الطعن 39لسنة 16 ق "دستورية" جلسة 7
/ 5 / 2016
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من مايو سنة 2016م،
الموافق الثلاثين من رجب سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه
النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر وحاتم حمد
بجاتو نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 16
قضائية "دستورية".
------------------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق
– في أن الشركة المدعية كانت قد أقامت ضد المدعى عليهم من الثاني إلى الرابع
الدعوى رقم 451 لسنة 1993 مدني أمام محكمة بلقاس الجزئية، بطلب الحكم ببراءة ذمتها
من المبالغ الواردة بإخطار الربط المؤرخ 3/11/1992، وإسقاط التسجيل رقم
254-209-100؛ لعدم بلوغ الشركة حد التسجيل المنصوص عليه بالمادة (18) من قانون
الضريبة العامة على المبيعات، قولا منها: إن مصلحة الضرائب على المبيعات أخطرت
الشركة بتعديل الإقرارات المقدمة منها عن نشاط مصنع الطوب الطفلي الذي تمتلكه في
المدة من مايو حتى ديسمبر سنة 1991، وشهر يونيو سنة 1992، وبإجمالي 19160 جنيها،
واستندت هذه التعديلات إلى تقديرات مبالغ فيها، كما أنها أدخلت فيها أشهر أكتوبر
ونوفمبر وديسمبر، التي لا يعمل فيها مصنع الطوب بسبب الأمطار، وبالتالي لا تستحق
عنها الضريبة؛ لارتباط ذلك بالواقعة المنشأة لها وهي بيع السلعة، فضلا عن عدم بلوغ
حجم المبيعات حد التسجيل المقرر بنص المادة (18) من قانون الضريبة العامة على
المبيعات، مما يحق لها طلب إسقاط تسجيلها، وبجلسة 25/10/1994 دفعت الشركة بعدم
دستورية نص المادة (19) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، وإذ قدرت المحكمة
جدية هذا الدفع، وصرحت لها برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت دعواها الماثلة.
وحيث إن المادة (19) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر
بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "يجوز للشخص الطبيعي أو المعنوي الذي
لم يبلغ حد التسجيل أن يتقدم إلى المصلحة لتسجيل اسمه وبياناته طبقا للشروط
والأوضاع والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية، ويعتبر في حالة التسجيل من
المكلفين المخاطبين بأحكام هذا القانون".
وحيث أن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى؛ لانتفاء المصلحة
على سند من أن الشركة المدعية تقدمت بإرادتها للتسجيل طبقاً للنص المطعون فيه،
وأنها كمنتج صناعي لا تتحمل عبء الضريبة التي يلتزم بها المستهلك مشتري السلعة،
ويقتصر دور الشركة على تحصيلها وتوريدها لمصلحة الضرائب.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة
الشخصية المباشرة المعتبرة شرطا لقبول الدعوى الدستورية، لا تعتبر متوافرة بناء
على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون فيه لأحكام الدستور، بل يتعين أن يكون هذا
النص – بتطبيقه على المدعي – قد ألحق به ضررا مباشرا، وبذلك يكون شرط المصلحة
الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية،
وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة، ويتحدد مفهومها على ضوء
عنصرين يحددان معا مضمونها، أولهما: أن يقيم المدعي – في حدود الصفة التي اختصم
بها النص التشريعي المطعون فيه – الدليل على أن ضرراً واقعياً اقتصادياً أو غيره
قد لحق به. وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون
فيه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعي به ناشئا عن
هذا النص ومترتباً عليه. متى كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تدور حول طلب الشركة
المدعية براءة ذمتها من مبلغ الضريبة العامة على المبيعات الناشئ عن تعديل
الإقرارات المقدمة منها عن الفترة من مايو حتى ديسمبر سنة 1991، وشهر يونيو سنة
1992، وإلغاء تسجيلها رقم 254/209/100، لعدم بلوغها حد التسجيل المقرر بالمادة
(18) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، وكان نص المادة (19) من هذا القانون –
المطعون فيه – هو الذي ينتظم أحكام التسجيل الاختياري لمن لم يبلغ حد التسجيل
المقرر قانونا، ويحدد الآثار القانونية المترتبة عليه، ومن ثم فإن الفصل في
دستورية هذا النص يعد أمرا لازما لتحديد التزامات الشركة، وما يستتبعه ذلك من بقاء
أو زوال التزاماتها القانونية كمكلف، كما أن ما أثارته الهيئة من انعدام مصلحة
الشركة المدعية في الطعن على هذا النص لكونها غير ملتزمة بأداء الضريبة العامة على
المبيعات التي يتحمل عبأها المستهلك، وينحصر دورها في مجرد تحصيلها وتوريدها
لمصلحة الضرائب على المبيعات، مردود بأن الضريبة في مثل هذه الحالة – على ما جرى
به قضاء هذه المحكمة – تعتبر جزءاً من عناصر تكلفة السلعة المحملة بها، بما يؤدي
إلى زيادة تكلفتها، ويؤثر بالضرورة في فرص تسويقها، التي تتحكم فيها قوانين عرض وطلب
السلعة في الأسواق، الأمر الذي تتحقق معه مصلحة الشركة المدعية في الطعن على هذا
النص.
وحيث إن الشركة المدعية تنعي على النص المطعون فيه مخالفة نص المادتين
(38، 40) من دستور سنة 1971 قولا منها: انه وإن كان مستهلك السلعة هو المتحمل بعبء
الضريبة، إلا أن الشركة وقد اختارت التسجيل والالتزام بتحصيل الضريبة وتوريدها
لمصلحة الضرائب على المبيعات، فإنها تضطر إلى تحمل الضريبة لتتمكن من منافسة
الشركات التي لم تبلغ حد التسجيل المقرر قانونا ولم تقم بالتسجيل، حتى لا تتوقف عن
العمل، بما يخل بالعدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي، والمساواة
التي كفلها الدستور.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح في خصوص
مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم
دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من
الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي
يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين
التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات لكونها أسمى القواعد الآمرة،
ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور
الحالي الصادر عام 2014.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدساتير المصرية المتعاقبة
بدءاً بدستور سنة 1923 وانتهاءً بالدستور الحالي، قد رددت جميعها مبدأ المساواة
أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية
والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق
المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها،
وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة، التي لا يقتصر نطاق
تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها
كذلك إلى الحقوق التي يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء
ما يرتئيه محققا للصالح العام.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في كل تنظيم تشريعي
أن يكون منطوياً على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على
البعض أو عن طريق المزايا أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا
التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع
موضوعا محدداً عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل إليها
منطقياً، وليس واهيا بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر
دستورياً.
وحيث إن من المقرر أن الضريبة بكل صورها، تمثل في جوهرها عبئاً مالياً
على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمها نص المادة (38)
من الدستور، ويتعين بالتالي – وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل
من منظور اجتماعي، مهيمناً عليها بمختلف صورها، محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها،
نائياً عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية
المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعاً في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها
إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيا أن يلزم المشرع
الدستوري في المادة (38) من الدستور الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبي، وتبنى
النظم الحديثة التي تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب، ونص على أن
يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المحمل
بعبئها والمتخذ وعاء لها، والملتزمين بها الذين تتوافر بالنسبة لهم الواقعة
المنشأة للضريبة.
وحيث إن من المقرر أن الأصل في الضريبة العامة على المبيعات –
بحسبانها من الضرائب غير المباشرة – أن يتحمل المستهلك عبأها، ومن ثم كان يتعين
تحصيلها منه مباشرة، باعتبار أنها في حقيقتها ضريبة على الاستهلاك، غير أنه لتعذر
تطبيق ذلك من الناحية العملية، لكثرة المستهلكين، وضخامة عددهم وصعوبة تحصيل هذه
الضريبة منهم، وزيادة نفقاته، كان منطقيا أن يتجه المشرع إلى تحديد ملتزم آخر
بأدائها؛ لتحقيق سرعة وسهولة ضبط عملية تحصيل الضريبة، وضمان توريدها إلى الخزانة
العامة بما يحقق الغرض المقصود منها وهو الحصول على غلتها لمواجهة الإنفاق العام
الناتج عن التوسع في المشروعات العامة التي تتصل بالمجالات المختلفة.
وحيث أن المشرع في مجال تحديده لوسائل تحصيل الضريبة، اتخذ من التسجيل
لدى مصلحة الضرائب على المبيعات وسيلة لحصر المكلفين والسلع والخدمات الخاضعة
للضريبة، والرقابة على تحصيلها وتوريدها، إذ عرفت المادة (1) من قانون الضريبة
العامة على المبيعات المسجل بأنه هو المكلف الذي تم تسجيله لدى المصلحة وفقاً
لأحكام هذا القانون، والذي يلتزم طبقاً لنص المادة (5) من القانون ذاته بتحصيل
الضريبة والإقرار عنها، وتوريدها للمصلحة في المواعيد المقررة قانونا، وحددت
المادة (18) من ذلك القانون حد التسجيل الإجباري وهو بلوغ أو مجاوزة إجمالي قيمة
مبيعات المنتج الصناعي أو المستورد أو وكلاء التوزيع المساعدين للمكلفين أو
المقابل الذي يحصل عليه مورد الخدمة خلال الاثنى عشر شهرا السابقة على تاريخ العمل
بالقانون، أو في أية سنة مالية أو جزء منها بعد العمل به مبلغ 54 ألف جنيه، وعلة
هذا التحديد – كما جاء بمضبطة جلسة مجلس الشعب الخامسة والخمسين المعقودة بتاريخ
29/4/1991 – ما يستلزمه التسجيل من إمكانات، وما ينشأ عنه من التزامات قانونية،
وما يتحمله المكلف من أعباء ينوء بها، ولا يتحملها صغار الحرفيين والمنتجين وموردي
الخدمات، ممن لا تبلغ تعاملاتهم حد التسجيل.
وحيث إن المشرع رغبة منه في توسيع دائرة المكلفين بتحصيل الضريبة
وتوريدها للمصلحة، سعياً منه للوصول إلى مختلف السلع والخدمات الخاضعة للضريبة،
حرص على الأخذ بنظام التسجيل الاختياري لمن لم يبلغ حد التسجيل، فأجاز النص
المطعون فيه لمن لم يبلغ هذا الحد التقدم بطلب إلى مصلحة الضرائب على المبيعات
لتسجيل اسمه وبياناته، ورتب على ذلك صيرورة المسجل مكلفا، ومخاطباً بأحكام القانون
المذكور، ومن ثم التمتع بالمزايا التي كفلها ذلك القانون ومنها حق المسجل طبقا لنص
المادة (23) منه في خصم ما سبق سداده، أو حسابه من ضريبة على المردودات من
مبيعاته، وما سبق تحميله من هذه الضريبة على مدخلاته، وكذلك خصم الضريبة السابق
تحميلها على السلع المبيعة في كل مرحلة من مراحل توزيعها، وفي الوقت ذاته أجاز له
المشرع طلب إلغاء هذا التسجيل والخروج من هذا النظام، طبقاً للتنظيم الذي أتى به
نص المادة (16) من اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادرة
بقرار وزير مالية رقم 749 لسنة 2001، بما يقيم توازنا بين مصالح الأطراف المختلفة،
وبما يحقق العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي.
وحيث إن النص المطعون فيه قد تضمن تنظيما قانونياً لأحكام التسجيل
الاختياري، وكفل ممارسة هذا الحق بقواعد عامة مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها
تمييزا بين المخاطبين بأحكامه ممن لم يبلغوا حد التسجيل المقرر قانوناً، كما أن
الأهداف التي توخاها المشرع من تقرير هذا النص – من توسيع دائرة المكلفين، وما
يؤدى إليه من تحصيل الضريبة على مختلف السلع والخدمات الخاضعة للضريبة العامة على
المبيعات، باعتبارها أحد مصادر إيرادات الدولة – تتصل اتصالاً منطقياً ووثيقاً
بالتنظيم الذي أتى به ذلك النص للتسجيل الاختياري، ومن ثم فإن ادعاء مخالفة النص
المطعون عليه لمبدأ المساواة الذي كفلته المادة (53) من الدستور يكون في غير محله.
وحيث أن النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية
المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق