جلسة 12 من إبريل سنة 1980
برئاسة السيد المستشار/ عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: د. إبراهيم علي صالح، محمود حسن رمضان، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل وحسن عثمان عمار.
---------------
(211)
الطعن رقم 1411 لسنة 49 القضائية
(1) قانون. نظام.
خضوع العقد كأصل للقانون الذي أبرم في ظله. الاستثناء. صدور قانون جديد يتضمن أحكاماً متعلقة بالنظام العام. وجوب إعمالها على العقود السارية وقت العمل به بأثر فوري.
(2 - 4) إيجار "الإخلاء لعدم الوفاء بالأجرة". قانون. نظام عام.
(2) دعوى إخلاء المستأجر لعدم الوفاء بالأجرة. جواز توقيه الحكم عليه بالإخلاء. بسداده الأجرة والمصاريف والنفقات الفعلية دون الفوائد. ق 49 لسنة 1977. لا محل لإعمال أحكام القانون السابق 52 لسنة 1969. الذي أبرم عقد الإيجار في ظله والذي كان يوجب أداء الفوائد. علة ذلك.
(3) دعوى إخلاء المستأجر لعدم الوفاء بالأجرة. جواز توقيه الحكم عليه بالإخلاء بسداد الأجرة وملحقاتها إلى ما قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الاستئناف.
(4) التزام المستأجر بسداد الضرائب العقارية المستحقة على العين المؤجرة. هو في حكم التزام بالوفاء بالأجرة. سداد المستأجر لها مع مصروفات الدعوى قبل إقفال باب المرافعة. توقيه الحكم بالإخلاء طالما لم يقدم المؤجر لمحكمة الموضوع ما يفيد تكبده مصروفات أو نفقات محددة أخرى.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 229 سنة 1977 مدني كلي ضد الطاعنين بإخلائهما من العين المؤجرة إليهما بموجب عقد الإيجار المؤرخ 1/ 1/ 1973 والمبينة بصحيفة الدعوى تأسيساً على تأخرهما في سداد قيمة الضرائب العقارية التي التزما بسدادها وذلك عن المدة من تاريخ التعاقد وحتى نهاية سنة 1976 رغم إنذارهما بالسداد، ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى، وبعد أن قدم تقريره مبيناً به أن قيمة الضرائب المتأخرة عن هذه المدة بلغت 125 ج و160 م قضت المحكمة بالإخلاء، استأنف الطاعنان الحكم بالاستئناف رقم 204 سنة 10 ق مأمورية دمياط، وبتاريخ 28/ 5/ 1979 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه - بالسبب الأول - الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم أقام قضاءه على أن قيام الطاعنين بسداد الضرائب بعد صدور حكم محكمة الدرجة الأولى لا يحول دون الحكم بالإخلاء لوجوب أن يتم ذلك قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى أمام تلك المحكمة، في حين أن المقرر قانوناً أن من حق المستأجر أن يتوقى الحكم بالإخلاء إذا قام بالسداد قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الاستئناف، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق الفانون، وقد واجهت المطعون عليها - في ردها على أسباب الطعن - هذا النعي بأنه غير منتج، قولاً منها بأنه مع التسليم بأن من حق المستأجر أن يتوقى الإخلاء إذا قام بالسداد قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الاستئناف إلا أن ما سدده الطاعنان أمام تلك المحكمة كان قاصراً على الضرائب العقارية المستحقة حتى آخر إبريل سنة 1979 دون باقي ما أوجبته المادة 23/ 2 من القانون رقم 52 سنة 1969 - وهو القانون الواجب التطبيق على الدعوى الماثلة المرفوعة في ظله والذي يحكم عقد الإيجار موضوع التداعي - من قيام المستأجر بأداء الأجرة المستحقة حتى تاريخ إقفال باب المرافعة مع فوائدها بواقع 7% والمصاريف الرسمية شاملة أتعاب الخبير المعين في الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة، ومن ثم يكون ما تم سداده من الطاعنين أمام محكمة الاستئناف غير مانع من الحكم عليهما بالإخلاء وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة الصحيحة فإن النعي عليه بما ورد بهذا السبب يكون غير منتج.
وحيث إن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه بهذا السبب في محله، ذلك أنه وإن كان الأصل أن العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تخضع للقانون الذي أبرمت في ظله إلا أنه إذا صدر بعد ذلك قانون تضمن أحكاماً متعلقة بالنظام العام فإنها تطبق على العقود السارية وقت العمل به ولو كانت مبرمة قبل ذلك، مما مفاده أنه إذا استحدث القانون الجديد أحكاماً من هذا القبيل فإنها تسري بأثر فوري على الآثار والنتائج التي ترتبت بعد نفاذه ولو كانت ناشئة عن مراكز ووقائع قانونية تمت قبل ذلك، ولما كان عقد الإيجار موضوع التداعي مبرماً في 1/ 1/ 1973 أي في ظل القانون رقم 52 سنة 1969، فإن هذا القانون يكون - بحسب الأصل هو الواجب التطبيق على العقد من تاريخ إبرامه وطوال مدة سريانه حتى إذا ما استجدت بعده أحكام متعلقة بالنظام العام فإنها تسرى من تاريخ العمل بالقانون الذي استحدثها، ولئن كانت المادة 23 من القانون المذكور قد نصت في الفقرة الثانية منها على أنه "... ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر بأداء الأجرة وفوائدها بواقع 7% من تاريخ الاستحقاق وحتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية وذلك قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى..." إلا أنه وقد صدر القانون رقم 49 سنة 1977 الذي عمل به من 9/ 9/ 1977 متضمناً في المادة 31 ف 2 منه - والتي حلت محل المادة 23 ف 2 سالفة الذكر - النص على أنه "... ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية..." فإن مؤدى ذلك أن المشرع قد استحدث بالنص الجديد تعديلاً يقضى بقصر ما يلتزم المستأجر بأدائه - توقياً للحكم عليه بالإخلاء - على الأجرة والمصاريف والنفقات، وذلك دون الفوائد التي كان يشملها القانون السابق، مما مفاده أن المشرع لم يجعل من أداء الفوائد شرطاً لتوقي الإخلاء بحيث لم يعد التخلف عن سدادها في هذه الحالة سبباً من أسباب الإخلاء، ولما كانت الغاية التي دعت إلى هذا التعديل - ليس مجرد التيسير على المستأجر الذي وضع حكم توقى الإخلاء في الأصل بقصد حمايته - بل اتجاها من المشرع إلى مناهضة الفوائد والنزوع إلى استنكار الربا والإشفاق من معاطبه به أخذاً بما تمليه مبادئ الشريعة الإسلامية في هذا الصدد واتساقاً مع ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور الصادر في سنة 1971 من اعتبار هذه المبادئ مصدراً رئيسياً للتشريع، لما كان ذلك، فإن هذا النص المستحدث يكون متعلقاً بالنظام العام ويسري لذلك بأثر فوري على المراكز والوقائع القانونية القائمة وقت نفاذه ولو كانت ناشئة قبله، ويكون بالتالي هو الواجب التطبيق على العقد والواقعة موضوع التداعي، لما كان ما سلف، وكان مؤدى نص المادة 31 ف 2 من القانون رقم 49 لسنة 1977 - ومن قبلها المادة 23 ف 2 من القانون رقم 52 سنة 1969 - أن المشرع وإن رتب للمؤجر الحق في إخلاء المستأجر بمجرد انقضاء خمسة عشر يوماً على تكليفه بالوفاء بالأجرة المستحقة دون الوفاء بها، إلا أنه رغبة في التيسير على المستأجرين أفسح لهم مجال الوفاء حتى تاريخ إقفال باب المرافعة في الدعوى بحيث أصبح قيام المستأجر بسداد الأجرة وملحقاتها حتى التاريخ المذكور مسقطاً لحق المؤجر في الإخلاء، وإذ جاء نص المادة المذكورة عاماً ومطلقاً فإنه لا يجوز قصر نطاقها على إقفال باب المرافعة أمام محكمة الدرجة الأولى دون محكمة الاستئناف، إذ يعتبر ذلك تقييداً لمطلق النص دون مسوغ وتخصيصاً لعمومه بغير مخصص، ومن ثم فإنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يكون من حق المستأجر أن يقوم - توقياً للحكم عليه بالإخلاء - بسداد الأجرة وملحقاتها إلى ما قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الاستئناف، ولما كان من المقرر أن التزام المستأجر بأداء الضرائب العقارية المستحقة على العين المؤجرة يأخذ حكم التزامه بالوفاء بالأجرة، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعنين قد قاما - وقبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الاستئناف - بالوفاء بقيمة الضرائب العقارية المستحقة حتى ذلك التاريخ فضلاً عن مصروفات الدعوى، وكانت الأوراق قد خلت مع هذا مما يدل على أن المطعون عليها قد تمسكت أمام محكمة الموضوع بأن ما أوفى به الطاعنان قبل إقفال باب المرافعة لا يعتبر وفاء كاملاً مبرئاً لذمتهما من الضرائب المستحقة، كما لم تقدم لتلك المحكمة أي بيان بشأن ما تكون قد تكبدته في الدعوى حتى ذلك التاريخ من مصروفات أخرى محددة أو نفقات فعلية مما يلتزم الطاعنان بأدائه لها عندئذ - فضلاً عن عدم تقديمها الدليل المثبت لذلك - حتى ينسب للطاعنين التخلف عن الوفاء بها قبل إقفال باب المرافعة في الاستئناف، وكان مؤدى ذلك أن الطاعنين قد أوفيا للمطعون عليها بما أوجبه القانون في هذا الصدد وعلى النحو الذي يمتنع معه الحكم عليهما بالإخلاء، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى إخلائهما، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه لهذا السبب ودون حاجة للتعرض لباقي أسباب الطعن.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن موضوع الدعوى صالح للفصل فيه، ولما كان البين مما سلف أن طلب الإخلاء قد فقد سنده من القانون، فإن في ذلك ما يستوجب إلغاء الحكم المستأنف والقضاء برفض دعوى المطعون عليها.
وحيث إنه وإن كانت المطعون عليها قد أخفقت في طلباتها في الدعوى، إلا أن المحكمة ترى مع ذلك إلزام الطاعنين بمصاريف الدعوى عن درجتي التقاضي عملاً بنص المادتين 186، 240 من قانون المرافعات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق