم الابتدائي. ويقول إن النزاع استقرّ منذ نشأته على أساس واحد لم يتغير، وهو أن أشجار التوت المغروسة على جانبي الطريق كانت مصابة بمرض البق الدقيقي، وأن هذا المرض انتقل منها وأصاب زراعة القطن. ولكن محكمة الاستئناف قالت بغير دليل من الأوراق إن مرض البق الدقيقي مرض وبائي، ورتبت على ذلك أنها لا تستطيع أن تجزم بأن مرض الأشجار هو سبب تلف الزراعة. وهذا منها مسخ للوقائع. وفي بيان الوجه الثاني يقول الطاعن إن المطعون ضدّها دفعت الدعوى أمام المحكمة الابتدائية بأنه ليس هناك قانون يلزمها بإعدام الأشجار المريضة. وقد أخذت تلك المحكمة بوجهة النظر هذه رغم ما فيها من خطأ، إذ القانون رقم 11 لسنة 1918 يوجب على الملاك والمستأجرين والوكلاء تبليغ وزارة الزراعة عن طريق رجال الإدارة بمجرّد ظهور دودة القطن أو غير ذلك من الحشرات أو الأمراض التي تعتبرها وزارة الزراعة بقرار تصدره ضارّة بشجيرات القطن، فإذا قصر أحد هؤلاء عوقب بمقتضى المادتين 6 و7 من القانون المشار إليه. كما أن القرار الصادر من وزارة الزراعة بتاريخ 15 من فبراير سنة 1919 اعتبر مرض البق الهيبوسكس الدقيقي ضارّاً بشجيرات القطن. ويقول الطاعن أيضاً إنه تقدّم بهذا الدفاع لمحكمة الاستئناف ولكنها لم تعن بالرد عليه بالرغم من أخذها بأسباب الحكم الابتدائي. كما أنها أهملت الرد على نظرية سوء استعمال الحق وتجاوز مضار الجوار العادية بالرغم مما تقدّم لها به من بحث مستفيض مدللاً على وجوب مساءلة المطعون ضدّها حتى مع عدم توافر الإهمال والتقصير لمجرّد أن الضرر الحاصل له قد تجاوز مضار الجوار العادية التي يسمح بها القانون. وفي بيان الوجه الثالث من الطعن ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه: (أوّلاً) اعتباره غرس الأشجار على جانبي الطريق الزراعية أو إزالتها أمراً إدارياً لا يرتب مسئولية ما دام لم يجيء مخالفاً للوائح والقوانين، أخذاً بما ذهب إليه الحكم الابتدائي، دون تفرقة بين الأعمال المادية الصرفة والتصرفات القانونية التي تعتبر أعمالاً إدارية بالمعنى الدقيق، ودون أن يعنى بالرد على ما تقدّم به من دفاع. (ثانياً) مخالفة أحكام القانون رقم 11 لسنة 1918 والقرار الوزاري الصادر في 15 فبراير سنة 1919، فقد جاء في أسباب الحكم: "إن الوزارة والمستأنف سواء في الالتزام قانوناً بضرورة تبليغ الجهة المختصة عن حصول الإصابة في زراعة أي منهما" مع أن هذا مخالف لأحكام المادتين 3 و4 من القانون المشار إليه، اللتين تفرضان التبليغ على مالك الأرض أو مستأجرها وتنفيان التوزيع في الالتزام بين الجيران.
ومن حيث إنه لا جدال في أن للحكومة في سبيل المصلحة العامة حق غرس الأشجار على جوانب الطرق العامة إلا أنه يجب عليها تعهد تلك الأشجار والإشراف عليها لتقي الناس شر ما قد ينجم عنها من أضرار. فإذا ما انتاب هذه الأشجار مرض وبائي كان عليها أن تبادر إلى اتخاذ الوسائل التي من شأنها الحيلولة دون انتقال المرض إلى زراعات أخرى، ومتى قامت بهذا الواجب لا يصح أن ينسب إليها إهمال أو تقصير.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد استظهر أن الحكومة قامت بتبخير الأشجار على إثر شكوى الطاعن إليها، ولما لم تفلح هذه الوسيلة بادرت إلى إزالتها، ولم تتفق من الوقت في سبيل إنجاز ذلك كله إلا ما يقتضيه إجراء العمليتين الواحدة تلو الأخرى. كما قال الحكم إن المطعون ضدّها لم تكن ملزمة بإزالة الأشجار بمجرّد إصابتها بالمرض الوبائي قبل التحقق من عدم نجاح عملية التبخير.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه يكون بذلك قد نفى وقوع خطأ من المطعون ضدّها لما اقتنعت به المحكمة من قيامها بما كان يتطلبه منها حادث إصابة أشجارها من الوسائل العملية لاستئصال الداء في الوقت المناسب. وإذ كان تقديره في هذا موضوعياً فلا سبيل للجدل فيه أمام محكمة النقض ما دامت الوقائع التي استخلص منها تؤدّي إليه. أما باقي ما ذكره الحكم الاستئنافي من الأسباب فكله تزيد لتأكيد نفى المسئولية عن الحكومة. وكان الحكم بما أورده من أساس في غنى عن التصدّي له، إذ لم تكن هناك ضرورة بعد انتفاء الخطأ أو التقصير للبحث في كيفية إصابة أشجار التوت وفيما إذا كانت العدوى قد انتقلت أم لم تنتقل منها إلى زراعة الطاعن. وأما ما يتحدّث عنه الطاعن من ناحية عدم بحث المسئولية على أساس سوء استعمال الحق من قبل المطعون ضدّها فلا وجه له، لأن حق الحكومة في غرس الأشجار للمصلحة العامة لا جدال فيه، والضرر المدّعى وقوعه لم يكن من الغرس ذاته بل من المرض الوبائي الذي أصاب الأشجار، وقد قامت المطعون ضدّها في الوقت المناسب بما استطاعت القيام به لمكافحة هذا المرض بغية القضاء عليه، كما أثبته الحكم وقدّره على النحو المتقدّم. وأما باقي ما يتمسك به الطاعن فلا يجديه لتعلقه بالأسباب التي أضافتها المحكمة الاستئنافية من قبل التزيد كما سلف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق