جلسة 2 من يونيه سنة 1981
برئاسة السيد المستشار/
محمد صدقي العصار نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الحميد
المنفلوطي، محمد إبراهيم خليل، عبد المنعم بركة وأحمد شلبي.
--------------
(300)
الطعن رقم 1723 لسنة 49
القضائية
(1) حكم "تسبيب الحكم".
إغفال الحكم ذكر نصوص
المستندات التي اعتمد عليها. لا عيب. كفاية الإشارة إليها متى كانت مبينة في
مذكرات الخصوم.
(5 - 2) مسئولية "مسئولية تقصيرية: حق النقد".
محكمة الموضوع.
(2)النقد المباح. مناطه.
(3)اشتمال المقال على عبارات غرضها المصلحة العامة وأخرى بقصد التشهير.
لمحكمة الموضوع الموازنة بين القصدين وتقدير لأيهما كانت الغلبة في نفس الناشر.
الدفع بحسن النية. لا محل له.
(4)تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة. من إطلاقات محكمة
الموضوع ما دامت لم تخطئ في تطبيق القانون.
(5)نقد الأخصام السياسيين. تضمنه الطعن والتجريح. خروج عن حد النقد
المباح، لا يبرره سبق إذاعة أو نشر ما تضمنه النقد.
(6) حكم "ما لا يعد تناقضاً". مسئولية.
إقامة الحكم قضاءه
بمسئولية أحد الخصوم على ما يكفي لحمله. قضاءه برفض الدعوى بالنسبة لآخرين عن
وقائع مغايرة. لا تناقض.
(9 - 7) مسئولية "مسئولية تقصيرية: حق النقد".
دعوى "الصفة في الدعوى". تعويض. نقض "السبب الجديد".
(7)تجاوز حدود النقد المباح. لا يشفع فيه أن تكون العبارات التي استعملت
مما جرى العرف على المساجلة بها.
(8)نعى الطاعن عدم اختصامه بصفته رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية،
المسئول عن الالتزامات المالية المترتبة على مسئولية رئيس التحرير. سبب جديد. لا
تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(9)مسئولية رئيس التحرير، مفترضة. مردها افتراض علمه بما تنشره جريدته
وإذنه بنشره.
---------------
1 - المقرر في قضاء هذه
المحكمة أنه لا يعيب الحكم المطعون فيه إغفال ذكر نصوص المستندات التي اعتمد عليها
في قضائه ما دامت مقدمة إلى المحكمة ومبينة في مذكرات الخصوم، مما يكفي معه مجرد
الإشارة إليها.
2 - النقد المباح هو
إبداء الرأي في أمر أو عمل دون مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو
الحط من كرامته، فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجبت المساءلة باعتباره مكوناً لجريمة
سب أو إهانة أو قذف حسب الأحوال، فحتى يكون النقد مباحاً تعين ألا يخرج الناقد في
نقده إلى حد ارتكاب إحدى الوقائع المذكورة، فيجب أن يلتزم الناقد العبارة الملائمة
والألفاظ المناسبة للنقد وأن يتوخى المصلحة العامة وذلك باعتبار أن النقد ليس إلا
وسيلة للبناء لا للهدم، فإذا ما تجاوز ذلك فلا يكون ثمة محل للتحدث عن النقد
المباح.
3 - اشتمال مقال الناقد
على عبارات يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون القصد منها التشهير
فإن المحكمة في هذه الحالة توازن بين القصدين وتقدر لأيهما كانت الغلبة في نفس
الناشر، ولا محل للقول بأن حسن النية يجب أن يقدم في كل الأحوال على ما عداه وإلا
لاستطاع الكاتب تحت ستار الدفاع ظاهرياً عن مصلحة عامة مزعومة أن ينال من كرامة
صاحب الأمر ما شاء دون أن يناله القانون.
4 - الأصل أن المرجع في
تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة هو بما تطمئن إليه محكمة الموضوع من
تحصيلها للفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليها في ذلك لمحكمة النقض ما دام أنها
لم تخطئ في التطبيق القانوني للواقعة.
5 - إذا ما كان للناقد أن
يشتد في نقد أخصامه السياسيين، فإن ذلك لا يجب أن يتعدى حدود النقد المباح، فإذا
خرج إلى حد الطعن والتجريح فقد حقت عليه كلمة القانون، ولا يبرر عمله أن يكون
أخصامه قد سبقوه فيما أذاعوا به أو نشروه إلى استباحة حرمات القانون في هذا الباب.
6 - إذا كان الثابت من
مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بمسئولية الطاعن على أسباب سائغة سليمة
قانوناً تكفي لحمله، فلا مجال لتعييبه بالتناقض حين قضى برفض الدعوى بالنسبة
لآخرين عن وقائع مغايرة خارجة عن نطاق هذا الطعن.
7 - لا يشفع في تجاوز
حدود النقد المباح أن تكون العبارات المهينة التي استعملت هي مما جرى العرف على
المساجلة بها، لما فيه من خطر على كرامة الناس وطمأنينتهم.
8 - إثارة الطاعن أنه لم
يختصم بصفته رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية الذي يعد مسئولاً وحده عن
الالتزامات المالية المترتبة على مسئولية رئيس التحرير أو أي محرر في الجريدة التي
تصدرها - هو سبب جديد لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع مما لا يجوز إثارته لأول مرة
أمام محكمة النقض.
9 - القانون جعل مسئولية
رئيس التحرير بالجريدة مسئولية مفترضة بنص المادة 195 من قانون العقوبات مردها
افتراض علم رئيس التحرير بما تنشره جريدته وإذنه بنشره، وافترض الشارع أنه مرتكب
جريمة النشر ولو لم يكن هو فاعلها الحقيقي أو اشترك في ارتكابها بالمعنى القانوني،
فإذا أصاب الغير ضرر من هذا النشر كان له أن يرجع على رئيس التحرير بالتعويض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل -
على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون عليه أقام
الدعوى رقم 4415 لسنة 1977 مدني جنوب القاهرة الابتدائية ضد الطاعن وآخر بطلب
إلزامهما متضامنين بأن يؤديا له مبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه، وقال بياناً لها إنه دعي
لإلقاء محاضرة في معهد التعاون الثقافي والسياسي والاقتصادي الدولي بروما، وذلك
يوم 4 - 5 - 1977 وعند عودته فوجئ بحملة عليه تولاها حزب... كما ساهمت
صحيفة....... بقسط في هذه الحملة وهي التي يرأس تحريرها الطاعن، ونشرت مقالين غير
موقعين أولهما بتاريخ 9 - 5 - 1977 في العدد 7767 تحت عنوان "لصوص
الظلام" وثانيهما بتاريخ 11 - 5 - 1977 في العدد 7769 تحت عنوان "تجار
لحساب موسكو" وقد تضمن المقال الأول سباً مقذعاً له ووصفه بأنه تعود على
العيش في الظلام وأنه "كذاب" وتضمن المقال الثاني أن المطعون عليه ممن
يتاجرون بالاشتراكية ويتخذون الشيوعية تجارة لحساب موسكو ولو أن هذا الضابط عنده
أدنى ولاء لمصر وشعبها وللوطن الذي يعيش فيه عيش المماليك في الزمن القديم لأمسك
لسانه عن هذه الاتهامات ولكنه يعيش بكل ولائه لموسكو - وكان ذلك بهدف إلصاق تهمة
العمالة والتبعية لدولة أجنبية والتشهير به ووصفه بالتخريب والكذب والنفاق دون
اطلاع على ما قاله، فأقام الدعوى بطلبه سالف البيان، وبتاريخ 28 - 5 - 1978 حكمت
المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 4352 لسنة 95
ق مدني القاهرة، وبتاريخ 31 - 5 - 1979 حكمت المحكم بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام
الطاعن بأن يؤدي للمطعون عليه مبلغ عشرة آلاف جنيه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق
النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على هذه
الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها أصرت النيابة
على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
سبعة أسباب حاصل السبب الأول منها بطلان الحكم المطعون فيه والقصور في التسبيب،
وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه قد خلا من إثبات نص أو مضمون
المحاضرة التي ألقاها المطعون عليه في معهد التعاون الثقافي والسياسي والاقتصادي
الدولي بروما، وما أوردته المحكمة في الأسباب لا يعدو أن يكون إفصاحاً عن رأيها في
عبارات المحاضرة وموضوعها مما لا يغني عن إيراد نصها وعرض ما جاء بها عرضاً وافياً
دون تعديل وتبديل حتى تتمكن محكمة النقض من ممارسة رقابتها على مدى ملائمة
المقالين موضوع المساءلة ومدى التزام كاتبهما حدود النقد أو خروجه عليها، مما يعيب
الحكم بالبطلان فضلاً عن القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يعيب الحكم المطعون فيه إغفال ذكر
نصوص المستندات التي اعتمد عليها في قضائه ما دامت مقدمة إلى المحكمة ومبينة في
مذكرات الخصوم، مما يكفي معه مجرد الإشارة إليها. ولما كان البين من مدونات الحكم
المطعون فيه أنه أثبت تقديم المستأنف (المطعون عليه) نص الخطاب الذي ألقاه في روما
بتاريخ 4 - 5 - 1977 سنداً لدعواه وأورد في أسبابه: "أن المحاضرة اقتصرت على
تحليل ونقد لبعض السياسات التي تتبعها الحكومة في مصر من وجهة نظر قائلها..... كما
لم تتضمن أي هجوم على مجلس الشعب فكل ما جاء بها بشأنه هو القول بأنه بسبب نتيجة
الانتخابات.. لم يعكس مجلس الشعب الوضع السياسي الحقيقي بين الجماهير في داخل
المجلس"، مما يبين معه أن الحكم المطعون فيه أورد في أسبابه ما اتخذه أسباباً
لقضائه مما تضمنته محاضرة المطعون عليه المذكورة والتي كانت تحت بصره واعتباره،
فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في
الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه خالف
القواعد القانونية التي تحكم حق النقد إذ كفلت المادة 47 من الدستور المصري حرية
النقد لكل مواطن ضماناً لسلامة البناء الوطني والثابت من المحاضرة التي ألقاها
المطعون عليه في روما والتي نقلتها وكالات الأنباء إلى الصحف المصرية أنها تتضمن
أموراً ماسة بسمعة مصر في الخارج وتشكيكاً في سلامة اقتصادها وفي تمثيل مجلسها
النيابي وتهويناً من قدره وحضاً على الازدراء به وتمجيداً لأعمال الشغب التي وقعت
في البلاد يومي 18، 19 من يناير سنة 1977، وصمم نظام الحكم بالتعسف، وقد تناول
المقالان المنشوران بجريدة...... في العددين الصادرين بتاريخي 9، 11 - 5 - 1977 ما
جاء بتلك المحاضرة بالنقد الذي لا مساس فيه بشخص المطعون عليه - وإن ذكرتا اسمه -
وفي نطاق الواقعة موضوع التعليق ولم يتناولا شخصه إلا بالقدر اللازم للكشف عن عدم
إخلاصه وكذبه فيما ادعاه ووصفه بما يتفق مع المسلك الذي أتاه في بلد أجنبي
والمناسبة التي ألقيت فيها المحاضرة مما تتسع معه حدود النقد على حساب السب أو
القذف أو الإهانة أو التحريض، كما أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق قواعد المسئولية
التقصيرية على واقعة الدعوى بقوله أن حسن النية لا ينفي المسئولية المدنية عما
ينشر في الصحف ماساً بالشرف والسمعة وتناقض في أسبابه حين عد شرط حسن النية مع ذلك
من شروط النقد المباح، كما رتب مسئولية الطاعن على ما جاء بالمقالين المنشورين
مجتزئاً بعض العبارات والألفاظ دون نظر إلى مجموع كل منهما والذي يقطع بأن القصد
منهما هو الصالح العام والنقد المباح فمسخ الحكم بذلك دلالة الألفاظ.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أن النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون مساس بشخص صاحب الأمر أو
العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجبت المساءلة
باعتباره مكوناً لجريمة سب أو إهانة أو قذف حسب الأحوال فحتى يكون النقد مباحاً
تعين ألا يخرج الناقد في نقده إلى حد ارتكاب إحدى الوقائع المذكورة، فيجب أن يلتزم
- الناقد العبارة الملائمة والألفاظ المناسبة للنقد وأن يتوخى المصلحة العامة وذلك
باعتبار أن النقد ليس إلا وسيلة للبناء لا للهدم ما تجاوز ذلك فلا يكون هناك ثمة
محل للتحدث عن النقد المباح، وإذا ما اشتمل مقال الناقد على عبارات يكون الغرض
منها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون القصد منها التشهير فإن المحكمة في هذه
الحالة توازن بين القصدين وتقدر لأيهما كانت الغلبة في نفس الناشر، ولا محل للقول
بأن حسن النية يجب أن يقدم في كل الأحوال على ما عداه وإلا لاستطاع الكاتب تحت
ستار الدفاع ظاهرياً عن مصلحة عامة مزعومة أن ينال من كرامة صاحب الأمر ما شاء دون
أن يناله القانون. لما كان ما تقدم وكان الثابت من مطالعة أسباب الحكم المطعون فيه
أنه أقام قضاءه على أنه "بالاطلاع على عدد جريدة.... التي يرأس تحريرها
المستأنف عليه الثالث (الطاعن) الصادر في 9 - 5 - 1977 يبين أنه اشتمل على مقال
افتتاحي.... تحت عنوان "لصوص الظلام" تعرض فيه كاتبه لشخص المستأنف
(المطعون عليه) ذاكراً إياه بالاسم، ونسب إليه أنه ألقى كلمة في ندوة شيوعية عقدها
الحزب الشيوعي الإيطالي وواصفاً إياه بالضابط الأحمر وأنه يتكلم بمنطق الحياة التي
عاشها في الظلام وأنه يدين للإتحاد السوفيتي بالولاء وأنه لو كان في منطقة بصيص من
النور لخجل من الكلام الذي ألقاه، وعرف أن شعب مصر يستطيع أن يقول له إنه كاذب -
كما أنه بالاطلاع على عدد الجريدة الصادر في 11 - 5 - 1977 يبين أنه اشتمل على
مقال افتتاحي آخر بدون توقيع تحت عنوان - تجار لحساب موسكو - تعرض فيها كاتبه
بالاسم للمستأنف (المطعون عليه) متهماً إياه بأنه في كلمته بروما هاجم مصر وهاجم
مجلس الشعب... وأنه كان يلقي بهذه الاتهامات والشناعات بدافع الانتماء والولاء
لموسكو، وأنه لو كان عند هذا الضابط الحمر أدنى ولاء أو انتماء لمصر ولشعب مصر
ولهذا الوطن الذي يعيش فيه عيش المماليك في الزمن القديم لأمسك عن هذه الاتهامات
ولكنه رجل يعيش بكل ولائه لموسكو لا للقاهرة ويتكلم بلسانها بشعور الولاء
والانتماء لها والتجارة بالشيوعة لحسابها"، ورتب الحكم على ذلك "أن تلك
العبارات التي تضمنتها سواء في حد ذاتها أو في سياقها.. وبالعنوانين اللذين تصدراهما
إنما تشكل قذفاً وتشهيراً بالمستأنف - المطعون عليه - وقد سيقت دون البحث بتبصر في
حقيقة ما قاله في روما وانطوت على اتهامه بالانتماء لبلد أجنبي وليس لمصر وهو أقذع
ما يمكن أن يوجه لرجل سياسي يرأس حزباً نشأ في ظلال من الشرعية والقانون، كما
وصفته بالكذب وبأنه يعيش في الظلام عيش المماليك. وأن العبارات السالف ذكرها قد
خرجت عن حدود النقد المباح.. وانطوت على الشتائم والطعن الصريح في ولاء المستأنف
لوطنه وانتمائه إليه". مما مفاده أن الحكم المطعون فيه عرض لشروط النقد
المباح، واستخلص بأسباب سائغة خروج الطاعن عن حدوده، وقدر العبارات التي حواها
المقالان المنشوران بتضمنهما تشهيراً بشخص المطعون عليه وطعناً فيه، وكان الأصل أن
المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة هو بما تطمئن إليه محكمة
الموضوع من تحصيلها لفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليها في ذلك لمحكمة النقض،
ما دام أنها لم تخطئ في التطبيق القانوني للواقعة، ولما كانت محكمة الموضوع قد
اطمأنت في فهم سائغ لواقعة الدعوى إلى أن الألفاظ التي تضمنتها المقالتان
المنشورتان تنطوي على معنى الشتائم والطعن في شخص المطعون عليه وهي لم تخطئ في
تقديرها - ولا على المحكمة إن لم تتبع الطاعن في جميع مناحي دفاعه وإيراد النصوص
الكاملة للمقالين ما دامت أنها قد غلبت وبما لها من سلطة تقديرية قصد الطاعن
وتجاوزه حدود النقد المباح ومن ثم يكون النعي في هذين السببين في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيانه يقول إن الحكم المطعون فيه
أورد في أسبابه أن محاضرة المطعون عليه لا تستأهل التقدير ولا النقد المر القاسي
وأنه كان يمارس حرية الرأي بما لا يجوز التعرض له في حين أنه رأى في المقالين
اللذين ساءل الطاعن عنهما التجاوز لحدود النقد المباح، والحكم في ذلك إنما يعبر عن
رأي المحكمة دون الالتزام بالقواعد التي تحكم حق النقد مما يبطل الحكم المطعون فيه.
وحيث إن هذا النعي عير
منتج، ذلك أنه أياً ما كان الرأي فيما قاله المطعون عليه في المحاضرة التي ألقاها
في روما بتاريخ 4 - 5 - 1977 والقول بتهجمه على الحكم في مصر وعلى مجلس الشعب
والذي كان وقتها عضواً فيه - فإنه إذا ما كان للناقد أن يشتد في نقد أخصامه
السياسيين فإن ذلك لا يجب أن يتعدى حدود النقد المباح فإذا خرج إلى حد الطعن
والتجريح فقد حقت عليه كلمة القانون، ولا يبرر عمله أن يكون أخصامه قد سبقوه فيما
أذاعوا به أو نشروه إلى استباحة حرمات القانون في هذا الباب - إذ كان ذلك وكان
الحكم المطعون فيه بعد أن أورد النقد المباح قد بين بأسباب سائغة تجاوز الطاعن هذه
الحدود فإن ما أورده الحكم عن محاضرة المطعون عليه في روما يكون زائداً عن حاجة
الدعوى يستقيم الحكم بدونه ومن ثم يكون النعي بهذا السبب غير منتج.
وحيث إن حاصل السبب
الخامس التناقض، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه لم يروجهاً
للمساءلة عما قاله رئيس الوزراء وقتئذ - وآخر: كانا من بين المستأنف عليهم - عما
نسباه للمستأنف (المطعون عليه) في عبارات أكثر قسوة وإيلاماً مما جاء بالمقالين
الافتتاحيين اللذين ساءل الطاعن عنهما، مما يعيب الحكم المطعون فيه بالتناقض.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بمسئولية الطاعن على
أسباب سائغة سليمة قانوناً تكفي لحمله - كما سلف بيانه في الرد على السببين الثاني
والثالث - ولا مجال لتعييبه بالتناقض حين قضى برفض الدعوى بالنسبة لآخرين عن وقائع
مغايرة خارجة عن نطاق هذا الطعن، مما يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب
السادس الفساد في الاستدلال وفي بيانه يقول الطاعن إن صحيفة دعوى المطعون عليه
أمام المحكمة الابتدائية وصحيفة استئنافه ومذكرات دفاعه قد خلت من بيان عناصر
الضرر الذي يدعيه إلا أن الحكم المطعون فيه تطوع لتعداد عناصر الضرر الأدبي هذا
بالرغم من أن المطعون عليه قرر في مذكرته أمام المحكمة أنه اعتاد سماع وصفه
بالعمالة والإلحاد والرغبة في الشغب، والإضرار بالاقتصاد القومي، مما يكون الحكم
المطعون فيه قد أخطأ في استخلاصه للضرر وفي بيان عناصره.
وحيث إن هذا النعي غير
صحيح في شقه الأول ذلك أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورد عناصر
الضرر الأدبي بما لا خروج فيه عما أورده المطعون عليه بصحيفة الدعوى، وهو مردود في
شقه الثاني ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يشفع في تجاوز حدود
النقد المباح أن تكون العبارات المهينة التي استعملت هي مما جرى العرف على
المساجلة بها لما فيه من خطر على كرامة الناس وطمأنينتهم.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالسبب السابع على الحكم المطعون فيه البطلان والخطأ في تطبيق القانون من ثلاثة
وجوه، وفي بيان الوجه الأول يقول إن الدعوى رفعت ابتداء ضده شخصياً ولم يختصم
بصفته رئيساً للتحرير ولا يغير من ذلك أن يعقب ذكر اسمه بيان وظيفته أو مهنته
كرئيس للتحرير، كما أنه لم يختصم بصفته رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم الذي
يعد مسئولاً وحده عن الالتزامات المالية المترتبة على مسئولية رئيس التحرير أو أي
محرر في جريدة الأخبار التي تصدرها تلك المؤسسة والتي تتمتع بشخصية معنوية، وفي
بيان الوجه الثاني يقول إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالتعويض على مسئوليته
المفترضة بوصفه رئيساً للتحرير في حين أن هذه المسئولية لا تقوم إلا بالنسبة
للجرائم المنصوص عليها في المادة 178 من قانون العقوبات ولم يورد المشرع نصاً يقضي
بالمسئولية المفترضة لرئيس التحرير بالنسبة للمسئولية المدنية وقد جاء منطوق الحكم
خالياً من بيان صفته في الإلزام مما مؤداه انصراف الإلزام إلى شخصه وهو ما لا محل
له لأنه لم ينسب إليه شخصياً أي خطأ يستوجب إلزامه بالتعويض، وفي بيان الوجه
الثالث يقول إن الحكم شابه غموض يبطله ذلك أنه جاء في أسبابه أن المحكمة تقدر
تعويضاً للضرر نتيجة عمل كل من الطاعنة ومستأنف عليه آخر بمبلغ عشرة آلاف جنيه، أي
أنها رأت أن المبلغ المذكور هو التعويض الجابر للضرر، إلا أنها انتهت في المنطوق
إلى إلزام كل واحد منهما مبلغ عشرة آلاف جنيه.
وحيث إن النعي في وجهه
الأول مردود ذلك أن البين من منطوق الحكم المطعون فيه محمولاً على أسبابه المرتبطة
به أنه قضى بمسئولية الطاعن بصفته رئيساً لتحرير جريدة الأخبار ولم يخرج في ذلك -
بما له من سلطة فهم وتحصيل الواقع في الدعوى - عن طلبات المطعون عليه التي أبداها
في صحيفة دعواه، وما أثاره الطاعن من أنه لم يختصم بصفته رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة
أخبار اليوم هو سبب جديد لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع مما لا يجوز إثارته لأول
مرة أمام محكمة النقض.
والنعي في وجهه الثاني
غير سديد، ذلك أن الثابت من أسباب الحكم المطعون فيه أنه أقام مسئولية الطاعن عما
جاء بالمقالتين المنشورتين وما اشتملتا عليه من عبارات: "باعتباره رئيساً
لتحرير الصحيفة وهي مسئولية مبنية على افتراض قانوني بأنه اطلع على ما نشر في
الجريدة وقدر المسئولية التي قد تنجم عن النشر حتى ولو لم يطلع فعلاً..."
ورتب الحكم على ذلك "ثبوت الخطأ في جانبه ومسئوليته عن تعويض الضرر وفقاً لنص
المادة 163 من القانون المدني "مما مفاده أن الحكم أقام مسئولية الطاعن بصفته
المذكورة على أساس الخطأ التقصيري المفترض قانوناً في جانبه وهو من الحكم صحيح،
ذلك أن القانون جعل مسئولية رئيس التحرير بالجريدة مسئولية مفترضة بنص المادة 195
من قانون العقوبات مردها افتراض علم رئيس التحرير بما تنشره جريدته وإذنه بنشره،
وافترض المشرع أنه مرتكب جريمة النشر ولو لم يكن هو فاعلها الحقيقي أو اشترك في
ارتكابها بالمعنى القانوني، فإذا أصاب الغير ضرر من هذا النشر كان له أن يرجع على
رئيس التحرير بالتعويض.
والنعي بالوجه الثالث غير
صحيح ذلك أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى تقدير التعويض الذي
يلزم به الطاعن وحده عن الضرر الذي لحق المطعون عليه بمبلغ عشرة آلاف جنيه وهو ما
قضى به في المنطوق.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق