جلسة 31 من يناير سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.
---------------------
(56)
القضية رقم 16 لسنة 4 القضائية
جامعات
- أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب - قرار مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1927 بالسماح للأطباء الذين تنتظمهم هيئة التدريس في كلية الطب أن يباشروا مهنتهم في الخارج إلى جانب عملهم الحكومي مقابل تخفيض مرتباتهم إلى النصف وأن تعتبر مدة خدمتهم نصف وقت - تقنين المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 هذا النظام - قرار مجلس الوزراء في 18 من يوليه سنة 1936 - تقريره صرف نصف الماهية للطبيب في الدرجة الخامسة فما فوق إذا طلب الطبيب الموظف الاشتغال نصف الوقت - قرار مجلس الوزراء في 6 من أكتوبر سنة 1946 - إبرازه معنى اشتغال أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب بمهنتهم في الخارج وتحديده ذلك بعدم تخصيص أعمال التدريس بكامل الوقت اللازم لها بسبب انصرافهم إلى العمل الخارجي المرخص لهم فيه - تقريره منح أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب كامل مرتبهم إذا خصوا الكلية بكل أوقات العمل الرسمية المقررة في مصالح الحكومة - المادة 34 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 واختصاصها الأطباء الممنوعين من مزاولة المهنة بالخارج بمزية جديدة في الترقية - قرار مجلس كلية الطب بجامعة القاهرة بأن العمل في حالتيه نصف الوقت وكل الوقت لم يتغير في كمه وكيفه - لا يغير من طبيعة الأوضاع القانونية فيما يتعلق بمراكز هيئة التدريس بالكلية الذين وصفوا بقرار مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1927 بأنهم أطباء نصف الوقت - كون المدعي موظفاً نصف الوقت في فترة تخللت مدة خدمته خاضعاً في تسوية معاشه لحكم المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929.
إجراءات الطعن
في 25 من نوفمبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 16 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") بجلسة 14 من أكتوبر سنة 1957 في الدعوى رقم 2058 لسنة 9 القضائية المقامة من الدكتور محمد عبد الوهاب مورو ضد جامعة القاهرة, القاضي "باستحقاق المدعي تسوية معاشه وفق أحكام المادة 15 من قانون المعاشات الملكية, وإلزام جامعة القاهرة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى جامعة القاهرة في 2 من ديسمبر سنة 1957, وإلى المطعون عليه في 4 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 6 من ديسمبر سنة 1958، وفي 10 من نوفمبر سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي رفع إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد التظلم رقم 619 لسنة 2 القضائية ضد جامعة القاهرة بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 14 من ديسمبر سنة 1953, ذكر فيها أن معاشه ربط على اعتبار أن مدة خدمته من مايو سنة 1928 إلى أكتوبر سنة 1946 كانت نصف الوقت, والمدة الباقية كل الوقت, على الرغم من أن حالته لم تتغير منذ صرح له بمزاولة مهنته في سنة 1928, لغاية تاريخ إحالته إلى المعاش في سنة 1953, حيث كان يزاول مهنته خارج الجامعة طوال هذه المدة, وغاية الأمر أنه في سنة 1946 رفعت مرتبات أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب مع استمرارهم في ممارسة مهنتهم باعتبارهم أساتذة غير متفرغين. وقد حسبت لجميع زملائه الذين أحيلوا إلى المعاش قبله المدة بأكملها على آخر مرتب كانوا يتقاضونه؛ ولذا فإنه يطلب تعديل معاشه على آخر مرتب كان يتقاضاه أسوة بكل من سبقوه. وقد ردت وزارة المالية والاقتصاد على هذا التظلم في 27 من ديسمبر سنة 1953 بأنها قامت بتسوية معاش المدعي على أساس نص المادة 16 من قانون المعاشات الصادر في 28 من مايو سنة 1929 المعامل بأحكامه, وذلك بعد عرض الموضوع على الشعبة المالية والاقتصادية وصدور الفتوى منها في 2 من نوفمبر سنة 1953 بهذا الرأي؛ نظراً إلى أن له مدد خدمة نصف وقت أثناء مدة خدمته بالحكومة. أما بخصوص ما اتبع في تسوية حالات زملائه السابقين فقد سويت معاشاتهم على أساس الماهية الأخيرة؛ وذلك استناداً إلى فتاوى صدرت من مجلس الدولة في كل حالة على حدة. وبمناسبة صدور القانون رقم 147 لسنة 1954 بإنشاء وتنظيم المحاكم الإدارية أحيل هذا التظلم إلى المحكمة الإدارية لوزارة المالية والتجارة والزراعة والتموين التي حلت محل اللجنة القضائية وقيد بجدولها بذات الرقم. وبجلسة 16 من يناير سنة 1955 قضت المحكمة "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى, وأمرت بإحالتها بحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارات التربية والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي للاختصاص, واعتبرت النطق بهذا القرار إعلاناً للطرفين". وقد قيدت الدعوى بجدول المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بعد إحالتها إليها تحت رقم 4322 لسنة 2 القضائية. ولما كان المدعي من الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية فقد أحيلت الدعوى بالتطبيق لأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة إلى محكمة القضاء الإداري؛ حيث قيدت بجدولها تحت رقم 2085 لسنة 9 القضائية. وقد أودعت وزارة المالية مذكرة بملاحظاتها قالت فيها إن المدعي كان مديراً لجامعة القاهرة وأحيل إلى المعاش اعتباراً من 25 من يونيه سنة 1953 بناء على طلبه, وكانت له مدد خدمة بعضها كامل الوقت وبعضها نصفه, وكان أثناء الفترة من 6 من أكتوبر سنة 1946 إلى 24 من يونيه سنة 1953 يزاول مهنته في الخارج في أوقات فراغه طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1946 الذي منح أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب - المسموح لهم بالاشتغال بمهنتهم خارجها - مرتبات وظائفهم كاملة إذا خصوا الكلية بكل أوقات العمل الرسمية المقررة في المصالح الحكومية. وقد سوى معاشه طبقاً لأحكام المادة 16 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 المعامل به, فبلغ 833 م و73 ج شهرياً. ولكنه قدم طلباً بتسوية معاشه على أساس آخر ماهية عن مدد خدماته أسوة بزملائه. وباستطلاع رأي الشعبة المالية والاقتصادية بمجلس الدولة عما إذا كان معاشه يسوى وفقاً للمادة 15 أم للمادة 16 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929, أجابت بأنه - طبقاً لفتوى قسم الرأي مجتمعاً في 28 من أكتوبر سنة 1953 التي قضت بتطبيق المادة 16 من القانون المذكور على الموظفين الذين لهم مدد خدمة نصف وقت أثناء مدة خدمتهم - يتعين تطبيق المادة المشار إليها عند تسوية معاش المدعي؛ حيث إن له مدد خدمة نصف وقت أثناء مدة خدمته بالحكومة. وأضافت الوزارة أنه لما كان حكم المادة 16 من قانون المعاشات, وهو الخاص بفئة الموظفين الذين تشمل مدة خدمتهم مدداً كانوا فيها موظفين نصف الوقت, لاحقاً للمادة 15 التي تضمنت أحكاماً في شأن تسوية المعاشات بصفة عامة, فإن من شأن هذا الحكم الخاص أن يقيد من إطلاق الحكم العام؛ وعلى هذا الأساس سوى معاش المدعي بالتطبيق للمادة 16. ولما كانت مدة خدمة المدعي تنقسم إلى ثلاث فترات: (الأولى) 4 يوم و8 شهر و11 سنة, من 29 من مارس سنة 1916 إلى 2 من ديسمبر سنة 1927 كامل الوقت. و(الثانية) 3 يوم و10 شهر و18 سنة, من 3 من ديسمبر سنة 1927 إلى 5 من أكتوبر سنة 1946 نصف الوقت. و(الثالثة) 19 يوم و8 شهر و6 سنة, من 6 من أكتوبر سنة 1946 إلى 24 من يونيه سنة 1953 كامل الوقت, فإنه لا يمكن اعتبار الفترة الثالثة من مدة خدمته امتداداً للفترة الثانية واعتبار الفترتين مع مدة خدمته نصف الوقت كي يحسب معاشه بالنسبة لها على أساس مرتبه الأخير. أما الفئة الأولى من خدمته فلم يكن بد من حساب معاشها مستقلاً, وإضافته لمعاش المدة المجمعة. وليس صحيحاً أن نص المادة 16 من قانون المعاشات يسمح لصاحب المعاش بالتمسك بالمادة 15 أو بالمادة 16 منه وفقاً لمصلحته, وهذا ما نفذته الإدارة العامة لمعاشات الحكومة؛ الأمر الذي يتضح منه أن المدعي لا يستند في دعواه إلى أساس سليم من القانون. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب رفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً مؤرخاً 23 من يونيه سنة 1957 انتهى فيه - للأسباب التي أبداها - إلى التوصية "بقبول الدعوى شكلاً, وبتسوية معاش المدعي على أساس حكم المادة 15 من قانون المعاشات, مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وبجلسة 14 من أكتوبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") باستحقاق المدعي تسوية معاشه وفق أحكام المادة 15 من قانون المعاشات الملكية, وإلزام جامعة القاهرة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن حساب المعاش بالتطبيق لحكم المادة 16 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 من شأنه أن يؤدي إلى تخفيضه عما لو حسبت الخدمة كلها في مدة موحدة على أساس آخر مرتب تقاضاه الموظف عند اعتزاله الخدمة وفقاً لحكم المادة 15 من القانون المذكور. وأنه لما كان الثابت أن ثمت مدداً تخللت خدمة المدعي كان فيها غير متفرغ وتقاضي خلالها نصف المرتب المقرر لوظيفته, فإن مثار البحث يكون هو معرفة أي النصين يحكم تسوية معاشه, وأن وجوه الرأي تشعبت في شأن تسوية معاش الأطباء من أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب. وقد اتبعت وزارة المالية فتوى قسم الرأي مجتمعاً التي ذهبت في تفسير المادة 16 من قانون المعاشات تفسيراً صحيحاً مبناه أن الموظف نصف الوقت هو الذي يخفض عمله إلى النصف, أما إذا كان وقت عمله كاملاً فهو موظف طول الوقت, ولا ينفي عنه هذه الصفة الترخيص له في مزاولة مهنته في أوقات فراغه؛ إذ العبرة هي بمقدار الوقت الذي يكرسه الموظف لأداء وظيفته. ومقتضى إعمال هذه الفتوى أنه كان يتعين على وزارة المالية أن تبحث ما إذا كان عمل المدعي قد خفض إلى النصف في المدة التي تخللت خدمته وقت اشتغاله غير متفرغ بنصف مرتبه. وبالرجوع إلى مذكرة وزير المالية لمجلس الوزراء المؤرخة 14 من يوليه سنة 1936 يبين أنه بسبب قلة عدد الأطباء منح بعضهم مرتب عدم مزاولة المهنة رغبة في اجتذاب الأكفاء منهم إلى خدمة الحكومة وحملهم على التفرغ لهذه الخدمة. غير أن من طلب منهم مزاولة المهنة في الخارج مع قيامه بعمله في هيئة التدريس, أو ما يعبر عنه بالاشتغال نصف الوقت, فإنه يصرف له نصف مرتبه فقط؛ ومن ثم فإن الحكمة في تخفيض مرتب عضو هيئة التدريس المرخص له في مزاولة المهنة في الخارج قبل سنة 1946, لا ترجع إلى تخفيض عمله إلى نصف الوقت بالنسبة إلى عمل زميله المتفرغ للوظيفة فحسب, بل إلى الرغبة في اجتذاب أعضاء هيئة التدريس للتفرغ لبعض الدراسات بكلية الطب التي لم تلق إقبالاً عليها. ولما كان هذا غير كاف لتشجيع الأطباء على أنواع الدراسات الخاصة فقد أصدر مجلس الوزراء في 6 من أكتوبر سنة 1946 قراراً يقضي: 1 - بمنح غير المتفرغين مرتب وظيفتهم بالكامل. و2 - زيادة فئات بدل التفرغ لغير المسموح لهم بالاشتغال بالمهنة تشجيعاً لهم على متابعة البحث العلمي والانصراف إلى مهنة التدريس. وإذا كان قرار مجلس الوزراء هذا قد اقترن بتحفظ مبناه أن يصرف كامل المرتب لغير المتفرغين إذا خصوا كلية الطب بكل أوقات العمل الرسمية المقررة في مصالح الحكومة, فليس معنى ذلك أن المدعي وأمثاله من أعضاء هيئة التدريس الذين كانوا يزاولون مهنتهم في الخارج, إلى جانب قيامهم بأعباء وظائفهم الجامعية, قد غيروا من مقدار العمل أو الوقت الذي درجوا على تخصيصه قبل 6 من أكتوبر سنة 1946. وقد قرر مجلس كلية الطب بالإجماع بجلسة 12 من ديسمبر سنة 1954 أن العمل في حالتيه مما سمى نصف الوقت وكل الوقت لم يتغير في كمه وكيفه, وأنه بقي في العهدين خاضعاً للنظم الجامعية, وأن توزيعه بين أعضاء هيئة التدريس يجرى طبقاً للجداول التي تعدها الكلية حسب حاجة التدريس، دون نظر إلى ما إذا كان من يقوم به متفرغاً أو غير متفرغ, وأن أعضاء هيئة التدريس الذين وصفوا قبل 6 من أكتوبر سنة 1946 بأنهم نصف الوقت كانوا يزاولن مهنتهم في عياداتهم الخاصة في غير أوقات عملهم الرسمي الذي لم يكن في أي وقت ينقص في الكم أو الكيف عن عمل زملائهم الذين كانوا وقتذاك لا يمارسون مهنتهم في الخارج. ويخلص من هذا أن المدة السابقة على قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1946 لم يكن العمل يؤدي فيها بنصف مقداره أو أن الموظف كان يعتبر فيها موظفاً نصف الوقت ونقصت أعماله إلى النصف, وإلا لما كانت الحكومة قد صرفت للمدعي ولغيره من الزملاء غير المتفرغين مرتب وظيفتهم بالكامل, فضلاً عن أن وزارة المالية لم تبين أن ثمت تغييراً قد طرأ على عمل المدعي بعد صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه يبرر تجزئة مدة خدمته؛ ولذا فإن المدة التي قضاها قبل 6 من أكتوبر سنة 1946 تكون مماثلة في طبيعتها للمدة التي أعقبت هذا التاريخ, مما يجعل مدة خدمته جميعها موحدة في العمل, وأنها لم تتخللها مدة نصف الوقت, ويرتب له الحق في تسوية معاشه على أساس حكم المادة 15 من قانون المعاشات. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 25 من نوفمبر سنة 1957 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, مع إلزام المدعي المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يبين من نص المادتين 15 و16 من القانون رقم 37 لسنة 1929 ومما جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون, أن مفهوم خفض العمل إلى النصف في خصوص المادة 16 منه هو التصريح للموظف بمزاولة مهنته في الخارج على أن يتنازل عن نصف مرتبه, فإذا قام هذا الوضع بالنسبة إلى موظف دائم اعتبر موظفاً "نصف وقت" وسويت مكافأته أو معاشه على مقتضى حكم هذه المادة, دون حكم المادة 15 من القانون. ولما كان المدعي قد رخص له في مزاولة مهنته في الخارج منذ سنة 1928, وكان يتقاضى نصف مرتبه حتى 6 من أكتوبر سنة 1946, تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء بمنحه مرتباً كاملاً بوصفه غير متفرغ, فإن جهة الإدارة تكون قد التزمت حكم القانون الصحيح حين سوت معاشه على وفق حكم المادة 16 من القانون رقم 37 لسنة 1929, وقد أخطأ الحكم المطعون فيه في تفسير هذه المادة, حين اتخذ من قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1946 ومن قرار مجلس كلية الطب الصادر في 12 من ديسمبر سنة 1954 سنداً لتبيان مدلول النص القانوني, فذهب إلى أن مجلس الوزراء قد منح المدعي وزملاءه من غير المتفرغين مرتباً كاملاً, مع أن وضعهم السابق لم يتغير؛ الأمر الذي يدل على أنهم كانوا يؤدون عملهم كاملاً قبل صدور هذا القرار وبعده, كما ذهب إلى أن قرار مجلس الكلية قاطع في الدلالة على أن المدعي كان يعمل كل الوقت في المدة من سنة 1928 حتى سنة 1946, والواقع إلى أن هذا التفسير يؤدي إلى نتائج لا يمكن قبولها, منها أن حكم المادة 16 يصبح غير ذي موضوع, أو يعد تزايداً ولغواً مما ينزه عنه المشرع. ومنها أن غير المتفرغين ممن لا يمارسون مهنتهم في الخارج يتقاضون بدل تفرغ لغير ما عمل يؤذونه, طالما أنهم سواسية مع غير المتفرغين, عند وتوزيع العمل في كلية الطب, من حيث الكم والكيف. والحال أن مفهوم "نصف الوقت" في حكم المادة 16 من قانون المعاشات الملكية لا يجوز استخلاصه إلا من المذكرة الإيضاحية لهذا القانون دون غيرها؛ وعلى ذلك ينبغي أن يفهم قرار مجلس الوزراء, وهو أداة تشريعية أدنى من قانون, على أنه تخلى عن اشتراط تنازل الأطباء "نصف الوقت" من أعضاء هيئة التدريس عن نصف مرتباتهم؛ وبذلك فهم موظفون "نصف الوقت" حتى بعد 6 من أكتوبر سنة 1946, كما ينبغي أن يفهم قرار مجلس الكلية على أنه مقصور على جدول الدروس دون غيره من عمل يضطلع به الطبيب من أعضاء هيئة التدريس المتفرغين؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون, ويتعين الطعن فيه. وقد عقب المدعي على الطعن بمذكرة قال فيها إن المادة 16 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 تعرف الموظف "نصف الوقت" بأنه الموظف الذي خفض وقت عمله إلى النصف, وأن هذا التفسير هو الذي أخذت به المذكرة الإيضاحية للقانون تعليقاً على هذه المادة, واعتنقته فتوى قسم الرأي مجتمعاً الصادرة في 28 من أكتوبر سنة 1953, ومؤداه أن العبرة هي بالوقت الذي يعمله الموظف فعلاً وحقيقة, خلافاً لما يذهب إليه تقرير الطعن من أن العبرة هي بالتصريح أو عدم التصريح للموظف بمزاولة مهنته في الخارج, على أن يتنازل عن نصف مرتبه في الحالة الأولى. ولو أخذ بالرأي الذي يقول به الطعن لوجب أن يعتبر أساتذة كليات الحقوق والهندسة والطب البيطري وغيرهم من طوائف الموظفين المأذون لهم بالعمل في الخارج موظفين نصف الوقت, بل لوجب أن تخفض مرتباتهم إلى النصف. والحال أن المدعي كان دائماً طوال مدة خدمته موظفاً "كل الوقت"؛ وآية ذلك ما جاء في قرار مجلس كلية الطب بجامعة القاهرة الصادر بجلسة 12 من ديسمبر سنة 1954 من أن العمل في حالتيه ما سمي "نصف الوقت" و"كل الوقت" لم يتغير في كمه وكيفه, وأن أعضاء هيئة التدريس الذين وصفوا بأنهم "نصف الوقت" كانوا يزاولون مهنتهم في عيادتهم الخاصة في غير أوقات عملهم الرسمي التي لم تكن في أي وقت تنقص في الكم والكيف عن زملائهم الذين كانوا في نفس الوقت لا يمارسون مهنتهم في الخارج. فهذا القرار قاطع في أن المدعي لم يخفض وقت عمله إلى النصف في وقت ما من مدة خدمته. وإذا كان مرتبه قد خفض إلى النصف في الفترة من 3 من ديسمبر سنة 1927 إلى 5 من أكتوبر سنة 1946 فإن علة ذلك ترجع إلى نظام خاطئ وضعته الإدارة الإنجليزية لمدرسة الطب في الماضي وورثته كلية الطب بعد أن صارت كلية جامعية, إلى أن صححه قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1946 الذي لم يعتبر أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب المسموح لهم بالاشتغال بمهنتهم خارجها موظفين "نصف الوقت" كما سموا كذلك في الماضي. ولا عبرة بما أورده هذا القرار من قوله "إذا خصوا الكلية بكل أوقات العمل الرسمية المقررة في مصالح الحكومة"؛ لأن هذه العبارة لا تعدو أن تكون من قبيل تحصيل الحاصل, هذا إلى أنه يبدو من المنشور رقم 5 الصادر في 28 من يونيه سنة 1936 أن الترخيص في مزاولة المهنة في الخارج يشترط أن تكون تلك المزاولة في غير أوقات العمل الرسمية, الأمر الذي ينتفي معه فكرة تخفيض وقت العمل الرسمي بالنسبة للمدعي إلى النصف؛ ومن ثم يتعين تسوية معاشه وفقاً لأحكام المادة 15 من قانون المعاشات على أساس آخر مرتب تقاضاه, وذلك بطريق القياس على ما اتبع في شأن أساتذة الكليات الأخرى وشأن زملائه السابقين في كلية الطب ذاتها. على أنه لما كان تقرير الطعن قد أقر بأن صفة المدعي كموظف "نصف الوقت" لم تتغير قبل وبعد 6 من أكتوبر سنة 1946, أي أن مدة خدمته تعتبر جميعها موحدة في طبيعتها ونوعها, فإن هذا يؤدي حتماً إلى تطبيق حكم المادة 15 من قانون المعاشات في حقه دون المادة 16 منه, على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه؛ وذلك باعتبار آخر مرتب تقاضاه هو الأساس لتسوية معاشه. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "الحكم برفض الطعن, وتأييد الحكم المطعون فيه الذي قضى باستحقاقه تسوية معاشه وفق أحكام المادة 15 من قانون المعاشات الملكية, وإلزام جامعة القاهرة بالمصروفات".
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه حاصل على دبلوم مدرسة الطب المصرية في سنة 1915, وعين بمصلحة الصحة العمومية وقت أن كانت تابعة لوزارة الداخلية, وألحق بمستشفى القصر العيني بوظيفة طبيب مؤقت بموجب عقد لمدة سنة اعتباراً من 29 من مارس سنة 1916 بماهية شهرية قدرها 12 ج تصرف من ربط وظيفة طبيب درجة رابعة فئة ثانية, وهي إحدى وظائف أطباء التمرين الخالية بالمستشفى. وأوفد في بعثة إلى انجلترا في 5 من سبتمبر سنة 1918 على ذمة وزارة المعارف العمومية بعد أن انتخب طالب بعثة تحت التمرين منذ 29 من مارس سنة 1917, ثم عين معيداً ومسجلاً بمدرسة الطب ومستشفى قصر العيني بعقد لمدة سنتين من 10 من أبريل سنة 1922 براتب ثابت قدره 500 ج سنوياً خلاف علاوة العشرين في المائة ضمن المستخدمين المؤقتين حرف "ب", ونص بند "شروط خصوصية" الواردة بعقد استخدامه المؤرخ 10 من أبريل سنة 1922 على أنه "لا يصرح لحضرته بالأشغال الخصوصية". ثم جدد عقده لمدة ثلاث سنوات بماهية قدرها 600 ج سنوياً, وعين في وظيفة جراح مساعد يمضي كل الوقت في عمله بمدرسة الطب من أول سبتمبر سنة 1924 بمرتب سنوي قدره 660 ج في الدرجة الرابعة. وبناء على قرار لجنة فحص كفايات موظفي التدريس بكلية الطب المعينة بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أبريل سنة 1926, والمعدلة بقرار المجلس الصادر في 6 من يناير سنة 1927, بجلستها المنعقدة في 6 من يونيه سنة 1927 تحت رياسة وزير المعارف العمومية, وعلى تصديق مجلس الوزراء على قرار اللجنة بجلسته المنعقدة في 3 من ديسمبر سنة 1927, جعلت وظيفة المدعي "نصف وقت بدلاً من وقت كامل", وذلك بنصف مرتب قدره 30 جنيهاً شهرياً في الدرجة الرابعة اعتباراً من 3 من ديسمبر سنة 1927, تاريخ تصديق مجلس الوزراء, وظل يتدرج في الترقيات بوصفه "نصف وقت" مع مزاولة مهنته في الخارج إلى أن بلغ وظيفة أستاذ بكلية الطب. وفي 6 من أكتوبر سنة 1946 صدر قرار مجلس الوزراء بتطبيق مزايا كادر رجال القضاء على أعضاء هيئة التدريس بالجامعة, ونص على أن يمنح أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب المسموح لهم بالاشتغال بمهنتهم خارجها مرتبات وظائفهم كاملة إذا خصوا الكلية بكل أوقات العمل الرسمية المقررة في مصالح الحكومة. وقد أوضحت كلية الطب أن المدعي يزاول مهنته في الخارج ويتقاضى نصف مرتبه, وأنه قبل أن يكرس الوقت اللازم لأعمال الكلية حسبما تقرره جداول العمل وحاجة الأبحاث, وطلبت منحه ماهية كاملة بدلاً من النصف طبقاً لقرار مجلس الوزراء المشار إليه. وقد وافق وزير المعارف العمومية على ذلك, ومنح المدعي ماهية كاملة قدرها 100 ج شهرياً اعتباراً من 6 من أكتوبر سنة 1946, مع استمراره في مزاولة مهنته في الخارج في أوقات فراغه, ثم عين بعد ذلك عميداً لكية طب قصر العيني, فمديراً لجامعة القاهرة. وأحيل إلى المعاش اعتباراً من 25 من يونيه سنة 1953 بناء على طلبه, وربط له معاش قدره 833 م و73 ج في الشهر.
ومن حيث إن تقرير لجنة تعديل الدرجات المتضمن كادر الموظفين لسنة 1921, الذي وافق عليه مجلس الوزراء بقراره الصادر في 30 من يونيه سنة 1921 جاء في المادة 46 منه تحت عنوان "شروط الاشتغال بأعمال خصوصية" في الباب الثاني الخاص بساعات العمل: "من المناسب في هذا الصدد الإشارة إلى الشروط التي بمقتضاها يحق للموظفين أن يتعاطوا أشغالاً خصوصية. وقد وجه التفات اللجنة إلى هذه الحالة وتبين لها أن الوزارات لا تسير على نمط واحد. وللحصول على معاملة مبينة على المساواة توصي اللجنة باتباع المبادئ الآتية: 1 - لا يجوز لأي موظف أن يشتغل بالتجارة أو الصناعة. 2 - يجوز للموظف أن يباشر أي عمل بأجر وقت فراغه من عمل الحكومة بشرط الحصول على تصريح سابق وعدم وجود ما يمنع من ذلك, ويجوز سحب هذا التصريح في أي وقت. ويصدر هذا التصريح بالنسبة للكتبة من رئيس المصلحة, ولغيرهم بمعرفة الوزير". كما ورد في الملحق التاسع لهذا التقرير وهو الخاص بمربوط الدرجات في الكادر الفني والإداري "بند (جـ) وزارة المعارف العمومية, موظفو القسم الطبي" بيان بتحديد مرتبات الأطباء والموظفين بمدرسة الطب ومستشفي قصر العيني, وهذا البيان مسبوق بالملاحظة الآتية: "المرتبات المبينة أدناه مقترحة للموظفين الذين يكرسون كل وقتهم للعمل, أما الذين لا يكرسون إلا جزءاً منه لا يعطون إلا جزءاً معيناً من المرتب. ولهؤلاء الأخيرين ما لغيرهم من الحقوق في الدرجة التي يشغلونها مهما بلغ ما يتقاضونه من المرتب".
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية نص في الفقرة الأولى من المادة 15 منه على أن "تكون تسوية المعاشات بصفة عامة باعتبار متوسط الماهيات التي استولى عليها الموظف أو المستخدم في السنتين الأخيرتين من خدمته, على أن من يفصل من الخدمة لبلوغه سن الستين يسوى معاشه باعتبار متوسط الماهية في السنة الأخيرة", كما نص في المادة 16 منه على أن "يسوى معاش أو مكافأة الموظفين والمستخدمين الدائمين الذين تشمل مدة خدمتهم مدداً خفضت فيها أوقات العمل إلى النصف وهم المعروفون بالموظفين "نصف الوقت" حسب القواعد الآتية: 1 - يحسب المعاش الذي يستحقه الموظف في كل مدة على حدة على أساس الماهية الكاملة أو المخفضة طبقاً للقواعد المنصوص عليها في هذا القانون, وتضم قيم معاشات هذه المدد بعضها إلى بعض, ويكون مجموعها المعاش الذي يعطى للموظف أو المستخدم. 2 - .....". وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون أن المادة 16 "تتضمن القواعد التي تسوى على أساسها مكافآت ومعاشات الموظفين الدائمين الذين تخللت مدة خدمتهم مدد خفضت فيها أوقات العمل إلى النصف, وهم المعروفون بالموظفين "نصف الوقت", وهذه الفئة من الموظفين لم تكن موجودة قبل سنة 1921, وقد أوجدتها لجنة تعديل الدرجات التي صرحت لبعض الموظفين لا سيما الأطباء منهم بمزاولة مهنتهم في الخارج على أن يتنازلوا في نظير ذلك عن نصف المرتب المقرر لهم...". وهذا النظام سبق أن عومل به أحد الأطباء بمقتضى قرار خاص من مجلس الوزراء.
ومن حيث إنه تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر بجلسته المنعقدة في 17 من يونيه سنة 1936 صدر المنشور رقم 5 في 28 من يونيه سنة 1936 الخاص بمزاولة الموظفين أعمالاً إضافية, ونص في مادته الأولى على أن "توقف الترخيصات القائمة التي أعطيت لموظفي الحكومة ومستخدميها لمزاولة أعمال خارجة عن أعمال وظائفهم الأصلية في غير أوقات العمل الرسمية ما عدا الترخيصات التي نصت عليها بعض الكادرات الخصوصية (مثل الأطباء الذين يشغلون وظائف معينة في وزارة الصحة والجامعة المصرية)", كما نص في الفقرة الأولى من مادته الثانية على أن "لا يباح في المستقبل لموظف أو مستخدم أن يزاول عملاً إضافياً حراً كان أو حكومياً من الأعمال الجالبة للربح إلا بترخيص خاص من مجلس الوزراء".
ومن حيث إن مجلس الوزراء وافق بجلسته المنعقدة في 18 من يوليه سنة 1936 على مذكرة اللجنة المالية جاء فيها أنه "تنفيذاً لخطة الاقتصاد التي اعتزمت الحكومة أن تنتهجها وتخفيفاً لأعباء الميزانية من جراء اعتمادات الموظفين, قد قامت وزارة المالية ببحث شامل في المرتبات والمكافآت التي تمنح للموظفين من اعتمادات الميزانية علاوة على ماهياتهم, إما في مقابل أعمال إضافية, وإما لظروف تلابس الوظيفة. وهي تتشرف بأن تعرض على مجلس الوزراء في الكشوف المرافقة نتيجة هذا البحث..". وقد ورد في هذه الكشوف تحت عنوان "وزارة الصحة - مرتب عمل مزاولة المهنة" ما يأتي "ينمح بعض أطباء مصلحة الصحة والجامعة المصرية والسجون الذين في الدرجة السادسة مرتباً قدره 60 ج. م سنوياً لأطباء الأسنان والأطباء المسجلين بالقصر العيني و96 ج. م سنوياً لسائر الأطباء نظير عدم مزاولة المهنة في الخارج. فإذا ما رقوا إلى الدرجة الخامسة ضم هذا المرتب إلى صلب الماهية وحرم الموظف بطبيعة الحال من مزاولة المهنة. أما إذا طلب بعد مزاولة المهنة أو ما يعبر عنه بالاشتغال نصف الوقت صرف إليه نصف الماهية فقط في أية درجة كان من الخامسة فما فوق. وحيث إن الحكمة في صرف هذا المرتب ترجع إلى ما كان فيما مضى من قلة عدد الأطباء ثم الرغبة في اجتذاب الأكفاء منهم إلى خدمة الحكومة وحملهم على التفرغ لها. وحيث إن الحكمة الآن قد تغيرت بما يبرر إعادة النظر في أمر هذا المرتب المقترح تخفيضه إلى 48 ج. م و72 ج. م سنوياً على التوالي وجعله مستقلاً عن الماهية في الدرجة الخامسة كما هو مستقل عنها في الدرجة السادسة".
ومن حيث إن مجلس الوزراء وافق بجلسته المنعقدة في 6 من أكتوبر سنة 1946 على الاقتراحات المبينة بكتاب وزير المعارف العمومية الذي رفعه إلى المجلس طالباً فيه الموافقة على تطبيق مزايا كادر القضاء ورجال النيابة وأقسام قضايا الحكومة على أعضاء هيئة التدريس والمعيدين بجامعتي القاهرة والإسكندرية, والذي ورد فيه " ويجدر بي ألا أغفل حالة خاصة بأعضاء هيئة التدريس في كلية الطب حيث يصرفهم العمل الخارجي عن التفرغ لأعمال التدريس تفرغاً كافياً, أو في الحالة التي تكون مادة تخصصهم لا تسمح بإيجاد عيادة خاصة بهم. وهؤلاء وأولئك يجب تشجيعهم على التفرغ لأعمال التدريس عن طريق زيادة فئات بدل المتفرغ, وإلا واجهت كلية الطب - بل هي تواجه الآن - أزمة مستحكمة في سبيل جذب هؤلاء الأعضاء أو استبقائهم وانصرافهم للبحث العلمي ومهنة التدريس. ولذلك اقترح أن يمنح أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب غير المسموح لهم بالاشتغال الخارجي بمهنتهم بدل تفرغ طبقاً للفئات التالية: الأساتذة 360 ج في السنة, الأساتذة المساعدون 240 ج في السنة, المدرسون 180 ج في السنة, مساعدو المدرسين والمعيدون 120ج في السنة, كما أقترح أن يمنح بقية أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب المسموح لهم بالاشتغال بمهنتهم خارجها مرتب وظيفتهم كاملاً إذا خصوا الكلية بكل أوقات العمل الرسمية في مصالح الحكومة".
ومن حيث إنه بجلسة 12 من ديسمبر سنة 1954 صدر قرار مجلس كلية الطب بجامعة القاهرة في شأن أعضاء هيئة التدريس "نصف الوقت" بالكلية, وجاء فيه "نظر المجلس مذكرة عن المعاش مقدمة من بعض أعضاء هيئة التدريس الذين كانوا يعملون نصف الوقت ويتقاضون نصف المرتب. وقرر المجلس بالإجماع أن العمل في حالتيه ما سمى نصف الوقت وكل الوقت لم يتغير في كمه وكيفه, وبقي في العهدين خاضعاً للنظم الجامعية. وأن توزيعه بين أعضاء هيئة التدريس يجري طبقاً للجداول التي تعدها الكلية حسب حاجة التدريس دون نظر إلى شخص من يقوم به متفرغاً كان أو غير متفرغ. وإن أعضاء هيئة التدريس الذين وصفوا قبل 6 من أكتوبر سنة 1946 بأنهم نصف الوقت كانوا يزاولون مهنتهم في عياداتهم الخاصة في غير أوقات عملهم الرسمي التي لم تكن في أي وقت تنقص في الكم والكيف عن زملائهم الذين كانوا في نفس الوقت لا يمارسون مهنتهم في الخارج".
ومن حيث إن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة نص في الفقرة الأولى من المادة 73 منه على أن على الموظف ".. أن يخصص وقت عمله الرسمي لأداء واجبات وظيفته", وفي الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه "... ويجوز تكليف الموظفين بالعمل في غير أوقاته الرسمية علاوة على الوقت المعين لها إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك", كما نص في الفقرة الأولى من المادة 78 منه على أنه "لا يجوز للموظف أن يؤدي أعمالاً للغير بمرتب أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية", وفي الفقرة الثانية منها "على أنه يجوز للوزير المختص أن يأذن للموظف في عمل معين بشرط أن يكون ذلك في غير أوقات العمل الرسمية", وكذلك نص في المادة 34 مكرراً منه على أنه "يجوز بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص ترقية الطبيب الذي يمنع من مزاولة مهنته بالخارج درجة أو درجتين, وذلك بالشروط التي يقرها مجلس الوزراء". وقد صدر قرار مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1953 بهذه الشروط, ونص في المادة السادسة منه على أن "ينمح جميع الأطباء الشاغلين لوظائف تقتضي الحرمان من مزاولة المهنة في الخارج مرتب بدل طبيعة عمل بالكامل".
ومن حيث إنه يؤخذ من كل ما سلف إيراده أن مجلس الوزراء وافق في 30 من يونيه سنة 1921 على ما اقترحته لجنة تعديل الدرجات وقتذاك من إقرار مبدأ إجازة اشتغال الموظف بأي عمل خاص بأجر, فيما خلا الأعمال التجارية والصناعية التي هي محظورة عليه, وذلك وقت فراغه من عمله الحكومي بشرطين هما: الحصول على ترخيص سابق قابل للسحب في أي وقت, وعدم وجود مانع من مباشرة هذا العمل. كما وافق على ما أقرته اللجنة من السماح لبعض الموظفين, وبخاصة الأطباء منهم, بمزاولة مهنتهم في الخارج, وعدم تخصيص كل وقتهم للعمل الحكومي، لقاء خفض المرتب المقرر لهم أصلاً، وعدم منحهم إياه كاملاً. ومفهوم هذا أن الأصل بحسب هذه القاعدة أن يكرس الموظف كامل وقته لأداء واجبات وظيفته, أي أن ينقطع لها, سواء في وقت العمل الرسمي أو في غير الوقت المعين له, فلا يقوم في وقت فراغه بأي عمل بأجر, فإذا أذن له في هذا العمل كان وقته غير مكرس بأكمله لعمله الحكومي, وخفض مرتبه تبعاً لذلك. وقد رددت المادتان 73 و78 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فيما يعد الأصل العام في هذا الشأن؛ إذ نصت أولاهما على وجوب أن يخصص الموظف وقته العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته, وأجازت تكليفه بالعمل في غير أوقاته الرسمية علاوة على الوقت المعين لها إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك. وحظرت الثانية عليه أن يؤدي أعمالاً للغير بمرتب أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية، إلا أن يؤذن له في ذلك بالشروط التي أوردتها. وقد كان المدعي طبيباً يمضي كل الوقت في عمله, وغير مصرح له بالأشغال الخصوصية, ثم صدر قرار مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1927 بالتصديق على قرار لجنة فحص كافيات موظفي التدريس بكلية الطب بجعل وظيفته نصف وقت بدلاً من وقت كامل بنصف مرتب اعتباراً من ذلك التاريخ؛ وبذا يكون هذا القرار قد قطع في تحديد وضعه بأن اعتبره موظفاً "نصف الوقت"؛ إذ سمح له بمزاولة مهنته في الخارج، وخفض مرتبه إلى النصف بناء على ذلك. ومقتضى هذا على الأساس المتقدم أن وقت عمله قد خفض إلى النصف كذلك؛ إذ هو علة تخفيض المرتب بهذا القدر. وقد صدر بعد ذلك المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية, وأورد في المادة 16 منه تعريفاً تشريعياً للموظف أو المستخدم الدائم "نصف الوقت" في مقام بيان أسس تسوية معاشه أو مكافأته إذا ما تخللت مدة خدمته مدد عمل فيها نصف الوقت؛ إذ جعل معيار قيام هذه الصفة به تخفيض أوقات عمله إلى النصف. وأكد ذلك فيما جاء بمذكرته الإيضاحية تعليقاً على هذه المادة متسقاً في تفسير مدلوله مع المعنى الذي اصطلحت عليه لجنة تعديل الدرجات في سنة 1921؛ إذ صرحت لبعض الموظفين لا سيما الأطباء منهم - بمزاولة مهنتهم في الخارج؛ الأمر الذي أنبنى عليه خفض الوقت الذي كان واجباً تكريسه لعملهم, على أن يتنازلوا في نظير ذلك عن نصف المرتب المقرر لهم, وهو ذات المعنى الذي أخذ به قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1927؛ إذ خفض مرتب المدعي إلى النصف واعتبر وقت عمله مخفضاً إلى النصف كذلك، ونص صراحة على جعل وظيفته "نصف وقت" بدلاً من وقت كامل. وهو تعبير يجد تفسيره الصحيح في التعريف الذي أوردته المادة 16 آنفة الذكر ومذكرتها الإيضاحية على نحو ما سلف بيانه. وإذا كان المنشور رقم 5 الصادر في 28 من يونيه سنة 1936 تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من يونيه سنة 1936 قد أوقف الترخيصات السابق منحها لبعض موظفي الحكومة ومستخدميها لمزاولة أعمال خارجة عن أعمال وظائفهم الأصلية في غير أوقات العمل الرسمية, فإنه قد استثنى من ذلك الترخيصات التي نصت عليها بعض الكادرات الخاصة, كما هو الحال في شأن الأطباء الذين يشغلون وظائف معينة في وزارة الصحة والجامعة المصرية, فأبقى عليها, ولم يصفها بأنها مقصورة على إباحة مزاولتهم لمهنتهم في غير أوقات العمل الرسمية, بل استثنى أربابها جملة بأوضاعهم وظروفهم القائمة بحسب الكادرات الخاصة بهم مطلقة من هذا القيد؛ ومن ثم فإن التحدي بالمنشور المشار إليه للتدليل على انحصار النشاط الخارجي لهذه الفئة من الموظفين من الناحية الزمنية في غير أوقات العمل الرسمية يكون في غير محله. وقد جاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من يوليه سنة 1936 صريحاً في تأكيد المعنى المتقدم؛ إذ ورد به "أما إذا طلب (الطبيب الموظف) بعد ذلك مزاولة المهنة أو ما يعبر عنه بالاشتغال نصف الوقت صرف إليه نصف الماهية فقط في أية درجة كان من الخامسة فما فوق". وأعقبه بعد ذلك قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1946، الذي أبرز معنى اشتغال أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب بمهنتهم في الخارج, وحدد مدلوله بقوله "حيث يصرفهم العمل الخارجي عن التفرغ لأعمال التدريس تفرغاً كافياً", فكشف بذلك عن أن هؤلاء لا يخصون أعمال التدريس بكامل الوقت اللازم لها بسبب انصرافهم إلى العمل الخارجي المرخص لهم فيه, وخلص من هذا إلى تقرير منح أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب "المسموح لهم بالاشتغال بمهنتهم خارجها مرتب وظيفتهم كاملاً إذا خصوا الكلية بكل أوقات العمل الرسمية المقررة في مصالح الحكومة", ومنح "غير المسموح لهم بالاشتغال الخارجي بمهنتهم بدل تفرغ طبقاً للفئات" التي عينها, فضلاً عن مرتب الوظيفة الكامل. وبذا علق منح مرتب الوظيفة كاملاً للمشتغلين بالمهنة في الخارج على شرط تخصيص جهودهم في كل أوقات العمل الرسمية المقررة في مصالح الحكومة لاحتياجات التدريس بالكلية. وأفصح بهذا عن أن علة تخفيض المرتب إلى النصف كانت وما زالت هي عدم تحقق هذا التخصيص. ثم صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, فآثر في المادة 34 مكرراً منه الأطباء الممنوعين من مزاولة مهنتهم بالخارج, دون غير الممنوعين منهم, بمزية جديدة في الترقية. ونص قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من أغسطس سنة 1953 تنفيذاً لهذه المادة على منحهم بدل طبيعة عمل بالكامل. وإذا كان قرار مجلس كلية الطب بجامعة القاهرة الصادر في 12 من ديسمبر سنة 1954 قد انتهى إلى "أن العمل في حالتيه - ما سمي نصف الوقت وكل الوقت - لم يتغير في كمه وكيفه" بعد 6 من أكتوبر سنة 1946، عما كان عليه قبل هذا التاريخ, فإن هذا لا يغير من طبيعة الأوضاع القانونية فيما يتعلق بمراكز أعضاء هيئة التدريس بالكلية الذين كانوا يمارسون مهنتهم في عياداتهم الخاصة في الخارج, والذين وصفوا بقرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1927 بأنهم أطباء "نصف الوقت", وخفضت مرتباتهم لهذا السبب إلى النصف وارتضوا ذلك, وكان وضعهم على هذا النحو يسمح لهم قانوناً بالتخفف من أوقات عملهم.
ومن حيث إنه يخلص مما سبق أنه يجب على الموظف أن يكرس كل وقته لخدمة الحكومة, كما يجب عليه ألا يباشر أي عمل تجاري, وألا يزاول عملاً مهنياً إلا بترخيص خاص. فلما رؤى لاعتبارات تتعلق بالصالح العام أن يسمح للأطباء الذين تنظمهم هيئة التدريس في كلية الطب أن يباشروا مهنتهم في الخارج إلى جانب عملهم الحكومي, صدر قرار مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1927 بذلك, ولكن في مقابل أن تخفض مرتباتهم على النصف, وأن تعتبر مدة خدمتهم "نصف وقت", فيكون لها أثرها على هذا الوجه في حساب المعاش. وقد قنن المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية هذا النظام في المادة 16 منه حسبما سلف بيانه. وظل الحال هكذا على أن تغيرت النظرة للموضوع للاعتبارات التي أعيد تقديرها, فصدر قرار مجلس الوزراء في 6 من أكتوبر سنة 1946 على أساس منحهم كامل مرتبهم "إذا خصوا الكلية بكل أوقات العمل الرسمية المقررة في مصالح الحكومة", أي أنهم إذا وفوا بذلك كزملائهم غير المرخص لهم في مزاولة مهنتهم في الخارج تقاضوا مرتبهم كاملاً, ولكن بدون بدل تفرغ، وحسبت لهم المدة كاملة في المعاش. وقد تمت تسوية معاش المدعي بعد اعتزاله الخدمة على الأساس السابق تفصيله, وهي تسوية صحيحة.
ومن حيث إنه يتضح من كل ما تقدم أن المدعي كان موظفاً نصف الوقت في الفترة التي تخللت مدة خدمته والواقعة بين 3 من ديسمبر سنة 1927 و6 من أكتوبر سنة 1946؛ ومن ثم فإنه يخضع في تسوية معاشه لحكم المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة على أساس سليم من القانون. وإذ قضى حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه باستحقاق المدعي تسوية معاشه وفق أحكام المادة 15 من المرسوم بقانون المشار إليه, فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه, ويتعين القضاء بإلغائه, وبرفض الدعوى, مع إلزام المدعي بمصروفاتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق