الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 سبتمبر 2023

الطعن 171 لسنة 5 ق جلسة 6 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 127 ص 1481

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

-----------------

(127)

القضية رقم 171 لسنة 5 القضائية

(أ) تقرير سنوي 

- تقديم تقريرين متتاليين عن الموظف بدرجة ضعيف - عرض أمره على الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب للبت في أمره على النحو المقرر في المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 - الحكمة من إسناد ذلك إلى الهيئة المذكورة دون لجنة شئون الموظفين.
(ب) محاكم تأديبية 

- المحاكم التأديبية المنشأة بالقانون رقم 117 لسنة 1958 - اختصاصها بنظر الدعاوى التأديبية التي كانت من اختصاص مجالس التأديب، وإحالة ما كان لا يزال منها منظوراً أمام هذه المجالس بحالتها إلى المحاكم التأديبية - اختصاص هذه المحاكم كذلك بالنظر في حالات الموظفين المحالين إلى الهيئات التي يشكل منها مجلس التأديب لتقديم تقريرين متتاليين عنهم بدرجة ضعيف.

---------------
1 - إن نص المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة (معدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953) صريح في إسناد الاختصاص إلى الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب فيما يتعلق بفحص حالة الموظف المقدم عنه تقديران متتاليان بدرجة ضعيف والبت في أمره، سواء بالاكتفاء بتوجيه تنبيه إليه بتحسين حالته إن آنست فيه المقدرة على ذلك، أو بتقرير نقله إلى وظيفة أخرى يستطيع الاضطلاع بأعبائها، مع حرمانه من أول علاوة دورية نتيجة لتقديم هذين التقريرين عنه، أو بفصله من الخدمة إذا ما قدم عنه تقرير ثالث بدرجة ضعيف. وإذا كان الشارع لم يقرر هذا الاختصاص لمجلس التأديب ذاته، بل للهيئة التي يشكل منها هذا المجلس، فإنه لم يسنده إلى لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة التابع لها الموظف، وفي هذا معنى الخروج بحالة الموظف المقدم عنه تقريران متتاليان أو ثلاثة تقارير بدرجة ضعيف عن مجرد كونها مسألة عادية مما يتعلق بشئون الموظفين الداخلة في اختصاص تلك اللجنة؛ إذ أن الموظف الذي ينطبق عليه حكم المادة 32 إما أن يكون ضعفه المسجل عليه في التقارير راجعاً إلى إهماله وتقصيره في أداء واجبات وظيفته؛ فيكون عرض أمره على الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب - والحالة هذه - أمراً طبعياً، وإما أن يكون ضعفه راجعاً إلى عجز في استعداده ومواهبه وتكوينه بالنسبة إلى وظيفة معينة وقد يكون صالحاً لوظيفة أخرى، أو بالنسبة إلى الوظائف كافة، وهذه الحالة - وإن لم تكن في الأصل من طبيعة التأديب إذا لم يكن الموظف قد ارتكب ذنب التقصير في عمله ولكن استعداده وتكوينه هو الذي لا يرقى به إلى المستوى المتطلب للوظيفة المنوط به القيام بأعبائها - إلا أنه نظراً إلى خطورة الأثر الذي حدده القانون الذي يستهدف له الموظف في هذه الحالة ويستوي فيه مع الموظف المقصر في واجبه المسجل عليه تقصيره ضعفاً في التقارير، فقد أراد الشارع أن يكفل ضمانة مماثلة لكل من هذا وذاك، ما داما معرضين لنفس النتيجة.
2 - إن القرار بقانون رقم 73 لسنة 1957 نص على أن تحال الدعاوى التأديبية المرفوعة عن المخالفات المالية والإدارية التي لم يفصل فيها بحالتها إلى مجلس التأديب المختص طبقاً لأحكام هذا القانون، ويخطر ذوو الشأن بهذه الحالة.، ثم صدر القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري ناصاً في المادة 47 منه على أن "جميع الدعاوى التأديبية المنظورة أمام مجالس التأديب والتي أصبحت بمقتضى أحكام هذا القانون من اختصاص المحاكم التأديبية تحال بالحالة التي هي عليها إلى المحكمة التأديبية المختصة، ويخطر ذوو الشأن بقرار الإحالة، ويظل مجلس التأديب العالي مختصاً بالفصل في القضايا التي استؤنفت أمامه قبل العمل بهذا القانون"؛ وبذلك حلت المحاكم التأديبية بتشكيلها الجديد الذي نصت عليه المادة 18 من القرار بقانون آنف الذكر محل مجالس التأديب فيما كانت تتولاه هذه المجالس من اختصاصات؛ وذلك للمحكمة التي ارتآها المشرع من تعديل هذا التشكيل، وهي تفادي تعدد تلك المجالس وبطء إجراءات المحاكمة وغلبة العنصر الإداري في تكوينها، وانتقلت إليها تبعاً لذلك وبهذا التشكيل الجديد الولاية التي كانت مقررة بالمادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن الموظفين ضعيفي الكفاية للهيئة المشكل منها مجلس التأديب، وهو المجلس الذي عدل تشكيله، ولم يعد تشكيله القديم قائماً. والقول بانحصار حلول المحاكم التأديبية محل مجالس التأديب في دائرة الولاية التأديبية دون سواها يفضي إما إلى الإبقاء على التشكيل السابق لمجلس التأديب الذي انمحى، وهو ما يتعارض مع التعديل الجديد، وإما إلى إيجاد ثغرة في التشريع فيما يتعلق بكيفية تكوين الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب بعد إذ تبدل كيانه فيما لو أنكر حلول المحكمة التأديبية محله في خصوص ضعاف الكفاية من الموظفين، وهو ما يعطل إعمال حكم المادة المذكورة.


إجراءات الطعن

في 14 من يناير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 171 لسنة 5 القضائية في القرار الصادر من المحكمة التأديبية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية بجلسة 8 من ديسمبر سنة 1958 في الطلب المقدم من النيابة الإدارية المقيد برقم 3 للسنة الأولى القضائية ضد عدلي أمين يونان المهندس بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال العمومية، والقاضي بـ "ألا وجه لتطبيق المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنسبة للسيد/ عدلي أمين يونان". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، والقضاء بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الموضوع". وقد أعلن هذا الطعن إلى النيابة الإدارية في 24 من يناير سنة 1959، وإلى عدلي أمين يونان في 28 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 4 من إبريل سنة 1959، وفي 3 من مارس سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات في عشرين يوماً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن عدلي أمين يونان المهندس من الدرجة الخامسة بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال العمومية أحيل إلى مجلس التأديب بإدارة الكهرباء والغاز لمدينة القاهرة بناء على القرار الوزاري رقم 1557/ 54 الصادر في 14 من يونيه سنة 1955، وذلك لفحص حالته طبقاً للمادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، المعدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953؛ نظراً إلى أنه قدم عنه تقريران سنويان متتاليان بدرجة ضعيف، وقد نظر مجلس التأديب المذكور هذا الموضوع في عدة جلسات. ولما كان الموظف المشار إليه قد أقام الدعوى رقم 334 لسنة 10 القضائية في 8 من نوفمبر سنة 1955 أمام محكمة القضاء الإداري بطلب إلغاء التقريرين السنويين السريين المودعين بملف خدمته في سنتي 1954 و1955 عن أعمال سنتي 1953 و1954 واللذين كانا السبب في إحالته إلى مجلس التأديب فيما تضمناه من تقديره بدرجة ضعيف، فقد قرر المجلس بجلسته المنعقدة في 10 من ديسمبر سنة 1955 "إيقاف النظر في موضوع التقريرين لحين الفصل في الدعوى الخاصة بهما، على أن تقوم مصلحة الميكانيكا بإخطار المجلس عند الفصل في هذه الدعوى". "وبعد إذ صدر القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري طلبت وزارة الأشغال العمومية إلى النيابة الإدارية بكتابها المؤرخ 25 من سبتمبر سنة 1958 عرض الموضوع على الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية. وتطبيقاً للمادة 47 من القانون المشار إليه أحيل الموضوع إلى المحكمة التأديبية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية، حيث عين لنظره جلسة 10 من نوفمبر سنة 1958، ثم أجل لجلسة أول ديسمبر سنة 1958، وفيها قررت النيابة الإدارية أنها استطلعت رأي الجهة الإدارية التابع لها الموظف فأجابت بكتابها رقم 48469 المؤرخ 23 من نوفمبر سنة 1958 بأنها ترى منحه فرصة لمدة سنة. وبجلسة 8 من ديسمبر سنة 1958 "قررت المحكمة ألا وجه لتطبيق المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنسبة للسيد/ عدلي أمين يونان"، استندت في قرارها إلى أنه بالرجوع إلى المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957، وهي التي تحكم واقعة هذا الطلب يتضح أنها تنص على أن "الموظف الذي يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف يحال إلى الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته، فإذا تبين لها أنه قادر تحسين حالته وجهت إليه تنبيهاً بذلك، وإلا قررت نقله إلى وظيفة أخرى يستطيع الاضطلاع بأعبائها، فإذا قدم عنه تقرير ثالث بدرجة ضعيف يفصل من الخدمة". ومفاد هذا النص أن سلطة مجلس التأديب كانت محصورة فيما يقرره من التنبيه على الموظف بتحسين حالته أو بنقله إلى وظيفة أخرى. وبالاطلاع على التقريرين المقدمين عن السيد/ عدلي أمين يونان عن عامي 1956 و1957 يبين أنه حصل في الأول منهما على 63 درجة، وفي الثاني على 67 درجة، أي أنه قام بتحسين حالته ولم يعد ضعيفاً طبقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951؛ الأمر الذي يستتبع أن يصبح الطلب المعروض غير ذي موضوع؛ وبناء عليه لا يكون ثمة وجه لتطبيق المادة 32 من القانون المذكور، سواء قبل أو بعد تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957، على حالة هذا الموظف بعد أن زال ضعفه وارتفع تقدير درجة كفايته. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا القرار بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 14 من يناير سنة 1959 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، والقضاء بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الموضوع"، وأقام طعنه على أن المحكمة التأديبية أصدرت قرارها المطعون فيه باعتبارها صاحبة الاختصاص بنظر الحالة التي تنص عليها المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وقد وردت هذه المادة في الفصل الثالث من الباب الأول من هذا القانون، وهو الفصل الخاص بالتقارير عن الموظفين وترقيتهم وعلاواتهم ورواتبهم. وواضح من هذا أن المشرع لم يقرر الاختصاص في هذه الحالة لمجلس التأديب، وإنما أسنده إلى الهيئة المشكل منها المجلس المذكور، كما أنه يورد هذا النص في الفصل السابع من الباب الأول من القانون؛ حيث نظم تأديب الموظفين المعينين على درجات دائمة. ومدلول هذا كله أن السلطة التي نصت عليها المادة 32 سالفة الذكر قد منحها المشرع للهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب دون المجلس ذاته، وأنها خارجة عن الولاية التأديبية متميزة بطابع إداري محض، على غرار السلطة المخولة للجنة شئون الموظفين بحكم المادة 44 من قانون نظام موظفي الدولة، وهذا ما تقتضيه طبائع الأمور؛ لأن الهيئة المشكل منها مجلس التأديب من بين أعضائها موظف من الوزارة المختصة في الدرجة الأولى على الأقل أو ما يعادلها، وتوافر هذا العنصر في التشكيل يتيح للهيئة أن تختار للموظف العمل الذي تراه قادراً على الاضطلاع به، كما يمكن لها من تقرير الفصل على السواء، هذا إلى أن تأديب الموظف إنما يكون عن عمل إرادي ينطوي على مخالفة القانون أو الخروج على مقتضيات الوظيفة، على حين أن ضعف الموظف في القيام بالعمل يخرج بطبيعته من هذا المجال، على أنه إذا قيل بأن الهيئة المشكل منها مجلس التأديب هي بذاتها مجلس التأديب، فعندئذ يتعين القول بأن السلطة المقررة للمجلس بحكم المادة 32 لا تدخل في ولايته التأديبية، فإذا كانت المحكمة التأديبية قد حلت محل مجلس التأديب بالقانون رقم 117 لسنة 1958، فإن هذا الحلول ينحصر في دائرة الولاية التأديبية دون غيرها، وهذه المحكمة - كهيئة من هيئات القضاء - لا يمكن أن تستقل الهيئة المشكلة منها بذاتية مستقلة عنها، كما أن السلطة المقررة بالمادة 32 تختلف عن طبيعة العمل القضائي، هذا فضلاً عن أن القانون رقم 117 لسنة 1958 قد أغفل النص على الحكم الوارد في المادة سالفة الذكر من قانون نظام موظفي الدولة؛ ومن ثم فإن المحكمة تكون غير مختصة بتطبيق هذا الحكم؛ وإذ أخذت في قرارها بغير هذا النظر فإنها تكون قد خالفت القانون، ويتعين الطعن في هذا القرار.
ومن حيث إن المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، معدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 وقبل تعديلها بالقرار بقانون رقم 73 لسنة 1957، أي في وضعها الذي يحكم واقعة الحالة المعروضة؛ إذ أن السيد/ عدلي أمين يونان أحيل بمقتضاها في 14 من يونيه سنة 1955 بناء على القرار الوزاري رقم 1557/ 54 إلى مجلس التأديب بإدارة الكهرباء والغاز لمدينة القاهرة لفحص حالته؛ نظراً لأنه قدم عنه تقريران سنويان متتاليان في سنتي 1954 و1955 عن أعمال سنتي 1953 و1954 بدرجة ضعيف، هذه المادة كانت تنص على أن "الموظف الذي يقدم عنه تقديران متتاليان بدرجة ضعيف يحال إلى الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته، فإذا تبين لها أنه قادر على تحسين حالته وجهت إليه تنبيهاً بذلك، وإلا قررت نقله إلى وظيفة أخرى يستطيع الاضطلاع بأعبائها، فإذا قدم عنه تقرير ثالث بدرجة ضعيف يفصل من الخدمة. ويترتب على تقديم تقريرين متتاليين عن موظف بدرجة ضعيف عدم أحقيته لأول علاوة دورية".
ومن حيث إن هذا النص صريح في إسناد الاختصاص إلى الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب فيما يتعلق بفحص حالة الموظف المقدم عنه تقديران متتاليان بدرجة ضعيف والبت في أمره، سواء بالاكتفاء بتوجيه تنبيه إليه بتحسين حالته إن آنست فيه المقدرة على ذلك، أو بتقرير نقله إلى وظيفة أخرى يستطيع الاضطلاع بأعبائها - مع حرمانه من أول علاوة دورية نتيجة لتقديم هذين التقديرين عنه - أو بفصله من الخدمة إذا ما قدم عنه تقرير ثالث بدرجة ضعيف. وإذا كان الشارع لم يقرر هذا الاختصاص لمجلس التأديب ذاته، بل للهيئة التي يشكل منها هذا المجلس، فإنه لم يسنده إلى لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة التابع لها الموظف، وفي هذا معنى الخروج بحالة الموظف المقدم عنه تقريران متتاليان أو ثلاثة تقارير بدرجة ضعيف عن مجرد كونها مسألة عادية مما يتعلق بشئون الموظفين الداخلة في اختصاص تلك اللجنة إذ أن الموظف الذي ينطبق عليه حكم المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة إما أن يكون ضعفه المسجل عليه في التقارير راجعاً إلى إهماله وتقصيره في أداء واجبات وظيفته؛ فيكون عرض أمره على الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب - والحالة هذه - أمراً طبعياً، وإما أن يكون ضعفه راجعاً إلى عجز في استعداده ومواهبه وتكوينه بالنسبة إلى وظيفة معينة وقد يكون صالحاً لوظيفة أخرى، أو بالنسبة إلى الوظائف كافة، وهذه الحالة وإن لم تكن في الأصل من طبيعة التأديب إذا لم يكن الموظف قد ارتكب ذنب التقصير في عمله، ولكن استعداده وتكوينه هو الذي لا يرقى به إلى المستوى المتطلب للوظيفة المنوط به القيام بأعبائها، إلا أنه نظراً إلى خطورة الأثر، الذي حدده القانون، الذي يستهدف له الموظف في هذه الحالة ويستوي فيه مع الموظف المقصر في واجبه المسجل عليه تقصيره ضعفاً في التقارير، فقد أراد الشارع أن يكفل ضمانة مماثلة لكل من هذا وذاك، ما داما معرضين لنفس النتيجة.
ومن حيث إن القرار بقانون رقم 73 لسنة 1957 نص على أن تحال الدعاوى التأديبية المرفوعة عن المخالفات المالية والإدارية التي لم يفصل فيها بحالتها إلى مجلس التأديب المختص طبقاً لأحكام هذا القانون، ويخطر ذوو الشأن بهذه الحالة، ثم صدر القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري ناصاً في المادة 47 منه على أن "جميع الدعاوى التأديبية المنظورة أمام مجالس التأديب والتي أصبحت بمقتضى أحكام هذا القانون من اختصاص المحاكم التأديبية تحال بالحال التي هي عليها إلى المحكمة التأديبية المختصة، ويخطر ذوو الشأن بقرار الإحالة، ويظل مجلس التأديب العالي مختصاً بالفصل في القضايا التي استؤنفت أمامه قبل العمل بهذا القانون"؛ وبذلك حلت المحاكم التأديبية بتشكيلها الجديد الذي نصت عليه المادة 18 من القرار بقانون آنف الذكر محل مجالس التأديب فيما كانت تتولاه هذه المجالس من اختصاصات؛ وذلك للمحكمة التي ارتآها المشرع من تعديل هذا التشكيل، وهي تفادي تعدد تلك المجالس وبطء إجراءات المحاكمة وغلبة العنصر الإداري في تكوينها، وانتقلت إليها تعباً لذلك وبهذا التشكيل الجديد الولاية التي كانت مقررة - بالمادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن الموظفين ضعيفي الكافية - للهيئة المشكل منها مجلس التأديب، وهو المجلس الذي عدل تشكيله، ولم يعد تشكيله القديم قائماً. والقول بانحصار حلول المحاكم التأديبية محل مجالس التأديب في دائرة الولاية التأديبية دون سواها يفضي إما إلى الإبقاء على التشكيل السابق لمجلس التأديب الذي انمحى، وهو ما يتعارض مع التعديل الجديد، وإما إلى إيجاد ثغرة في التشريع فيما يتعلق بكيفية تكوين الهيئة التي يشكل منها مجلس التأديب بعد إذ تبدل كيانه فيما لو أنكر حلول المحكمة التأديبية محله في خصوص ضعاف الكفاية من الموظفين، وهو ما يعطل إعمال حكم المادة المذكورة.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أنه، بعد أن قرر مجلس التأديب بإدارة الكهرباء والغاز بمدينة القاهرة بجلسته المنعقدة في 10 من ديسمبر سنة 1955 وقف النظر في موضوع التقريرين المقدمين عن السيد/ عدلي أمين يونان لحين الفصل في الدعوى المرفوعة منه أمام محكمة القضاء الإداري بطلب إلغاء هذين التقريرين فيما تضمناه من تقدير كفايته بدرجة ضعيف، أحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية استناداً إلى القانون رقم 117 لسنة 1958 لمباشرته أمام الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية التي أصدرت قرارها المطعون فيه بألا وجه لتطبيق المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنسبة إلى الموظف المذكور، بعد إذ قام بتحسين حالته وزال ضعفه وارتفع تقدير درجة كفايته، كما يتضح ذلك من التقريرين المقدمين عنه في سنتي 1956 و1957، وهو القرار الذي صدر في حدود اختصاص المحكمة المشار إليها وفقاً لما سلف بيانه؛ ومن ثم فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا القرار بطلب القضاء بعدم اختصاص المحكمة التأديبية التي أصدرته بنظر الموضوع يكون على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق