جلسة 27 من ديسمبر سنة 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، محمد طه سنجر، إبراهيم فراج وصبحى رزق.
-----------------
(399)
الطعن رقم 172 لسنة 45 القضائية
(1) إيجار "إيجار الأماكن". حكم "حجية الحكم"
القضاء بإلزام المستأجر بالأجرة المتأخرة محددة بما طلبه المالك. لا حجية له بشأن تحديد الأجرة القانونية في الدعوى التي يقيمها هذا المستأجر بعد شرائه العقار ضد المستأجر منه.
(2) إثبات "الإقرار".
حجية الإقرار قاصرة على المقر وخلفه العام. عدم الاحتجاج به قبل دائنيه أو خلفه الخاص.
(3) تزوير. حكم.
عدم جواز القضاء بصحة المحرر أو بتزويره أو بسقوط الحق في إثبات صحته، وفي الموضوع معاً. القضاء بعدم قبول الادعاء بالتزوير لأنه غير منتج وفى موضوع الدعوى معاً. جائز.
(4) إيجار "إيجار الأماكن" تقادم.
وفاء المستأجر بالقدر غير المتنازع عليه من الأجرة. لا ينقطع به سريان التقادم الخمسي بالنسبة لفروق الأجرة المتنازع عليها. علة ذلك.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأخير ومورثة باقي المطعون عليهم أقاما الدعوى رقم 756 لسنة 1971 مدنى أمام محكمة المنصورة الابتدائية ضد الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى إليهما مبلغ 260.505 جنيه قيمة الرصيد الباقي من الأجرة حتى آخر مارس 1971 والفوائد القانونية، وقالا شرحاً لدعواهما أنه بموجب عقدين مسجلين آلت ملكية المنزل رقم 23 شارع ...... بالمنصورة إلى مورثة سائر المطعون عليهم ثم إلى المطعون عليه الأخير على التعاقب، وإذ وضع الطاعن اليد عليه من أول أكتوبر سنة 1960 ولم يدفع لهما من مقابل الانتفاع به سوى مبلغ 183 جنيهاً في حين أن أجرته الشهرية خمسة جنيهات خفضت إلى 4 جنيه، 455 مليماً، فقد أقاما الدعوى. دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 320 لسنة 1965 بندر المنصورة واستئنافه رقم 271 لسنة 1966 المنصورة الابتدائية. وبتاريخ 11/ 12/ 1971 حكمت المحكمة برفض الدفع وبإلزام الطاعن بأن يدفع مبلغ 6 جنيه و520 مليماً والفوائد القانونية. استأنف المطعون عليهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 51 لسنة 24 ق المنصورة طالبين الحكم لهم بالطلبات وبتاريخ 23/ 12/ 1972 حكمت محكمة الاستئناف بندب مكتب الخبراء لتحديد قيمة أجرة عين النزاع حسب إيجار المثل وبيان ما إذا كانت ذمة الطاعن مشغولة بشيء من الأجرة في المدة المطالب بها، وبعد أن قدم الخبير تقريره وادعى الطاعن بالتزوير على التوقيعات المنسوبة إليه بمحاضر الأعمال، عادت فحكمت في 21/ 12/ 1974 بعدم قبول الادعاء بالتزوير وبتأييد الحكم المستأنف في شقه القاضي برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وبتعديله في شقه الثاني إلى إلزام الطاعن بأن يؤدي إلى المطعون عليهم مبلغ 260 جنيه، 505 مليماً والفوائد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم لم يلتزم بالقيمة الإيجارية المحددة بالحكم رقم 320 لسنة 1965 مدني بندر المنصورة على سند من أنه لم يفصل في الخلاف الدائر حولها، في حين أنه قد بني على إقرار صادر من الملاك السابقين - يحاج به المطعون عليهم - بأن أجرة عين النزاع جنيهان شهرياً، فلا يجوز إثارة المنازعة حول هذا القدر، خاصة وأن الإنذارات الموجهة إليه وإيصالات السداد الصادرة منهم تثبت أن - الأجرة المتفق عليها كانت جنيهين شهرياً صار بتخفيضها إلى 1 جنيه 456 مليما، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان المقرر وفقاً لنص المادة 101 من قانون الإثبات أن الأحكام لا تحوز حجية إلا فيما فصلت فيه من الحقوق وكان البين من مدونات الحكم رقم 320 لسنة 1965 بندر المنصورة أنه وإن قضى بإلزام مورثة المطعون عليهم الخمسة الأول بأن تدفع لمن باعوها عين النزاع أجرتها عن المدة المحددة في العقد باعتبارها جنيهين شهرياً إلا أن هذا التحديد لم يكن نتيجة تعرضه لدفاعها القائم على تجاوز الأجرة القانونية لهذا القدر وحسم النزاع الذى ثار بينها وبين الطاعن حوله، وإنما كان وليد أخذ المدعيات بإقرارهن، وقد تضمنت أسبابه ذلك صراحة فأورد في هذا الخصوص قوله "ومن حيث إنه متى كان ذلك وكانت القيمة الإيجارية المطالب بها والتي تقدرها المدعيات هي مبلغ 2 جنيه ومن ثم يكون المبلغ المتعين إلزام المدعى عليها الثانية - مورثة المطعون عليهم الخمسة الأول - هي حسب المقررات الآتية:... ومن حيث إنه عن منازعة المدعى عليها الثانية في القيمة الإيجارية فهي وشأنها والمدعى عليه الأول - الطاعن في المطالبة به بدعوى مستقلة أمام الدائرة المختصة، وكان هذا الذى أورده الحكم يقطع في أنه لم يفصل في حقيقة الأجرة القانونية لعين النزاع فلا تكون له حجية في خصوصها. لما كان ذلك، وكانت حجية الإقرار وفقاً لنص المادة 104 من قانون الإثبات قاصرة على المقر فلا تتعداه إلا إلى ورثته بصفتهم خلفا عاما له ولا يحتج به على دائنيه أو خلفه الخاص، فإنه لا على الحكم إذا لم يحاج المطعون عليهم بالأجرة المحددة وفق إقرارات الملاك السابقين ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، ذلك أنه جمع بين القضاء في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع بحكم واحد خلافاً لما تقضي به المادة 44 من قانون الإثبات، وكان يتعين على المحكمة أن تعيد الدعوى للمرافعة بعد القضاء بعدم قبول الادعاء بالتزوير حتى لا يحرم الخصم الذى أخفق في ادعائه من تقديم ما عسى أن يكون لديه من أوجه دفاع، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه وإن كان من المقرر وفقاً لصريح نص المادة 44 من قانون الإثبات أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بصحة المحرر أو رده أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً بل يجب أن يكون قضاؤها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، اعتباراً بأنه يجمع بين هذه الحالات الثلاث استهداف ألا يحرم الخصم الذى تمسك بالمحرر المقضي بتزويره أو بسقوط الحق في إثبات صحته أو المحكوم بصحته من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من أدلة قانونية أخرى أو يسوق دفاعاً متاحاً جديداً أخذاً بأن الادعاء بالتزوير كان مقبولاً ومنتجاً في النزاع، إلا أنه لا مجال لأعمال هذه القاعدة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - متى قضى بعدم قبول الادعاء بالتزوير لأنه غير منتج، ففي هذه الحالة تفتقد الحكمة التي ترمي إلى الفصل بين الادعاء بالتزوير وبين الحكم الموضوعي، طالما ليس من ورائه تأثير على موضوع الدعوى الأصلية، ولا يكون ثمت داع - ليسبق الحكم بعدم قبول الادعاء بالتزوير الحكم في الموضوع. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم أن الطاعن إذ ادعى بالتزوير على تقرير الخبير حصر شواهده في عدم حضوره أمام الخبير، وأن توقيعاته على ما عينه حصراً من محاضر الأعمال مزورة عليه، وأن تقرير الخبير يضحى باطلاً تبعاً لعدم إخطاره، وكان قد تبين للمحكمة خلو المحاضر المشار إليها من أية توقيعات منسوبة إلى الطاعن بينما توجد له توقيعات على محاضر أخرى لم يدع تزويرها، وخلصت إلى أن الادعاء بالتزوير غير منتج وقضت تبعاً لذلك بعدم قبوله، فإنه لا على المحكمة إن هي قضت بعدم قبول الادعاء بالتزوير وفى الموضوع بحكم واحد، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والتناقض والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم رفض الدفع بالتقادم الخمسي على سند من ثبوت قيامه بالوفاء بدفعات من متأخر الأجرة، في حين أن هذا القول ينطوي على تجزئة لما ورد بالوثائق المقدمة لا أساس لها من القانون، فإما أن تؤخذ المخالصات كاملة وتكون الأجرة المعروضة بموجب إنذارات العرض والمقبولة دون تحفظ وفاء كاملاً، وإما أن تهدر بأكملها فلا يكون ثمت انقطاع للتقادم، وهو ما يعيب الحكم بالتناقض ومخالفة القانون. هذا إلى أنه اعتمد تقرير الخبير دون أن يعرض لما وجهه إليه من اعتراضات تناولت الأسس التى أقيم عليها ولا لطلبه إعادة الدعوى إلى المرافعة لنظرها مع قضية أخرى، والانتقال إلى عين النزاع لمعاينتها مما يعيبه بالقصور فى التسبيب.
وحيث إن النعي مردود في وجهه الثاني، ذلك أنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة، أنه متى كانت محكمة الموضوع قد رأت في حدود سلطتها التقديرية الأخذ بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه فإنها لا تكون ملزمة بعد ذلك بالرد استقلالاً على ما قد يبديه الخصوم من اعتراضات عليه لأن في أخذها به محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في تلك المآخذ ما يستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنه التقرير، كما أن إعادة الدعوى إلى المرافعة بعد حجزها للحكم وانتهاء المرافعة فيها هي من إطلاقات قاضي الموضوع، وكذلك الأمر بالنسبة لطلب الانتقال إلى عين النزاع لمعاينتها فهو من الرخص القانونية التي تخضع لتقرير محكمة الموضوع فلها ألا تستجيب إليه متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفى لاقتناعها بأوجه الحق فيها، لما كان ذلك وكانت المحكمة قد وجدت في تقرير الخبير والأسباب التي أقيم عليها ما يكفى للوصول إلى حقيقة أجرة عين النزاع فإن النعي في هذا الوجه يكون على غير أساس والنعي صحيح في وجهه الأول، ذلك أنه لما كان مؤدى نص المادة 384 من التقنين المدني، أنه إذا أقر المدين بحق الدائن إقراراً صريحاً أو ضمنياً فإن من شأن هذا الإقرار أن يقطع التقادم وكان المقصود بالإقرار هو اعتراف شخص بحق عليه لآخر بهدف اعتبار هذا الحق ثابتاً في ذمته وإعفاء الآخر من إثباته، ومن مقتضى ذلك اتجاه الإرادة فيه نحو إحداث هذا الأثر القانوني فإنه يتعين لكي ينتج إقرار المدين أثره في قطع التقادم أن ينطوي على إرادة المدين النزول عن الجزء المنقضي من مدة التقادم، التي كان الحق المدعى به متنازعاً في جزء منه وقام المدين بسداد القدر غير المتنازع فيه، فإن هذا الوفاء لا ينطوي على إقراره بمديونيته بالجزء من الحق موضوع النزاع أو نزوله عما انقضى من مدة التقادم بالنسبة إليه - لما كان ذلك وكان الواقع في الدعوى أن نزاعاً ثار بين الطاعن وبين المطعون عليه الأخير ومورثة باقي المطعون عليهم منذ بداية تملك الأخيرين لعين النزاع حول مقدار الأجرة القانونية ودأب الطاعن على سدادها وفق القدر الذي يدعيه هو واستمر الوضع كذلك حتى أقام المالكان الدعوى الحالية. مطالبين بالفروق المستحقة لهما عن المدة السابقة فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع بالتقادم الخمسي المبدى من الطاعن على سند من أن هذا الوفاء يعد إقراراً قاطعاً للتقادم بالنسبة للفروق المتنازع عليها. يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه نقضاً جزئياً فى هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم ولأن مقتضى إعمال قواعد التقادم الخمسي أن يكون المستحق للمطعون عليهم قبل الطاعن حتى آخر مارس سنة 1971 هو 87.300 ج فيتعين تعديل الحكم المستأنف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق