جلسة 14 مايو سنة 1936
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد
فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.
-----------------
(359)
القضية
رقم 80 سنة 5 القضائية
اختصاص.
الأوامر الإدارية المحظور على المحاكم التعرّض لها. ماهيتها. إجراءات
الحجز الإداري. الدعوى بإبطالها. من اختصاص المحاكم الأهلية.
(المادة 15 من لائحة
ترتيب المحاكم الأهلية)
--------------
الأوامر الإدارية المحظور
على المحاكم وقفها أو إلغاؤها أو تأويلها هي الأوامر التي تصدرها الحكومة في سبيل
المصلحة العامة وفى حدود القانون بصفتها صاحبة السلطة العامة أو السيادة العليا.
أما إجراءات البيع الإداري فليست من هذا النوع، بل هي نظام خاص وضعه المشرع ليسهل
على الحكومة تحصيل ما يتأخر لدى الأفراد من الأموال الحكومية. وهو نظام أكثر
اختصارا وأقل نفقة من نظام قانون المرافعات. وقد أحاطه المشرع بسياج من الضمانات
شبيهة بالضمانات التي أحيطت بها إجراءات نزع الملكية القضائية بالنسبة لجميع ذوى
الشأن ومنهم المدين. فالدعوى التي يرفعها المدين، الذى يبيع ملكه جبرا بالطرق
الإدارية، على وزارة المالية الدائنة له بالأموال وعلى الراسي عليه المزاد ويقصد
منها إبطال إجراءات هذا البيع لوقوع بعض مخالفات فيها هي من اختصاص المحاكم الأهلية،
حكمها في ذلك حكم دعاوى إبطال إجراءات البيوع الجبرية القضائية.
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه - فيما يأتي:
رفع محمد أفندي على عزت
بصفته ناظرا على وقف المرحوم محمد عبد اللطيف بك هذه الدعوى أمام محكمة الموسكي
الجزئية حيث قيدت بجدولها برقم 3255 لسنة 1934 ضدّ مديرية بنى سويف نيابة عن وزارة
المالية وعبد المجيد محمد عفيفي قال في عريضتها إن مديرية بنى سويف نزعت ملكية 5
أفدنة وقيراط و6 أسهم من أرض الوقف نظارته وباعتها إلى عبد المجيد محمد عفيفي، وإن
الإجراءات التي اتخذتها المديرية في نزع ملكية هذا العقار باطلة لأنها غير مستوفاة
للشرائط القانونية المبينة بقانون الحجز الإداري. ومن أجل هذا طلب الحكم: (أوّلا)
وبصفة مستعجلة، بتعيين شيخ العرب سليمان محمد حمد شيخ قبيلة الضعفاء حارسا قضائيا
على القدر المذكور وإيداع صافى إيراده بخزينة المحكمة لحين الفصل في الدعوى، وأن
يكون ذلك بنسخة الحكم الأصلية (ثانيا) بإلغاء جميع الإجراءات التي وقعت على القدر
المذكور كطلب الحكومة إلى عبد المجيد محمد عفيفي واعتبارها كأن لم تكن مع محو كل
تسجيل وقع عليه وتسليمه له مع إلزام من يحكم عليه بالمصاريف والأتعاب.
دفعت مديرية بنى سويف
بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى طبقا للمادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
وقد أجابتها محكمة الموسكي الجزئية إلى طلبها، وقضت بتاريخ 6 سبتمبر سنة 1934
بقبول الدفع وعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وألزمت محمد أفندي على عزت بصفته
بالمصاريف و100 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف محمد أفندي على
عزت هذا الحكم أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية بالاستئناف رقم 174 لسنة 1935
طالبا إلغاءه وإعادة القضية لمحكمة أوّل درجة لنظرها، ثم عدل عن هذا الطلب الأخير
وطلب من المحكمة أن تفصل في طلباته الموضوعية السابق ذكرها.
نظرت محكمة مصر في هذا
الاستئناف وقضت فيه بتاريخ 15 مايو سنة 1935 بإلغاء الحكم المستأنف وباختصاص
المحكمة بنظر الدعوى.
وقبل إعلان هذا الحكم
طعنت فيه مديرية بنى سويف بطريق النقض في 29 يوليه سنة 1935 بتقرير أعلن إلى
المطعون ضدّه في 30 من الشهر المذكور، وقدّمت الطاعنة مذكرتها ومستنداتها في 7
أغسطس سنة 1935 ولم يقدّم المدعى عليه في الطعن شيئا، وقدّمت النيابة مذكرتها في 29
يناير سنة 1936.
وبجلسة يوم الخميس 20
فبراير سنة 1936 التي حدّدت لنظر هذا الطعن كلفت المحكمة الطاعنة بتقديم مذكرة
تكميلية وأجلت الدعوى لجلسة 2 أبريل سنة 1936 وقد قدّمت المذكرة. وبالجلسة
المذكورة سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة، وأجل النطق بالحكم لجلسة 16
أبريل سنة 1936 ثم أخيرا لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة الشفوية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا
في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن
مخالفة الحكم المطعون فيه للمادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية لأن إجراءات
الحجز الإداري هي من الأعمال الإدارية التي أشارت إليها المادة المذكورة وحظرت على
القضاء أن يتعرّض لها بإيقاف أو إلغاء أو تأويل.
وحيث إن ما يجدر بحثه قبل
الفصل في نقطة النزاع القانونية هو استظهار الوضع الحقيقي للدعوى.
وحيث إن الدعوى هي دعوى
مدين نزعت ملكيته بمقتضى حكم مرسى مزاد أصدره مدير بنى سويف بما له من سلطة إيقاع
مثل هذا البيع بعد استيفائه إجراءاته الشكلية - رفعها هذا المدين ضدّ وزارة
المالية باعتبارها دائنة لمال متأخر على المدين المذكور لا نزاع في أصل ربطه ولا
في تقديره وضدّ عبد المجيد محمد عفيفي الراسي عليه المزاد. ومقصوده من هذه الدعوى
إبطال إجراءات هذا البيع لوقوع بعض مخالفات فيها. فالدعوى بهذا الوضع ظاهر منها أن
الحكومة لم تكن قط مختصمة فيها بصفتها جهة سلطة إدارية عامة، فهي من اختصاص
المحاكم الأهلية بغير شك.
وحيث إن القول بأن مثل
هذه الدعوى من المحظور على المحاكم نظرها لتضمنها طلب إبطال عمل إداري أجرته
الحكومة بصفتها سلطة إدارية غير صحيح، لأن الأوامر الإدارية المحظور على المحكمة التصدي
لها بإيقاف أو إلغاء أو تأويل هي الأوامر التي تصدرها الحكومة في سبيل المصلحة
العامّة وفى حدود القانون بصفتها صاحبة السلطة العامّة أو السيادة العليا.
وإجراءات البيع الإداري ليست من هذا النوع لأنها عبارة عن نظام خاص وضعه المشرع
ليسهل على الحكومة تحصيل ما يتأخر لدى الأفراد من الأموال الحكومية وهو نظام أكثر
اختصارا وأقل نفقة من نظام قانون المرافعات. وقد أحاطه المشرع بسياج من الضمانات
تشبه في دقتها الضمانات التي أحيطت بها إجراءات نزع الملكية القضائية بالنسبة
لجميع ذوى الشأن ومن ضمنهم المدين. فكما يحق لهذا المدين أن يطعن في إجراءات البيع
القضائي إذا وقعت فيها مخالفة للقانون، كذلك يجب أن يكون للمدين المنزوعة ملكيته
إداريا الحق في الطعن في إجراءات البيع الإداري الباطلة وتوجيه طعنه ضدّ الدائن
(نازع الملكية) والراسي على المزاد.
وحيث إنه مهما يبدو قول
الطاعنة لأوّل وهلة وجيها وعاما ينطبق على جميع الأحوال من أن مناط تطبيق المادة
15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية أن يكون الأمر الإداري صادرا من جهة إدارية وفى
حدود السلطة التي تخوّلها صفة الموظف أو الهيئة الإدارية لهما في دائرة اختصاصهما
طبقا للقوانين واللوائح، فهو لا يشمل كل عمل من الأعمال التي تقوم بها الحكومة.
فقد يصدق هذا القول على سلطة الحكومة في فرض المال على الأطيان الزراعية لأن في فرض
المال تقوم الحكومة بعمل من أعمال السيادة، أما في حالة التأخير في سداد هذا المال
واضطرار الحكومة للالتجاء إلى النظام الإداري الذى وضعه المشرع لتحصيل هذا المال
المتأخر فهي خاضعة في هذا العمل لرقابة المحاكم كما هو الواقع في جميع الأحوال التي
تتخذ فيها إجراءات التنفيذ الإداري كحالة تحصيل نفقة محكوم بها من الجهة المختصة
مثلا. فان وجدت المحاكم أية مخالفة في هذا الإجراء للقواعد الموضوعة ألغته وإلا
أقرّته لأن هذه القواعد وضعت لحماية المدين، وليس من العدل ولا من المنطق إقرار
هذا الإجراء مع ثبوت الإخلال بهذه القواعد والاكتفاء بالحكم بالتضمينات الناشئة عن
هذا الإخلال بدعوى أن العمل على خلاف ذلك فيه تهديد لمصالح الدولة وهدم لما يجب أن
يكون لموظفي الحكومة من هيبة ولأعمالها من حرمة. على أنه لا تهديد لمصالح الدولة
في الأمر ولا هدم لهيبة موظفيها وحرمة أعمالها ما دام المال المتأخر لا يسقط الحق
فيه بإلغاء الإجراءات المترتبة على هذا التأخير وما دام في الإمكان إعادة
الإجراءات الملغاة على الوجه الصحيح.
وحيث إنه ينتج من ذلك أن
إجراءات البيع الإداري لا تعتبر من الأوامر أو الإجراءات الإدارية المشار إليها في
المادة 15 فالدعوى بإبطالها لمخالفتها للقواعد الموضوعة لهذا البيع هي من اختصاص
المحاكم الأهلية حكمها كحكم دعاوى إبطال إجراءات البيوع الجبرية القضائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق