الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 26 أبريل 2023

الطعن 10 لسنة 13 ق جلسة 10 / 6 / 1943 مج عمر المدنية ج 4 ق 68 ص 189

جلسة 10 يونيه سنة 1943

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك المستشارين.

--------------

(68)
القضيتان رقما 10 و11 سنة 13 القضائية

مسئولية تقصيرية. 

حجز على مال غير المدين. هلاك هذا المال في يد حارسه. حكمه. الموظف الذي أوقع الحجز. مسئوليته هو والجهة التابع لها. تقصيرية. وجوب توافر علاقة السببية بين الخطأ الواقع والضرر الحاصل. لا غصب.

---------------
إن القول بأن الحجز الواقع بسوء نية على مال غير المدين حكمه حكم الغصب تماماً وباعتبار الموظف الذي يباشر عملية هذا الحجز غاصباً مسئولاً عن هلاك الشيء المحجوز في يد حارسه، غير صحيح على إطلاقه. ذلك لأن الغاصب في عرف القانون هو الشخص الذي يستولي على مال غير مملوك له جبراً عن صاحبه أو في غفلته بقصد امتلاكه وحرمان صاحبه من ملكيته له ومن الانتفاع به، أما الموظف الذي يباشر الحجز بناءً على طلب الدائن ولمصلحته وتنفيذاً لسند واجب التنفيذ فلا يستفيد لنفسه شيئاً من المحجوز، وإذن فالحكم باعتباره غاصباً لوضعه الحجز على شيء يعلم أنه غير مملوك للمدين المطلوب التنفيذ عليه ومساءلته على هذا الأساس عن هلاك المحجوز بدون بيان توافر رابطة السببية بين خطئه والهلاك يكون حكماً مخطئاً في تطبيق القانون. والصحيح أن مسئولية الموظف هو والجهة التي يتبعها لا تكون إلا مسئولية تقصيرية لا يصح أن يقضي بناءً عليها بتعويض إلا إذا توافرت جميع عناصرها القانونية وأهمها علاقة السببية بين الخطأ والضرر.


الوقائع

تتلخص وقائع هذين الطعنين في أن لوقف المرحوم عبده بك ميخائيل المشمول بنظر نصيف أفندي واصف المطعون ضده أطياناً بزمام مركز الفشن تبلغ مساحتها مائتي فدان تقريباً كما أن لزوجته وموكلته السيدة مكيال عبده أربعين فداناً تقريباً. وقد أجر نصيف أفندي أرض الوقف وأرض زوجته إلى من يدعى كامل أفندي كيرلس لمدة ثلاث سنوات من سنة 1931 إلى سنة 1933 الزراعية لأرض الوقف ولمدة سنة واحدة (1931 الزراعية) لأرض زوجته. ثم أجر كامل كيرلس من باطنه أرض الوقف لمستأجرين آخرين حصلوا على سلف زراعية أضيف الباقي منها على الأطيان المذكورة لتحصيله من محصولات سنة 1921 كما أن كامل كيرلس أخذ ثمانين أردباً فولاً من بنك التسليف لزرعها في أرض الوقف المؤجرة إليه، وقد عجز كامل عن زراعة الأرض التي هيأها لزراعة القطن فتسلمها منه نصيف أفندي، وتولى زراعتها بنفسه وبماله الخاص لحسابه شخصياً. وكان ذلك بعلم عمدة الناحية، وفي 25 من مارس سنة 1932 حجزت المديرية إدارياً على زراعة 14 ط و55 ف منزرعة فولاً وفاء لمبلغ 2 مليم و175 جنيهاً مستحق لبنك التسليف الزراعي وقد بيع محصول هذه الزراعة وخصم ثمنها مما هو مطلوب من كامل كيرلس، وفي 10 من إبريل سنة 1932 أوقعت المديرية حجزاً إدارياً على زراعة عشرة أفدنة منزرعة قمحاً لوفاء الأموال المستحقة على أرض الوقف، وقد بيع محصول هذه الزراعة وخصم ثمنه من الأموال المطلوبة من جهة الوقف، وفي 18 من أغسطس سنة 1932 أوقعت المديرية حجزاً إدارياً ثالثاً على زراعة 18 ط و31 ف منزرعة قطناً وفاء لما هو مطلوب لوزارة المالية وبنك التسليف وقد بدد الحارس معظم محصول هذه الزراعة ولم يبق منها سوى 26 قنطاراً بيعت في 28 من سبتمبر سنة 1932 بمبلغ 750 مليماً و81 جنيهاً خصم منه لحساب بنك التسليف 350 مليماً و69 جنيهاً قيمة الباقي له من ثمن الفول ومبلغ 152 مليماً و4 جنيه قيمة فوائد المتأخر في الوفاء ولحساب المديرية 4.490 جنيه قيمة المطلوب لها من الأموال والباقي بعد كل هذه المبالغ استولت عليه المديرية مقابل مصاريف إجراءات الحجز.
وفي 5 و18 من أكتوبر سنة 1932 رفع المطعون ضده الأول الدعوى رقم 359 سنة 1933 كلي مصر ضد وزارة المالية وبنك التسليف ومديرية المنيا وآخرين طلب فيها الحكم بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 500 مليم و1257 جنيهاً على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وهذا المبلغ يتضمن (1) 500 مليم و464 جنيهاً قيمة ثمن محصول زراعة القطن الذي حجزته المديرية وفاء لمبلغ 912 مليماً و350 جنيهاً وهو عبارة عن القروض الزراعية المأخوذة من المالية وقرض بنك التسليف الزراعي وجميعها مطلوبة من أشخاص آخرين. (2) 732 جنيهاً قيمة ثمن محصول زراعة الفول وقد حجزت لوفاء قروض زراعية على آخرين لم يكن المطعون ضده ضامناً وفاءها. (3) 61 جنيهاً ثمن محصول عشرة أفدنة كانت منزرعة قمحاً وحجز لوفاء رسوم الخفر وقد بددت.
وفي 6 من يونيه سنة 1935 قضت محكمة مصر بإلزام وزارة المالية وبنك التسليف متضامنين بأن يدفعا للمطعون ضده مبلغ 260 مليماً و77 جنيهاً والمصاريف المناسبة و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت باقي الطلبات وأخرجت باقي المدعى عليهم من الدعوى بلا مصاريف، وقد بنت المحكمة المذكورة حكمها على أنه لا حق للمطعون ضده في المطالبة بأي تعويض عن الحجزين الموقعين على زراعتي الفول والقمح وأن له حق الاستيلاء على ثمن ما بقى من زراعة القطن بعد الذي بدده الحارس وقدر ذلك 750 مليماً و81 جنيهاً يخصم منها 490 مليماً و4 جنيه قيمة الأموال المطلوبة على أرض الوقف المشمول بنظر المطعون ضده ولم تعتبر المحكمة وزارة المالية وبنك التسليف الزراعي مسئولين عن تبديد باقي محصول القطن بواسطة الحارس المعين عليه من قبل الصراف الذي باشر الحجز.
استأنفت وزارة المالية حكم المحكمة الابتدائية أمام محكمة استئناف مصر طالبة إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضده واستأنفه بنك التسليف الزراعي طالباً كذلك إلغاءه ورفض الدعوى واستأنفه المطعون ضده طالباً تعديله والحكم له بطلباته الأصلية وقد ضمت محكمة الاستئناف هذه الاستئنافات الثلاثة بعضها إلى بعض وقضت في 13 من ديسمبر سنة 1936 بقبولها شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم وإلزام وزارة المالية وبنك التسليف الزراعي متضامنين بأن يدفعا للمطعون ضده 391 ج مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة وتأييد الحكم فيما عدا ذلك.
طعن بنك التسليف الزراعي بطريق النقض في الحكم الاستئنافي. ومحكمة النقض والإبرام قضت في 3 من فبراير سنة 1938 بنقضه وإعادة الدعوى لمحكمة استئناف مصر لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى وبنت قضاءها على قصور في بيان السند الذي رتب عليه الحكم مسئولية البنك عن التبديد وغموض في رابطة السببية.
عجل بنك التسليف النظر في الاستئناف بطلب قيد في جدول المحكمة تحت رقم 599 سنة 55 قضائية. وفي 29 من نوفمبر سنة 1941 قضت محكمة الاستئناف برفض الدفع الفرعي المقدم من البنك بعدم قبول استئناف المطعون ضده وفي الموضوع بإلزام وزارة المالية والبنك بطريق التضامن بأن يدفعا للمطعون ضده على سبيل التعويض مبلغ 391 ج مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين و10000 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن الحكم الاستئنافي للبنك في 26 من نوفمبر سنة 1942 فطعن فيه بطريق النقض في 16 من ديسمبر سنة 1942 إلخ.
وفي 27 من ديسمبر سنة 1942 طعنت وزارة المالية أيضاً في الحكم المذكور بطريق النقض وأعلنت إلى المطعون ضدهم تقرير الطعن إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه رتب مسئوليتهما متضامنين عن الضرر الذي لحق المطعون ضده بسبب تبديد الحارس محصول القطن الذي حجزا عليه في 18 من أغسطس سنة 1932 على اعتبارهما في حكم الغاصب الذي يسأل عن هلاك الشيء المغصوب سواء أكان حسن النية أم سيئها حالة كون القانون المدني لا يعرف نظرية الغصب على الصورة التي استندت إليها محكمة الاستئناف ويحتم توافر ركن السببية بين الضرر الواقع وخطأ المسئول عنه، الأمر الذي لم تعن المحكمة المذكورة بالتعرض له.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه حصر مقطع النزاع في تعرف حكم الحجز على مال شخص وفاء لدين غير مستحق عليه، وتعرف حكم هلاك هذا المال في يد حارسه، ثم قرر أن حكم الحجز في هذه الحالة كحكم الغصب لأن الفعل في كليهما واحد وهو إزالة يد المالك عن ماله بغير سبب شرعي. ثم أخذ الحكم يبحث في حكم هلاك الشيء المغصوب فأورد حكم الشريعة الإسلامية في مسألة الغصب، ثم قال إن حكم القانون المدني في المسألة يختلف باختلاف نية الغاصب وقت الغصب، فإذا حصل الغصب بسوء نية كان الهلاك على الغاصب طبقاً لنظرية الهلاك "theorie du risque" التي جرى القانون على تطبيقها كلما كان موضوع الالتزام رد شيء على مالكه، فإذا ثبت أن الحاجز كان يعلم أن القطن الذي حجزه غير مملوك لمدينه فإنه يتحمل هلاكه دون حاجة إلى توافر رابطة السببية بين فعله وبين الفعل الذي حصل به الهلاك، لأن هذا العلم يتكون به سوء النية الذي يشترطه القانون لتحمل الغاصب هلاك المغصوب إطلاقاً، ثم أخذ الحكم المطعون فيه بعد هذه المقدمات يسرد الأدلة على علم الصراف الذي قام بوضع الحجز بأن القطن الذي باشر حجزه غير مملوك للمدين المطالب بالوفاء، ورتب على هذا العلم تحميل الصراف مسئولية هلاك القطن الذي بدده الحارس ثم مسئولية الحكومة وبنك التسليف بناءً على تبعية الصراف لهما ووضعه الحجز أثناء تأدية وظيفته.
وحيث إنه مع عدم التعرض للمبادئ التي قررها الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى الغصب فإن هذه المحكمة لا تقر محكمة الاستئناف على ما بنت عليه قضاءها من اعتبار حكم الحجز الواقع بسوء نية على مال غير المدين كحكم الغصب تماماً، واعتبار الموظف الذي يباشر عملية هذا الحجز غاصباً مسئولاً إطلاقاً عن هلاك الشيء المحجوز. ذلك لأن الغاصب في عرف القانون هو الشخص الذي يستولي على مال غير مملوك له جبراً عن صاحبه أو في غفلته بقصد امتلاكه وحرمان صاحبه من ملكيته له ومن الانتفاع به، أما الموظف الذي يباشر الحجز بناءً على طلب الدائن ولمصلحته وتنفيذاً لسند واجب التنفيذ فلا يصح قانوناً اعتباره غاصباً إذا وضع الحجز على شيء يعلم أنه غير مملوك للمدين المطلوب التنفيذ عليه، لأنه (أي الموظف) لا يستفيد شيئاً لنفسه من الشيء المحجوز.
وحيث إن مسئولية الموظف الذي يجري الحجز ومسئولية الجهة التابع لها ليست إلا مسئولية تقصيرية لا يصح أن يترتب عليها حكم بتعويض إلا إذا توافرت جميع عناصرها القانونية وأهمها علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
وحيث إن الحكم المطعون فيه وقد بني على مجرد اعتبار الصراف الذي باشر الحجز غاصباً، وبالتالي مسئولاً عن هلاك المحجوز بدون حاجة إلى توافر رابطة السببية بين خطئه والهلاك - إذ بني على ذلك يكون قد بني على أساس باطل قانوناً، ويتعين والحالة هذه نقضه. ولا ترى المحكمة بعد هذا محلاً للتعرض إلى أسباب الطعن الأخرى التي ساقها الطاعنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق