جلسة 19 نوفمبر سنة 1942
برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك وأحمد نشأت بك المستشارين.
----------------
(5)
القضية رقم 18 سنة 12 القضائية
بطلان المرافعة. متى يجوز طلبه؟ في الأحوال المنصوص عليها في المادة 300 مرافعات. انقطاع المرافعة. موت المدعي أو المستأنف. يقف مدة البطلان. الورثة لا يصح اعتبارهم خصوماً في الدعوى إلا بعد إعلانهم للسير فيها. (المواد 297 – 308 مرافعات).
وإذن فموت المدعي أو المستأنف أثناء انقطاع المرافعة يقف مدة البطلان، ويكون على المدعى عليه أو المستأنف ضده إعلان ورثته للسير في الدعوى حتى يصح اعتبارهم خصوماً فيها (1).
الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن في أن مورث المطعون ضدهم روفان صيدناوي رفع الدعوى رقم 221 كلي مصر سنة 1911 على وزارتي المواصلات والأشغال، والشواربي باشا ادعى فيها أنهم أدخلوا الأطيان التي اشتراها من الأميرة زينب هانم إلهامي في الطرق والترع وفي أطيانهم، وبعد أن قضى في 5 من يوليو سنة 1911 تمهيدياً بتعيين ثلاثة خبراء لإجراء المأمورية التي ندبوا لأدائها أدخل المورث المذكور في الدعوى بعض ورثة مورث الطاعنين سليمان بك العيسوي وطلب الحكم في مواجهتهم بالتصريح للخبراء بمقاس الأطيان الموضوع اليد عليها منهم، ولما حكم له في 24 من يونيو سنة 1923 بما طلب بقيود قررتها المحكمة وأراد الخبراء القيام بمأموريتهم اعترضتهم السيدتان زينب هانم سليمان العيسوي ونعيمة هانم أحمد فوزي، وهما من ورثة سليمان بك العيسوي، ثم رفعتا إشكالاً أمام قاضي الأمور المستعجلة طلبتا منه الحكم بعدم جواز دخول الخبراء الأطيان التي سبق أن رفع بشأنها مورث المطعون ضدهم مع آخرين على مورث الطاعنين المشار إليه دعوى أمام محكمة مصر بحجة أنه اشتراها من الأميرة زينب هانم وحكم نهائياً من محكمة استئناف مصر في 27 من إبريل سنة 1915 برفضها. وقد أمر قاضي الأمور المستعجلة بإيقاف التنفيذ وكلف المدعيتين المذكورتين رفع دعوى تفسير للحكم التمهيدي المستشكل ضده لوجود لبس به. وتنفيذاً لذلك رفعت هاتان السيدتان الدعوى رقم 1619 سنة 1933 أمام محكمة مصر الابتدائية. ولما قضت المحكمة المذكورة بحكمها الصادر في 13 من مايو سنة 1935 بالتفسير الذي ارتأته في الحكم التمهيدي المشار إليه، وكان ذلك في صالح هاتين السيدتين، رفع مورث المطعون ضدهم عنه استئنافاً أمام محكمة استئناف مصر تقيد تحت رقم 769 سنة 52 قضائية. ولوفاة السيدتين المستأنف ضدهما سار الاستئناف ضد ورثتهما وهم الطاعنون الخمسة الأول. كما رفع استئنافاً آخر عن الحكم التمهيدي الصادر بتاريخ 24 من يونيو سنة 1923 في الدعوى الأصلية رقم 221 سنة 1911 كلي مصر، وقد تقيد هذا الاستئناف تحت رقم 304 سنة 53 قضائية. ولوفاة السيدة زينب هانم العيسوي سارت القضية ضد وارثها الوحيد سليمان برتو الطاعن الأول وضد السيدة فاطمة هانم العيسوي الطاعنة الأخيرة. وقد ضم الاستئنافان أحدهما للآخر. وبجلسة 7 من نوفمبر سنة 1937 تقرر إيقافهما لوفاة مورث المطعون ضدهم.
وبالصحيفة المعلنة في 12 و22 من ديسمبر سنة 1941 رفع الطاعنون الخمسة الأول دعوى بطلان المرافعة في الاستئناف رقم 769 سنة 52 قضائية. كما رفع سليمان برتو الطاعن الأول والسيدة فاطمة هانم العيسوي الطاعنة الأخيرة دعوى أخرى بطلب بطلان المرافعة في الاستئناف رقم 304 سنة 53 قضائية. وبجلسة 7 من سبتمبر سنة 1941 قررت محكمة الاستئناف ضم دعويي بطلان المرافعة المذكورتين إحداهما للأخرى ثم قضت في 4 من يناير سنة 1942 برفضهما.
وفي 19 من مارس سنة 1942 قرر وكيل الطاعنين الطعن في الحكم بطريق النقض بتقرير أعلنه للمطعون ضدهم في 22 من الشهر ذاته إلخ إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن وجه الطعن الوحيد الذي انتهى إليه الطاعنون بمذكرتهم الشارحة لما جاء في تقرير الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل المادة 301 مرافعات، ويرون أن التفسير الصحيح لهذه المادة هو أنها لا تنطبق فقط على حالة انقطاع أو إيقاف المرافعة بفعل أحد الأخصام أو إهماله أو امتناعه (مادة 300 مرافعات)، كما ذهب الحكم المطعون فيه، بل إنها تسري أيضاً على حالة إيقاف المرافعة بسبب الوفاة أو تغيير الحالة أو زوال الصفة (مادة 229 مرافعات).
وحيث إنه بمراجعة المواد 297 إلى 308 من قانون المرافعات ومقارنة عباراتها بعضها ببعض يتضح أن الشارع المصري لم يجمع بينها في فصل واحد لكي يطبق على جميع حالات الإيقاف أو الانقطاع الواردة بها حكماً واحداً هو جواز الحكم ببطلان المرافعة إذا ما استمر الإيقاف أو الانقطاع مدة ثلاث سنوات، بل إنه أتى بها معاً لما يترتب عليها جميعاً من الأثر في مجرى الدعوى وإن تباينت أحوالها واختلفت الأحكام التي قررها القانون بشأنها. فقد تصدت المواد الثلاث الأولى إلى التحدث عن إيقاف الدعوى لوفاة أحد الخصوم أو تغيير حالته أو صفته، وانفردت المواد من 300 إلى 304 بالكلام عن انقطاع المرافعة أو إيقافها بفعل أحد الخصوم أو إهمال أو امتناعه، ثم عرضت المواد الباقية للتنازل عن الدعوى أو عن بعض الإجراءات فيها أو عن الحكم أو عن استئنافه، وبذلك صارت كل طائفة منها منفصلة ومستقلة بأحكامها عما عداها.
وحيث إنه من جهة أخرى فإن القانون المصري وإن استمد نظرية بطلان المرافعة من القانون الفرنسي إلا أنه بمقارنة نص المادة 397 من هذا القانون بالمادتين 300 و301 من القانون المصري يبين أن الشارع المصري لم يجار القانون الفرنسي في جميع الأسباب التي جعلها أساساً للحكم ببطلان المرافعة. فالقانون الفرنسي يجيز الحكم بالبطلان في جميع الأحوال التي تقف فيها الدعوى ثلاث سنوات بلا تحريك تمشياً مع نظام المرافعات الوارد به، إذ هو يوجب على الخصوم في الدعاوى المدنية تعيين وكلاء عنهم، الأمر الذي من شأنه أن يسهل لكل طرف في الدعوى الوقوف على ما يطرأ على حالة غيره من التغييرات، وبهذا تصح مساءلته عن أي إهمال أو تقصير في تسيير مجرى الدعوى. أما قانون المرافعات المصري فقد جاء مخولاً الخصوم أنفسهم حق تسيير الدعوى وحتم للحكم ببطلان المرافعة تبعاً لذلك أن يكون الانقطاع حاصلاً بناء على أحد الأسباب الثلاثة الواردة في المادة 300 آنفة الذكر، وهذه الأسباب لا تصدر إلا عن خصم موجود في الخصومة فعلاً، وهي مستقلة تمام الاستقلال عن الأسباب الأخرى الموجبة للإيقاف القانوني الواردة في المادة 297 من قانون المرافعات.
وحيث إن القول بأن ورثة الخصوم الذين لم يعلنوا بالسير في الدعوى يعتبرون خصوماً فيها بمجرد وفاة مورثهم قول غير سليم. لأن القانون في المادة 299 لم يصفهم بأنهم خصوم في الدعوى، كما عبر بذلك عن الخصوم الأصليين، بل أشار إليهم وإلى من في حكمهم بما يفيد استقلال شخصيتهم عن شخصية المورث. يضاف إلى ذلك أن الورثة قد يجهلون الخصومة القائمة وبهذا لا يتحقق لديهم ما أوجبه القانون من حصول الانقطاع بناء على أحد الأسباب الثلاثة التي تقدم ذكرها.
وحيث إنه يترتب على ما تقدم أنه إذا مات المدعي أو المستأنف أثناء انقطاع المرافعة فموته يقف مدة البطلان، ويجب على المدعى عليه أو المستأنف ضده إعلان ورثة المتوفى للسير في الدعوى، فإذا لم يحصل هذا الإعلان لهم فإن الإيقاف يستمر قاطعاً لهذه المدة، إذ لا يصح قانوناً اعتبارهم خصوماً فيها إلا بعد إعلانهم بتجديدها. ومن ثم تكون محكمة الموضوع بما انتهت إليه لم تخطئ في تأويل المادة 301 مرافعات، وتكون بما قضت به قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً.
(1) بهذا الحكم قد عدلت محكمة النقض عن قضائها السابق في حكمها الذي أصدرته في 6 يونيه سنة 1935 في القضية رقم 109 سنة 4 (المنشور في الجزء الأول من هذه المجموعة رقم 281 ص 852 وما بعدها)، كما خالفت الرأي الراجح في قضاء المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية. ولقد سبق أن قال بالرأي الذي أقرته هذه المحكمة بحكمها الجديد المرحوم أبو هيف بك (المرافعات رقم 1132) والأستاذ عبد الفتاح السيد بك (الوجيز رقم 717). وقد أخذ الدكتور محمد حامد فهمي بالرأي المخالف (المرافعات رقم 500 وفي الحاشية رقم 2 من صفحة 533 خلاصة الحجج التي استند إليها كل من الرأيين).
ويلاحظ أنه في القضية التي صدر فيها حكم محكمة النقض الأول كانت المرافعة منقطعة بسبب وفاة المستأنف عليه وإن كان ذلك الحكم لم يجئ مخصصاً لصورة الدعوى. أما الحكم الجديد فهو في قضية انقطعت فيها المرافعة بوفاة المستأنف. وظاهر من الحكم أن قوله بوقف مدة بطلان المرافعة بسبب انقطاعها قد قصد أن يكون مقصوراً على الحالة التي يكون فيها الانقطاع بسبب وفاة رافع الخصومة (كالمدعي والمستأنف) أو تغير حالته أو زوال صفته، فإن كان العكس فلا عذر للمدعي ويكون مهملاً إذا هو لم يعجل السير في دعواه. بل إن ورثة المدعي الذي انقطعت الخصومة بوفاته يؤاخذون بإهمالهم من وقت أن يعلنهم خصومهم للسير في الدعوى، كما صرح الحكم بذلك. تبقى حالة ما يكون ورثة المدعي قد أعلنهم خصمهم بقيام الدعوى دون أن يتخذ الإجراء الذي يعجل به سيرها في مواجهتهم، أو يكونون عالمين بقيامها بدليل ينتفي معه العذر، فهل تعتبر مدة البطلان موقوفة حتى في هذه الحالة؟ وفي الأحوال التي يصح فيها القول بوقف مدة البطلان، في مذهب الحكم، هل يبقى الإيقاف وتبقى الدعوى محدثة كل آثارها إلى ما شاء الله؟ أم تسقط الخصومة بالتقادم؟ وماذا تكون مدته، وكيف يكون حسابها، وكيف يمكن القول بالتقادم مع التسليم بوقف مدة بطلان المرافعة، ولماذا يعتبر جهل ورثة المدعي عذراً مانعاً من بطلان المرافعة مع أنه لا يعتبر عذراً مانعاً من السقوط بالتقادم؟ أم أن الفكرة في النظامين هي فكرة واحدة بحيث ينبغي ألا تختلف النتائج؟ تلك كلها أسئلة يثيرها الرأي الذي ذهبت إليه المحكمة ولا نعثر في حكمها على ما يصلح جواباً عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق