جلسة 25 من إبريل سنة 1981
برئاسة السيد المستشار/ نائب رئيس المحكمة الدكتور إبراهيم علي صالح وعضوية السادة المستشارين: محمد طه سنجر، صبحي رزق داود، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل، رابح لطفي جمعه.
------------------
(232)
الطعنان رقما 834، 860 لسنة 50 القضائية
(1) إثبات "إجراءات الإثبات". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". استئناف.
استناد الحكم إلى التحقيق الذي أجرته هيئة أخرى غير التي أصدرته. جائز. لمحكمة الاستئناف الاستناد إلى التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى.
(2) تزوير "الادعاء بالتزوير" محكمة الموضوع.
أدلة التزوير. عدم التزام محكمة الموضوع بتحقيقها متى كانت عناصر الدعوى تكفي لاقتناعها بصحتها.
(3) دعوى "تكييف الطلبات". حيازة.
تكييف الخصوم للدعوى. لا يقيد المحكمة. وجوب إعطائها التكييف الصحيح. مثال لدعوى الحق ودعوى الحيازة.
(4) بيع. البيع الابتدائي. تسجيل. ملكية. إيجار.
بيع العقار بعقد غير مسجل. الإيجار الذي يبرمه البائع. غير نافذ في حق المشتري. علة ذلك قيامه بتسليم العقار المستأجر. للمشتري حق في الرجوع على البائع بالتعويض أو بفسخ البيع مطالبته المستأجر بالتسليم رهين بتسجيل عقد البيع. علة ذلك.
(5) عقد "عقد الإيجار".
التزام المؤجر بالتسليم. مؤداه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول في كل من الطعنين أقام الدعوى رقم 7948 لسنة 1978 مدني كلي شمال القاهرة ضد الطاعن في الطعن رقم 834 لسنة 51 ق والطاعنة في الطعن رقم 860 لسنة 50 ق، بطلب الحكم بتمكينه من العين المبينة بالصحيفة، وقال بياناً لدعواه أنه بموجب عقد ثابت التاريخ في 10/ 7/ 1977 استأجر من الطاعن في الطعن الأول الشقة رقم 11 بالعقار 18 شارع الشهيد محمود سامي بالحلمية وتسلم منه مفاتيحها ثم فوجئ في 16/ 11/ 1978 بأن الطاعنة في الطعن الثاني تشغل العين بمقولة شرائها من المالك المؤجر فبادر بإبلاغ الشرطة وأفرد لذلك المحضر رقم 660 لسنة 1978 إداري حدائق القبة بيد أن النيابة العامة أمرت بتمكينها من العين فأقام الدعوى رقم 150 لسنة 1978 مستعجل القاهرة وإذ حكم فيها بعدم الاختصاص فقد أقام دعواه. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد سماع شهود الطرفين قضت بتمكينه من شقة النزاع، استأنف المالك ومشترية الشقة هذا الحكم وقيد الاستئناف المقام من الأول برقم 5122 والمرفوع من الثانية برقم 5145 لسنة 96 ق القاهرة وبعد ضمهما قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان سالفي الذكر في هذا الحكم بطريق النقض وقيد الطعنان برقمي 834، 860 لسنة 50 ق على التوالي وقدمت النيابة العامة مذكرة في كل من الطعنين أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظرهما وفيها أمرت بضمها ليصدر فيهما حكم واحد وبها التزمت النيابة رأيها.
أولاً عن الطعن رقم 834 لسنة 50 ق.
وحيث إن الطعن رقم 834 لسنة 50 ق أقيم على سبع أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أثبت في مدوناته مضمون أقوال شاهدي المطعون عليه الأول واستند إليها في قضائه، دون أن يورد أقوال شاهدي الطاعن أو مضمونها ويوازن بينها وبين شهادة شاهدي المطعون عليه أو يبين سبب أخذه ببينة الأخير وإطراحه بينة الطاعن، وذلك بالمخالفة لنص المادة 178 من قانون المرافعات، مما يعيبه بالبطلان ومخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه من الأصول المقررة في قضاء هذه المحكمة أن تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها من إطلاقات قاضي الموضوع ما دام لم يخرج في ذلك عما يؤدي إليه مدلولها وأن اطمئنانه لأقوال شاهد دون أخر مرجعه إلى وجدانه ولا إلزام عليه يبسط أسباب ترجيحه شهادة على أخرى، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على ما اطمأن إليه من أقوال شاهدي المطعون عليه الأول وأخذ بها، مما مفاده إطراحه لأقوال شاهدي الطاعن، فلا تثريب على محكمة الموضوع إغفال الإشارة إلى أقوالهم ما دام أنها لم تستند عليها في قضائها ومن ثم فإن النعي على الحكم بهذا السبب يكون غير سديد.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه بالبطلان ومخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن هيئة المحكمة التي أصدرت الحكم الابتدائي مستندة في قضائها إلى شهادة المطعون عليه الأول لم تكن هي ذاتها التي أجرت التحقيق وهو ما لا يتفق وصحيح القانون طبقاً لنص المادة 72 من قانون الإثبات.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 72 من قانون الإثبات على أن "يكون التحقيق أمام المحكمة، ويجوز عند الاقتضاء أن تندب أحد قضاتها لإجرائه يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على جواز إقامة الحكم على شهادة شهود سمعتهم هيئة أخرى غير تلك التي أصدرته فلا تثريب على محكمة أول درجة إذ هي اعتمدت على أقوال شاهدي المطعون عليه في التحقيق الذي أجراه أحد القضاة، سواء كان هذا القاضي ضمن أعضاء هيئة الحكم أو لم يكن، ولا تثريب على محكمة الاستئناف إذا هي استندت في قضائها على أقوال شهود سمعوا في تحقيق أجرته محكمة أول درجة اعتباراً بأن محضر التحقيق يعد ورقة من أوراق الدعوى، لما كان ذلك فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن العقد المقدم من المطعون عليه هو وعد بالإيجار وقد شهد شاهداه بعدوله عنه، فضلاً عن بطلانه لخلوه من بيان تاريخ تحريره وتعيين العين المؤجرة تعييناً نافياً للجهالة، هذا إلى أن الحكم أغفل ما تمسك به من أن العقد كان خلواً من بيان تحديد العقار الكائن به العين وأن ما ورد به في هذا الشأن مردود عليه.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأولى غير مقبول، ذلك أن الطاعن لم يثر في دفاعه أمام محكمة الموضوع أن العقد المقدم من المطعون عليه الأول هو وعد بالإيجار عدل الموعود له عنه، أو أنه باطل لعدم تعيين محله، ولئن تعلق هذا الدفاع بسبب قانوني إلا أن تحقيقه يقوم على اعتبارات يختلط فيها الواقع بالقانون إذ يستلزم تحقيق ما إذا كان سند المطعون عليه عقد إيجار أم مجرد وعد بالتعاقد عليه، وما إذا كان قد عدل أو لم يعدل عنه أو كانت العين المؤجرة قابلة للتعيين من عدمه، ومن ثم لا يجوز التحدي بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض هذا إلى أن النعي في شقه الثاني غير سديد ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الأدلة لا سيما ما يختص منها بدعاوى التزوير وأدلتها ولم يلزمه القانون بإجراء تحقيق متى كانت أوراق الدعوى تكفي لاقتناعه بصحة الورقة المطعون عليها، وأن الورقة العرفية المعترف بصحة التوقيع عليها تبقى حافظة لقوتها وحجيتها في إثبات ما تضمنته من وقائع إلى أن يطعن عليها بالتزوير بالطرق المقررة قانوناً، وإذ كان الطاعن لم ينكر توقيعه على العقد المقدم من المطعون عليه، واكتفى بإنكار ما ورد به خاصاً بتحديد العقار الكائن به الشقة المؤجرة دون أن يتخذ طريق الطعن بالتزوير، وكان الحكم المطعون فيه قد عول على تلك الورقة، فإن ذلك يعتبر رداً مقسطاً لما أثاره الطاعن في هذا الشأن، ويعتبر والحالة هذه دفاعاً غير مؤثر فلا تلتزم المحكمة تناوله والرد عليه.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع والخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم المطعون فيه اعتبر الدعوى دعوى تمكين، في حين أن تكييفها في صحيح القانون هي أنها دعوى حيازة تطبق عليها أحكام الحيازة لا أحكام الحق، وقد تمسك الطاعن بأن المطعون عليها الثانية إحتازت عين النزاع بحسن نية مستندة فيها إلى سبب قانوني وأنها أسبق في حيازتها من المطعون عليه الأول، كما تمسك في صحيفة الاستئناف بأن المشترية لم تكن على علم بواقعة تأجير العين المبيعة إلى المطعون عليه الأول وهو شرط لانتفاء حقوق والتزامات السلف على الخلف طبقاً للمادة 146 من القانون المدني إلا أن الحكم طبق على الدعوى حكم المادة 604 مدني دون نص المادة 963 منه وأغفل الرد على دفاعه سالف البيان رغم أنه مؤثر وجوهري.
وحيث إن النعي بهذين السببين مردود، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قاضي الموضوع وأن تعين عليه أن يلتزم بطلبات الخصوم في الدعوى إلا أنه غير ملزم بما يطلقونه عليها من وصف قانوني لأنه هو الذي ينزل عليها الكيوف والأوصاف التي تتفق وصحيح القانون. هذا إلى أن العبرة في تكييف الدعوى أنها دعوى حق أو دعوى حيازة، هي بحقيقة المطلوب فيها بصرف النظر عن العبارات التي صيغت بها. لما كان ذلك وكان المطعون عليه الأول قد أسس دعواه بتمكينه من عين النزاع استناداً إلى أنه استأجرها من الطاعن بموجب عقد ثابت التاريخ في 10/ 7/ 73 ونازعه الطاعن والمطعون عليها الثانية في ذلك وذهبا إلى أن الأخيرة اشترت عين النزاع، وأن عقد الإيجار انصرف إلى عين أخرى، فإن الدعوى تكون من الدعاوى المتعلقة بأصل الحق وليست من دعاوى الحيازة. لما كان ذلك وكان عقد الإيجار يلزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالشيء المؤجر وضمان عدم التعرض له، وكان مؤدى ما تنص عليه المواد 146، 604، 605، 606 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن أثر الإيجار ينصرف إلى الخلف الخاص بحكم القانون، فيحل هذا الخلف محل المؤجر في جميع حقوقه قبل المستأجر والتزاماته نحوه، غير أن انصراف العقد إلى الخلف الخاص الذي يتلقى ملكية العين هو وما يترتب عليه من آثار، وإن كان يعد تطبيقاً للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 146 من القانون المدني، إلا أنه وفقاً للتنظيم القانوني الذي قرره المشرع لهذه القاعدة في المواد الثلاثة الأخرى سالفة الذكر وبالشروط المبينة فيها، فإن المنصرف إليه لا يكون خلفاً خاصاً في هذا الخصوص إلا إذا انتقلت إليه الملكية فعلاً، وعلى ذلك فإنه يتعين على مشتري العقار حتى يستطيع الاحتجاج بعقد شرائه قبل المستأجر من البائع أن يسجل هذا العقد لتنتقل الملكية إليه بموجبه، ولئن كان البائع في عقد البيع العقاري غير المسجل لا يستطيع أن يؤجر العقار إيجاراً نافذاً في حق المشتري مع أنه يظل مالكاً فذلك لأن المشتري يستطيع أن يطالب البائع بتسليم العقار إذا كان البائع لم يسلمه بعد إلى المستأجر منه، إلا أنه إذا كان البائع قد سلم العقار للمستأجر فإن المشتري لا يستطيع قبل تسجيل عقد البيع أن يطالب المستأجر بتسليم العقار إذ أن كلاً منهما دائن عادي للبائع ولا يملك المشتري في هذه الحالة سوى أن يطالب البائع بالتعويض أو فسخ عقد البيع، لما كان ما تقدم، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأنزله على واقعة الدعوى، وألزم الطاعن وحده باعتباره مؤجراً وملتزماً بتسليم العين المؤجرة - بتمكين المستأجر منها، ونفى عن المطعون عليها المشترية صفة الخلف في معنى المادة 604 من القانون المدني ولم يلزمها بشيء نحو المستأجر من البائع، لما كان ذلك فإن دفاع الطاعن بانتفاء علم المشترية بسبب تأجيره هو للعين المبيعة وصولاً إلى عدم إعمال حكم المادة 146 مدني يكون ولا محل له، ولا يصح النعي على محكمة الموضوع إغفالها الرد عليه ذلك لأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قاضي الموضوع غير ملزم بالرد على غير الدفاع الجوهري الذي يتغير به وجه الرأي في الدعوى.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين السادس والسابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن الشقة رقم 11 كانت مهيأة للسكنى، وليست هي محل الوعد بالإيجار بينه وبين المطعون عليه الأول وأن شقة النزاع لم تكن قد تم تشطيبها بعد، وقدم المستندات الدالة على ذلك، إلا أن الحكم أغفل الإشارة إليها والرد على دلالتها، حالة أنها تنطوي على دفاع جوهري لو عنى الحكم بدراستها لأمكن أن يتغير وجه الرأي في الدعوى، وكذلك فقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على ما أثاره من أوجه دفاع جديدة أبديت أمام محكمة الاستئناف وأخرى لم يتناولها الحكم المستأنف.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير أدلة الدعوى وبحث مستنداتها والأخذ بها أو إطراحها واستخلاص الصحيح منها بلا رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد عرض لمستندات الطاعن ودفاعه وانتهى إلى أن شقة النزاع كانت هي محل التعاقد أخذاً بما اطمأن إليه من الأدلة المطروحة وأقام القضاء بتحديد العين المؤجرة على أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها وتكفي لحمله فلا عليه إن لم يفرد أسباباً مستقلة للرد على المستندات التي تقدم بها الخصم طالما أن المحكمة قد بينت الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها ذلك أن ما ساقته من أسباب ينهض رداً ضمنياً مسقطاً لما عداها، لما كان ما تقدم وكان لا تثريب على محكمة الاستئناف أن تأخذ بأسباب الحكم المستأنف دون إضافة متى رأت في هذه الأسباب ما يغني عن إيراد جديد فإن النعي بهذين السببين يكون على غير أساس، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ثانياً: في الطعن رقم 860 لسنة 50.
حيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب تنعى الطاعنة بالوجه الأول من السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه البطلان، وفي بيان ذلك تقول إن أسباب الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد خلت من بيان شهادة شاهديها ومناقشة دلالتها وهو بيان جوهري على مقتضى المادة 178 من قانون المرافعات يترتب على إغفاله بطلان الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق إيراده في مقام الرد على ذات السبب في الطعن الأول بأنه لا إلزام على محكمة الموضوع أن تورد أقوال شاهدي الطاعنة ما دام أنها لم تستند إليها في قضائها.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم ألزم المطعون عليه الثاني في مواجهتها بتمكين المطعون عليه الأول من الشقة، وهو ما يتضمن القضاء ضمناً بطردها منها، ولم يعتد بحيازتها التي بدأت منذ استلامها لها من مالكها نفاذاً لعقد البيع الصادر إليها منه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان عقد الإيجار ينشئ التزامات متبادلة بين عاقديه، ويلتزم المؤجر بتسليم العين المؤجرة للمستأجر وتمكينه من الانتفاع بها ومنع كل تعرض من الغير سواء كان هذا التعرض مادياً أو مبنياً على سبب قانوني ما دام قد حدث قبل التسليم، لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه ألزم المطعون عليه الثاني كمؤجر بتمكين المطعون عليه الأول كمستأجر منه من العين المؤجرة ولم يقضي على الطاعنة بشيء للمطعون عليه الأول، فإن اعتبار الحكم الصادر بهذا الالتزام صادراً في مواجهتها لا يعني كونها خصماً حقيقياً فيها ولا يستتبع قضاء عليها بذات الالتزام، ومن ثم فإنه لا يمس ما يكون قد نشأ لها من مراكز قانونية على ذات العين ومنها مركز الحائز، سيما وأن الحكم قد أوضح في أسبابه بأن لا علاقة تربط الطاعنة بالمطعون عليه الأول "المحكوم له" ولا يستطيع أحدهما مطالبة الآخر بشيء بالطريق المباشر. وإذ كان ذلك فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالأسباب الثاني والثالث والرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والتناقض في الأسباب التي أقيم عليها وبينها وبين منطوقه، وفي بيان ذلك تقول إن الدعوى أقيمت من المطعون عليه الأول ضد الطاعنة والمطعون عليه الثاني بطلب إلزامهما بتمكينه من العين، ولم يطلب أن يكون الحكم في مواجهة الطاعنة. وقد أورد الحكم الابتدائي المؤيدة لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن مشتري العين المؤجرة لا يكون خلفاً خاصاً للمؤجر ينصرف إليه عقد الإيجار الذي أبرمه البائع إذ لم تنتقل إليه ملكية العين بالتسجيل، ثم خلص إلى أن ملكية العين لم تنتقل إلى الطاعنة لأنها لم تسجل عقد البيع الصادر إليها من المطعون عليه الثاني، ومؤدى ذلك بالتطبيق للقاعدة القانونية التي اعتنقها الحكم هو عدم نفاذ عقد الإيجار الصادر للمطعون عليه الأول قبل الطاعنة. مما مقتضاه رفض الدعوى قبلها، ومع ذلك فقد قضى في منطوقه بإلزام المطعون عليه الثاني بتمكين المطعون عليه الأول من العين وذلك في مواجهة الطاعنة مما يستتبع أن تحاج به وهو ما يجاوز طلبات المطعون عليه ولذلك فإن الحكم يكون معيباً بمخالفة القانون والتناقض بين المنطوق والأسباب، هذا إلى أن الحكم ولئن أورد في أسبابه أن واقعة استئجار المطعون عليه الأول ثابتة التاريخ قبل تصرف المؤجر ببيع العين إلى الطاعنة، وانتهى من ذلك إلى نفاذ هذا العقد في حقها، إلا أنه أردف ذلك بأن ملكية العين لم تنتقل إليها مما يجعل ذات العقد وبالتطبيق للقاعدة القانونية التي أخذ بها غير نافذ في حقها، وهو ما يعيبه بالتناقض في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحكم الذي يصدر ضد خصم في مواجهة آخر لا يجعل هذا الأخير مقضياً عليه بذات الطلبات أو ملزماً بتنفيذها، وإذ كان ذلك وكان الثابت أن المطعون ضده الأول قد طلب أن يحكم له على الطاعنة والمطعون عليه الثاني تسليم عين النزاع، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أورد في أسبابه أن الطاعنة لا تعد خلفاً خاصاً للمطعون عليه الثاني على مقتضى المادة 604 من القانون المدني وأن عقد الإيجار الصادر من الأخير للمطعون عليه الأول نافذاً في حقها وأنها لا تربطها بالمستأجر "المطعون عليه الأول" رابطة قانونية، وانتهى إلى القضاء بإلزام المطعون عليه الثاني وحده بتمكين المطعون عليه الأول من شقة النزاع وذلك في مواجهة الطاعنة فإن هذا القضاء يتضمن رفضاً للطلب الذي كان موجهاً إليها ودون أن ينطوي على إلزامها بشيء، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بالتناقض بين الأسباب والمنطوق والقضاء بما لم يطلبه الخصوم يكون على غير أساس. والنعي في شقه الثاني مردود بأن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو الذي يكون واقعاً بين أسبابه فتتماحى بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه أو يفهم الأساس لما قضت به في منطوقه، وإذ كان البين من مدونات الحكم الصادر من محكمة أول درجة أنه أسس قضاءه على أن المشتري بعقد ابتدائي لا يعتبر خلفاً خاصاً في حكم المادتين 146، 604 من القانون المدني ولا تسري عليه أحكامهما التي تجعل عقد الإيجار الصادر من المتصرف نافذاً في حق من انتقلت إليه ملكية الشيء المؤجرة، واستند في ذلك إلى "وحيث إنه على هدي القواعد القانونية المتقدمة، ولما كانت المحكمة تطمئن إلى أقوال شاهدي المدعي والتي أثبت أن المدعي استأجر الشقة محل النزاع رقم 11 بالدور الثالث وأن المدعى عليه الأول امتنع عن تسليم الشقة سالفة الذكر للمدعي وباعها للمدعى عليها الثانية في 23/ 9/ 1977 بيد أن عقد الإيجار الذي أبرمه المدعى عليه الأول مع المدعي ثابت التاريخ في 10/ 7/ 1977 أي سابق على التصرف بالبيع سالف الذكر ومن ثم يكون نافذاً في حق من انتقلت إليه ملكية العين كما وأن الأوراق قد خلت مما يفيد تسجيل التصرف الصادر بتاريخ 23/ 9/ 77 للمدعى عليها الثانية ومن ثم فإن الملكية لم تنتقل إليها، لما كان ذلك وكان على المؤجر أن يسلم المستأجر العين المؤجرة فإن المحكمة تقضي بإجابة طلب المدعي تنفيذ عقد الإيجار الصادر له من المدعى عليه الأول بتسليمه العين سالفة الذكر وذلك في مواجهة المدعى عليها الثانية، وإذ كان مفاد ذلك أن الحكم قد طبق صحيحاً القاعدة القانونية سالفة البيان على واقعة الدعوى واعتبر عقد الإيجار غير نافذ في حق الطاعنة لأن ملكية عين النزاع لم تنتقل إليها، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بالتناقض في الأسباب يكون هو الآخر غير صحيح، وبالتالي يكون النعي عليه بهذه الأسباب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول إن محكمة الاستئناف قد قدمت إليها مستندات تساند دفاع المطعون عليه الثاني من أن شقة النزاع هي شقة أخرى غير التي كانت محلاً للمدعي بالإيجار، وأخرى تؤكد وجود خصومة بينه وبين أحد شاهدي المطعون عليه الأول، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يتناولها أو يشر إلى دلالتها أو سبب إطراحها، واكتفى في أسبابه بالإجابة على أسباب الحكم الابتدائي رغم أن هذه المستندات لم تكن معروضة على محكمة أول درجة.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أدلة الدعوى وبحث مستنداتها والأخذ بها أو إطراحها واستخلاص الصحيح منها، وأن مناقشة أقوال الشهود توصلا إلى مجادلة الحكم في تقديره لهذه الأقوال غير جائزة أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد تناول مستندات المطعون عليه الثاني ودفاعه المستمد منها، وانتهى إلى أن شقة النزاع هي ذاتها التي كانت محلاً للتعاقد، أخذاً بما اطمأن إليه من أقوال شاهدي المطعون عليه وسائر أوراق الدعوى، وهو يكفي لحمل النتيجة التي خلص إليها، وكان من المقرر أن الدفاع الجوهري الذي يتعين على محكمة الموضوع الرد عليها هو الذي يصح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، وكان ما أثارته الطاعنة من دفاع مستمد من المستندات المشار إليها بسبب النعي - دفاع غير مؤثر في النتيجة التي خلص إليها الحكم، فلا على محكمة الاستئناف أنها لم ترد على المستندات المقدمة من المطعون عليه الثاني، وحسبها أن ما أوردته بياناً للحقيقة التي اقتنعت بها فيه الرد الضمني المسقط لما عداها، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق