جلسة 27 من ديسمبر سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
-------------------
(36)
القضية رقم 513 لسنة 3 القضائية
أقدمية
- ترتيب الأقدمية بين المرقين في قرار واحد من المراكز القانونية التي تتحدد على مقتضى القانون النافذ وقت حصول هذه الترقية - نفاذ القانون رقم 210 لسنة 1951 لا يمس المراكز القانونية الذاتية التي تمت قبل نفاذه طبقاً للقواعد التي كانت سارية - ترتيب الأقدمية بين المرقين في الأزهر قبل نفاذ القانون رقم 210 لسنة 1951 تنظيماً لأحكام المنصوص عليها بلائحة الاستخدام في الأزهر الصادرة بمرسوم 18 من أبريل سنة 1931 - نص المادة 13 من هذه اللائحة على أنه عند الاتحاد في نيل الدرجة الواحدة تكون الأسبقية بحسب أسبقية التعيين الذي جرى عليه حكم الاستقطاع للمعاش - اعتبار المدعي أقدم من الخصم الثالث في ترتيب الدرجة الخامسة التي رقياً إليها معاً في تاريخ واحد طبقاً للمادة المذكورة - يجعله أحق بالترقية إلى الدرجة الرابعة المتنازع عليها ما دامت الترقية إليها قد تمت بحكم الأقدمية.
إجراءات الطعن
في يوم 28 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة مجلس الوزراء بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1956 في القضية رقم 662 لسنة 2 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد يوسف عفيفي ضد الجامع الأزهر والسيد/ أمين عبد الله فكري, والقاضي برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات. وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بإلغاء القرار المختصم فيما تضمنه من إغفال ترقية المدعي إلى الدرجة المتنازع عليها, وإلزام الحكومة والمتدخل بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 2 من أبريل سنة 1957, وللمدعي في 10 منه, وعين لنظره جلسة 12 من أبريل سنة 1958, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات. وقد تحدد يوم 12 من يوليه سنة 1958 للنطق بالحكم, ثم قررت المحكمة إعادة القضية للمرافعة لجلسة أول فبراير سنة 1958 للسبب المبين في قرارها, وفيها سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر, وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من الأوراق, تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لرياسة مجلس الوزراء في 13 من أغسطس سنة 1955 طالباً فيها الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 414 الصادر في 4 من مايو سنة 1955 بنقل السيد/ أمين فكري من كلية اللغة العربية إلى معهد القاهرة وترقيته إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية المطلقة, فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة. وقال شرحاً لدعواه إنه في 30 من نوفمبر سنة 1954 صدر قرار من شياخة الأزهر تضمن نقله من كلية اللغة العربية إلى معهد القاهرة وترقيته إلى الدرجة الرابعة الفنية المتوسطة بالأقدمية, كما شمل القرار أيضاً تسوية حالة السيد/ أمين فكري مدرس الرسم بكلية اللغة العربية من الدرجة الخامسة الفنية المتوسطة الشخصية بوضعه في الدرجة الخامسة الفنية المتوسطة الأصلية التي تخلفت عن نقله - أي المدعي - إلى معهد القاهرة. غير أنه لم يمض على هذا القرار أسبوع حتى صدر قرار آخر بسحبه فيما تضمنه من ترقيته إلى الدرجة الرابعة ريثماً تنتهي إدارة المستخدمين من بحث الاعتراضات التي أثارتها في شأن تحديد أقدميته بالنسبة الأقدمية السيد أمين فكري؛ إذ تبودلت عدة مكاتبات بين الجامع الأزهر وديوان الموظفين حول تحديد القاعدة التنظيمية التي تحكم الأقدمية عند الترقية وذلك بالنسبة لموظفي الجامع الأزهر. وقد انتهى البحث إلى تطبيق نص المادة 25 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة؛ باعتباره القانون الواجب التطبيق على الحالة المعروضة, فأصبح السيد/ أمين فكري بموجب هذه المادة هو المستحق للترقية؛ إذ تجعله أقدم منه في الدرجة الخامسة التي اتحد تاريخ ترقيتهما إليها, باعتباره أقدم منه في الدرجة السابقة عليها. ونتيجة لذلك صدر القرار المطعون فيه متضمناً نقل السيد أمين فكري من كلية اللغة العربية إلى معهد القاهرة وترقيته إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية المطلقة, فتظلم من هذا القرار إلى فضيلة شيخ الجامع الأزهر في 16 و19 من يونيه سنة 1955, ولكن كان مآل هذا التظلم الرفض, وأخطر بذلك في 17 من يوليه سنة 1955. ثم أستطرد فقال إن موظفي الأزهر والمعاهد الدينية يخضعون في توظيفهم وترقياتهم وإجازاتهم وتأديبهم للائحة 8 من أبريل سنة 1931 التي اعتمد القانون رقم 26 لسنة 1936, بشأن إعادة تنظيم الجامع الأزهر العمل بأحكامها؛ ومن ثم فلا تسري أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأنهم إلا بالنسبة إلى ما لم يرد به نص من القانون رقم 26 لسنة 1936؛ ولذلك كان يجب في حساب الأقدمية الأخذ بنص المادة 13 من اللائحة المشار إليها التي يعتبر بمقتضاها أقدم من المطعون في ترقيته لأنه يسبقه في تاريخ التعيين الذي يجب الرجوع إليه في تحديد الأقدمية عند التساوي في نيل الدرجة, وأن هذا هو التطبيق الصحيح للقانون؛ لأن قانون نظام موظفي الدولة - حسبما أفتى به القسم الاستشاري للفتوى والتشريع بمجلس الدولة - لم يقصد إلى إلغاء القوانين الخاصة بالهيئات المستقلة مثل الأزهر لإحلال أحكامه محلها, بدليل أن القانون رقم 26 لسنة 1936 المشار إليه قد طرأت عليه عدة تعديلات بعد صدور القانون رقم 210 لسنة 1951, الأمر الذي يفصح عن إرادة المشرع في هذا الشأن, فلا يجوز - والحالة هذه - الرجوع إلى أحكام قانون نظام موظفي الدولة في شأن نظام موظفي الجامع الأزهر والمعاهد الدينية بوصفهم طوائف تنظيم قواعد توظيفهم قوانين خاصة, إلا فيما لم يرد به نص في القانون الخاص. وتأسيساًَ على ذلك يكون أقدم من المطعون عليه في أقدمية الدرجة الخامسة التي اتحدا في تاريخ الترقية إليها لأنه أقدم منه في التعيين. ثم قال إن قرار نقله من كلية اللغة العربية إلى معهد القاهرة الصادر في 28 من نوفمبر سنة 1954 ظل نافذاً إلى أن صدر في 13 من مارس سنة 1955 قرار آخر من لجنة شئون الموظفين بالأزهر بنقله إلى كلية اللغة العربية بقصد تفويت أقدميته في المعاهد للحيلولة دون ترقيته إلى الدرجة الرابعة الخالية بها كي يفوز بها السيد/ أمين فكري الذي نقل إلى المعاهد ليرقى إلى هذه الدرجة. وقد ردت الحكومة على الدعوى بأن القانون رقم 26 لسنة 1936 خلو من نص صريح يحكم خصوصية هذه المنازعة الإدارية حول تحديد أقدمية كل من المدعي والأستاذ أمين فكري؛ ولذلك فإن يتعين - أخذاً بنص المادة 25 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 الذي يرجع إليه في هذه الحالة - اعتبار الأستاذ أمين فكري أقدم من المدعي في الدرجة الخامسة؛ لأنه يسبقه في أقدمية الدرجة السادسة. وبجلسة 30 من ديسمبر سنة 1956 قضت المحكمة: (أولاً) بقبول الدعوى شكلاً, و(ثانياً) بقبول تدخل الأستاذ أمين عبد الله فكري خصماً فيها, (ثالثاً) وفي الموضوع برفضها, وألزمت المدعي بالمصروفات وبأن يدفع للمتدخل 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأسست قضاءها فيما يختص بقبول التدخل, على أن له مصلحة في التدخل في الدعوى منضماً إلى الحكومة في طلب رفضها؛ إذ أن القرار المطعون فيه خاص بترقيته. وقالت في الموضوع إن الدرجة الرابعة المتنازع عليها هي في الكادر الفني المتوسط ومن الدرجات النشأة المخصصة لمدارس المعاهد الدينية, كما هو ثابت من محضر لجنة شئون الموظفين بجلسة 28 من نوفمبر سنة 1954 التي رقى فيها المدعي إلى تلك الدرجة ثم سحبت منه في 8 من ديسمبر سنة 1954, وكما هو ظاهر من ديباجة القرار الصادر في 4 من مايو سنة 1955 بترقية التدخل؛ ومن ثم فلا يرقى إليها إلا من كان مدرساً بالمعاهد الدينية، وقد نقل المدعي إلى هذه المعاهد ورقى إلى تلك الدرجة في 28 من نوفمبر سنة 1954, فما كان يجوز سحب هذه الترقية بحجة المقارنة بين أقدميته أقدمية المتدخل, طالما أن هذا الأخير كان مدرساً بكلية اللغة العربية ولم ينقل للمعاهد ولا يجوز ترقيته على درجة مخصصة لهيئة التدريس بالمعاهد الدينية. ولما كان المدعي قد قرر أنه صدر في 23 من مارس سنة 1955 قرار إداري بإعادته إلى كلية اللغة العربية, ثم صدر القرار المطعون فيه في 4 من مايو سنة 1955 بنقل المتدخل إلى معهد القاهرة وترقيته إلى الدرجة الرابعة, وكان كل من قرار سحب ترقية المدعي الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 وقرار إعادته إلى كلية اللغة العربية ما زال قائماً ولم يسحب أو يحكم بإلغائه, بل ولم يطلب المدعي الحكم بإلغائهما, رغم ما قد يعتورهما من عيوب, فإنهما يظلان منتجين لكافة آثارهما القانونية, ومنها عدم جواز ترقية المدعي على درجة مخصصة لمدارس بالمعاهد الدينية, وبالتالي لا يكون القرار المطعون فيه قد جانب القانون إذ أغفل ترقيته, طالما أنه وقت صدوره لم يكن من هيئة التدريس بالمعاهد الدينية, بل إنه حتى بفرض صدور حكم بإلغاء القرار المطعون فيه فإنه لا سبيل لترقيته على الدرجة المتنازع عليها, مما تنتفي معه كل مصلحة له في طلب إلغائه, ومن المعلوم أن شغل درجة سبق سحب الترقية إليها أو الحكم بإلغاء قرار الترقية إليها لا يكون إلا من تاريخ صدور القرار الجديد بشغلها دون ما أثر رجعى.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الواضح من وقائع الدعوى أن جميع القرارات المتتالية التي صدرت في شأن هذه المنازعة قد تجمعت أطرافها في النهاية في القرار المطعون فيه الذي تحددت به معالمها, فما كان المدعي ليستطيع أن يرسم طريقاً في الطعن أو عدم الطعن إلا إذا صدر القرار المطعون فيه الذي حدد موقفه بالنسبة للدرجة المتنازع عليها, فإذا أثار الخصومة حول هذا القرار فإن ذلك يستتبع بحكم اللزوم إثارة بحث شرعية جميع القرارات التي تناولت شغل الدرجة المذكورة بحيث تشملها جميعاً رقابة المحكمة باعتبارها من العناصر المتعلقة بالمنازعة المطروحة عليها للفصل فيها. ولما كان الثابت أن المدعي نقل إلى المعاهد الدينية بموجب قرار إداري سليم, فإن العودة إلى سحب هذا القرار يقع باطلاً مع ما يترتب على ذلك من أثار في إبطال النتائج المترتبة عليه كافة، بما في ذلك القرار الصادر بترقية المدعي إلى الدرجة المشار إليها, أما إذا كان الاتجاه مقصوراً على بحث شرعية هذا القرار الأخير استقلالاً, فإنه يبين مما سلف إيضاحه أن القاعدة القانونية في تحديد الأقدمية بين رجال الأزهر قد تجاذبتها ثلاثة آراء, تأخذ هيئة المفوضين من بينها بالرأي الذي ذهب إليه المدعي للأسباب التي ساقها تبريراً له وهو ما تراه الهيئة متفقاً مع أحكام القانون. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد خالف القانون, ويتعين إلغاؤه وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إغفال ترقية المدعي إلى الدرجة المتنازع عليها, وإلزام الحكومة والمتدخل بالمصروفات. وفي أثناء سير الدعوى رقى المدعي إلى الدرجة الرابعة؛ ولذلك قصر طلباته على رد أقدميته في الدرجة الرابعة إلى تاريخ صدور القرار المطعون فيه, وما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق ومن ملف خدمة المدعي والمطعون في ترقيته أن المدعي حاصل على شهادة العلوم الأولية للأزهر في 21 من يوليه سنة 1952 وشهادة التخصص في الخط من مدرسة تحسين الخطوط العربية في سنة 1926 وشهادة التخصص في الخط والتذهيب من هذه المدرسة في سنة 1929. وفي 9 من يناير سنة 1927 وافق مجلس الأزهر الأعلى على تعيينه بمكافأة قدرها خمسة جنيهات شهرياً بوظيفة مدرس, وذلك اعتباراً من 31 من أكتوبر سنة 1926, ثم عين في الدرجة الثامنة المخفضة في 31 من مارس سنة 1936, ومنح الثامنة الكاملة في 29 من نوفمبر سنة 1938, وتقرر تثبيته نهائياً في وظيفته بالتطبيق لقانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 اعتباراً من أول يونيه سنة 1940 مع ضم احتياطي المعاش من ذلك التاريخ, ثم صدر قرار المشيخة في 5 من يناير سنة 1941 بضم مدة خدمته المؤقتة وقدرها 7 أشهر و13 سنة إلى مدة خدمته الدائمة على أن يدفع الاحتياطي المستحق عنها على أقساط شهرية مدى الحياة, كل قسط 554 م , من أول يونيه سنة 1940, ثم منح الدرجة السابعة في أول أكتوبر سنة 1942, والسادسة في أول ديسمبر سنة 1944، والخامسة الشخصية في 12 من ديسمبر سنة 1949. وفي 24 من مارس سنة 1951 وافق مجلس الأزهر الأعلى على جعله مدرساً حرف ( أ ), أما المطعون في ترقيته فقد حصل على دبلوم الفنون الجميلة سنة 1928. وبناء على قرار مجلس الأزهر الأعلى الصادر في 2 من أكتوبر سنة 1928 عين بعقد اعتباراً من 20 من يناير سنة 1929 بمرتب شهري قدره 8 ج في الدرجة السابعة, وتقرر تثبيته في وظيفته بقرار من مجلس الأزهر الأعلى في 29 من يوليه سنة 1935, ثم تقرر ضم مدة خدمته المؤقتة السابقة إلى مدة خدمته الحالية في المعاش اعتباراً من 21 من يناير سنة 1929, ثم رقى إلى الدرجة السادسة اعتباراً من أول يونيه سنة 1941, وإلى الدرجة الخامسة في 12 من ديسمبر سنة 1949, بقرار من المجلس الأعلى في ذات التاريخ, واعتبر مدرساً حرف "أ" في 26 من فبراير سنة 1955 بقرار من المجلس الأعلى. وبجلسة 28 من نوفمبر سنة 1954 قررت لجنة شئون الموظفين بالجامع الأزهر - عند نظرها في شغل الدرجات الرابعة في الكادر الفني المتوسط المنشأة والمخصصة لمدرسين بالمعاهد, وبعد اطلاعها على سجل الأقدمية والتقارير السرية - ما يأتي: (أولاً) ترقية السيد محمد فهمي علي الزيني والسيد حسين أحمد حسين إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية المطلقة. (ثانياً) نقل السيد محمد يوسف عفيفي المدرس من الدرجة الخامسة بالكادر الفني المتوسط بكلية اللغة العربية إلى معهد القاهرة على إحدى الدرجات الخامسة المتخلفة عن هذه الترقية. (ثالثاً) ترقية السيد محمد يوسف عفيفي المدرس بمعهد القاهرة من الدرجة الخامسة إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية المطلقة. (رابعاً) تسوية حالة الأستاذ أمين عبد الله فكري المدرس من الدرجة الخامسة الشخصية بكلية اللغة العربية على الدرجة الخامسة الأصلية المختلفة عن نقل السيد محمد يوسف عفيفي. وقد اعتمد الأستاذ الأكبر هذه القرارات في 30 من نوفمبر سنة 1954. وفي 7 من ديسمبر سنة 1954 قدمت إدارة المستخدمين مذكرة قالت فيها "إنه تبين لها عند مراجعتها لقرارات اللجنة لاستصدار القرارات التنفيذية بها أن ترتيب أقدمية السيد/ أمين عبد الله فكري, مدرس الرسم في كلية اللغة العربية في الدرجة السادسة سابق على ترتيب السيد/ محمد يوسف عفيفي مدرس الخط بالكلية المذكورة؛ لأن الأول حصل على الدرجة السادسة في أول يونيه سنة 1941, والثاني حصل عليها في أول ديسمبر سنة 1944, في حين أنهما حصلا على الدرجة الخامسة في تاريخ واحد هو 12 من ديسمبر سنة 1949؛ ولذلك فإن إدارة المستخدمين ترى أنه إذا كانت لجنة شئون الموظفين قد راعت في نقل السيد/ محمد يوسف عفيفي إلى المعاهد سد حاجة العمل في المعاهد من مدرسي الخط فإن ترقيته بالأقدمية إلى الدرجة الرابعة في أقدميات الكادر الفني المتوسط بالمعاهد بعد نقله يكون صحيحاً لا غبار عليه, وإلا فإن قرار ترقيته يكون باطلاً يتعين سحبه قبل مرور الستين يوماً على تاريخ اعتماده". وقد عرضت هذه المذكرة على فضيلة شيخ الجامع الأزهر في 8 من ديسمبر سنة 1954 فقرر فضيلته سحب قرار نقل المدعي من كلية اللغة العربية إلى معهد القاهرة, وكذلك سحب قرار ترقيته إلى أن يبت في موضوع ترتيب أقدميته وأقدمية السيد/ أمين فكري. وقد استطلع الجامع الأزهر رأى ديوان الموظفين في موضوع أقدمية المدعي والسيد/ أمين عبد الله فكري, وأوضح الديوان أن الثاني أقدم من المدعي؛ لأنهما وإن اتحدا في تاريخ الحصول على الدرجة الخامسة إلا أن الثاني يسبق الأول في الحصول على الدرجة السادسة, وذلك بالتطبيق لنص المادة 25 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة الذي يتعين إعماله في هذا الخصوص. وفي 27 من أبريل سنة 1955 اقترحت لجنة شئون الموظفين, بعد النظر في سجل الأقدمية والتقارير السرية, نقل السيد/ أمين فكري إلى معهد القاهرة مدرساً للرسم به وترقيته إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية المطلقة, ثم صد القرار رقم 414 في 4 من مايو سنة 1955 بترقيته إلى الدرجة الرابعة الفنية في الكادر الفني المتوسط. فقدم المدعي ثلاثة تظلمات إلى إدارة الجامع الأزهر في 17 من مايو و16 و20 من يونيه سنة 1955 يتظلم فيها من القرار الصادر بإعادته إلى كلية اللغة العربية بعد أن نقل إلى المعاهد؛ الأمر الذي يفوت عليه حقه في الأقدمية والترقية, ويطلب سحب القرار الصادر بترقية السيد/ أمين عبد الله فكري إلى الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط وترقيته بدلاً منه. وقد أجابت إدارة الأزهر على هذه التظلمات بأنه لم يصدر أي قرار لا بالنقل ولا بالترقية, كما وأن ديوان الموظفين أقر أحقية السيد/ أمين فكري إلى هذه الدرجة. وقد أخطرت كلية اللغة العربية المدعي بذلك في 17 من يوليه سنة 1955 فأقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 13 من أغسطس سنة 1955 طالباً إلغاء القرار الصادر من شيخ الجامع الأزهر في 4 من مايو سنة 1955 بترقية السيد/ أمين عبد الله فكري إلى الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة, ثم أجمل طلباته الختامية فيما يأتي: الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية, واعتبار ترقيته للدرجة الرابعة من 30 من نوفمبر سنة 1954, وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات والأتعاب؛ وذلك استناداً إلى أن للقرار الذي صدر بترقيته في نوفمبر سنة 1954 وقع صحيحاً, وما كان يجوز بعد ذلك سحبه في 8 من ديسمبر سنة 1954 وترقية آخر في مايو سنة 1955.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أنه لما لم يوجد من المدرسين بالمعهد من يستحق الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط وهى من الدرجات المخصصة لمدرسين به, اتجهت النية إلى ترقية أقدم المدرسين بالجهات الأخرى التابعة للأزهر. وعلى هذا الأساس صدر قرار المشيخة في 30 من نوفمبر سنة 1954 بنقل المدعي توطئة لترقيته, ثم رقى إلى الدرجة المذكورة في القرار عينه. فلما أثير الجدل حول أقدمية المدعي والخصم الثالث في الدرجة الخامسة أيهما أسبق فيها, وتبعاً لذلك أيهما يكون أحق بالترقية إلى الدرجة الرابعة, سحبت المشيخة في 8 من ديسمبر سنة 1954 قرارها السابق بنقل المدعي مع ترقيته إلى تلك الدرجة وذلك حتى يبت في هذا الأمر. ولما استقر الرأي في نظر المشيخة على أن الخصم الثالث هو الأقدم في الدرجة الخامسة بحكم أسبقيته في أقدمية الدرجة السادسة, وذلك بالتطبيق للمادة 25 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة على خلاف الرأي الأول الذي كانت قد ذهبت إليه باعتبار المدعي أقدم بحكم أسبقيته في التعيين في الأزهر بالتطبيق للمادة 13 من المرسوم الصادر في 8 من أبريل سنة 1931 بلائحة الاستخدام في الأزهر - لما استقر رأي المشيخة على ذلك صدر قرارها في 4 من مايو سنة 1955 بترقية الخصم الثالث وهو القرار المطعون فيه. وظاهر من كل ما سبق أن المدعي يستهدف في عموم دعواه الطعن في تصرف المشيخة الذي ترتب عليه سحب ترقيته وحرمانه منها, ثم ترقية الخصم الثالث إلى الدرجة التي كان قد رقى إليها المدعي, وقد اتخذ هذا التصرف من المشيخة قرارات عدة متتالية, ولكنها جميعاً مرتبطة بعضها ببعض, وقد ترسبت المنازعة في القرار الأخير المطعون فيه, وهى تثير بحكم اللزوم المنازعة في القرارات السابقة, ما دامت جميعها مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة.
ومن حيث إن الفيصل في المنازعة هو أي الخصمين هو الأسبق في ترتيب الدرجة الخامسة التي رقيا إليها معاً في يوم واحد هو يوم 12 من ديسمبر سنة 1949؛ لأنه على أساس الأسبقية في هذا الترتيب تكون الأسبقية بالدور في الترقية إلى الدرجة موضوع النزاع, ما دامت تدخل في النسبة المخصصة للترقية بحسب الدور في الأقدمية.
ومن حيث إنه ليس من شك في أن ترتيب الأقدمية بين المرقين في قرار واحد من المراكز القانونية التي تتحدد على مقتضى القانون النافذ وقت حصول هذه الترقية. وما دامت الترقية إلى الدرجة الخامسة قد تمت في 12 من ديسمبر سنة 1949 فيحكمها نص المادة 13 من هذه لائحة الاستخدام بالأزهر وليست المادة 25 من القانون رقم 210 لسنة 1951؛ ولأنه ولئن كانت المادة الأولى من القانون الأخير نصت على أن أحكامه تسري على موظفي الجامع الأزهر والمعاهد الدينية ويلغى كل حكم يخالف هذه الأحكام, إلا أنه غنى عن القول أن هذا القانون لا ينفذ بالنسبة لهم إلا اعتباراً من أول يوليه سنة 1952, فالمراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تمت واستقرت لذويها قبل هذا التاريخ طبقاً للقانون النافذ وقت تمامها - وهو لائحة الاستخدام المشار إليها - لا يجوز المساس بها ولو كان حكم القانون الجديد, أي القانون رقم 210 لسنة 1951, يختلف عن حكم القانون السابق في هذا الشأن, أي لائحة الاستخدام في الأزهر, ما دام لم ينص في القانون الجديد على الأثر الرجعى بنص خاص.
ومن حيث إن المادة 13 من المرسوم الصادرة في 8 من أبريل سنة 1931 تنص على أن "قاعدة الترقية هي الأقدمية في نيل الدرجة مع الكفاءة, وعند التساوي فيهما يرجح الأقدم في التعيين, وتاريخ التعيين هو الذي جرى عليه حكم الاستقطاع للمعاش". وظاهر من ذلك أن تلك المادة وضعت ضابطاً خاصاً للأسبقية في ترتيب المرقين إلى درجة واحدة في قرار واحد, فنصت على أنه عند الاتحاد في نيل الدرجة الوحدة تكون الأسبقية بحسب أسبقية التعيين, وأن تاريخ التعيين هو الذي جرى عليه حكم الاستقطاع للمعاش, وهذا الضابط الخاص الذي قررته تلك المادة يختلف عن الضابط العام الذي كان مقرراً بالنسبة لسائر موظفي الحكومة وقتذاك, وهو أنه عند الاتحاد في نيل الدرجة تكون الأسبقية في ترتيب الأقدمية بأسبقية نيل الدرجة السابقة وهكذا, وهو الضابط العام الذي رددته بعد ذلك المادة 25 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وهذا القانون الذي لا يسري على رجال الأزهر إلا اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 وبالنسبة للوقائع التي تتم من هذا التاريخ.
ومن حيث إنه على مقتضى الضابط الذي قررته المادة 13 من لائحة الاستخدام سالفة الذكر يعتبر المدعي أقدم من الخصم الثالث في ترتيب الدرجة الخامسة التي رقياً إليها معاً في تاريخ واحد, ما دام المدعي هو الأسبق في التعيين بالأزهر؛ إذ استقطع للمعاش منه اعتباراً من 31 من أكتوبر سنة 1926, بينما استقطع للمعاش بالنسبة للخصم الثالث اعتباراً من أول يناير سنة 1929؛ ومن ثم يكون المدعي - على هذا الأساس - هو الأحق بالترقية إلى الدرجة الرابعة المتنازع عليها, ما دامت الترقية إلى هذه الدرجة قد تمت بحكم الأقدمية في الرجة الخامسة, وما دام المدعي - حسبما سبق - يعتبر أسبق منه في ترتيب الدرجة الخامسة المرقى منها على أساس الأقدمية, فيكون تصرف المشيخة - إذ سحبت ترقيته ورقت الخصم الثالث إلى الدرجة الرابعة - قد وقع مخالفاً للقانون. ولما كان المدعي قد رقى في خلال نظر الدعوى إلى الدرجة الرابعة فعلاً فيتعين إلغاؤه جزئياً بإرجاع أقدميته فيها إلى 30 من نوفمبر سنة 1954, وهو التاريخ الذي كان معيناً لترقيته الأولى التي سحبت بدون وجه حق؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه - إذ ذهب غير هذا المذهب - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه, فيتعين إلغاؤه, والقضاء في الدعوى على الوجه المبين آنفاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وباعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة راجعة إلى 30 من نوفمبر سنة 1954, وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق