جلسة 19 من أبريل سنة 1976
برياسة السيد المستشار
محمد عبد المنعم حمزاوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن على المغربي،
وقصدي إسكندر عزت، وفاروق محمود سيف النصر، ومحمد صفوت القاضي.
-----------
(96)
الطعن رقم 77 لسنة 46
القضائية
(1)إثبات.
"اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم.
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الأخذ باعتراف المتهم. حق
لمحكمة الموضوع. متى اقتنعت بصحته.
(2)محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود.
حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
للمحكمة أن تستخلص
الإدانة من أقوال الشهود ولو تناقضت. متى كان استخلاصا سائغا.
(3)محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع.
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع باستحالة الرؤية
بسبب الظلام. موضوعي. عدم التزام المحكمة بالرد عليه صراحة.
(4)قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تكييف الدعوى".
تعمد القتل أمر داخلي
متعلق بالإرادة. تقدير توافره. موضوعي.
(5)ظروف مشددة. سبق إصرار. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير
الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. ماهيته ؟ حق
المحكمة في استخلاصه من الوقائع والظروف متى كان موجب ذلك لا يتنافر وهذا
الاستنتاج.
(6) ظروف مشددة. طعن
"المصلحة فيه". أسباب الطعن "ما لا يقبل منها". سبق إصرار.
ترصد.
سبق الإصرار حكمه في تشديد
العقوبة كحكم الترصد. لا جدوى من التمسك بتخلف ظرف الترصد. عند توافر سبق الإصرار.
---------------
1 - من المقرر الاعتراف
في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير
صحتها وقيمتها في الإثبات. ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة
والواقع.
2 - التناقض بين أقوال
الشهود - بفرض قيامه - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم
استخلاصا سائغا لا تناقض فيه.
3 - الدفع باستحالة
الرؤية في الظلام يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة
ردا صريحا ما دام الرد مستفاد ضمنا من القضاء بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي
يوردها الحكم.
4 - قصد القتل أمر خفى لا
يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر
الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر
الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
5 - سبق الإصرار حالة
ذهنية تقوم بنفس الجاني، قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة
وإنما هى تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصا ما دام موجب
هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلا مع هذا الاستنتاج.
6 - لما كان حكم ظرف سبق
الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات
توافر الآخر، فإنه لا يكون للطاعنين مصلحة فيما أثاراه من تخلف ظرف الترصد.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعنين بأنهما في يوم 16 يناير سنة 1974 بدائرة مركز سنورس محافظة الفيوم: قتل
...... عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وأعد كل منهما لهذا
الغرض فأسا وترصداه في الطريق الذي أيقنا مروره فيه وما أن ظفرا به حتى انهالا
عليه بالضرب قاصدين قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي
أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما
بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات. فقرر ذلك، ومحكمة جنايات الفيوم قضت في الدعوى
حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من
المتهمين بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم
بطريق النقض ... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن
الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد
شابه فساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وفى الإسناد، ذلك بأنه
عول في إدانة الطاعن الأول على اعترافه مع أنه لا يطابق الحقيقة والواقع إذ جاء
متعارضا مع ما انتهى إليه التقرير الطبي الشرعي في أن حالة إصابات المجنى عليه
قطعية ورضية بينما قرر الطاعن الأول في اعترافه أنه ضرب المجنى عليه بسن الفأس،
كما أن الدافع إليه كان التباهي بالأخذ بالثأر، وعول في إدانة الطاعن الثاني على
عبارة "ونزلنا عليه" التي وردت على لسان الطاعن الأول في معرض الادلاء
باعترافه واستمد منها أن الطاعنين اعتديا على المجنى عليه مع أن الطاعن الأول أكد
أنه قصد بها نفسه وأن الطاعن الثاني لم يكن معه على مسرح الجريمة، وتساند إلى
أقوال شهود الإثبات رغم تضاربها، ومع أن الحادث وقع في ظلام دامس يستحيل معه
التعرف على الجناة، هذا إلى أن الحكم قد دلل على توافر نية القتل وظرف سبق الاصرار
في حقهما تدليلا غير سائغ، وركن في توافر ظرف الترصد إلى ما لا أصل له في الأوراق
مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث أن الحكم المطعون
فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع
سبق الإصرار والترصد التي دان الطاعنين بها وأقام عليها في حقهما أدلة سائغة تؤدى
إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره المدافع غن
الطاعن الأول من اعترافه يجافى الحقيقة الثابتة بالتقرير الطبي الشرعي ورد عليه
بقوله "... إنه ليس صحيحا أن المتهم الأول قد اعترف بأنه ضرب المجنى عليه بسن
الفأس فقط بل أنه قرر في معرض مواجهته في تحقيقات النيابة بما أسفر عنه التقرير الطبي
الشرعي من وجود إصابات رضيه وأخرى قطعية بجثة المجنى عليه أنه ضرب المجنى عليه بكل
من سن الفأس وقاعدته" لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل
الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها
وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة
والواقع. ولما كانت المحكمة قد خلصت في استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من
اعتراف الطاعن الأول في تحقيقات النيابة وبجلسة المحاكمة - لما ارتأته من أنه
يطابق الواقع الذي استظهرته من التقرير الطبي الشرعي وأيدته أقوال شهود الإثبات -
مما مفاده أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به،
فإن ما يثيره الطاعن الأول من مجادلة في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة
المحكمة في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك،
وكان الحكم قد عول في قضائه بإدانة الطاعن الثاني على أقوال شاهدي الإثبات اللذين
أكدا رؤيتهما للطاعنين وهما يضربان المجنى عليه كل بفأس يحمله، وعلى ضبطه فور
الحادث بمعرفة شيخ الخفراء وضبط الفأس الذى استعمله في ارتكابها، وعلى ما أثبته
تقرير الصفة التشريحية، وعلى ما جاء باعتراف الطاعن الأول - في تحقيقات النيابة -
عند تصويره لكيفية الاعتداء على المجنى عليه. ومن عبارة "ونزلنا عليه"
واستخلاص المحكمة منها أن الطاعن الأول عنى بها - أنه وآخر اعتديا على المجنى عليه
وأن ذلك الآخر - على ما كشفت عنه أدلة الثبوت الأخرى التي اطمأنت إليها المحكمة -
هو الطاعن الثاني. وإذ كان ما خلصت إليه المحكمة في هذ ا الشأن - أخذا بما أنبأت
به عبارة الطاعن الأول. عند الإدلاء باعترافه - هو من قبيل فهم الواقع في الدعوى
مما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع وقد جاء سائغا ومؤديا إلى النتيجة التي انتهت
إليها، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق
نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى
اطمأنت إلى صحته ومطابقته للواقع، وكان الأصل أنه يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها
كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها
إلى ما انتهت إليه فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، ومن
ثم فإن ما يعيبه الطاعن الثاني على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان
ذلك، وكان التناقض بين أقوال الشهود - بفرض قيامه - لا يعيب الحكم ما دام قد
استخلص الادانة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى
المطروحة - ، وكان الدفع باستحالة الرؤية في الظلام يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التي
لا تستوجب في الأصل من المحكمة ردا صريحا ما دام الرد مستفاد ضمنا من القضاء
بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، ومن ثم يضحى النعي في هذا
الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل وأثبت
توافرها في حق الطاعنين في قوله: "وحيث إن القصد الخاص وهو قصد القتل وإزهاق
روح المجنى عليه ثابت قبل المتهمين من استعمالها فأسين وهما آلتان راضتان قاطعتان
ثقيلتان في الاعتداء على المجنى عليه وانهالا عليه ضربا بهما حتى بلغ ما أحدثا به
من إصابات تسع إصابات على ما أثبته التقرير الطبي الشرعي وذلك قاطع في أنهما
انتويا قتل المجنى عليه وإزهاق روحه"، وكان قصد القتل أمر خفيا لا يدرك بالحس
الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التي
يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول
إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان ما أورده الحكم تدليلا على
قيام نية القتل هو مما يكفى ويسوغ به الاستدلال عليها، وكان الحكم قد استظهر توافر
ظرف سبق الإصرار في قوله: "وحيث إن ظرف سبق الإصرار ثابت في حق المتهمين ذلك
أن والد أولهما وابن عم الثاني قد ضربه المجنى عليه ضربا أفضى إلى موته بتاريخ 18/
1/ 1973 وحرر في شأن ذلك الجناية رقم 323 سنة 1973 سنورس، وأن المتهمين منذ ذلك
الحادث قد عزما على الثأر فتدبرا أمرهما في هدوء وروية بعيدا عن ثورة الغضب وتزود
كل منهما بالآلة التي سيستعملها في قتل غريمهما، ولما أتما لكل شيء عدته وكان وقت
ارتكاب الحادث قاما بتنفيذ ما عقدا العزم فذهبا وكل يحمل فأسا إلى حيث تمكنا من
الظفر بالمجنى عليه وهو في طريق عودته من منزل العمدة إلى مسكنه وانهالا عليه ضربا
كل بالفأس الذى يحمله وأحدثا به إصابات والتي أودت بحياته" - وما ساقه الحكم
بما سلف سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون، ذلك بأن سبق
الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل
عليها مباشره وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها
استخلاصا ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلا مع هذا الاستنتاج وهو ما
لم يخطئ الحكم في تقديره، ومن ثم يكون النعي عليه في هذا المنعى غير قويم. لما كان
ذلك وكان حكم ظرف سبق الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر
أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر، فإنه لا يكون للطاعنين مصلحة فيما أثاراه من
تخلف ظرف الترصد، لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه
موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق