جلسة 23 من مارس سنة 1974
برئاسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمود طلعت الغزالي - المستشارين.
----------------
(89)
القضية رقم 92 لسنة 17 القضائية
عاملون بالقطاع العام - "تدريب" - "عقد إداري تعهد بالعمل بعد التدريب.
ارتكاب العامل مخالفة أثناء الفترة التي التزم فيها بالعمل بعد تدريبه - فصله من الخدمة جزاء لهذه المخالفة - استحقاق الجهة الإدارية للتعويض عن الإخلال بالتعهد بالعمل - أساس ذلك أنه حال بتصرفه الخاطئ دون استمراره في العمل وفاء للالتزام الملقى على عاتقه - مثال.
---------------
يبين من الرجوع إلى نص الإقرار الذي وقعه المدعى عليه عند التحاقه بمركز تدريب مؤسستي النقل الداخلي والنقل البري للركاب بالأقاليم، أن عباراته تجري كالآتي: "أقر أنه في حالة فصلي من المركز لانقطاعي عن الدراسة والتدريب بدون مبرر لمدة سبعة أيام متصلة أو عشرة أيام متقطعة أو لسوء سلوكي أو لخروجي على التعليمات أو النظم والأوضاع المنظمة لسير العمل بالمركز أكون ملزماً برد العهد المنصرفة لي من المركز ويدفع مبلغ 40 جنيهاً عن كل شهر قضيته في التدريب وتعتبر كسور الشهر في هذه الحالة شهراً كاملاً. كما أقر أني أقبل العمل سائقاً بإحدى الشركات التابعة لمؤسستي النقل الداخلي والنقل البري للركاب بالأقاليم وفي أي جهة بالجمهورية العربية المتحدة وذلك لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ تعييني بإحدى هذه الشركات بعد انتهاء فترة التدريب المقررة بالمركز واجتيازي لها بنجاح وفي حالة الإخلال بذلك أكون ملزماً بدفع تعويض مالي قدره 120 جنيهاً للمؤسسة المصرية العامة للنقل الداخلي، وفي حالة نشوء إخلال بهذه الالتزامات فيكون للمركز الحق في اتخاذ الإجراءات القانونية ضدي دون سابق إنذار أو إعلان.
ومن حيث إن المستفاد من هذا الإقرار أن المدعى عليه التزم بالتزامين أولهما الاستمرار في الدراسة والتدريب وفقاً للنظم السارية بالمركز، بحيث إذا انقطع عن الدراسة أو التدريب بدون عذر يلتزم برد مبلغ 40 جنيهاً عن كل شهر قضاه بالمركز. وثانيهما أن يقبل بعد انتهاء تدريبه العمل سائقاً بالمؤسسة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات من تاريخ تعيينه، فإذا أخل بتعهده هذا يلتزم بدفع مبلغ 120 جنيهاً على سبيل التعويض.
ومن حيث إن المدعى عليه وقد اجتاز فترة التدريب بالمركز بنجاح وتم إلحاقه بإحدى الشركات التابعة للمؤسسة للعمل سائقاً بها، فإنه يخضع للنظم واللوائح التي تنظم سير العمل بالشركة وبالمؤسسة وتلك التي تحكم العلاقة بين العامل والجهة الإدارية بحيث يكون خروجه على مقتضى هذه النظم واللوائح موجباً لمساءلته في الحدود التي رسمها القانون للإدارة وهي بصدد تسيير المرافق العامة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعى عليه لم يلتزم الأصول الواجب مراعاتها في أدائه لعمله وخرج على مقتضى واجبات وظيفته وأخل بالتزاماتها الجوهرية، وذلك بأن قاد السيارة وهي محملة ببضائع ملك الغير بسرعة تفوق الحدود المقررة وبذلك لم يستطع السيطرة على عجلة القيادة أو التوقف في الوقت المناسب مما أدى إلى مقتل شخصين وإحداث تلفيات بممتلكات الشركة يقدر بحوالي 390 جنيهاً وتلفيات أخرى بالبضاعة المملوكة للغير التي تنقلها السيارة تقدر بحوالي 600 جنيهاً، ومن ثم فلم يكن أمام الشركة من سبيل إزاء هذه الرعونة وهذا الخطأ الجسيم إلا أن تفصل المدعى عليه من الخدمة عقاباً له ودرءاً لما قد ينجم عن تكرار هذا الخطأ من أضرار بالأرواح والأموال.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن المدعى عليه هو الذي حال بتصرفه الخاطئ دون استمراره في عمله وفاء للالتزام الملقى على عاتقه، بعد أن قامت المؤسسة بالاتفاق عليه مدة تدريبه ثم ألحقته بالعمل سائقاً بإحدى شركاتها، ومن ثم فلا يقبل منه التذرع بأن المؤسسة، وقد فصلته لخطئه الجسيم في عمله قد حالت بينه وبين الاستمرار في أدائه مدة الثلاث سنوات التي تعهد بخدمة المؤسسة خلالها، وبالتالي فلا صحة لما أورده الحكم المطعون فيه من أن المدعى عليه لم يخل بالتزامه طالما أن الشركة هي التي تسببت بقرارها إنهاء خدمته في جعل وفائه بهذا الالتزام مستحيلاً، إذ أن استحالة استمراره في عمله ووفائه بالتزامه مردها إلى خطئه الجسيم وإخلاله بمقتضى واجبات وظيفته والتزاماتها الجوهرية، مما كان يحتم إنهاء خدمته حفاظاً على حسن سير العمل وانتظامه بالمرفق الذي هو أهم المسئوليات الملقاة على عاتق الجهة الإدارية، والقول بغير ذلك مؤداه عرقلة سير المرافق العامة، إذ يكون في وسع المتعهد قبل الإدارة أن يرتكب ما يعن له من مخالفات وهو مطمئن إلى أن الإدارة لن تستطيع إنهاء خدمته، بحيث إذا أقدمت على ذلك كان هذا هو سبيله وذريعته إلى التحلل من التزامه، وهو أمر لا يتفق وما يوجبه حسن النية في تنفيذ التعهدات ولا ما يلقيه واجب حسن تسيير المرافق العامة على جهة الإدارة من تبعات.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم يكون المدعى عليه هو الذي تسبب بخطئه الجسيم في جعل استمراره في أدائه لعمله أمراً مستحيلاً، بعد أن ارتأت الإدارة في حدود سلطتها المخولة لها قانوناً أن المصلحة العامة تقتضي إنهاء خدمته على نحو ما سبق إيضاحه، وبالتالي يكون قد أخل بالتزامه، ويحق للجهة الإدارية أن ترجع عليه بالتعويض حسبما جاء بالتعهد الموقع عليه منه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه، وقد ذهب غير هذا المذهب، قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين لذلك القضاء بإلغائه، وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي بصفته مبلغ 120 جنيهاً والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 13 من فبراير سنة 1969 حتى تمام السداد مع إلزامه بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق