جلسة 28 من فبراير سنة 1981
برئاسة السيد/ المستشار الدكتور إبراهيم علي صالح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد طه سنجر، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل، وجهدان حسين عبد الله, ورابح لطفي جمعة.
---------------
(134)
الطعن رقم 1405 لسنة 50 القضائية
إيجار "إيجار الأماكن". قانون "سريان القانون". نظام عام.
حق المالك في تأجير سكنه لمدة مؤقتة وجوده بالخارج م 39/ 4 ق رقم 49 لسنة 1977. حكم مستحدث جاء استثناء من قواعد الامتداد القانوني المتعلقة بالنظام العام. عدم سريانه إلا على وقائع التأجير التالية لنفاذه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون عليهما أقاما الدعوى رقم 249 سنة 1978 مدني كلي شمال القاهرة ضد الطاعن للحكم بإخلائه من العين المبينة بصحيفة الدعوى وقالا في بيان ذلك أنهما يمتلكان تلك العين وقد أغلقاها عند مغادرتهما البلاد في أوائل سنة 1972 في بعثة دراسية وما إن عادا إلى الوطن في أواخر سنة 1977 حتى فوجئا بشغل الطاعن للعين بزعم استئجاره لها من والد المطعون عليه الأول ولما كان ذلك العقد معدوماً لصدوره من غير ذي صفة في التأجير وكان من حقهما فضلاً عن ذلك طلب إخلاء العين من شاغلها بعد عودتهما من الخارج طبقاً لحكم المادة 39/ 4 من القانون رقم 49 سنة 1977 فقد أقاما دعواهما. قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى. استأنف المطعون عليهما الحكم بالاستئناف رقم 330 سنة 96 ق القاهرة أحالت محكمة الاستئناف الدعوى إلى التحقيق وبعد إجرائه قضت في 26/ 4/ 1980 بإلغاء الحكم المستأنف وبالإخلاء، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره, وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه استأجر عين النزاع خالية في سنة 1972 ومن ثم فإن إجارتها تخضع لأحكام القانون رقم 52 سنة 1969 الذي نشأت في ظله والذي لم يكن يجيز للمالك تأجير مسكنه خالياً لمدة مؤقتة بسبب إقامته بالخارج حتى يكون له من ثم طلب الإخلاء عند عودته غير أن الحكم المطعون فيه ذهب على خلاف ذلك إلى القول بأن القانون رقم 49 سنة 1977 هو الواجب التطبيق على واقعة الدعوى باعتبار أن أحكامه متعلقة بالنظام العام وتسري من ثم بأثر فوري على الوقائع القائمة وقت العمل به ولو كانت ناشئة عن عقود أبرمت قبله وأنه لما كانت المادة 39/ 4 من القانون المذكور قد استحدثت حكماً جديداً أعطى للمالك الحق في أن يؤجر سكنه خالياً أو مفروشاً إذا أقام خارج الجمهورية بصفة مؤقتة على أن يخطر المستأجر لإخلاء العين في الموعد المحدد لعودته، وهو ما أجرى الحكم تطبيقه على واقعة النزاع وقضى على أساسه بالإخلاء في حين أن أحكام القانون المذكورة ليست جميعها متعلقة بالنظام العام بل أن منها ما نص صراحة على عدم سريانه إلا على الوقائع التالية لصدوره كالمواد 4، 14 منه كما أن منها ما أجاز للمالك استعمال حقوق معينة كالمادة 39/ 4 ومن ثم فإنها لا تتعلق بالنظام العام فضلاً عن عدم جواز المساس بالحقوق المكتسبة للمستأجر في ظل القانون السابق، هذا إلى عدم توافر شروط انطباق المادة 39/ 4 سالفة الذكر على النزاع الماثل والتي تستلزم أن يكون المستأجر على علم يقيني بأنه يستأجر لمدة موقوتة بعودة مالكها المؤجر وهو ما يقطع جميعه بمخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وخطئه في تطبيقه..
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كانت المادة 187 من الدستور تنص على أنه "لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب" وكان المقرر تطبيقاً لذلك - وعلى ما جرى به قضاء. هذه المحكمة - أنه ولئن كان الأصل أن القانون يطبق على المراكز والوقائع التي تنشأ أو تتم في الفترة من تاريخ العمل به إلى حين إلغائه وإن القانون الجديد يسري بأثر مباشر على ما يقع أو يتم منها بعد نفاذه إلا أنه إذا كان القانون قد استحدث أحكاماً متعلقة بالنظام العام أفرغها في قواعد آمرة فإنه يسري بأثر فوري على النتائج والآثار التي ترتبت بعد نفاذه ولو كانت ناشئة عن مراكز ووقائع تمت قبل ذلك، وكانت أحكام تحديد الأجرة والامتداد القانوني التي نظمتها قوانين إيجار الأماكن المتعاقبة هي مما يتعلق بالنظام العام باعتبار أن المشرع قصد بها حماية المستأجر، وكان ما نصت عليه المادة 39/ 4 من القانون رقم 49 سنة 1977 من أنه "...... يكون للمالك إذا أقام خارج الجمهورية بصفة مؤقتة أن يؤجر مسكنه مفروشاً أو خالياً وعليه في هذه الحالة أن يخطر المستأجر لإخلاء العين في الموعد المحدد لعودته للإقامة بالجمهورية وبشرط أن يمنح المستأجر أجلاً مدته ثلاثة أشهر من تاريخ إخطاره ليقوم بإخلاء العين وردها إلى مالكها وإلا اعتبر شاغلاً لها دون سند قانوني وذلك أياً كانت مدة الإيجار المتفق عليها..." يدل على أن المشرع ولئن استحدث بهذا النص حكماً جديداً رخص بمقتضاه للمالك الحق في أن يؤجر سكنه - خالياً أو مفروشاً لمدة مؤقتة بفترة إقامته بالخارج يكون له بعدها إخلاء المستأجر منه وفقاً لشروط وأوضاع معينة وأياً كانت مدة الإيجار المتفق عليها - وذلك على خلاف الأصل المقرر في جميع قوانين إيجار الأماكن وهو الامتداد القانوني لإجارة الأماكن الخالية والذي تنظمه قاعدة آمرة ومتعلقة بالنظام العام باعتباره الركيزة الأساسية التي تكفل حماية المستأجر إلا أن المشرع قد استهدف بهذا الاستثناء إلى جانب التيسير على الملاك - مراعاة صوالح المستأجرين بتوفير المزيد من فرص السكنى أمامهم ولو كانت لمدد مؤقتة، وكان مؤدى ذلك أن يجري إعمال ذلك الحكم المستحدث في حدود مجاله ونطاقه وغايته سالفة البيان فلا يسري إلا من تاريخ العمل به ولا يطبق إلا على الوقائع التي تنشأ بعد نفاذه أي على التأجير الحاصل بعده عن سكن المالك الذي يقيم بالخارج وذلك لمستأجر يعلم بواقع هذا التأجير حتى يكون على بينة من أمره, ومما يؤكد هذا النظر ما هو مبين من مناقشات مجلس الشعب حول مشروع هذه المادة إذ كان قد اقترح وقتئذ إضافة عبارة "أن هذا النص يسري على العقود السارية لأن" حتى ينسحب حكمه على تلك العقود فيتسنى للملاك الذين أجروا مساكنهم قبل صدور القانون أن يستعملوا الرخصة التي استحدثها غير أن مجلس الشعب أطرح هذا الاقتراح لأنه ينطوي على مساس بالمراكز القانونية للمستأجرين الذين استقروا في مساكنهم ويتضمن بالتالي سريان أحكام القانون بأثر رجعي، وهو ما انتهى إلى إقرار المجلس للنص الحالي دون الموافقة على تلك الإضافة المقترحة في شأنه, وترتيباً على ما سلف فإن الحكم المستحدث بالمادة 39/ 4 سالفة الذكر لا يسري على وقائع التأجير التي تكون سالفة على صدوره والتي اكتسب بموجبها المستأجر للمكان الخالي حقه في الامتداد القانوني لعقد إيجاره طبقاً للقانون الذي نشأ في ظله وبالتالي لا يكون لذلك الحكم الجديد أي مساس بالمراكز القانونية التي نشأت عن عقود تمت قبل العمل به والتي تظل خاضعة للقواعد الآمرة التي تنظمها القوانين التي نشأت في ظلها، لما كان ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن العقد الصادر للطاعن من والد المطعون عليه الأول زوج الثانية - عن عين النزاع وهي خالية - أبرم في 10/ 5/ 1972 ومن ثم يكون القانون الواجب التطبيق في شأنه هو القانون رقم 52 سنة 1969, وكان القانون المذكور - مع ما أوجبه من امتداد عقود إيجار الأماكن الخالية وعدم إخلاء مستأجريها إلا لأحد الأسباب التي حددها - لا يسمح للمالك بتأجير المكان خالياً لمدة موقوتة لأي سبب من الأسباب, وكان القانون رقم 49 سنة 1977 - فيما نص عليه بالمادة 39/ 4 منه - لا يسري بأثر فوري على عقد الإيجار موضوع التداعي على ما سلف بيانه وإذ قضى الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لتناول باقي الأسباب.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه.
ولما كان الموضوع صالحاً للفصل فيه، وكان البين مما سلف أن دعوى المطعون عليهما لا تقوم على سند من القانون بما يقتضي رفضها، وإذ انتهى الحكم الابتدائي في قضائه إلى هذه النتيجة الصحيحة وجرى منطوقه برفض دعوى المطعون عليهما فإنه يكون حرياً بتأييده فيما قضى به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق