جلسة 3 من إبريل سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وعلي فكري صالح وسعيد أحمد برغش - نواب رئيس مجلس الدولة.
---------------
(90)
الطعن رقم 2255 لسنة 36 ق القضائية
أ - عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - نقل - تكييف النقل.
قيام الجهة الإدارية بنقل الطاعن من وظيفة إلى وظيفة أخرى ثم صدور حكم تأديبي بمجازاته لا يعتبر ازدواجاً في العقوبة - أساس ذلك - إن مناط الازدواج العقابي أو الجزائي أن يوقع على المخالف عن المخالفات المنسوبة إليه والثابتة في حقه جزاءان من الجزاءات المحددة صراحة في القانون - نقل الموظف لا يعد من بين الجزاءات المقررة في القانون كعقوبة عن المخالفات التي يرتكبها الموظف - تطبيق.
ب - عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - المسئولية التأديبية.
لا محل في مجال المسئولية التأديبية لأعمال نظرية الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي - أساس ذلك - أن مجال هذه النظرية مسئولية الإدارة عن أعمال موظفيها تجاه الغير ومسئولية العامل عن الأضرار التي يسببها بخطئه للجهة الإدارية - قواعد المسئولية التأديبية تختلف عن نطاق فكرة الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي تطبيق.
ج - عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - المخالفة التأديبية - الأعذار المرضية.
المرض ليس عذراً مبرراً للخطأ والإعفاء من المسئولية - أساس ذلك - أن القانون أجاز للموظف الحصول على أجازة مرضية في حالة المرض ونظم إجراءاتها - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق 21/ 5/ 1990 أودع الأستاذ/....... المقيد بجدول المحامين المقبولين أمام المحكمة الإدارية العليا، سكرتارية المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2255 لسنة 36 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة التأديبية بأسيوط بجلسة 17/ 4/ 1990 في الدعوى رقم 854 لسنة 16 ق والذي قضى بمجازاة الطاعن بخصم أجر شهر من راتبه وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن، قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما هو منسوب إليه أو إحالة الدعوى إلي محكمة أسيوط التأديبية لإعادة محاكمته أمام دائرة أخرى مع إلزام المعلن إليه بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين وبتاريخ 23/ 5/ 1990 أعلن تقرير الطعن للمطعون ضده.
وبعد تحضير الدعوى - أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً. بالرأي القانوني، انتهت فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وبجلسة 23/ 12/ 1992 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلي المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الرابعة - حيث نظرته المحكمة بجلسة 32/ 1/ 1993 وفيها تقرر تأجيل نظر الطعن لجلسة 27/ 2/ 1993 لإخطار الطاعن وبهذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية ومن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن وقائع الطعن، تتلخص حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق المرفقة بملف الطعن أن الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بأسيوط أبلغت النيابة الإدارية بأسيوط بكتابها رقم 699 في 20/ 6/ 1989 بقيام..... (الطاعن) أمين الخزينة بمكتب تأمينات أول أسيوط بتحصيل مبلغ 913.680 جنيه بالإيصال رقم 42450 في 23/ 2/ 1989 من صاحب العمل...... عن عملية مقاولات رقم 850/ 2465/ 88 وعدم توريد هذا المبلغ حتى 5/ 3/ 1989 بالمخالفة لحكم المادة 32 من اللائحة المالية للهيئة، وبناء على ذلك أجرت النيابة الإدارية تحقيقاً في الموضوع في القضية رقم 865 لسنة 1989 أسيوط، انتهت فيها إلى مسئولية الطاعن عن الوقائع المتقدمة، وأقامت ضده الدعوى رقم 854 لسنة 16 ق أمام المحكمة التأديبية بأسيوط نسبت إليه فيها أنه خلال المدة من 23/ 2/ 1989 وحتى 5/ 3/ 1989 بدائرة مكتب التأمينات الاجتماعية أول أسيوط وبوصفه، أمين خزينة المكتب، لم يؤد العمل المنوط به بأمانه وسلك في تصرفاته مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة وخالف القواعد والأحكام المالية مما يترتب عليه الأضرار بمالية الدولة بأن:
1 - استخرج الإيصال رقم 42450 بمبلغ 931.860 في 23/ 2/ 1989 من دفتر القسائم الذي يبدأ من رقم 42401/ 42450 عهدته رغم وجود إيصالات بيضاء سابقة عليه بالمخالفة للتعليمات المالية.
2 - اختلس لنفسه مبلغ 913.860 جنيه قيمة الإيصال رقم 42450 المؤرخ 23/ 2/ 1989 ولم يقم بتوريده إلا بتاريخ 5/ 3/ 1989 بعد اكتشاف الواقعة.
وبجلسة 17/ 4/ 1990 قضت المحكمة بمجازاة الطاعن بخصم أجر شهر من راتبه وأسست قضاءها على أن المخالفة الأولى ثابتة في حق الطاعن باعترافه في التحقيقات بأن ذلك حدث منه بطريق الخطأ نتيجة ضغط العمل (ص 5 من التحقيق الإداري – ص 10 من تحقيق النيابة الإدارية) وما شهد به كلاً من.... و.... (ص 8، 9 من تحقيق النيابة الإدارية) وعن المخالفة الثانية فقد قرر الطاعن بالتحقيقات عن جهله بالقواعد المالية وإن ذلك وقع منه عن غير قصد وبسبب ضغط العمل والاضطرابات العصبية التي يعاني منها وأضاف أنه قام بتوريد المبلغ في 5/ 3/ 1989 وأن سبب التأخير في التوريد حتى 5/ 3/ 1989 يرجع إلى أنه ابلغ رئيسه/ ....... بهذا الخطأ فأفهمه بأن يحتفظ بالمبلغ حتى يستدعي صاحب العمل الذي قام بتوريد ويعدل تاريخ التوريد لجعله يوم حضور صاحب العمل - ثم أضافت المحكمة إن الثابت بالتحقيقات أن كلاً من..... مدير مكتب تأمينات أول أسيوط و.... رئيس الشئون المالية بالمكتب و....... المراجعة بالمكتب، قرروا مسئولية المتهم عن هذه المخالفة ونفى الثاني (رئيسه) ما نسبه إليه المتهم وأيده في ذلك الأول (مدير مكتبه) الذي أضاف أن المتهم (الطاعن) لم يورد هذا المبلغ إلا في 5/ 3/ 1989 وخلصت المحكمة مما تقدم إلى أن القدر المتيقن في حق المتهم هو تراخيه في توريد المبالغ المسلمة إليه بسبب وظيفته وأن المخالفتين ثابتتين في حقه.
وحيث إن الطعن يقوم - وفقاً لما ورد في تقرير الطعن - على أسباب ثلاثة هي: -
أولاً: مخالفة الحكم القانون.
ثانياً: إصابة الطاعن بمرض عصبي يؤثر على عمله.
ثالثاً: عدم وجود دليل كاف يثبت خطأ الطاعن.
وحيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن - وهو مخالفة الحكم للقانون - فقد أسسه الطاعن على أنه لا يجوز معاقبة الموظف عن العيب الإداري الواحد مرتين بجزاءين أصليين لم ينص القانون صراحة على الجمع بينهما أو بجزاءين لم يقصد اعتبار أحدهما تبعاً لآخر - والثابت أن الجهة الإدارية التابع لها الطاعن استصدرت الأمر الإداري رقم 6/ 1989 بنقله إلى وظيفة أخرى بدون المميزات الوظيفية التي كانت له في وظيفته السابقة بدون أن تنتظر الجهة الإدارية حكم القضاء بعد إحالته للتحقيق والمحاكمة عن ذات الفعل الذي تم نقل المخالف به مخالفة بذلك صريح نص القانون وبذلك فإن محاكمته والحكم عليه يكون مخالفاً للقانون مستوجباً الإلغاء.
ومن حيث إن هذا السبب مردود عليه بأن قيام الجهة الإدارية بنقل الطاعن - من وظيفته إلى وظيفة أخرى - بالأمر الإداري رقم 6 لسنة 1989 - ثم صدور حكم تأديبي بعد ذلك بمجازاته بخصم شهر من راتبه - لا يعتبر ازدواجاً للعقوبة، أو عقاباً للطاعن عما نسب إليه مرتين لأن مناط الازدواج العقابي أو الجزائي هو أن يوقع على المخالف عن المخالفات المنسوبة إليه الثابتة في حقه، جزاءان من الجزاءات الصريحة المحددة صراحة في القانون وكما وردت في القانون الواجب التطبيق على المخالف. ولما كان نقل الموظف من وظيفته إلى وظيفة أخرى ليس من بين الجزاءات المقررة في القانون كعقوبة عن المخالفات التي يرتكبها الموظف وكما حددتها المادة 83 من قانون العاملين المدنين في الدولة، وإنما النقل يتم وفقاً لنص المادة 54 من ذلك القانون وفقاً للأوضاع والشروط المقررة في تلك المادة - ومن ثم فليس صحيحاً القول فإن نقل الطاعن - ثم الحكم عليه من المحكمة المختصة بجزاء خصم شهر من راتبه عما نسب إليه وثبت في حقه، يعتبر ازدواجاً للعقاب عن ذات الأفعال - وإنما النقل يتم تطبيقاً لنص آخر في القانون يجيزه للجهة الإدارية، وإذا كانت للطاعن أوجه طعن على هذا النقل وكان له إن شاء الطعن عليه بدعوى مستقلة أمام المحكمة المختصة وبالتالي فإن هذا السبب من أسباب الطعن في غير محله وعلى غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
وحيث إنه عن السبب الثاني من أسباب الطعن في الحكم بشأن إصابة الطاعن بمرض عصبي يؤثر في عمله مما يجعل من الخطأ الذي حدث منه غير مقصود منه ومن هنا يجب التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي الموجب للمسئولية فالأول يوجب مسئولية العامل والثاني مسئولية الجهة الإدارية وإن ما صدر من الطاعن لم يكن خطأ شخصياً يسأل عنه وإنما هو خطأ مصلحي صادر عن موظف معرض للصواب والخطأ.
ومن حيث إن هذا السبب مردود عليه بأنه لا محل في مجال المسئولية التأديبية لإعمال نظرية الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي - فهذه النظرية مجالها مسئولية الإدارة عن أفعال موظفيها تجاه الغير ومسئولية العامل عن الأضرار التي يسببها بخطئه للجهة الإدارية أما النظام التأديبي فله إجراءاته وقواعده والجزاءات المحددة التي يمكن توقيعها على الموظف المخالف وضمانات التحقيق والمحاكمة والدفع فيها بفكرة الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي هو دفع في غير محله وغير منتج وإنما كان القصد من هذا السبب، هو القول بأن نظام العمل في المرفق ساهم في وقوع الخطأ المنسوب للطاعن أو كان هو سببه مما يعني وجود خلل في نظام العمل، فهو قول غير سديد ولا دليل عليه من الأوراق - فمن ثم فإن هذا السبب في غير محله متعيناً رفضه.
وحيث إنه عن السبب الثالث من أسباب الطعن والذي أسسه الطاعن على أنه لا يوجد دليل كاف يثبت أن الطاعن قد وقع منه ذلك الخطأ عن قصد بل أنه أخبر رؤسائه بهذا الخطأ منذ وقوعه وأن ما وقع منه كان بسبب عوامل كثيرة منها الإرهاق والمرض العصبي الثابت بالأوراق مما يثبت براءة الطاعن ويستوجب إلغاء الحكم فإن هذا السبب الأخير من أسباب الطعن مردود عليه بما ورد في الحكم المطعون فيه وهو ما لم ينكره الطاعن والمستخلص استخلاصاً سائغاً من الأوراق - مع أن ما نسب إلى الطاعن ثابت في حقه بما شهد به وقرره في التحقيقات كل من مدير مكتب التأمينات بأسيوط ورئيس الشئون المالية بالمكتب ومراجعة المكتب مسئولية الطاعن عما نسب إليه و ما أثبته الحكم من أن دفع الطاعن ما نسب إليه كان نتيجة ضغط العمل وجهله بالتعليمات المالية ليس من شأنه أن يعفيه من المسئولية عما وقع منه من خطأ وأنه كان يجب أن يسعى من جانبه إلى الإحاطة بالتعليمات المالية قبل البدء في العمل فإن تراخى في ذلك وخرج عليها من غير قصد حقت مساءلته، على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة كما أن المرض ليس عذراً مبرراً للخطأ وللإعفاء من المسئولية فالقانون أجاز للموظف الحصول على أجازة مرضية في حالة المرض ونظم إجراءات ذلك، ومن ثم فلا يصح الاستناد إلى عذر المرض - إن صح - لتبرير الخطأ أو رفع المسئولية الناتجة عن ذلك - ومن ثم يكون هذا السبب في غير محله وعلى غير أساس من القانون متعيناً رفضه الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق