جلسة 21 من مارس سنة 1981
برئاسة السيد المستشار/ محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين: محمد إبراهيم الدسوقي، محمود حسن رمضان، صبحي رزق داود، محمد علي هاشم.
-----------------
(164)
الطعن رقم 782 لسنة 46 القضائية
(1) حكم "عيوب التدليل".
التناقض المبطل للحكم. ماهيته.
(2) إيجار "إيجار أماكن" "أسباب الإخلاء".
الترك الذي يبيح الإخلاء، م 23 ق 52 لسنة 1969. ماهيته. تخلي المستأجر عن العين المؤجرة لشخص لم يكن مقيماً معه بالاستضافة مهما طالت مدتها لا تبرر الإخلاء.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 711 لسنة 1974 مدني جنوب القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهم بطلب الحكم بإخلائهم من الشقة المبينة بصحيفة الدعوى وقالوا بياناً لدعواهم إنهم يمتلكون العقار الكائن به الشقة موضوع النزاع والتي استأجرها المطعون عليه الأول إلا أنه خول شقيقه المرحوم........ شغل هذه الشقة الذي ظل يقيم بها دون سواه اعتباراً من تاريخ بدء سريان الإجارة في خلال عام 1937 إلى أن توفى في مارس سنة 1973 وبوفاته أصبحت الشقة خالية فلجأ المطعون عليه الأول إلى تأجيرها من باطنه إلى المطعون عليها الثانية وابنها المطعون عليه الثالث بدون إذن كتابي من مالكي العقار، وبتاريخ 23/ 1/ 1975 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنون أن المستأجر المطعون عليه الأول أجر الشقة من باطنه للمطعون عليها الثانية والثالث ولينفي المطعون عليه ذلك. وبعد أن تنفذ ذلك الحكم أضاف الطاعن سبباً آخر لطلب الإخلاء هو تنازل المستأجر عن عقد الإيجار. قضت المحكمة بتاريخ 30/ 6/ 1975 برفض الدعوى استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 3212 لسنة 92 ق القاهرة وبتاريخ 17/ 5/ 1976 حكمت بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
حيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعنون بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنين على دعامتين الأولى أنهم لم يبادروا باتخاذ أي إجراء لمنع المطعون ضده الأول من دخول العين المؤجرة بعد وفاة شقيقه الذي كان يشغل العين مع أن الطاعنين اعترضوا بعد الوفاة على محاولة إدخال منقولات في العين المؤجرة وأثبت هذا الاعتراض في محضر الشكوى رقم 4353 لسنة 1973 إداري قصر النيل وكان من بين مستندات الطاعنين المطروحة على المحكمة إلا أنها لم تعرض لهذا المستند ولم تناقش الدفاع المؤسس عليه والثانية أن استمرار الطاعنين على تحرير سندات الوفاء بالأجرة باسم المطعون ضده الأول بعد وفاة شقيقه يفيد نشوء علاقة إيجارية لصالح الأول مع أن مجرد تحرير سندات الأجرة في واقعة هذا الطعن لا ينبئ ولا يدل على قيام علاقة إيجارية وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بمخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض الدعوى على أن قبض الطاعنين الأجرة من المطعون ضده الأول بعد وفاة شقيقه وإعطائه إيصال باسمه دون تحفظ إن هو إلا إقرار ضمني من الطاعنين على أن عقد الإيجار لا زال قائماً معه وإذ كانت هذه الدعامة وحدها تكفي لحمل الحكم فلا عليه إن لم يتتبع الخصوم في شتى مناحي طلباتهم ووجوه دفاعهم والرد عليها إذ في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط لأوجه هذا الدفاع ومن ثم يكون النعي على الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني هو التناقض في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم المطعون فيه بعد أن انتهى إلى أن المطعون ضده الأول حول عقد الإيجار لأخيه المتوفى طبقاً للتصريح الثابت في عقد الإيجار عاد واعتبره مستأجراً أصلياً لم ينته عقده بوفاة أخيه دون أن يفهم من الحكم الأساس الذي اعتمد عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة بأن تناقض الأسباب المبطل للحكم هو الذي تتماحى به الأسباب بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه بحيث لا يمكن أن يفهم منه على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به أما إذا اشتمل الحكم على أسباب تكفي لحمله وتبرر وجه قضائه فلا محل للنعي عليه بالتناقض، إذ كان ذلك وكان البين من الحكم أنه قرر أنهم (ظلوا أي الطاعنين) يتقاضون منه أي (المطعون ضده الأول) الأجرة وتحرر الإيصالات باسمه شخصياً كما بدأت وكما كانت حال حياة إبراهيم فتحي بمعنى أنهم أقروا بعودة صفة المدعى عليه الأول (المطعون ضده الأول) كمستأجر وعلاقته بهم على هذا الأساس لو كان الأمر على غير ما تقدم وأردوا بوفاة إبراهيم فتحي وضع حد لوجود وكيان المدعى عليه الأول لبادروا على الفور باتخاذ سبيل معين لحجبه عن شقة النزاع وأقلها أن يمتنعوا عن تحرير إيصالات الأجرة باسمه أما وقد فعلوا فهذا إقرار صريح منهم على قبول عودته كمستأجر كما كان بذات العقد الأول.... وأن أحداً لم يقل أنه كان تاجراً من الباطن منه إلى شقيقه بل إعمالاً لحقه المنصوص عليه في عقد الإيجار خاصة أنهم لم يغيروا هذا العقد نهائياً إلى اسم الدكتور إبراهيم فتحي بل ظل العقار سارياً باسم المدعى عليه الأول فخولاه فيه حق بإقامة شقيقه في شقة النزاع دون ما اعتراض من المستأنفين وبعد وفاة الأخ ظل الأمر بينهم وبين المستأجر الأصلي يقبضون منه الإيجار شهرياً وتحرر إيصالات السداد باسمه، هو وكان يبين من ذلك أن الحكم اتخذ من تحرير سندات الوفاء بالأجرة باسم المطعون ضده الأول بعد وفاة شقيقه دليلاً على أن العلاقة الإيجارية لا زالت قائمة معه وأن إقامة شقيقه في الشقة كانت بناء على التصريح المخول له من المؤجر في عقد الإيجار بتخويله الحق في أن يسكنه أحد أشقائه دون أن يغير ذلك من العلاقة التأجيرية التي ظلت قائمة من المطعون ضده الأول لاستمرار صدور سندات التخالص بالأجرة باسمه حال حياة شقيقه المتوفى، لما كان ذلك فإن الحكم يكون قد خلا من التناقض الذي يعيبه ويكون النعي عليه بذلك على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ويقولون شرحاً لذلك أنه على فرض أن المطعون ضده الأول لا زال مستأجراً فهو ترك للمطعون ضدهما الثانية والثالثة العين المؤجرة وهو الأمر الموجب للإخلاء عملاً بالفقرة من المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن مدلول الترك في معنى المادة 23 من 52 لسنة 1969 بشأن الإيجار والأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينصرف إلى حالة تخلي مستأجر العين المؤجرة إلى آخر لم يكن مقيماً معه وليس عليه التزام بإسكانه دون تعاقد بشأن الانتفاع، وكان الحكم قد استخلص مما قدم إليه من قرائن وأدلة أن المطعون ضده الأول لم يترك شقة النزاع بل إن له إقامة بها وإن كانت غير متصلة, وأفصح بما له من سلطة تقديرية أن إقامة المطعون عليها الثانية والثالث بعين النزاع إنما تمت على سبيل الاستضافة بعد وفاة زوج المطعون عليها الثانية وتعاقد ابنها المطعون عليه الثالث على العمل خارج البلاد وأن صلة القربى التي تربطها بالمطعون ضده الأول بوصفه أخاها أملت عليه استضافتها دون أن يتخلى عن عين النزاع، وإذ كانت هذه الاستضافة مهما طال أمدها لا تبيح الإخلاء طالما أن المطعون ضده الأول لم يترك العين المؤجرة فإن الحكم يكون قد طبق صحيح القانون بما يتعين معه رفض هذا النعي.
وحيث إن حاصل السبب الرابع هو الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعنون أن الحكم في قضائه على أن الترك المبرر للإخلاء يشترط فيه أن يكون كلياً مع أن النعي صريح وواضح من أنه ليس بلازم أن يقع الترك على كل العين بل أن الترك أو التنازل الجزئي مبرر للإخلاء، وإذ جرى الحكم المطعون فيه في قضائه على غير هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن من المقرر في التفسير أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني وإذ أورد الحكم في أسبابه بأنه "قد ثبت من أقوال الشهود الذين ترتاح إليهم المحكمة أن المستأنف عليه الأول "المطعون ضده الأول" لم يترك عين النزاع كلية بل إن له إقامة ما زالت قائمة وإن كانت غير متصلة "فإن سياق ذلك يفيد أن المحكمة قصدت أن المطعون ضده الأول لم يترك العين نهائياً بل إن له إقامة بها وإن كانت غير متصلة وإذ قضت برفض دعوى الإخلاء استناداً إلى أن المطعون ضده الأول مستأجر أصلي يقيم في عين النزاع ولم يتركها وأن باقي المطعون عليهم في ضيافته فإنها تكون قد طبقت صحيح القانون بما يتعين معه رفض هذا النعي.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق