جلسة 23 نوفمبر سنة 1939
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.
-------------------
(5)
القضية رقم 17 سنة 9 القضائية (1)
أملاك عامة.
عدم جواز تملكها بوضع اليد أو التصرف فيها. مناطه. بقاؤها مخصصة للمنفعة العامة. زوال هذا التخصيص. خروجها عن الأموال العامة. جبانة. إبطال الدفن فيها. اندثار معالمها. جواز تملك أرضها بوضع اليد بعد ذلك. (المادة 9 مدني)
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - فيما يأتي:
أقامت وزارة الصحة العمومية الدعوى رقم 389 سنة 1934 على الطاعن أمام محكمة ببا الجزئية تطالبه فيها بأحقيتها لقطعة أرض مساحتها 627 متراً و29 سنتيمتراً مبينة الحدود والمعالم بعريضة الدعوى على اعتبار أنها من المنافع العامة إذ كانت جزءاً من جبانة مع إزالة ما عليها من البناء والغرس مع إلزامه بالمصاريف وأتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ. فدفع الطاعن هذه الدعوى بعدم اختصاص المحكمة الجزئية بنظرها لأن قيمة العقار تزيد على اختصاصها، فندبت المحكمة خبيراً لتقدير ثمنه، وباشر الخبير مأموريته وقدّم تقريره. ثم أحيلت الدعوى باتفاق الطرفين إلى محكمة بني سويف الابتدائية وقيدت بجدولها برقم 64 كلي سنة 1935.
وبتاريخ 20 من إبريل سنة 1936 ندبت تلك المحكمة حسن فريد الصالحي أفندي الخبير المهندس لمعاينة أرض النزاع وتطبيق مستندات الطرفين لمعرفة إن كانت تدخل ضمن أرض الجبانة أم لا تدخل. وقد باشر الخبير مأموريته وقدّم تقريره. وبعد أن سمعت المحكمة دفاع الطرفين حكمت بتاريخ 15 يناير سنة 1938 برفض الدعوى وإلزام الوزارة بالمصاريف ومائتي قرش أتعاب محاماة.
استأنفت الوزارة هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بعريضة أعلنت في 2 من مايو سنة 1938 وقيدت بالجدول العمومي برقم 511 سنة 55 قضائية وطلبت للأسباب الواردة بها قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف واعتبار الـ 627 متراً و29 سنتيمتراً من المنافع العامة وإزالة ما عليها من البناء مع إلزام الطاعن بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
وبتاريخ 17 من يناير سنة 1939 حكمت محكمة الاستئناف حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف واعتبار الـ 627 متراً و29 سنتيمتراً المبينة الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى من المنافع العامة وإزالة ما عليها من البناء وألزمت الطاعن بالمصاريف عن الدرجتين و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 4 من مارس سنة 1939 فقرر وكيله بالطعن فيه بطريق النقض في 13 من مارس سنة 1939 بتقرير أعلنه إلى الوزارة في 18 من ذلك الشهر إلخ.
المحكمة
وحيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون. ذلك أنه يشترط لاعتبار الأموال داخلة في عداد الأملاك العامة أن تتوفر فيها صفتان: الأولى أن تكون مملوكة للدولة، والثانية أن تكون مخصصة للمنفعة العامة. فمتى توافرت فيها هاتان الصفتان ترتب عليهما آثارهما التي نص عليها القانون وهي عدم تملكها وعدم جواز الحجز عليها وعدم بيعها. فإذا زال هذا التخصيص وأصبح المال ليس في خدمة المجموع، سواء أكان ذلك بالفعل أم بمقتضى قانون أو أمر، وتحوّل إلى ملك خاص للحكومة صار خاضعاً لأحكام الأملاك الخاصة، إذ لا شك في أن تحويل الأموال العامة إلى أموال خاصة يكون بنفس الطرق التي تتحوّل بها الأموال الخاصة إلى عامة. ويخلص الطاعن من ذلك إلى أن مدار تطبيق النص على عدم جواز التملك بمضي المدّة أن تبقى الأموال مخصصة للمنفعة العامة وهو أمر غير متوافر في حالة النزاع بإقرار الحكم المستأنف نفسه وبإقرار المطعون ضدّها.
هذا هو محصل الوجه الأوّل من وجوه الطعن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بني على أن الأموال العامة لا تملك بوضع اليد مهما طال أمد وضع اليد عليها حتى بعد إبطال تخصصها للمنفعة العامة وزوال معالم هذا التخصص وآثاره، وهي لا تفقد الصفة العامة وتتحول إلى ملك خاص إلا بقانون أو أمر. وعندئذ فقط تصبح قابلة للتملك بمضي المدّة الطويلة بالشروط القانونية. واستند الحكم في ذلك إلى المادة التاسعة من القانون المدني.
أما الحكم الابتدائي الذي ألغاه الحكم المطعون فيه فقد جاء مبنياً على أن الجبانات العمومية تكتسب الصفة العامة بإحدى الطريقتين: فإما بقانون أو أمر عال، وإما بتخصيصها فعلاً لمنفعة عامة، وأنه قياساً على ذلك تفقد الجبانات صفتها العامة بإحدى هاتين الطريقتين، ويترتب على ذلك جواز تملكها بوضع اليد المدّة المستطيلة منذ زوال هذه الصفة واندثار معالمها وتكون في ذلك مثل الأملاك الخاصة.
وحيث إن القاعدة التي يجب السير عليها في هذا الشأن هي أن الحصانة التي أسبغها القانون على الأملاك العامة فأخرجها من دائرة المعاملات بما قضى به من عدم جواز بيعها والتصرف فيها إلا بقانون أو أمر (المادة 9 من القانون المدني) مقيدة ببقاء تلك الأملاك مخصصة للمنفعة العامة. فإذا ما زال عنها هذا التخصص بسبب مّا انفصلت هذه الأملاك عن الأملاك العامة ودخلت في عداد الأملاك الخاصة وأخذت حكمها من حيث إمكان تملكها بوضع اليد المدّة الطويلة المكسبة للملكية. وليس وضع اليد في هذه الحالة متعارضاً مع السياج الذي أحاط به القانون الأملاك العامة لأنه لا يهدّد من هذه الأملاك إلا ما أصبح بالفعل فاقداً لهذه الصفة فقداناً تاماً بطريقة مستمرّة لا انقطاع فيها.
وحيث إنه يبين من ذلك أن الحكم الابتدائي قد أصاب فيما قرّره من جواز تملك أرض الجبانة بوضع اليد بعد زوال تخصيصها واندثار معالمها وآثارها، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في عدم تأييده هذا النظر. ولذا يتعين نقضه بغير حاجة إلى بحث الوجهين الآخرين.
وحيث إن موضوع القضية صالح للفصل فيه ولذا فإن هذه المحكمة تتصدّى إليه.
وحيث إن الحكم المستأنف قد استظهر إبطال تخصيص أرض النزاع للمنفعة العامة كجبانة من سنة 1897 واندثار معالم هذا التخصص ثم وضع يد الطاعن عليها المدّة الطويلة عقب زوال تلك المعالم، وأتى بما يؤيد ذلك.
وحيث إن هذه المحكمة ترى أن الحكم المستأنف في محله للأسباب التي بني عليها. ولذا تقضي بتأييده.
(1) راجع أيضاً القاعدة رقم 38 من هذا الجزء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق