الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 أغسطس 2023

الطعن 945 لسنة 4 ق جلسة 24 / 1 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 55 ص 663

جلسة 24 من يناير سنة 1959

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

----------------

(55)

القضية رقم 945 لسنة 4 القضائية

جريمة تأديبية 

- المحاكمة الإدارية تبحث في سلوك الموظف وفي مدى إخلاله بواجبات وظيفته - صدور حكم البراءة في جريمة جنائية نسبت إلى الموظف - لا يمنع من أن ما وقع منه يشكل ذنباً إدارياً يجوز مساءلته عنه بطريق المحاكمة التأديبية.

----------------
إن المحاكمة الإدارية إنما تبحث في سلوك الموظف وفي مدى إخلاله بواجبات وظيفته حسبما يستخلص من مجموع التحقيقات, أما المحاكمة الجنائية فإنما ينحصر أثرها في قيام جريمة من جرائم القانون العام قد يصدر حكم بالبراءة فيها, ومع ذلك فإن ما يقع من المتهم يشكل ذنباً إدارياً, وإن كان لا يكون جريمة خاصة, إلا أنه لا يتفق ومقتضيات السلوك الوظيفي, فيكون ذنباً يجوز مساءلته عنه بطريق المحاكمة التأديبية.


إجراءات الطعن

في 13 من سبتمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة صحيفة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 17 من يوليه سنة 1958 في الدعوى رقم 266 لسنة 4 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد علي عرفة ضد وزارة التربية والتعليم, والقاضي "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 3 من فبراير سنة 1957 بتقرير فصل المدعي من الخدمة, وما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الجهة الإدارية بالمصاريف ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 29 من سبتمبر سنة 1958, وإلى المدعي في 6 من أكتوبر سنة 1958, وعين لنظره جلسة 18 من أكتوبر سنة 1958, وأجلت للمرافعة لجلسة 6 من ديسمبر سنة 1958, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات, وأرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من الأوراق, تتحصل في أن المدعي قدم إلى المحاكمة التأديبية إثر تحقيقات أجريت في شكوى قدمت ضده بتهمة إنشاء علاقة غير شريفة بينه وبين السيدة أمينة عبده إبراهيم زوجة السيد إبراهيم الشاعر حالة كونها أماً لتسعة أولاد مما أدى إلا طلاقها, وترتب على ذلك تقويض منزل الزوجية وهدم كيان الأسرة, وأن المدعي تزوج من هذه السيدة فيما بعد زواجاً عرفياً ستراً لجريمته وهروباً من المسئولية؛ الأمر الذي لا يليق صدوره من مرب موكول إليه تربية النشء وتهذيبه ومفروض فيه حسن الخلق. وقد صدر قرار مجلس التأديب في 28 من ديسمبر سنة 1955 بعزل المدعي من الخدمة, مع "حفظ حقه في المعاش أو المكافأة". فاستأنف المدعي القرار, وقرر مجلس التأديب الاستئنافي في 2 من فبراير سنة 1957 تأييد القرار المستأنف, وأخطر المدعي بمنطوق القرار, وتم فصله من الخدمة في 5 من فبراير سنة 1957. وينعي المدعي على هذا القرار مخالفته للقانون وإساءة استعمال السلطة. وفصل أسباب طعنه في صحيفة الدعوى بطلب الحكم بإلغاء القرار, وما يترتب على ذلك من آثار, مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات. وبجلسة 2 من مارس سنة 1957 قضت المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ قرار الفصل من الخدمة. وبجلسة 17 من يوليه سنة 1958 صدر الحكم قاضياً بإلغاء القرار الصادر في 2 من فبراير سنة 1957 بتقرير فصل المدعي من الخدمة, وما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات. وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على الثابت - من الحكم الصادر في 18 من مارس سنة 1956 ببراءة المدعي من الجنحة رقم 439 جنح ثالث بورسعيد سنة 1955 المقامة بطريق الإدعاء المباشر, ومن الحكم الصادر في 18 من مايو سنة 1958 برفض الدعوى رقم 24 لسنة 1956 مدني كلي - أن جانباً من الوقائع كان محل مساءلة المدعي أمام مجلس التأديب الذي انتهى إلى إصدار القرار محل الطعن وقد ثبت عدم صحة نسبتها إليه. ولما كانت رقابة القضاء الإداري على القرار التأديبي, شأن أي قرار آخر لتعرف مشروعية هذا القرار, تقضي, فضلاً عن التثبت من صدوره من مختص وفي الشكل المقرر قانوناً وتوخي المصلحة العامة في إصداره, توافر ركن السبب, وهو تأسيسه على وقائع ثابتة لها أصل من الأوراق, وإلا افتقد القرار ركناً من أركان مشروعيته, ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المستفاد من أوراق المحاكمة التأديبية وخاصة حكم التأديب الاستئنافي أن الجو الذي خلقه المتهم بتردده على هذه الأسرة كان عاملاً قوياً في تفككها وهدمها. وقد دلل المتهم على تصرفه بإتمام الزواج, وأن تصرف المدعي وسلوكه لا يتفق مع ما يجب أن يتصف به رجال التعليم, وأنه لا يغير من الأمر شيئاً صدور حكم ببراءة المدعي في الجنحة رقم 439 جنح ثالث بورسعيد سنة 1955, وحكم رفض الدعوى رقم 24 لسنة 1956 مدني كلي؛ ذلك أن هذين الحكمين - فيما اشتملا عليه من أسباب - لم يكونا بسبيل إثبات أو نفي اثر سلوك المدعي وما ترتب عليه من هدم كيان أسرة وتشريد أطفالها, وما كشف عنه هذا السلوك من خلق غير قويم, وإنما كن في شأن تقدير ما إذا كانت تصرفات المدعي تكون جريمة تحريض على الفسق وجريمة سب أم لا, فهما بهذه المثابة لا يتغيبان التثبت من قيام سبب الجزاء التأديبي.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن مثار النزاع هو تحدد أثر الحكم الصادر بالبراءة في الجنحة رقم 439 جنح بورسعيد سنة 1955 وكذلك حكم رفض الدعوى رقم 24 لسنة 1956 مدني كلي في المحاكمة الإدارية, وهل يقوم ثمت تعارض بين المسئولية الإدارية والحكمين المذكورين؟
ومن حيث إنه يتعين بادئ ذي بدء التنويه إلى أن المحاكمة الإدارية تبحث في سلوك الموظف وفي مدى إخلاله بواجبات وظيفته حسبما يستخلص من مجموع التحقيقات, أما المحاكمة الجنائية فإنما ينحصر أثرها في قيام جريمة من جرائم القانون العام قد يصدر حكم بالبراءة فيها, ومع ذلك فإن ما يقع من المتهم يشكل ذنباً إدارياً, وإن كان لا يكون جريمة خاصة, إلا أنه لا يتفق ومقتضيات السلوك الوظيفي, فيكون ذنباً يجوز مساءلته عنه بطريق المحاكمة التأديبية.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى حكم الجنحة رقم 439 جنح ثالث بورسعيد لسنة 1955 يتضح أن التهمة المنسوبة إلى المدعي هي أنه "دأب على التعرض للسيدة أمينة عبده إبراهيم الجعيدي والقذف في عرضها مما تسبب عنه طلاقها من زوجها".
ومن حيث إنه ولئن حكمت المحكمة بالبراءة من هذه التهمة لانتفائها بإنكار المجني عليها صدور أقوالها الثابتة بالشكوى المنضمة للجنحة رقم 3779 لسنة 1954 جنح ثاني بورسعيد, وبتقريرها أمام المحكمة أن هذه الأقوال لم تصدر منها, وأنها وقعت عليها تحت العنف والتهديد. غير أنه ثابت في أسباب هذا الحكم أن المدعي بالحق المدني محمد عبده إبراهيم الجعيدي وهو أخ السيدة أمينة عبده إبراهيم الجعيدي قد شهد بأنه تعرف بالمتهم (المدعي) منذ سنة 1944, وكان يتردد على منزله الذي تقيم به شقيقته أمينة مع زوجها ابن خالها عثمان إبراهيم الشاعر, فمنعه زوج أخته من التردد على منزله, ثم انتقل زوج الأخت إلى منزل آخر, وظل المتهم يتردد على المنزل الجديد، وأشيع أن المتهم يقابل شقيقته ويعاكسها، فتحدث إلى المتهم فيما أشيع فأنكره, ثم كلف شخصاً يدعى محمد محمد مرزوق للتوسط لدى المتهم, فعاد وقرر له أن المتهم مصمم على تطليق أخته ليتزوجها, كما شهد واعظ المدينة بأن المتهم اعترف بوجود علاقة شريفة بينه وبين أخت المدعي بالحق المدني, وأنه لا يمانع من زواجها, وعلم أنه تزوجها فعلاً عقب طلاقها, وأن المتهم عاتب الواعظ على موعظة ألقاها بالقرب من مسكن أخت المدعي بالحق المدني, وشهد آخر بأن إشاعة سرت بوجود علاقة بين المتهم وأخت المدعي بالحق المدني, وأن المتهم اعترف بعلاقته بهذه العائلة منذ سنة 1942, وشهد ثالث بأنه قابل المتهم مصادفة وأبلغه أنه يحب أخت المدعي بالحق المدني ويرغب الزواج بها.
ومن حيث إنه واضح مما تقدم أن الحكم الجنائي ولئن كان قد برأ المتهم من الجريمة المقدم للمحاكمة من أجلها, إلا أنه لم ينف عنه اتصاله بشقيقة المدعي بالحق المدني من سنين طويلة, ثم زواجه بها عقب طلاقها من زوجها.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الحكم الجنائي الصادر من محكمة بورسعيد الابتدائية في القضية رقم 24 لسنة 1956 مدني كلي المرفوعة من عثمان إبراهيم الشاعر ضد المدعي "محمد علي عرفة" وزوجته أمينة عبده الجعيدي, يتضح أن الدعوى هي مطالبتها بالتعويض المدني عما ارتكباه في حق المدعي عن خيانة الأول الأمانة واستغل سماح المدعي له بدخول منزله فسرق عرضه وشرفه, ثم راح يمتهن كرامته أمام الناس مقوضاً حياته العائلية بحرمان أولاده الصغار من عطف أمهم, كما أن المدعى عليها الثانية انقادت للأول فقوضت صرح حياة عائلية هادئة واستنزفت أموالاً كبيرة وهبتها للمدعى عليه الأول الذي أقام بها عقاراً, وأنه ترتب على هذا الخطأ ضرر بالغ تمثل في أنه أصبح مثار تهكم مرير وقد تهدمت حياة العائلة وحرم الأولاد من عطف أمهم, فضلاً عن أنه ساوره شك قاطع في حقيقة نسب أولاده إليه, وقد ترتب على ذلك أن زوج إحدى بناته طلقها عقب علمه بسقطة أمها, وهرب ابنه من مدرسته لتعيير التلاميذ له والتحق جندياً في الجيش. وقد حكمت المحكمة برفض الدعوى, وأسس حكمها على أنه بالنسبة للمدعى عليه الأول فإن المحكمة مقيدة بالحكم الجنائي، وقد حسم الوقائع بما يعتبر قرينة قانونية على عدم ثبوت الفعل من المدعى عليه الأول. وبالنسبة للمدعى عليها الثانية فإنها تستفيد بالتبعية؛ لأنه لا يتصور استجابتها لوقائع لا تقوم إلا بين طرفيها.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الحكم المدني لا أثر له على الدعوى التأديبية؛ لأن أثره منتزع من أثر الحكم الجنائي ومترتب عليه.
ومن حيث إنه ثابت من قرار مجلس التأديب الاستئنافي أن التهمة الموجهة إلى المدعي تنحصر في أنه أنشأ علاقة غير شريفة مع السيدة أمينة عبده إبراهيم الجعيدى, حالة كونها أماً لتسعة أولاد، مما أدى إلى طلاقها من زوجها, وترتب عليه تقويض منزل الزوجية وهدم كيان الأسرة, وقد تزوج من هذه السيدة بعد ذلك زواجاً عرفياً ستراً لجريمته وهروباً من المسئولية؛ الأمر الذي لا يليق صدوره من مرب موكول إليه تربية النشء وتهذيبه ومفروض فيه حسن الخلق وحميد السلوك. وانتهى مجلس التأديب إلى أن تصرف المتهم وسلوكه مما قد ترتب عليه تقويض هذه الأسرة وتفككها؛ الأمر الذي لا يتفق وما يجب أن يتصف به رجال التعليم, وأنه قد أصبح لا يطمئن إلى كفاءته في تربية النشء وتهذيبه.
ومن حيث إن قرار مجلس التأديب الابتدائي ومن بعده الاستئنافي قد استند إلى وقائع ثابتة في قضية الجنحة رقم 439 قسم ثالث بورسعيد سنة 1955, على الوجه السالف إيضاحه, كما قد أقيم القرار التأديبي على وقائع ثابتة في تحقيق النيابة الإدارية خلصت منها إلى أن الجو الذي خلقه المتهم بتردده على هذه الأسرة كان عاملاً قوياً في تفككها وهدمها. وقد دلل المتهم على تصرفه بإتمام الزواج, وأن تصرفه لا يتفق مع ما يجب أن يتصف به رجال التعليم؛ إذ المستفاد من الأوراق أن ثمت علاقة قد نشأت بين المدعي وبين السيدة المذكورة كان السبيل إليها تردده على منزلها لإعطاء الدروس لأولادها؛ الأمر الذي أثار الشائعات عن مدى هذه العلاقة وأدى في نهاية المطاف إلى استئثاره بالزوجة بعد تشريد تسعة أولاد, مما يجعله غير أمين على تربية النشء. فإذا كان مجلس التأديب الاستئنافي قد خلص من هذا كله إلى الاقتناع بأن فيما اقترفه المدعي من تصرفات خروجاً عن مقتضيات السلوك الواجب على رجال التعليم بالابتعاد عما يحط من كرامتهم ويسئ إلى سمعتهم, وكان اقتناعه هذا مجرداً من الميل والهوى, وبني عليه قراره بإدانة سلوك المدعي مستنبطاً ذلك من أصول ثابتة لا تتعارض مع الحكم الجنائي الذي يحوز قوة الشيء المقضي به فيما يثبته أو ينفيه من الوقائع المكونة للجريمة الجنائية, فإن القرار الإداري - والحالة هذه - يكون قد قام على سببه ومطابقاً للقانون. ولا يغير من الأمر شيئاً صدور حكم ببراءة المدعي في الجنحة رقم 439 جنح ثالث بورسعيد سنة 1955 وحكم رفض الدعوى رقم 24 لسنة 1956 مدني كلي؛ ذلك أن هذين الحكمين - فيما اشتملا عليه من أسباب - لم يكونا بسبيل إثبات أو نفي سلوك المدعي وما أنبنى عليه من تقويض كيان أسرة وتشريد أطفالها وما كشف عنه من خلق غير قويم, وإنما كانا في شأن تقدير ما إذا كان الأفعال المسندة إلى المدعي تكون جريمة تحريض على الفسق وجريمة سب أو لا, فهما بهذه المثابة لا ينفيان قيام سبب الجزاء التأديبي على الوجه السالف إيضاحه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه, إذ ذهب غير هذا المذهب, فإنه يكون قد خالف القانون, ويتعين الحكم بإلغائه, والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق