الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 4 سبتمبر 2023

الطعن 1268 لسنة 48 ق جلسة 14 / 3 / 1981 مكتب فني 32 ج 1 ق 152 ص 818

جلسة 14 من مارس سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ نائب رئيس المحكمة الدكتور إبراهيم علي صالح وعضوية السادة المستشارين: محمود حسين رمضان، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل، جهدان حسين عبد الله ورابح لطفي جمعه.

----------------

(152)
الطعن رقم 1268 لسنة 48 قضائية

(1) محكمة الموضوع "مسائل الواقع". نقض "سلطة محكمة النقض".
تعرف قصد العاقدين وتحصيل الواقع في الدعوى من سلطة محكمة الموضوع. التكييف القانوني الذي تسبغه على استخلاصها للقصد أو فهمها للواقع، خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(2) نقض "أثر نقض الحكم". استئناف.
نقض الحكم والإحالة. التزام محكمة الاستئناف بالمسألة القانونية التي فصل فيها الحكم الناقض لا يحول دون أن تبني حكمها على فهم جديد لواقع تحصله من جميع عناصر الدعوى.
(3) حكم "حجية الحكم".
قوة الأمر المقضي. مناطها. الفصل في مسألة كلية شاملة لا يحول دون معاودة النظر فيها في دعوى تالية متى تغير الخصوم.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه".
حسب محكمة الموضوع إقامة قضاءها على ما يكفي لحمله، عدم التزامها بتتبع حجج الخصوم والرد عليها استقلالاً.
(5) حكم "تسبيبه". استئناف.
تأييد المحكمة الاستئنافية للحكم الابتدائي محمولاً على أسبابه. مؤداه.

----------------
1 - المقرر وعلى ما جاء به قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان التعرف على ما عناه الطرفان من المحرر موضوع الدعوى هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع إلا انه متى استخلصت المحكمة ذلك فإن التكييف القانوني الصحيح لما قصده المتعاقدان وإنزال حكم القانون على العقد هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، وأنه إذا كان لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى من الأدلة المقدمة ومن وزن هذه الأدلة وتقديرها إلا أنه يخضع لرقابة محكمة النقض في تكييف هذا الفهم وفي تطبيق ما ينبغي تطبيقه من أحكام القانون.
2 - النص في المادة 269 من قانون المرافعات على أنه إذا نقض الحكم المطعون فيه وأحيلت القضية إلى المحكمة التي أصدرته لتحكم فيها من جديد فإنه يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى أن تتبع محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها.
3 - النص في المادة 101 من قانون الإثبات على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، يدل على أن مناط حجية الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي هو وحده الموضوع والخصوم والسبب بحيث إذا تخلف أحد هذه الشروط انتفت تلك الحجية، لما كان ذلك وكان المقرر أن حجية الفصل في المسألة الكلية الشاملة ووحدة الموضوع لا تمنع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من نظر الدعوى الثانية متى كان الخصمان في الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما وأنه إذا كانت المحكمة قد بينت الحقيقة الواقعية التي حصلتها في سداد من أصل ثابت لها وأنزلت عليها حكم القانون الصحيح فلا عليها إذا ما خالفت حقيقة أخرى أخذ بها حكم لا يحاج به طرفا النزاع.
4 - المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن محكمة الموضوع لها السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير قيمة ما يقدم لها من أدلة فلا تثريب عليها في الأخذ بأي دليل تكون قد اقتنعت به ما دام هذا الدليل من طرق الإثبات قانوناً، وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وهي غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل حجة أو قول أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج.
5 - المقرر أنه لا تثريب على المحكمة الاستئنافية إن هي أخذت بأسباب الحكم الابتدائي دون - إضافة متى رأت في هذه الأسباب ما يغني عن إيراد جديد ولأن في تأييدها له محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد فيما وجه إليه من مطاعن ما يستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 2807 سنة 1965 مدني كلي القاهرة ضد الطاعن للحكم بتخفيض أجرة الشقة المبينة بصحيفة الدعوى والمؤجرة إليه من الطاعن بموجب عقد إيجار مؤرخ 15/ 2/ 1964 لقاء أجرة قدرها 500 مليم و23 جنيه شهرياً، دفع الطاعن الدعوى بعدم انطباق القانون رقم 121 سنة 1947 على العين المؤجرة كما قدم طلباً عارضاً بتحديد أجرتها خلال المدة من 1956 حتى يوليه 1958 بمبلغ 36 جنيه شهرياً. ندبت محكمة الدرجة الأولى خبيراً في الدعوى وبعد أن قدم تقريره قضت المحكمة برفض الدفع بعدم سريان القانون رقم 121سنة 1947، وبرفض الدفع ببطلان تقرير الخبير، وبرفض الطلب العارض المبدى من الطاعن، وبتخفيض أجرة الشقة إلى 880 مليم 15 جنيه شهرياً اعتباراً من 1/ 3/ 1964 وإلى مبلغ 12.704 جنيه اعتباراً من 1/ 3/ 1965 وبإلزام الطاعن بمبلغ 153 مليم و304 جنيه قيمة فروق الأجرة الزائدة - استأنف الطاعن الحكم بالاستئناف رقم 282 سنة 85 ق القاهرة وبتاريخ 18/ 4/ 1968 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تخفيض الأجر ورد الفروق وبرفض دعوى المطعون عليه وبرفض الطلب العارض المبدى من الطاعن. طعن المطعون عليه في هذا الحكم بطريق النقض، وبتاريخ 7/ 5/ 1974 حكمت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة.
وبعد أن أحيلت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة حكمت فيها بتاريخ 27/ 5/ 1978 بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي. برفض الطعن - عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إن محكمة الإحالة لم تلتزم باتباع ما يقضي به الحكم الناقض بل خرجت عليه وخالفت مؤداه ذلك أن مفهوم الحكم الناقض صريح في أن الحكم المنقوض أخطأ في تكييف العقد إذ قضى بعدم خضوعه للقانون الاستثنائي بمقولة أن المزايا الملحقة بالمكان المؤجر غير لصيقة به ويمكن الانتفاع بها بدونه في حين أن المناط في تكييف العقد ليس بكون المزايا لصيقة بالمكان المؤجر أو غير لصيقة به بل باعتبارها مقصودة لذاتها أو باختلاط العقد بعملية أخرى, بمعنى أن المحكمة الاستئنافية لو استخلصت أن المزايا الملحقة بالعين مقصودة لذاتها أو لو كيفت العقد على أنه مختلط بعملية أخرى فإن العين المؤجرة تكون بمنأى عن نطاق أحكام التشريع الاستثنائي، وإذ قدم الطاعن للمحكمة الاستئنافية أخذاً بهذا المفهوم العديد من المستندات الدالة على أن الجراج الذي تودع به السيارة هو جراج عام وأن عقد الإيجار يكون بذلك مختلطاً بعملية مالية أخرى هي وديعة وحراسة واستخدام عمال. غير أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تحصيل هذا المفهوم وذهب على خلافه إلى أن الحكم الناقض قد قطع بأن عقد الإيجار غير مختلط بعملية مالية أخرى، وقد حجبه ذلك بالتالي عن تحصيل الواقع الصحيح للعلاقة الإيجارية على ضوء ما قدم إليه من مستندات لو فطن الحكم المطعون فيه إلى دلالتها لانتهى إلى تكييف العقد باعتباره مختلطاً بعملية مالية أخرى بما يخرجه من مجال أحكام التشريع الاستثنائي ويقتضي الالتزام بالأجرة المسماة بالعقد، وإذا ذهب الحكم المطعون فيه على خلاف ذلك فإنه يكون قد خالف الحكم الناقض وبالتالي خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أنه لما كان النص في المادة 269 من قانون المرافعات على أنه إذا نقض الحكم المطعون فيه وأحيلت القضية إلى المحكمة التي أصدرته لتحكم فيها من جديد فإنه يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى أن تتبع محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها، وكان المقرر - وعلى ما جرى به قضاء النقض - أنه ولئن كان التعرف على ما عناه الطرفان من المحرر موضوع الدعوى هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع إلا أنه متى استخلصت المحكمة ذلك فإن التكييف القانوني الصحيح لما قصده المتعاقدان وإنزال حكم القانون على العقد هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، وأنه إذا كان لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى من الأدلة المقدمة ومن وزن هذه الأدلة وتقديرها إلا أنه يخضع لرقابة محكمة النقض في تكييف هذا الفهم وفي تطبيق ما ينبغي تطبيقه من أحكام القانون، وكان الحكم الاستئنافي الأول - المنقوض - قد قضى بعدم خضوع شقة النزاع لأحكام القانون رقم 121 سنة 1947 فيما يتعلق بتحديد أجرتها بمقولة أن ما لحق بها من ميزات خاصة - هي حق المستأجر في إيداع سيارته بالجراج المعد لذلك بالعمالة وتركيب ستائر معدنية وفرشها بالمشمع - قد روعي عند التأجير، وأن الأجرة المتفق عليها بالعقد لا تتجزأ سواء استمر الانتفاع بتلك الميزات أم استغنى عنها، وأن من بين هذه الميزات ما هو غير لصيق بالعين ويمكن الانتفاع بها بدونه ومن ثم فإنها تنأى بالعقد عن نطاق أحكام تحديد الأجرة بما يتعين معه الاعتداد بالأجرة المسماة في العقد وعدم المساس بها...... وكانت محكمة النقض قد انتهت إلى نقض ذلك الحكم وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف لتحكم فيها من جديد وذلك للأسباب التي ساقتها ومنها قولها "....... ولما كان الثابت مما أورده الحكم المطعون فيه ومن عقد الإيجار المقدمة صورته من الطاعن أن موضوع عقد الإيجار هو شقة معدة للسكنى في عمارة المطعون ضده ولا يغير من طبيعة هذا الموضوع بوصفه من الأماكن المعدة للسكنى والتي تسري عليها أحكام القانون رقم 121 سنة 1947 والقوانين المعدلة والمكملة له من أن يكون المؤجر - المطعون ضده - قد خول المستأجر - الطاعن - بمقتضى العقد الحق في إيداع سيارته بجراج العمارة وفي الانتفاع بالستارتين المعدنيتين والمشمع المشار إليها في الحكم المطعون فيه ما دام الغرض الأساسي من الإيجار على ما هو ثابت بالعقد هو المكان ذاته بحيث يعتبر ما خوله المؤجر للمستأجر في العقد على النحو السالف الإشارة إليه هو عنصر ثانوي بالنسبة للمكان المؤجر ولا يعدو أن يكون من قبيل الميزات الإضافية التي تعتبر بهذا الوصف وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة في حكم التحسينات التي يدخلها المؤجر في العين المؤجرة قبل التأجير فيحق له تقويمها وإضافة مقابل الانتفاع بها إلى أجرة المكان التي تحدد على الأسس التي قدرها القانون رقم 121 سنة 1947 والقوانين المعدلة والمكملة. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه وإن لم يخرج في تكييف العقد موضوع الدعوى عن أنه عقد إيجار مكان معقد للسكنى ولم يعتبر المزايا المذكورة مقصودة لذاتها بوصفها الغرض الأساسي في التعاقد أو أن عقد الإيجار يختلط بعملية مالية أخرى مغايرة بل اعتبر ما خوله المؤجر للمستأجر من حقوق مجرد مزايا ملحقة بالمكان المؤجر إلا أنه قضى على الرغم من ذلك بعدم خضوع أجرة الشقة مثار النزاع لأحكام القانون آنف الذكر تأسيساً على أن ما لحق بها من مزايا غير لصيق بها ويمكن الانتفاع بها بدونه في حين أن ذلك ليس هو المناط في تكييف العقد قانوناً ولا أثر له في تحديد طبيعته فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ بذلك في تطبيق القانون" لما كان ذلك وكان مؤداه أن المسألة القانونية التي فصل فيها الحكم الناقض هي تكييف عقد الإيجار موضوع النزاع بأنه عقد إيجار مكان معد للسكنى وأن الغرض الأساسي منه هو المكان ذاته وأن الميزات الملحقة به ومنها إيداع سيارة المستأجر بجراج العمارة تعتبر عنصراً ثانوياً وتأخذ حكم التحسينات التي تضاف إلى العين المؤجرة ويحق للمؤجر تقويمها وإضافة مقابل الانتفاع بها إلى أجرى المكان، ومن ثم فإن العقد لا يعتبر أنه مختلط بأية عملية مالية أخرى مغايرة وهو ما انتهى منه إلى خضوع العقد والعين المؤجرة لأحكام تحديد الأجرة الواردة بالقانون رقم 121 سنة 1947 والقوانين المعدلة له، وإذ كانت هذه المسألة القانونية التي فصل فيها الحكم الناقض هي التي تلتزم بها محكمة الإحالة، وكان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه أن محكمة الإحالة بعد أن أحاطت بدفاع الطاعن ومستنداته المقدمة إليها وأبانت أنها إذ تلتزم بما قضى به الحكم الناقض وتفصل في الدعوى على هداه فإن ذلك لا يحول بينها وبين أن تبني حكمها على فهم جديد لواقع تحصله من جميع عناصرها، ثم تناولت ما قضى به حكم النقض وحصلت تقريراته تحصيلاً وافياً دقيقاً وخلصت من ذلك إلى قولها...... وهذا الذي قررته محكمة النقض يحتم على هذه المحكمة - وهي محكمة الإحالة - أن تحققه سواء فيما أوردته من تقريرات قانونية أو تقرير للواقع الذي كان مطروحاً على محكمة الموضوع وراقبته وقطعت بالرأي فيه، وهذا الواقع هو بعينه القائم اليوم أمام هذه المحكمة فيما عدا ما أثاره المستأنف من واقع قال بجديته وهو عمومية الجراج وامتلاك المستأنف لسيارة مرتباً على هذا الواقع اختلاط عقد الإيجار بعملية مالية أخرى ومستدلاً عليه بما قدم من مستندات غير أن هذا الدفع في حقيقته ليس جديداً لأن حق المستأجر في إيداع السيارة قائم منذ التعاقد ولا يجعل منه واقعاً جديداً استظهار عمومية الجراج....... لما كان ذلك وكان الثابت لهذه المحكمة ألا جديد على الواقع الذي كان قائماً قبل صدور الحكم الناقض ومن ثم بات "تكييف هذا الحكم لذلك الواقع هو الذي ينبغي الحكم على هداه وهو ما التزمه الحكم المستأنف" لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أقيم على أسباب سائغة وكافية لحمله وأحاط بتقريرات الحكم الناقض والتزم به واتبع مفهومه في سداد يتفق وصحيح الواقع والقانون ومن ثم فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الإحالة بالدفع بقوة الأمر المقضي بما يستوجب عدم قبول دعوى التخفيض استناداً منه إلى سبق صدور حكمين نهائيين في الاستئنافين رقمي 421، 414 سنة 85 ق استئناف القاهرة برفض مبدأ التخفيض بالنسبة لشقتين مماثلتين بذات العقار تأسيساً على أن حق إيداع السيارة بجراج العمارة يجعل الأجرة كلاً لا يتجزأ وأنه لما كان من المقرر أن الحكم - في المسألة الكلية الشاملة يعتبر مقيداً في كل مسالة جزئية، وكان مبدأ عينية الأجرة المقرر بالتشريعات الاستثنائية يغني عن وحدة الخصوم ووحدة المحل إلا أن الحكم المطعون فيه رفض الأخذ بهذا الدفع بمقولة أن حجية الأحكام قاصرة على من كان طرفاً فيها وأنه لا محل للاعتداد بما اصطلح عليه عرفاً بعينية الأجرة وهو خطأ من الحكم يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن النص في المادة 101 من قانون الإثبات على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تنكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، يدل على أن مناط حجية الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي هو وحدة الموضوع والخصوم والسبب بحيث إذا تخلف أحد هذه الشروط انتفت تلك الحجية، لما كان ذلك وكان المقرر أن حجية الفصل في المسألة الكلية الشاملة ووحدة الموضوع لا تمنع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من نظر الدعوى الثانية متى كان الخصمان في الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما, وأنه إذا كانت المحكمة قد بينت الحقيقة الواقعية التي حصلتها في سداد من أصل ثابت لها وأنزلت عليها حكم القانون الصحيح فلا عليها إذا ما خالفت حقيقة أخرى أخذ بها حكم لا يحاج به طرفا النزاع، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد واجه الدفع المبدى من الطاعن بقوة الأمر المقضي ورد عليه بقوله "......... وهذا الدفع بلا ريب واجد مجاله أمام هذه المحكمة، ولكنه دفع مردود بالقاعدة الأصولية التي تقضي بأن الأحكام المدنية لها حجية قاصرة على أطرافها وفيما تنازعوا فيه وفيما فصلت فيه المحكمة"، وكان الحكمان المحتج بقوتهما صادرين في خصومة لم يكن المستأنف عليه طرفاً فيها. وكان لا محل للاعتداد بما جرى عليه العرف اصطلاحاً بمبدأ عينية الأجرة لأن ذلك الحكمين لم يكن محلهما العين المؤجرة مثار النزاع القائم فإن الاحتجاج بها دعامة للدفع لا يغني المستأنف عن شيء بما تخلص معه المحكمة إلى رفض ذلك الدفع، فإن الحكم يكون بذلك قد التزم صحيح القانون، ومن ثم يكون النعي عليه بهذا السبب في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أغفل التعرض لما تضمنته صحيفة الاستئناف والمذكرات المقدمة منه من أوجه دفوع ودفاع، وما تمسك به الطاعن فيها من بطلان تقرير الخبير للأسباب والمطاعن التي وجهت إليه بما يستوجب بطلان الحكم المستأنف الذي أخذ به واتخذ منه الركيزة الوحيدة، لقضائه. فضلاً عن المطاعن الأخرى التي أحال الطاعن في شأنها إلى صحيفة الاستئناف إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن مواجهة هذا الدفاع الجوهري واجتزأ في شأن تناوله والرد عليه بقوله أن الحكم المستأنف تكفل بالرد على جميع ذلك بأسباب سائغة قويمة - ومن ثم فإن الحكم يكون معيباً بالقصور في التسبيب مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن محكمة الموضوع لها السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير قيمة ما يقدم لها من أدلة فلا تثريب عليها في الأخذ بأي دليل تكون قد اقتنعت به ما دام هذا الدليل من طرق الإثبات قانوناً، وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وهي غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل حجة أو قول أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج، وكان المقرر أنه لا تثريب على المحكمة الاستئنافية إن هي أخذت بأسباب الحكم الابتدائي دون إضافة متى رأت في هذه الأسباب ما يغني عن إيراد جديد ولأن في تأييدها له محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد فيما وجه إليه من مطاعن ما يستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنته تلك الأسباب....... وكان جميع ما ساقه الطاعن ووجهه إلى تقرير الخبير من مطاعن قد أحاط به الحكم المستأنف المؤيد بالحكم المطعون فيه وتولى تفنيدها والرد عليها بسباب سائغة وكافية لحمل قضائه الذي أخذ فيه بذلك التقرير فلا جناح على الحكم المطعون فيه إذا هو لم يفرد أسباباً خاصة للرد على تلك المطاعن ما دام قد رأى أن ما أثاره الطاعن لا يعدو أن يكون ترديداً لما تكفل الحكم المستأنف بالرد عليه, ومن ثم تكون معاودة إثارته جدلاً في تقدير الدليل مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق