الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 أبريل 2023

الطعن 18 لسنة 45 ق جلسة 26 / 1 / 1980 مكتب فني 31 ج 1 ق 60 ص 286

جلسة 26 من يناير سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمود حسن رمضان، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل، حسن عثمان عمار؛ رابح لطفي جمعه.

---------------

(60)
الطعن رقم 18 لسنة 45 القضائية

(1 - 4) إثبات "العدول عن إجراءات الإثبات". حكم "حجية الحكم".
(1) أحكام الإثبات. جواز العدول عنها أو عدم التقيد بنتيجتها. الاستثناء الأحكام المضمنة فصلاً في شق من الخصومة.
(2) أحكام الإثبات. عدم التزام المحكمة بوضع أسباب لها. التزامها بتسبيب المسائل الأولية التي لا يقوم حكم التحقيق قبل الفصل فيها.
(3) ثبوت الحجية لأسباب الحكم. شرطه. أن تكون وثيقة الصلة بمنطوقه بحيث لا يقوم بدونها.
(4) حجية الحكم. مناطها. فصل المحكمة في حق من الحقوق فصلاً جازماً غير معلق على احتمال ثبوت أمر آخر.
(5) إيجار "التغيير في استعمال العين المؤجرة".
إخلاء المستأجر لاستعمال العين المؤجرة بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة. شرطه. عدم موافقة المؤجر وأن يلحق به ضرر. منح الإدارة للمستأجر ترخيصاً لإقامة مصنع بالعين المؤجرة سكناه. لا أثر له.
(6) حكم "تسبيب الحكم". دعوى "الدفاع فيها".
إغفال الحكم. الرد على دفاع للطاعن التصريح باستخراج شهادة إدارية لإثبات دفاعه. لا خطأ طالما لم يقدم تعذر حصوله عليها دون إذن المحكمة. "مثال في إيجار".
(7) إيجار "التغيير في استعمال العين المؤجرة".
حق المؤجر في إخلاء المستأجر لاستعماله العين المؤجرة بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة جواز النزول عنه صراحة أو ضمناً. مجرد علم المؤجر بالمخالفة دون اعتراض منه فترة من الزمن. لا يعد تنازلاً ضمنياً.

----------------
1 - النص في المادة 9 من قانون الإثبات على أن "للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بشرط أن تبين ذلك في حكمها" يدل على أن الأحكام الصادرة بإجراءات الإثبات لا تعتبر أحكاماً قطعية ولا تحوز حجية الأمر المقضي فيجوز للمحكمة العدول عنها بعد إصدارها وقبل تنفيذها وإذا هي نفذتها كان لها ألا تتقيد بالنتيجة التي أدت إليها وذلك ما لم تتضمن تلك الأحكام فصلاً في حق من الحقوق، إذ تكون بذلك حجة فيما فصلت. فيه منها ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية.
2 - المقرر وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 5 من قانون الإثبات أنه لا إلزام على المحكمة بتسبيب الأحكام الصادرة بإجراءات الإثبات على تقدير من المشرع بأنه ما دام الإجراء سابقاً على الفصل في الدعوى فلا وجه للتعرض لموضوعها ولو جزئياً والفصل فيه بحكم حاسم، وإن كان ذلك لا ينفي التزام المحكمة بتسبيب أحكامها التي تفصل بها في المسائل الأولية التي لا يقوم حكم التحقيق قبل الفصل فيها وهي تلك التي يدور معها قبول نظر الدعوى وجوداً وعدماً.
3 - من الجائز أن تتضمن أسباب الحكم قضاءاً قطعياً في أمر كان مثار نزاع في الدعوى خلافاً للأصل المقرر من أن القضاء إنما يرد في منطوق الحكم لا أسبابه - إلا أن شرط ذلك أن يكون ما ورد في الأسباب وثيق الصلة بالمنطوق بحيث لا تقوم للمنطوق قائمة بدونه أما ما دون ذلك فإنه لا يعتبر قضاءاً حائزاً لحجية ما.
4 - مناط الحجية التي تثبت للأحكام أن تكون قد فصلت في حق من الحقوق - كلياً أو جزئياً فصلاً جازماً غير معلق على احتمال ثبوت أمر آخر.
5 - النص في المادة 23/ جـ من القانون رقم 52 لسنة 1969 يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه يكفي لإخلاء المكان المؤجر أن يكون المستأجر قد استعمله أو سمح باستعماله بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة بغير موافقة المؤجر وأن ينشأ لهذا الأخير ضرر بسبب ذلك. لما كان ذلك، وكان الحكم - المطعون فيه - قد استخلص من أوراق الدعوى - وفي حدود سلطته الموضوعية، أن من شأن تغيير استعمال العين من مسكن خاص إلى مصنع يحتوي على مواد كيماوية تعريض المبنى وسكانه لخطر يترتب عليه ضرر للمالك ذلك أن الخشية على العقار وسكانه من إصابتهم بسوء نتيجة إساءة استعمال العين المؤجرة تكفي لقيام الضرر المبرر لطلب الإخلاء إذ من حق المالك الاطمئنان إلى سلامة عقاره وسكانه بل ومن واجبه حماية هؤلاء الأخيرين مما يعرضهم للخطر كما أن مجرد ترخيص جهة الإدارة للطاعنين في استغلال عين النزاع مصنعاً للمواد الكيماوية لا يعدو أن يكون تنظيماً لعلاقة لائحية بينها وبين المرخص له لا يمتد أثرها إلى العلاقة التعاقدية القائمة بين هذا الأخير وبين المؤجر له.
6 - إذ بين من الحكم المطعون فيه - أنه استخلص في حدود سلطته الموضوعية - أن تغيير الطاعنين استعمال العين المؤجرة من مسكن إلى مصنع للمواد الكيماوية لم يكن معاصراً لبدء الإيجار وكان استخلاصه في ذلك كافياً لحمل قضائه وكان الطاعنان وإن طلبا إلى محكمة الاستئناف التصريح لها باستخراج شهادة من مصلحة الضرائب لإثبات دفاعهما إلا أنهما لم يقدما ما يثبت تعذر حصولهما على تلك الشهادة بغير إذن من المحكمة مما يجرد طلبها من دليل عليه ويعفي المحكمة من ثم من مواجهته والرد عليه ومن ثم لا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عنه.
7 - يجوز للمؤجر أن ينزل عن حقه في طلب إخلاء المستأجر بسبب استعماله المكان المؤجر بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة وكان لا يلزم أن يكون هذا التنازل صريحاً بل يجوز أن يكون ضمنياً وذلك باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على قصد التنازل إلا أن مجرد علم المؤجر بحصول المخالفة وعدم اعتراضه عليها لا يعتبر بذاته - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تنازلاً ضمنياً عن الحق في طلب الإخلاء لانتفاء التلازم بين هذا الموقف السلبي وبين التعبير الإيجابي عن الإرادة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 4194 لسنة 1973 مدني كلي جنوب القاهرة ضد الطاعنين للحكم بإخلاء العين الموضحة بالصحيفة. وقال بياناً لدعواه أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1/ 1/ 1960 استأجر منه والد الطاعنين شقة بالعقار المملوك له وذلك بقصد استعمالها سكناً خاصاً له إلا أنه استعملها بطريقة تنافي شروط العقد وتضر بمصلحة المالك إذ اتخذ منها مصنعاً للكيماويات ووضع بها مواد ملتهبة، مما يجيز له طلب إخلاء الطاعنين - باعتبارهما الوارثين لوالدهما المتوفى - من العين المؤجرة عملاً بنص الفقرة "ج" من المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 قضت المحكمة بالإخلاء، فاستأنف الطاعنان الحكم بالاستئناف رقم 207 لسنة 91 ق القاهرة، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنان أنهما ومورثهما كانوا يستغلون العين المؤجرة في صناعة الكيماويات منذ بداية الإيجار في سنة 1960، وبعد إجرائه قضت بتاريخ 12/ 12/ 1974 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعنان بالسبب الأول وبالوجهين الأول والثاني من السبب الرابع منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والتناقض والفساد في الاستدلال. وفي بيان ذلك يقولان أنهما تمسكا في دفاعهما أمام محكمة الاستئناف بأن العين المؤجرة تستعمل مصنعاً للكيماويات منذ بدء الإجارة في يناير 1960 وأن المؤجرة الأصلية ارتضت ذلك مما يعتبر تعديلاً لشروط العقد، فأحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذه الواقعة المادية، وأشارت في حكمها القاضي بذلك إلى أن الترخيص الصادر باستعمال العين المؤجرة مصنعا للكيماويات لا يدل بذاته على أن الطاعنين قد غيرا وجه الانتفاع بالعين من وقت صدوره خلافاً لما كان قد ذهب إليه الحكم الابتدائي في هذا الشأن، إلا أن الحكم المطعون فيه أطرح أقوال شهود الإثبات الذين أجمعوا على أن مورث الطاعنين استعمل العين المؤجرة منذ بدء الإجارة مصنعاً للكيماويات قولاً من الحكم بأن الترخيص بهذا المصنع لم يصدر إلا في مايو سنة 1971، في حين أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير أقوال الشهود إلا أنه لا يجوز أن يكون هذا التقدير مبنياً على مخالفة أمر كانت قد قررته في حكم سابق لها في ذات الدعوى وحسمته بقضاء قطعي بحيث لا يحق لها أن تعود للتحلل منه. كما أن إطراح الحكم لأقوال شهود الطاعنين استناداً إلى أن الترخيص بالمصنع لم يصدر إلا في سنة 1971، ينطوي على استدلال فاسد ذلك أن المشاهد عادة أن أصحاب كثير من المصانع خصوصاً تلك التي تزاول صناعات بسيطة لا يحرصون على الحصول على ترخيص بمجرد إدارتها بل يتراخون في طلبه زمناً قد يمتد إلى سنوات طويلة، هذا إلى أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أنه ليس ثمة تصريح كتابي صريح من المالك بتغيير الاستعمال مردود بما هو مقرر فقهاً وقضاء من أن سكوت المؤجر مدة طويلة على تغيير الاستعمال المتفق عليه في العقد يعتبر منه موافقة ضمنية على الاستعمال الجديد يمتنع معها القضاء بالإخلاء، وما قرره الحكم من عدم جواز تعديل استغلال العين المؤجرة بقبول ضمني من جانب المؤجر واشتراطه صدور تصريح كتابي بذلك، يتعارض مع ما سبق أن قرره الحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق من أنه لو صح ما تمسك به الطاعنان من أن عين النزاع استخدمت مصنعاً منذ بدء الإجارة فإن نية الطرفين تكون قد انصرفت بعد التعاقد وأثناء تنفيذ العقد إلى تخويل المستأجر تغيير وجه الانتفاع بالعين مما يعتبر قضاء قطعياً في هذا الخصوص، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والتناقض.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 9 من قانون الإثبات على أن "للمحكمة أن تعدل عما أمرت به إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها" - يدل على أن الأحكام الصادرة بإجراءات الإثبات لا تعتبر أحكاماً قطعية ولا تحوز حجية الأمر المقضي، فيجوز للمحكمة العدول عنها بعد إصدارها وقبل تنفيذها. وإذا هي نفذتها كان لها أن لا تقييد بالنتيجة التي أدت إليها، وذلك ما لم تتضمن تلك الأحكام فصلاً في حق من الحقوق إذ تكون بذلك حجة فيما فصلت فيه منها ولا يجوز قبول دليل بنقض هذه الحجية. كما أنه من المقرر وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 5 من ذلك القانون أنه لا إلزام على المحكمة بتسبيب الأحكام الصادرة بإجراءات الإثبات، على تقدير من المشرع - بأنه ما دام الإجراء سابقاً على الفصل في الدعوى فلا وجه للتعرض لموضوعها ولو جزئياً والفصل فيه بحكم حاسم، وإن كان ذلك لا ينفى التزام المحكمة بتسبيب أحكامها التي تفصل بها في المسائل الأولية التي لا يقوم حكم التحقيق قبل الفصل فيها وهي تلك التي يدور معها قبول نظر الدعوى وجوداً وعدماً، وفي هذا الصدد فإنه وإن كان من الجائز أن تتضمن أسباب الحكم قضاء قطعياً في أمر كان مثار نزاع في الدعوى - خلافاً للأصل المقرر من أن القضاء إنما يرد في منطوق الحكم لا أسبابه - إلا أن شرط ذلك أن يكون ما ورد في الأسباب وثيق الصلة بالمنطوق بحيث لا تقوم للمنطوق قائمة بدونه، أما ما دون ذلك فإنه لا يعتبر قضاء حائز لحجية ما. لما كان ذلك وكان البين من مطالعة حكم محكمة الاستئناف الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق أنه لم يجاوز في هذا الخصوص قوله "لما كان المستأنفان - الطاعنان - قد أسسا دفاعهما على أن العين المؤجرة استخدمت كمصنع من وقت أن استأجرها مورثهما في سنة 1960 من المالكة السابقة للعقار الذي به العين المذكورة وحتى الآن الأمر الذي لو صح فإن المستفاد منه أن نية الطرفين قد انصرفت بعد التعاقد وأثناء تنفيذ العقد إلى تخويل المستأجر تغيير وجه الانتفاع بالعين المؤجرة إلى مصنع وبالتالي لا يجوز إخلائه منها والادعاء بمخالفة شروط العقد... وكانت الرخصة لا تفيد بذاتها أن المستأنفين قد غيرا وجه الانتفاع بهذه العين من وقت صدورها كما ذهب الحكم المستأنف ومن ثم ترى المحكمة الاستجابة إلى طلب إحالة الدعوى على التحقيق" - مما مؤداه أن الحكم لم يحسم الأمر في الواقعة مثار النزاع وهي ما إذا كان الطاعنان قد قاما بتغيير استعمال العين المؤجرة بموافقة المالك صراحة أو ضمناً، بل ترك أمر ذلك إلى ما قد تسفر نتيجة التحقيق في هذا الشأن ولم يتضمن بالتالي قضاء ذا حجية في هذه المسألة، إذ مناط الحجية التي تثبت للأحكام أن تكون قد فصلت في حق من الحقوق. كلياً أو جزئياً - فصلاً جازماً غير معلق على احتمال ثبوت أمر آخر إذ لا يبنى القضاء على فروض، لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع. بعد إجرائها التحقيق في الدعوى - قد أسست حكمها المطعون فيه على "أن القول بأن المصنع يدار لهذا الغرض في هذا المكان منذ سنة 1960 فهو قول لم يقم الدليل عليه ولا تطمئن المحكمة لأقوال شهود المستأنفين - الطاعنين - بصدده". فإنها تكون بذلك - قد خلصت في مقام وزن الدليل - إلى عدم اطمئنانها لأقوال شهود الطاعنين في خصوص الادعاء بأن تغيير الاستعمال كان معاصراً لبدء الإجارة، وينتفي بالتالي ما رتباه على ذلك من أن المالك قد ارتضى هذا التغيير منذ البداية، وإذ كان اطمئنان محكمة الموضوع إلى أقوال الشهود أو عدم اطمئنانها إليها هو مما تستقل بتقديره دون ما إلزام عليها ببيان سبب ذلك، وكان استدلال الحكم على أن تغيير الاستعمال وقع بعد بداية الإيجار سائغاً وفيه الرد الضمني على ما ساقه الطاعنان من جدل موضوعي حول تقدير المحكمة في هذا الصدد، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والتناقض يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولان أن من بين ما قام عليه دفاعهما أمام محكمة الاستئناف أن تغيير الاستعمال لم يترتب عليه ضرر بالعين المؤجرة أو بالمالك وأن عبارات البند الثاني من عقد الإيجار لم تتضمن حظراً صريحاً على تغيير الاستعمال، وأنه مما يدل على انتفاء الضرر أن العين المؤجرة تقع في منطقة صناعية تجارية وأن المطعون عليه نفسه يدير مصنعاً في العقار ذاته، هذا إلى ترخيص جهة الإدارة - للطاعنين بذلك الاستغلال، إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن دفاعهما وذهب إلى أن التغيير من مسكن إلى مصنع للكيماويات ينطوي على خطر على العقار وسكانه وأنه لا يغير من ذلك حصول المستأجر على رخصة بإنشاء المصنع، مما مفاده أن الحكم افترض تحقق الخطر من مجرد استعمال العين مصنعاً للمواد الكيماوية دون أن يستظهر طبيعتها ومدى خطورتها الأمر الذي يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 على أنه "في غير الأماكن المؤجرة مفروشة لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: - (ج) إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة أو تضر بمصلحة المؤجر" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه يكفي لإخلاء المكان المؤجر أن يكون المستأجر قد استعمله أو سمح باستعماله بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة بغير موافقة المؤجر وأن ينشأ لهذا الأخير ضرر بسبب ذلك. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعنين بشأن انتفاء الضرر بقوله "أن في تغيير الاستعمال من سكن خاص إلى مصنع للمواد الكيماوية فيه خطر على العقار وما به من سكان ولا يغير من هذا ولا ينفى هذا الخطر إمكان حصول المستأجر على رخصة بإنشاء هذا المصنع في هذه الوحدة السكنية". مما مفاده أن الحكم قد استخلص من أوراق الدعوى - وفي حدود سلطته الموضوعية - أن من شأن تغيير استعمال العين من مسكن خاص - إلى مصنع يحتوي على مواد كيماوية تعريض المبنى وسكانه لخطر يترتب عليه ضرر للمالك، ذلك أن الخشية على العقار وسكانه من إصابتهم بسوء نتيجة إساءة استعمال العين المؤجرة تكفي لقيام الضرر المبرر لطلب الإخلاء، إذ من حق المالك الاطمئنان إلى سلامة عقاره وسكانه بل ومن واجبه حماية هؤلاء الأخيرين مما يعرضهم للخطر، كما أن مجرد ترخيص جهة الإدارة للطاعنين في استغلال عين النزاع مصنعاً للمواد الكيماوية لا يعدو أن يكون تنظيماً لعلاقة لائحية بينها وبين المرخص له لا يمتد أثرها إلى العلاقة التعاقدية القائمة بين هذا الأخير وبين المؤجر له. لما كان ما تقدم وكان الثابت بعقد الإيجار المؤرخ 1/ 1/ 1960 - والمقدم رفق حافظة مستندات الطاعنين - أن مورث الطاعنين قد استأجر شقة النزاع لاستعمالها سكناً خاصاً، وحظر بالبند الثاني من ذلك العقد على المستأجر استعمال العين المؤجرة بطريقة تنافي شروط الإيجار أو إحداث أي تغيير فيها إلا بتصريح كتابي سابق وصريح من المالك وإلا اعتبر العقد مفسوخاً فوراً، وكان استخلاص ثبوت الضرر أو نفيه هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع ما دام الدليل الذي أخذ به في حكمه مقبولاً قانوناً، وإذ كان ما أورده الحكم في ذلك تؤدى إليه المقدمات التي ساقها وسائغاً في الرد على دفاع الطاعنين، فإن مجادلتهما في عدم حصول ضرر من هذا التغيير لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويكون النعي على الحكم بما جاء في هذا السبب غير سديد.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني وبالوجهين الثالث والرابع من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعنان أنهما طلبا من محكمة الاستئناف أن تصرح لهما باستخراج شهادة من مصلحة الضرائب للاستدلال بها على أن العين المؤجرة تستعمل منذ بدء الإجارة مصنعاً للكيماويات غير أنها التفتت عن هذا الطلب ولم تتناوله في أسباب حكمها بالرد عليه رغم أنه يتعلق بدفاع جوهري قد يتغير به الرأي في الدعوى. كما قدم الطاعنان للمحكمة صورة من عقد إيجار مؤرخ 15/ 10/ 1955 يفيد استئجار مورثهما لشقة بمصر الجديدة لاستعمالها سكناً خاصاً له وعائلته، وقدما لها أيضاً إيصالات سداد قيمة استهلاك التيار الكهربائي لهذه الشقة عن الفترة من سنة 1958 حتى سنة 1966، إلا أن الحكم المطعون فيه أطرح دلالة هذه المستندات رغم أن قوانين إيجار الأماكن - وهي من قوانين النظام العام - تحول دون حبس الشخص لأكثر من مسكن في المدينة الواحدة وترتب جزاء جنائياً على مخالف أحكامها. هذا إلى أن الطاعنين قد تمسكا في مذكرتهما المقدمة لمحكمة الاستئناف بجلسة 12/ 2/ 1974 بدفاع قوامه أن المطعون عليه قد سكت منذ صدور الترخيص بالمصنع في سنة 1971 إلى أن رفع دعواه في أواخر سنة 1973 إذ أن سكوته طوال هذه الفترة لا يمكن تفسيره إلا بأنه يعلم يقيناً بتخصيص العين المؤجرة مصنعاً منذ بداية عقد الإيجار أو بالقليل منذ شرائه للعقار في سنة 1964، إلا أن الحكم لم يرد على هذا الدفاع الجوهري الأمر الذي يعيبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن لقاضي الموضوع السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى، وبحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، ولا عليه بعد ذلك أن يتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم ويرد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام أن قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد - دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات، وأن الدفاع الذي تلتزم محكمة الموضوع بمواجهته وإبداء الرأي فيه هو الدفاع الجوهري الذي يترتب على الأخذ به تغيير وجه الرأي في الدعوى، لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه - على سلف بيانه في الرد على السبب السابق - أنه استخلص - في حدود سلطته الموضوعية - أن تغيير الطاعنين استعمال العين المؤجرة من مسكن إلى مصنع للمواد الكيماوية لم يكن معاصراً لبدء الإيجار وكان استخلاصه في ذلك كافياً لحمل قضائه، وكان الطاعنان وإن طلبا إلى محكمة الاستئناف - التصريح لهما باستخراج شهادة من مصلحة الضرائب لإثبات دفاعهما إلا أنهما لم يقدما ما يثبت تعذر حصولهما على تلك الشهادة بغير إذن من المحكمة، مما يجرد طلبهما من الدليل عليه ويعفى المحكمة من ثم من مواجهته والرد عليه، ومن ثم لا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عنه. هذا إلى أنه لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنين بشأن استئجار مورثهما مسكناً خاصاً بمصر الجديدة وسكوت المطعون عليه عن رفع دعواه قبلهما فترة من الوقت بقوله "الثابت أنه لم يصدر ترخيص بهذا المصنع إلا في مايو سنة 1971 وفي وقت سابق مباشرة على إقامة الدعوى الحالية أمام محكمة أول درجة في فبراير سنة 1973 وانقضاء هذه الفترة لا ينفي قيام الخطر من تغيير الاستعمال المتفق عليه، ولا يغير من هذا كله أن للمستأجر الأصلي سكن خاص في مكان آخر، وكان ما أورده الحكمان في ذلك سائغاً في الرد على دفاع الطاعنين، ذلك أنه ولئن كان يجوز للمؤجر أن ينزل عن حقه في طلب إخلاء المستأجر بسبب استعماله المكان المؤجر بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة، وكان لا يلزم أن يكون هذا التنازل صريحاً بل يجوز أن يكون ضمنياً وذلك باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على قصد التنازل، إلا أن مجرد علم المؤجر بحصول المخالفة وعدم اعتراضه عليها لا يعتبر بذاته - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تنازلاً ضمنياً عن الحق في طلب الإخلاء لانتفاء التلازم بين هذا الموقف السلبي وبين التعبير الإيجابي عن الإرادة إذ كان ذلك وكان استئجار الشخص لأكثر من مسكن لا يستتبع بذاته استعماله لأحدهما في غير السكنى، فمن ثم يكون النعي على الحكم بما ورد بهذا السبب في غير محله.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق