جلسة 13 من مارس سنة 1980
برئاسة السيد المستشار حافظ رفقي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمدي الخولي، يوسف أبو زيد، درويش عبد المجيد وعزت حنورة.
----------------
(160)
الطعن رقم 1630 لسنة 48 القضائية
(1 - 3) دستور "سريانه". قانون.
(1) تعارض التشريع مع أحكام الدستور. وجوب التزام هذه الأحكام وإهدار ما عداها. ورود نص بالدستور صالح بذاته للأعمال دون حاجة على سن تشريع أدنى. وجوب إعماله.
(2) جريمة الاعتداء على الحرية الشخصية. عدم سقوط الدعوى الجنائية والمدنية والناشئة عنها بالتقادم. م 57 من الدستور. جريمة التعذيب المعاقب عليها بالمادة 126 عقوبات. دخولها في هذا النطاق.
(3) دعوى التعويض عن التعذيب. القضاء بوقف تقادمها منذ وقوع التعذيب في سنة 1955 حتى صدور دستور سنة 1971. إعمال الحكم الأثر المباشر للمادة 57 من الدستور. لا خطأ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 4984 سنة 1976 مدني كلي جنوب القاهرة على رئيس الجمهورية بصفته والطاعن (وزير الحربية بصفته) طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 50000 جنيه، وقال بياناً للدعوى أنه اعتقل ضمن جماعة الأخوان المسلمين في سنة 1955 بالسجن الحربي وقد تعرض أثناء اعتقاله لتعذيب بدني ونفسي وأنه لم يرفع دعوى بالمطالبة بتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة هذا التعذيب لقيام مانع أدبي وهو التخوف من إقامتها ولما صدر الدستور الدائم في سنة 1971 الذي تتضمن نصاً على عدم تقادم الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن ارتكاب جرائم ضد الحريات أقام دعواه محكم بطلباته. دفع الحاضر عن المدعى عليهما بعدم قبول الدعوى بالنسبة لرئيس الجمهورية بصفته لرفعها على غير ذي صفة وبسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم الثلاثي. وبتاريخ 30/ 6/ 1977 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة لرئيس الجمهورية بصفته وبإلزام الطاعن بصفته بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 10000 جنيه، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 3892 لسنة 1964 ق استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً لنظر الدعوى لتعلقها بقرار إداري من أعمال السيادة واحتياطياً بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم الثلاثي وفي الموضوع برفض الدعوى. وبتاريخ 28/ 6/ 1978 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتفسيره وذلك من ثلاثة أوجه، وفي بيان ذلك يقول الطاعن عن الوجه الأول أن الحكم الصادر من محكمة أول درجة - المؤيد بالحكم المطعون فيه - قد أورد في أسبابه أنه ثبت للمحكمة وقوع تعذيب على المطعون ضده في سنة 1955 وأنه لم يكن في إمكانه المطالبة بالتعويض عنه لعدم شعوره بالأمن والاطمئنان حتى صدور الدستور الدائم في سنة 1971 ولما كان هذا الدستور قد صدر في 11/ 9/ 1971 فإن مدة التقادم الثلاثي تكون قد اكتملت في 12/ 9/ 1974 في حين أن الدعوى أقيمت في 29/ 9/ 1976 وإذ رفض الحكم المطعون فيه الدفع بسقوط الحق في إقامة الدعوى بالتقادم الثلاثي يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يستوجب نقضه وعن الوجه الثاني أنه لا مجال لتطبيق نص المادة 57 من الدستور التي نصت على عدم سقوط الدعوى المدنية الناشئة عن جرائم الاعتداء على الحريات بالتقادم لأن القانون رقم 37 لسنة 1972 الذي تكفل بتحديد تلك الجرائم على سبيل الحصر لم يورد من بينها الوقائع التي أوردها المطعون ضده بصحيفة دعواه كما أن هذا القانون قصر مجال تطبيقه على الجرائم التي تقع من تاريخ العمل به وهو 28/ 9/ 1972 وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يستوجب نقضه. وعن الوجه الثالث أن في عدم أعمال نص المادة 172 من القانون المدني الخاصة بالتقادم الثلاثي لدعوى التعويض على أساس مخالفتها لنص المادة 57 من الدستور الدائم ما يعتبر قضاء ضمنياً بعدم دستورية هذا النص وهو أمر خارج عن اختصاص المحاكم العادية إذ يختص به المحكمة العليا طبقاً لنص المادة 81 من القانون رقم 81 لسنة 1969.
وحيث إن النعي بأوجهه الثلاثة غير سديد ذلك أن لما كان الدستور هو القانون الوضعي الرسمي صاحب الصدارة فكان على ما دونه من التشريعات النزول عن أحكامه فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، وكان التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق ينص على الإلغاء صراحة أو يدل عليه ضمناً وكان إلغاء التشريع لا يكون إلا بتشريع لاحق مماثل له أو أقوى منه فإذا ما أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للأعمال بغير حاجة إلى سبق تشريع أو في لزم أعمال هذا النص من يوم العمل به ويعتبر الحكم المخالف له في هذه الحال قد فسخ ضمناً بقوة الدستور نفسه، لما كان ذلك وكان النص في المادة 57 من الدستور المعمول به في 11/ 9/ 1971 على أنه "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء، مفاده إن الاعتداء الذي منع الدستور وقوعه على الحرية الشخصية هو كل ما من شأنه تقييدها أو المساس بها في غير الحالات التي يقرها القانون كجرائم الاعتداء على الحرية التي يرتكبها المسئولون في سلطة الدولة اعتماداً عليها ويدخل في نطاقها الجريمة المعاقب عليها بالمادة 126 من قانون العقوبات والتي تنص على أنه" كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشرة وإذ مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً، وكان الحكم الصادر من محكمة أول درجة والمؤيد بالحكم المطعون فيه بعد أن استخلص أن التقادم بالنسبة لدعوى المطعون ضده وقف سريانه منذ وقوع التعذيب والاعتداء على حرية المطالب بالتعويض في سنة 1955 وحتى صدور دستور سنة 1971 انتهى إلى أن الدعوى المدنية الناشئة عن هذا الاعتداء لا تسقط بالتقادم فإنه لا يكون قد خالف القانون لأنه أعمل الأثر المباشر لنص المادة 57 من الدستور التي اعتبرت ملغية لنص المادة 972 من القانون المدني في صدد هذه الجرائم بقوة نفاذ الدستور دون حاجة إلى تدخل من المشرع.
ويكون النعي برمته على غير أساس مما يتعين معه رفض الطعن.
(1) نقض 27/ 2/ 1975 مجموعة المكتب الفني السنة 26 ص 503.
نقض جنائي 24/ 3/ 1975 مجموعة المكتب الفني السنة 26 ص 358.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق