جلسة 18 من مايو سنة 1999
برئاسة السيد المستشار / صلاح عطية نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / رضوان عبد العليم ومحمد شعبان باشا وطه سيد قاسم وعبد الرحمن فهمي نواب رئيس المحكمة .
------------------
(72)
الطعن 12590 لسنة 60 ق
(1) ضرب " أفضى الى موت". قصد جنائي .
القصد الجنائي في جريمة إحداث الجرح عمدا قوامه: ارتكاب الفعل عن علم وإرادة كفاية أن يكون هذا القصد مستفادا من وقائع الدعوى. كما أوردها الحكم.
(2) إثبات "بوجه عام". رابطة السببية . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب".
رابطة السببية في المواد الجنائية . ماهيتها. تقدير توافرها. موضوعي.
(3) ضرب " أفضى الى موت". جريمة " أركانها ". رابطة السببية . مسئولية جنائية .
مسئولية الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمدا عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي. ولو كانت عن طريق غير مباشر.
مرض المجني عليه من الأمور الثانوية. التي لا تقطع رابطة السببية.
(4) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب". إثبات " خبرة". دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره".
تقدير آراء الخبراء موضوعي.
عدم التزام المحكمة باستدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته. مادامت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى.
اطمئنان المحكمة إلى صورة الواقعة حسبما وردت بأقوال الشهود المؤيدة بالتقرير الطبي الشرعي. النعي بالإخلال بحق الدفاع. غير مقبول.
(5) ضرب " أفضى الى موت". عقوبة" العقوبة المبررة ". مسئولية جنائية . نقض " المصلحة في الطعن".
انعدام مصلحة الطاعن في نفي مسئوليته عن الوفاة في جريمة ضرب أفضى إلى موت مادامت العقوبة المقضي بها تدخل في نطاق عقوبة الضرب البسيط.
(6) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. مادام سائغا.
(7) إثبات "شهود". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
وزن أقوال الشهود وتقديرها موضوعي.
عدم التزام المحكمة أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها عدم التزامها بسرد روايات الشاهد إذا تعددت حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
للمحكمة أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى. مادامت قد اطمأنت إليها.
تناقض الشهود في أقوالهم. لا يعيب الحكم مادام استخلص الإدانة منها بما لا تناقض فيه.
اخذ المحكمة بأقوال الشهود. مفاده.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(8) اثبات "شهود". حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
إحالة الحكم في بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه مادامت متفقة مع ما استند إليه منها.
(9) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
استناد الحكم إلى أقوال شاهد في التحقيقات وقوله خطأ أنه شهد بذلك في الجلسة لا يقدح في سلامته.
الخطأ في مصدر الدليل. لا يضيع أثره.
(10) إثبات "شهود". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه وتقيم عليه قضاءها وتطرح ما لا تثق في شهادتهم. النعي بإغفال الحكم أقوال بعض شهود النفي. غير مقبول.
(11) إثبات "بوجه عام". صلح . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل".
التفات الحكم عن الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليه والطاعن لا يعيبه علة ذلك.
(12) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل".
لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة. وإنما بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات.
(13) إثبات "بوجه عام". صلح . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب". ضرب " أفضى الى موت".
عدم التزام المحكمة بإيراد الإدانة قبل كل متهم على حدة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت. مادامت الأدلة قبلهما تتحد وتتساند في معظمها وسلم الحكم من عيب التناقض أو الغموض في أسبابه.
---------------
1 - إذ كانت
جريمة إحداث الجروح عمدا لا تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب
الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني
عليه أو صحته, ويكفى أن يكون هذا القصد مستفادا من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم.
2 -إن علاقة
السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من
الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه
عمدا, وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها
إثباتا أو نفيا فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على
أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين
أنهما تعديا على المجني عليه بالضرب بالأيدي وبالسب وأنه قد توفي أثر ذلك, ودلل
على توافر رابطة السببية بين الفعل المسند للطاعنين ووفاة المجني عليه بما أثبته
تقرير الصفة التشريحية من أن ما صاحب واقعة الاعتداء على المجني عليه من انفعال
نفسي ومجهود جسماني قد أدى إلى تنبيه العصب السمبتاوي مما ألقى عبئا إضافيا جسيما
على حالة القلب والدورة الدموية التي كانت متأثرة بالحالة المرضية المزمنة مما مهد
وعجل بظهور نوبة هبوط القلب التي أفضت إلى الوفاة, فإن في ذلك ما يحقق مسئوليتها -
في صحيح القانون - عن هذه النتيجة التي كان من واجبهما أن يتوقعا حصولها.
3 - إن
الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمدا يكون مسئولا عن جميع النتائج المحتمل
حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتداخل عوامل
أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة, ومن أن مرض المجني
عليه إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة.
4 - إن
لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها
والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات ولا تلتزم باستدعاء كبير الأطباء الشرعيين
لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا
الإجراء, أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى, وطالما أن استنادها إلى
الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق أو القانون, ولما
كانت المحكمة قد اطمأنت إلى صورة الواقعة حسبما وردت بأقوال الشهود المؤيدة بالتقرير
الطبي الشرعي, فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالإخلال بحق الدفاع يكون في غير
محله.
5 - انعدام
مصلحة الطاعن في نفي مسئوليته عن الوفاة ما دامت العقوبة المقضي بها عليه وهي
الحبس لمدة ستة أشهر مع الشغل تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجنحة الضرب البسيط
المنطبقة على الفقرة الأولى من المادة 242 من قانون العقوبات.
6 - إن
لمحكمة الموضوع أن تستخلص في أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من
صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها
أصلها في الأوراق.
7 - إن وزن
أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم
مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات وكل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع
تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب. وكان من
المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه
قضاءها. وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما
اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه, وأن لها أن
تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد أطمأنت إليها, كما
أن التناقض بين أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص
الإدانة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه, ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود
فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ
بها, وإذ كانت المحكمة قد أطمأنت إلى أقوال الشهود وصحة تصويرهم للواقعة, فإن كل
ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل, وهو ما
تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه إتمام
محكمة النقض.
8 - لا يعيب
الحكم أن يحيل في بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت
أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
9 - إذ كان
الطاعن لا يماري في أن ما أثبته الحكم من أقوال الشاهد الأول ..... بتحقيقات
النيابة العامة له معينة في تلك التحقيقات, فإنه لا يقدح في سلامة الحكم أن يكون
قد أخطأ في قالة أنه شهد بذلك في الجلسة, إذ الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره ,
ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد.
10 - إن مفاد
عدم تعرض الحكم لأقوال بعض الشهود إطراحه لها, إذ أن المحكمة في أصول الاستدلال لا
تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فلا تورد من
أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه منها وتقيم عليه قضاءها وتطرح أقوال من لا يثق في
شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك, ومن ثم فإن النعي على الحكم بإغفاله
لأقوال بعض الشهود التي تنفي التهمة عن الطاعن يكون غير مقبول.
11 - لا يعيب
الحكم التفاته عن الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليه وبين الطاعن في معرض نفي
التهمة عنه وهو ما يدخل في تكوين معتقدها في الدعوى ولا تلتزم في حالة عدم أخذها
به أن تورد سببا لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التي ساقها الحكم يؤدي دلالة إلى
إطراح هذا الصلح.
12 - لا عبرة
بما أشتمل عليه بلاغ الواقعة, وإنما العبرة بما أطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته
من التحقيقات.
13 - ليس
لزاما على المحكمة أن تورد أدلة الإدانة قبل كل من الطاعنين على حده, ومن ثم فلا
جناح عليها إذا جمعت في حكمها في مقام التدليل على ثبوت جريمة الضرب المفضي إلى
الموت في حق الطاعنين نظرا لوحدة الواقعة وما دامت الأدلة قبلهما تتحدد وتتساند في
معظمها وما دام حكمها قد سلم من عيب التناقض أو الغموض في أسبابه بحيث تبقى مواقف
كل من الطاعنين والأدلة قبلهما محددة بغير لبس.
-----------------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بوصف أنهما ضربا ..... عمداً بأن تعديا عليه بالأيدي والسباب فأدى ذلك إلى انفعال المجني عليه النفسي ومجهوده الجسماني الذي أدى إلى تنبيه القلب وإلقاء عبئاً إضافياً عليه فعجل ذلك بظهور النوبة القلبية والتي أدت إلى وفاته على النحو الوارد بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدا من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موت المجني عليه وأحالتهما إلى محكمة جنايات ..... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/1 من قانون العقوبات بمعاقبتهما بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر لكل منهما وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات على أن يكون الإيقاف شاملاً لجميع الآثار الجنائية.
فطعن الأستاذ/ ..... المحامي عن المحكوم عليه الأول كما طعن المحكوم عليه الثاني بطريق النقض ..... إلخ.
------------------
المحكمة
أولا: بالنسبة للطعن المقدم من المحكوم عليه الأول:-
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور والتناقض في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد ذلك بأنه لم يدلل على فعل الاعتداء المسند إلى الطاعن ورابطة السببية بينه وبين الوفاة المسند إلى الطاعن بدلالة عدم وجود إصابات ظاهرة بالمجني عليه، ولم يعرض الحكم لما أثاره الدفاع من أن الواقعة لا تعدو أن تكون مشادة كلامية وبفرض حدوث اعتداء باليد فلم يحدث أثرا، وأن الطاعن لم يكن في مقدوره أن يتوقع حصول الوفاة، وطلب استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لتحقيق هذا الدفاع بيد أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب ولم ترد عليه، وعول الحكم على أقوال شاهدي الإثبات رغم كذبها وتناقضها مع أقوال المجني عليه في شأن من وقع منه الاعتداء إذ اتهم الأخير الطاعنين وآخر بينما قصر الشاهدان اتهامهما على الطاعنين فضلا عن تعدد رواياتهما بتحقيقات النيابة وجلسة المحاكمة، هذا إلى أن الحكم لم يورد مضمون أقوال الشاهد الثاني التي تساند إليها في إدانته اكتفاء بالإحالة إلى ما أورده من أقوال الشاهد الأول. ونسب الحكم إلى الشاهد الأول أنه شهد بالجلسة بمضمون ما شهد به بتحقيقات النيابة رغم وجود خلاف جوهري بين الشهادتين، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليه، لما كان ذلك، وكانت جريمة إحداث الجروح عمدا لا تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته، ويكفي أن يكون هذا القصد مستفادا من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم - وهو ما تحقق في واقعة الدعوى - وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمدا، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتا أو نفيا فلا رقابة لمحكمة النقض عليه مادام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين أنهما تعديا على المجني عليه بالضرب بالأيدي وبالسب وأنه قد توفي إثر ذلك، ودلل على توافر رابطة السببية بين الفعل المسند للطاعنين ووفاة المجني عليه بما أثبته تقرير الصفة التشريحية من أن ما صاحب واقعة الاعتداء على المجني عليه من انفعال نفسي ومجهود جسماني قد أدى إلى تنبيه العصب السبمتاوي مما ألقى عبئا إضافيا جسيما على حالة القلب والدورة الدموية التي كانت متأثرة بالحالة المرضية المزمنة مما مهد وعجل بظهور نوبة هبوط القلب التي أفضت إلى الوفاة، فإن في ذلك ما يحقق مسئوليتهما - في صحيح القانون - عن هذه النتيجة التي كان من واجبهما أن يتوقعا حصولها لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمدا يكون مسئولا عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتداخل عوامل أجنبية مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة، ومن أن مرض المجني عليه إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الوجه يضحى غير قويم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات، ولا تلتزم باستدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته مادام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى، وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق أو القانون، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى صورة الواقعة حسبما وردت بأقوال الشهود المؤيدة بالتقرير الطبي الشرعي. فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله. هذا فضلا عن انعدام مصلحة الطاعن في نفي مسئوليته عن الوفاة مادامت العقوبة المقضي بها عليه وهي الحبس لمدة ستة أشهر مع الشغل تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجنحة الضرب البسيط المنطبقة على الفقرة الأولى من المادة 242 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وأن لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى مادامت قد اطمأنت إليها، كما أن التناقض بين أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم مادام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود وصحة تصويرهم للواقعة، فإن كل ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر مادامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهد الثاني ...... متفقة مع أقوال الشاهد الأول ..... التي أحال عليها الحكم، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يماري في أن ما أثبته الحكم من أقوال الشاهد الأول .... بتحقيقات النيابة العامة له معينه في تلك التحقيقات، فإنه لا يقدح في سلامة الحكم أن يكون قد أخطأ في قالة أنه شهد بذلك في الجلسة، إذ الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره، ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ثانيا: بالنسبة للطعن المقدم من المحكوم عليه الثاني.
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور والتناقض في التسبيب، والفساد في الاستدلال ذلك بأنه أغفل أقوال الشاهدين .... و..... التي تنفي الاتهام عنه، والتفت عن دلالة محضر الصلح المقدم في الدعوى، وعول على أقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني رغم ما شابها من تناقض في شأن موضوع الاعتداء على جسم المجني عليه فضلا عن تناقضها مع ما اشتمل عليه بلاغ الواقعة بشأن عدد وقع عليهم الاعتداء ووقت حدوثه، وأخذه الحكم بذات الأدلة التي دان الطاعن الأول بها رغم اختلاف هذه الأدلة بالنسبة لكل منهما. مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
حيث أن مفاد عدم تعرض الحكم لأقوال بعض الشهود إطراحه لها. إذ أن المحكمة في أصول الاستدلال لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فلا تورد من أقوال الشهود ما إلا ما تطمئن إليه منها وتقيم عليه قضاءها وتطرح أقوال من لا تثق في شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك، ومن ثم فإن النعي على الحكم بإغفاله لأقوال بعض الشهود التي تنفي التهمة عن الطاعن يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم التفاته عن الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليه وبين الطاعن في معرض نفي التهمة عنه وهو ما يدخل في تكوين معتقدها في الدعوى ولا تلتزم في حالة عدم أخذها به أن تورد سببا لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التي ساقها الحكم يؤدي دلالة إلى إطراح هذا الصلح. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة. وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم لإدانته بذات الأدلة التي أخذ بها الطاعن الأول رغم تباين موقفيهما في الدعوى مردودا بأنه ليس لزاما على المحكمة أن تورد أدلة الإدانة قبل كل من الطاعنين على حده. ومن ثم فلا جناح عليها إذا جمعت في حكمها في مقام التدليل على ثبوت جريمة الضرب المفضي إلى الموت في حق الطاعنين نظرا لوحدة الواقعة ومادامت الأدلة قبلهما تتحد وتتساند في معظمها ومادام حكمها قد سلم من عيب التناقض أو الغموض في أسبابه بحيث تبقي مواقف كل من الطاعنين والأدلة قبلهما محددة بغير لبس، فإن ما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم بما تقدم يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن تعويل الحكم على أقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني رغم ما شابها من تناقض قد سبق الرد عليه لدى بحث أوجه الطعن المقدم من الطاعن الأول على النحو المتقدم - فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.