الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 أغسطس 2023

الطعن 214 لسنة 3 ق جلسة 15 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 9 ص 93

جلسة 15 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

------------------

(9)

القضية رقم 214 لسنة 3 القضائية

(أ) حكم 

- حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء - حجية عينية - اختلاف مدى الإلغاء - الإلغاء قد يكون كاملاً أو جزئياً - تحديد هذا المدى بطلبات الخصوم وما تنتهي إليه المحكمة في قضائها.
(ب) موظف 

- كتاب وزارة المالية رقم 234 - 1/ 302 الصادر في 13/ 2/ 1944 تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 30/ 1/ 1944 - نصه في البند رابعاً منه على ترقية الموظف الذي رقي بقواعد إنصاف المنسبين إلى درجة أعلى عند خلوها إذا بلغت مدة خدمته 35 سنة بشرط أن يكون قد مضت على آخر ترقية له مدة لا تقل عن أربع سنوات - كتاب وزارة المالية الدوري رقم 20/ 1/ 118 في 9/ 2/ 1949 - نصه على أن تكون الترقية في حدود سدس الدرجات - مفاد ذلك عدم استحقاق الموظف للترقية إلا إذا سمحت أقدميته بين رفاقه من المنسيين بذلك في حدود هذه النسبة.

-------------------
1 - لئن كانت حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء - وفقاً لأحكام المادة 9 من القانون رقم 9 لسنة 1949 التي رددتها لمادة 17 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة التي تنص على أنه "تسري في شأن الأحكام جميعها القواعد الخاصة بقوة الشيء المقضي به, على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة" - لئن كانت هذه الحجية هي حجية عينية كنتيجة طبعية لإعدام القرار الإداري في دعوى هي في حقيقتها اختصام له في ذاته, إلا أن مدى الإلغاء يختلف بحسب الأحوال؛ فقد يكون شاملاً لجميع أجزاء القرار, وهذا هو الإلغاء الكامل, وقد يقتصر الإلغاء على جزء منه دون باقية, وهذا هو الإلغاء الجزئي؛ كأن يجري الحكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية, أو يجري الحكم "بإلغاء القرارات الصادرة من وزير المواصلات فيما تضمنته من شغل الدرجات السادسة التنسيقية بترقية موظفين لم يكونوا من عداد موظفي مصلحة البريد...". وغني عن البيان أن مدى الإلغاء يتحدد بطلبات الخصوم وما تنتهي إليه المحكمة في قضائها.
2 - تنص الفقرة "هـ" من البند (رابعاً) تحت رقم 10 الخاص بالمنسيين من الكتاب الدوري الصادر من وزارة المالية في شأن القواعد التي تتبع تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 فيما يتعلق بإنصاف بعض طوائف الموظفين والمستخدمين وعمال اليومية والخدمة الخارجين عن هيئة العمال وهو الكتاب الصادر من وزارة المالية في 13 من فبراير سنة 1944 رقم 234 - 1/ 302 - هذه الفقرة تنص على أنه "تمنح علاوة لكل من قضى 30 سنة في درجتين متتاليتين, ولو لم يتم في هذه الأخيرة منها 15 سنة, مع سريان هذا على من رقي قبل أول يوليه سنة 1943. والموظف الذي رقي بقرار إنصاف المنسيين يرقى إلى درجة أعلى عند خلوها إذا ما بلغت مدة خدمته 35 سنة بشرط أن تكون قد مضت على آخر ترقية مدة لا تقل عن 4 سنوات. ولا يتمتع بقرار إنصاف المنسيين من ارتفعت درجته بمقتضى القواعد المبينة في هذا القرار الدوري, على أن الموظفين والمستخدمين الذين لا يستفيدون من التسويات المتقدمة بزيادة في ماهياتهم وتعديل في أقدميتهم يطبق عليهم قواعد إنصاف المنسيين (القواعد المبينة في هذه الفرقة رقم 10 تحل محل أحكام الكتابين الدوريين رقم ف 234 - 5/ 37 الصادرين في أول سبتمبر سنة 1943 و23 من يناير سنة 1944)". وجاء في كتاب وزارة المالية رقم 20/ 1/ 118 في 9 من فبراير سنة 1949 إلى سكرتير مالي وزارة الحربية: "إن ما جاء بالفقرة هـ من البند العاشر من الكتاب الدوري رقم ف 234/ 1/ 302 في 13 من فبراير سنة 1944 والتي تنص على أن الموظف الذي رقي بقرار إنصاف المنسيين يرقى إلى درجة أعلى عند خلوها إذا ما بلغت مدة خدمته 35 سنة بشرط أن يكون قد مضى على آخر ترقية مدة لا تقل عن أربع سنوات يلزم ترقية الموظف المنطبق عليه هذه الشروط وتكون الترقية في هذه الحالة في حدود سدس الدرجات". ويستفاد من أحكام هذه القواعد أنه لا يحق للمطعون لصالحه أن يطالب بترقيته منسياً إلى الدرجة السادسة (في القرار رقم 1018 الصادر في 15 من فبراير سنة 1948) إلا إذا سمحت أقدميته بين رفاقه من المنسيين في حكم الفقرة "هـ" من كتاب المالية الصادر في 13 من فبراير سنة 1944 بترقيته في سدس الدرجات الخالية من الدرجات السادسة.


إجراءات الطعن

في 26 من يناير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت 214 لسنة 3 ق في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بجلسة 26 من نوفمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 240 لسنة 2 ق المقامة من جورجي نجيب حنا ضد مصلحة البريد, والذي يقضي "بعدم قبول الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء باستحقاق المدعي للترقية إلى الدرجة السادسة كمنسي اعتباراً من 16 من فبراير سنة 1948, مع ما يترتب على ذلك من آثار, ورفض ما عدا ذلك من الطلبات, وإلزام الطرفين مناصفة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 6 من فبراير سنة 1957, وإلى المطعون لصالحه في 7 من فبراير سنة 1957, وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 4 من أكتوبر سنة 1958, وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي أول يوليه سنة 1958 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت المحكمة إرجاء الطعن بالحكم إلى جلسة أول نوفمبر سنة 1958 مع الترخيص بتقديم مذكرات. فقدم المطعون لصالحه في 18 من أكتوبر سنة 1958 مذكرة خلص فيها إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء: أولاً - بإلغاء القرار رقم 1018 الصادر في 16 من فبراير سنة 1948 فيما تضمنه من ترك المدعي في الترقية إلى الدرجة السادسة, واعتبار أقدميته فيها راجعة إلى أول فبراير سنة 1948 بدلاً من 19 من أبريل سنة 1949. ثانياً - بإلغاء القرار رقم 709 الصادر في 28 من يونيه سنة 1952 فيما تضمنه من ترك المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة, واعتبار أقدميته فيها راجعة إلى أول يونيه سنة 1952 بدلاً من أول مايو سنة 1953, وما يترتب على ذلك من آثار, وصرف فروق المرتب والمعاش, وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي الجلسة المعينة للنطق بالحكم قررت المحكمة مد أجل النطق به إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 1338 لسنة 6 ق أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 30 من يونيه سنة 1952 ذكر فيها أنه التحق بالخدمة بمصلحة البريد في وظيفة معاون درجة ثامنة في 28 من يناير سنة 1913, ومؤهلاته هي شهادة إتمام الدراسة الابتدائية الحاصل عليها في سنة 1911. وقال إنه في أول يوليه سنة 1943 منح الدرجة السابعة منسياً, ورقي إلى الدرجة السادسة في 19 من أبريل سنة 1949. ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 ينص على أن من قضى 35 عاماً في درجة واحدة أو درجتين يرقى إلى الدرجة التي تليها إذا كان قد مضى آخر درجة فيها أربع سنوات, فكان يتعين ترقيته إلى الدرجة السادسة في أول يوليه سنة 1947, ولكن المصلحة رقته فعلاً إلى هذه الدرجة في 19 من أبريل سنة 1949 وهي بذلك تكون قد فوتت عليه فرصة الترقية بما يتبعها من علاوات وفروق رواتب عن المدة الواقعة بين سنتي 1947 و1949 وترتب على عدم منحه الدرجة السادسة في ميعادها أن تخطاه فريق من زملائه لا شك في أنه كان أقدم منهم لو كانت الإدارة قد سلكت معه المسلك الصحيح, وكان من جراء ذلك تأخير منحه الدرجة الخامسة أيضاً فلم يرق إليها إلا في 19 من أبريل سنة 1953, في حين أنه كان يستحق الترقية إليها في أول يوليه سنة 1951, وانتهى المدعي في صحيفة الدعوى إلى طلب تعديل أقدميته في كل من الدرجتين السادسة والخامسة إلى أول يوليه سنة 1947, ثم إلى أول يوليه سنة 1951, أسوة بزملائه الآخرين, وذلك مع صرف فروق الرواتب والعلاوات. وفي 11 من أكتوبر سنة 1953 تقدمت وزارة المواصلات بدفاعها فقالت إن المدعي عين بمصلحة البريد في وظيفة خارج الهيئة في 28 من يناير سنة 1913, ثم حصل على الدرجة الثامنة من أول أبريل سنة 1916, ثم رقي طبقاً لقواعد إنصاف المنسيين إلى الدرجة السابعة الشخصية اعتباراً من أول يوليه سنة 1943, ثم رقي إلى الدرجة السادسة في 19 من أبريل سنة 1949, ثم رقي إلى الدرجة الخامسة الشخصية من 19 من أبريل سنة 1953 بالتطبيق للمادة 40 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951, وأحيل أخيراً إلى المعاش في 7 من مايو سنة 1953 لبلوغه السن القانونية. ولما كان المدعي قد رقي بقرار إنصاف المنسيين إلى الدرجة السابعة الشخصية اعتباراً من أول يوليه سنة 1943, ولا يتم مدة الـ 35 سنة إلا في أول أبريل سنة 1951؛ لذلك يكون طلب اعتبار أقدميته في الدرجة السادسة من أول يوليه سنة 1947 على غير أساس؛ لأنه لا يكون قد أتم هذه المدة في ذلك التاريخ. وقالت الحكومة فضلاً عن ذلك إن الترقية بالتطبيق للفقرة هـ من البند العاشر من قواعد الإنصاف الصادر بها الكتاب الدوري رقم 234 - 1/ 302 في 13 من فبراير سنة 1944 مرهونة بوجود درجات خالية بحسب صريح النص, مما يجعل سبيل المدعي إلى شغل الدرجة الأعلى هو من قبيل إلغاء قرارات الترقيات إلى الدرجة السادسة التي تمت بعد أول يوليه سنة 1947, الأمر الذي لم يحدده المدعي في صحيفة افتتاح دعواه. ومتى انهار الطلب الأول للمدعي تنهار تبعاً له باقي طلباته ويتعين القضاء برفض الدعوى. وبجلسة 24 من مارس سنة 1954 قدم المدعي مذكرة بالتعقيب على دفاع الحكومة جاء فيها أنه علم أخيراً بعد رفع الدعوى أن هنالك قراراً صدر في 16 من فبراير سنة 1948 شمل ترقية كل من: باسيلي يوسف تادرس والسيد محمد عبد الغني وآخرين, وهم أحدث من المدعي في الخدمة, فمن حقه أن يطلب إلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من تركة في الترقية إلى الدرجة السادسة, ثم قال إن ما تقرره الحكومة في شأن مدة خدمته التي قضاها من سنة 1913 إلى سنة1916 غير صحيح؛ ذلك لأن تلك المدة احتسبت له في أقدمية الدرجة الثامنة وفقاً لكادر سنة 1921 باعتباره حاصلاً على الشهادة الابتدائية وذلك بالاستمارة رقم 134 ع. ح الموجودة بملف خدمته, كما وأن تلك المدة قد احتسبت له فعلاً في المعاش وتقرر استقطاع 36 م من مرتبه شهرياً مدى الحياة قيمة الـ 7.5% المقررة, وفي ذلك أقطع دليل على أن الحكومة احتسبت له بالفعل المدة من سنة 1913 إلى سنة 1916 بمثابة مدة خدمة دائمة؛ ومن ثم يكون دفاع الحكومة في هذا الشق غير سديد. ومتى تقرر ذلك وثبت حقه في طلب إلغاء القرار الصادر في 16 من فبراير سنة 1948 فيما تضمنه من تركة في الترقية إلى الدرجة السادسة كان من حقه أن يرقى إلى الدرجة الخامسة في سنة 1952 طبقاً لقواعد التيسير. وقال المدعي إنه علم أخيراً أن هنالك قراراً صدر في 16 من يونيه سنة 1952 بالترقية إلى الدرجة الخامسة شمل ثلاثة موظفين أحدث منه في الخدمة وهم: أحمد متولي خطاب وكامل منتصر ومحمود إبراهيم وجيه. وطبقاً لقواعد التيسير يستحق المدعي الترقية إلى أول درجة خالية باعتباره منسياً قضى أكثر من 35 سنة في ثلاث درجات, منها أكثر من أربع سنوات في الدرجة الأخيرة؛ إذ أن المدعي كان في ذلك التاريخ قد قضي حوالي أربعين عاماً في الدرجات الثامنة والسابعة والسادسة. وخلص المدعي إلى تعديل طلباته السابق ذكرها إلى طلب إلغاء قرار 16 من فبراير سنة 1948 فيما تضمنه من تركة في الترقية إلى الدرجة السادسة, وكذلك إلغاء قرار 16 من يونيه سنة 1952 فيما تضمنه من تركة في الترقية إلى الدرجة الخامسة, وما يترتب على ذلك من آثار في فروق المرتب والمعاش. وبجلسة 25 من نوفمبر سنة 1954 قدمت الحكومة صورة من القرار الوزاري رقم 1018 الصادر في 15 من فبراير سنة 1948 وصورة من القرار الوزاري رقم 709 الصادر في 28 من يونيه سنة 1952 المتضمنين حركتي الترقيات موضوع الطعن بالإلغاء. كما قدمت بعض كشوف الأقدميات وهي: (1) كشف تكميلي عن الدرجات السادسة التي خلت وشغلت اعتباراً من أول يوليه سنة 1947 لغاية 15 من فبراير سنة 1948, ولا يوجد بين أسماء الموظفين المذكورين بالكشف اسم المدعي. (2) كشف عن بيان عدد الدرجات السادسة التي خلت من 15 من فبراير سنة 1948 إلى 27 من يناير سنة 1950 وكيفية شغل هذه الدرجات وأقدمية المدعي في الدرجة السادسة وحالة كل موظف مذكور اسمه في الكشف, ويتضمن هذا الكشف أسماء 41 موظفاً جاء اسم المدعي فيه قرين رقم 32 في الترتيب. (3) كشف ببيان أسماء موظفي مصلحة البريد من الدرجة السابعة الشخصية الذين تتوافر فيهم شروط المنسيين وهي الـ 35 سنة في الخدمة وأربع سنوات في الدرجة الأخيرة, وذلك وقت صدور القرار رقم 1018 بتاريخ 15 من فبراير سنة 1948, وثابت أن ترتيب المدعي بينهم هو رقم 14. كما قدمت الحكومة مع هذه الكشوف ملف خدمة المدعي, وأودعت مذكرة جديدة بدفاعها قالت فيها: (أولاً) عن طلب إلغاء القرار رقم 1018, فليس للمدعي حق في ذلك؛ لأن هذا القرار صدر في 15 من فبراير سنة 1948, وكان ترتيب المدعي بين زملائه المنسيين الذين أمضوا في الخدمة 35 سنة وأربع سنوات في الدرجة الأخيرة هو الرابع عشر, على نحو ما هو ظاهر في الكشف المقدم بحافظة الحكومة. ومعنى ذلك أن الدور ما كان ليدركه في الترقية بين زمرة المنسيين. (ثانياً) أما عن طلب إلغاء القرار الثاني رقم 709 في 28 من يونيه سنة 1952 فليس للمدعي حق في ذلك أيضاً؛ لأن ترقية المدعي إلى الدرجة السادسة تمت فعلاً في 19 من أبريل سنة 1949 ولم يكن المدعي قد أمضى أربع سنوات يوم صدور القرار 709, فما كان يمكن النظر في ترقيته إلى الدرجة الخامسة في ذلك التاريخ. وقالت الحكومة إن من رقي إلى الدرجة الخامسة في هذا القرار (709) هم: يسى مرقص, وقد حصل على الدرجة السادسة في أول مايو سنة 1946 ويرجع تاريخ دخوله الخدمة إلى 3 من أغسطس سنة 1911, وتادرس جرجس, وترجع أقدميته في الدرجة السادسة إلى أول مايو سنة 1946 ودخل الخدمة في 15 من سبتمبر سنة 1911, وبطرس مجلي, وترجع أقدميته في الدرجة السادسة إلى أول مايو سنة 1946, وقد دخل الخدمة في 18 من ديسمبر سنة 1911. والذي يبين من مراجعة ملف خدمة المدعي أنه التحق بالخدمة في 28 من يناير سنة 1913. وقد سلمت الحكومة بذلك, وقالت إنه لم يكن الدور ليدركه في الترقية ضمن نسبة المنسيين في هذا القرار (709) بالتطبيق لقرارات مجلس الوزراء الصادرة سنة 1950. وانتهت الحكومة إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وبجلسة 31 من ديسمبر سنة 1955 عقب المدعي على دفاع الحكومة فقال إن القرار الوزاري رقم 1018 الصادر في 15 من فبراير سنة 1948 قد نص على نقل السادة عزيز سوريال وباسيلي يوسف تادرس والسيد محمد عبد الغني من الديوان العام بوزارة المواصلات إلى مصلحة البريد اعتباراً من تاريخ نفس القرار الذي نص في ذات الوقت ونفس التاريخ على ترقيتهم إلى الدرجة السادسة, وأضاف المدعي أن هذا القرار (رقم 1018) قد اشتمل أيضاً على ترقية موظف من موظفي مصلحة البريد وهو عبد العزيز أحمد الشيخ إلى الدرجة السادسة, وينعى المدعي على هذا القرار أنه جاء مشوباً بعيبين: (الأول) أن السادة سوريال وباسيلي وعبد الغني لم يكونوا حتى يوم صدور القرار من موظفي مصلحة البريد, بل كانوا من موظفي الديوان العام وهو وحدة مستقلة بذاتها في الميزانية, وقد أقحموا إقحاماً على مصلحة البريد التي هي وحدة أخرى مستقلة عن الأولى, وذلك لخطف ثلاث درجات سادسة كان المدعي أول مستحق لها باعتباره منسياً. (الثاني) أنه ليس من بين من رقوا فيه من هو أقدم منه في الخدمة والدرجة سوى عزيز سوريال وهو من المقحمين على مصلحة البريد, فخطف درجة مخصصة لقدامى موظفيها. ويقول المدعي إن ما تزعمه الحكومة, من أن ترتيبه في كشف أقدمية المنسيين في تاريخ صدور هذا القرار هو الرابع عشر وأن الدور لم يدركه في الترقية بالقرار المذكور, قول غير صحيح؛ لأنه يبين من الرجوع إلى الأسماء الواردة بالكشف المقدم من هذا الشأن أن الحكومة أوردت ضمنها أسماء السادة صبحي أندراوس وأنطون ميخائيل وحبيب غبريال وعبد العزيز عواد وحنين ميخائيل وأنطوان سلامة وعلي مصطفى عوض، وهؤلاء جميعاً صدرت لصالحهم أحكام من محكمة القضاء الإداري بأحقيتهم للترقية إلى الدرجة السادسة. ويقول المدعي إن بعض من ذكرت أسماؤهم في الكشف المذكور قد رقوا ترقية عادية وأحيلوا إلى المعاش, وكان يجب رفع أسماء هؤلاء وأولئك من كشف الأقدمية المقدم إلى المحكمة, وهو لا يعبر عن حقيقة الواقع, ولا عن ترتيب المدعي بين المنسيين في 15 من فبراير سنة 1948 تاريخ صدور القرار المطعون فيه بالإلغاء. وخلص المدعي إلى طلب الحكم بإلغاء القرارين المطعون فيهما بالإلغاء مع ما يترتب على ذلك من آثار. وفي 23 من مارس سنة 1955 صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة, وبالتطبيق للمادة 13 منه قضت محكمة القضاء الإداري بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات لاختصاصها بالفصل فيها. وقد دفعت مصلحة البريد أمام المحكمة الإدارية بعدم قبول هذه الدعوى تأسيساً على أن محكمة القضاء الإداري سبق أن قضت بجلسة 3 من مايو سنة 1950 في الدعوى رقم 121 لسنة 3 ق المقامة من السيد/ كمال فوزي ضد وزارة المواصلات ومصلحة البريد بإلغاء القرار الوزاري رقم 1018 الصادر في 15 من فبراير سنة 1948 فيما تضمنه من شغل الدرجات السادسة؛ ومن ثم تصبح الدعوى المعروضة على المحكمة غير ذات موضوع, وأما عن الطلب الثاني للمدعي, وهو إلغاء القرار رقم 709 الصادر في 28 من يونيه سنة 1952, فهو أيضاً غير مقبول شكلاً لرفع الدعوى في شأنه بعد انقضاء الميعاد القانوني. وقدم المدعي مذكرة ختامية يرد فيها على دفع الحكومة بعدم قبول الدعوى قال فيها إن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 3 من مايو سنة 1950 قضى بإلغاء القرار رقم 1018 فيما تضمنه من شغل الدرجات السادسة التنسيفية بترقية موظفين لم يكونوا من عداد موظفي مصلحة البريد. ولما كان هذا القرار يشمل ترقية أربعة موظفين, منهم ثلاثة من غير موظفي المصلحة والرابع وهو عبد العزيز أحمد الشيخ هو من موظفي المصلحة, فإن القرار الملغي بحكم محكمة القضاء الإداري في 3 من مايو سنة 1950 يظل رغم إلغاءه قائماً بالنسبة للموظف الرابع, ولما كان المدعي أقدم منه في الخدمة, وليس عبد العزيز أحمد الشيخ من الموظفين المنسيين, فإن المدعي يطعن في القرار رقم 1018 بالإلغاء من جديد فيما تضمنه من تخطيه في الترقية, وأن المدعي في كشف الأقدمية هو أقدم من في المصلحة. وقال المدعي عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد إنه لم يعلم بالقرارين 1018 و709 إلا خلال نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري, وعلم بذلك من واقع المستندات المقدمة من الحكومة, خصوصاً وأن الحكومة كانت قد رقته فعلاً إلى الدرجة السادسة في 19 من أبريل سنة 1949, وإلى الدرجة الخامسة بعد ذلك بأربع سنوات في 19 من أبريل سنة 1953. وبجلسة 26 من نوفمبر سنة 1956 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات "بعدم قبول الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات". وأسست قضاءها على أن طلب المدعي إلغاء القرار رقم 1018 الصادر في 15 من فبراير سنة 1948 غير مقبول لسابقة إلغائه إلغاءً مجرداً بالحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 3 ق في 3 من مايو سنة 1950 وذلك لانتفاء مصلحة المدعي في إلغائه من جديد, أما عن طلبه إلغاء القرار الثاني رقم 709 الصادر في 28 من يونيه سنة 1952 فقالت المحكمة إن هذا الطلب يترتب على الطلب الأول, ولا ينشأ للمدعي الحق فيه إلا بثبوت حقه في الطلب الأول, فما هو إلا أثر من آثاره ويدور معه وجوداً وعدماً, وعلى أساس هذا النظر تتغاضى المحكمة عن مواعيد دعوى الإلغاء بالنسبة للقرار الثاني فإنه على أية حال يسقط موضوعاً بالحكم بعدم قبول الطلب الأول.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الترقية بموجب قواعد إنصاف المنسيين في قرار 30 من يناير سنة 1944 هي حسبما استقرت عليه أحكام محكمة القضاء الإداري ترقية حتمية غير مقيدة بنسبة معينة, وحكمة ذلك أن الموظفين من أمثال المدعي الذين رقوا بقرار إنصاف المنسيين في أول يوليه سنة 1943 ومضت على آخر ترقية لهم أربع سنوات وبلغت مدة خدمتهم خمساً وثلاثين سنة قد قاربوا سن التقاعد وضاقت أمامهم فرص الترقي, فرأى أن من الواجب إعطاءهم أولوية وامتيازاً على غيرهم من الموظفين في الترقية ولو لم يكن قد حل دورهم لتكون الترقية إسعافاً لهم, وذلك تحسيناً لحالتهم قبل تركهم الخدمة. وإذا كان الثابت من ملف المدعي أنه دخل الخدمة سنة 1913 وحصل على الدرجة السابعة منسياً في أول يوليه سنة 1943, فإنه بذلك يكون قد قضى حتى 15 من فبراير سنة 1948 خمسة وثلاثين عاماً منها أكثر من أربع سنوات في الدرجة الأخيرة, وكانت الدرجات الخالية خلال هذا العام حسبما كشفت عنه مكاتبات الإدارة في الدعاوى المضمومة تتسع لترقية المدعي, فإنه يكون مستحقاً للترقية كمنسي في إحداها سواء كانت إحدى الدرجات التي شملها لقرار المطعون فيه أو غيرها بمجرد استيفائه الشروط المقررة, أما عن طلب المدعي ترقيته تيسيراً إلى الدرجة الخامسة فإنه متى استحق الترقية لقضائه 35 سنة في الخدمة وأربع سنوات في الدرجة الأخيرة طبقاً لقواعد إنصاف المنسيين على نحو ما تقدم, فإنه لا يجوز له تنفيذاً لقواعد التيسير الانتفاع بأحكامها. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه, فيما قضى به من عدم قبول الطلب الأول, مذهباً مخالفاً, فإنه يكون قد خالف القانون متعيناً الطعن فيه بالإلغاء, والقضاء باستحقاق المدعي للترقية إلى الدرجة السادسة كمنسي اعتباراً من 15 فبراير سنة 1948, مع ما يترتب على ذلك من آثار, ورفض طلب إلغاء القرار الثاني رقم 709 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة, مع إلزام الطرفين مناصفة بالمصروفات.
( أ ) عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجرداً:
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، وإن أصاب في تكييف الدعوى بأنها طعن بالإلغاء في القرار رقم 1018 الصادر في 15 من فبراير سنة 1948 و709 الصادر في 28 من يونيه سنة 1952 بترقية بعض موظفي مصلحة البريد إلى الدرجتين السادسة والخامسة وذلك فيما تضمناه من ترك المدعي في الترقية بوصفه منسياً إلى الدرجتين المذكورتين, إلا أنه أخطأ في قضائه بعدم جواز نظر الدعوى بمقولة إن محكمة القضاء الإداري سبق أن قضت بجلسة 3 من مايو سنة 1950 في الدعوى رقم 121 لسنة 3 ق المقامة من السيد/ كمال فوزي ضد وزارة المواصلات ومصلحة البريد بإلغاء القرار الوزاري رقم 1018 فيما تضمنه من شغل الدرجات السادسة؛ ذلك أنه بالاطلاع على ملف الدعوى المذكورة تبين أن المدعي فيها أقام دعواه في 30 من نوفمبر سنة 1948, وقال إنه في الدرجة السابعة بمصلحة البريد منذ أول مايو سنة 1943, ولما صدر مشروع التنسيق عام 1947 أصابت منه المصلحة عدة درجات سادسة وزعت بين الأقدمية المطلقة وبين الاختيار للكفاية الممتازة طبقاً للنسبة المقررة لكل منهما, فخص الاختيار للكفاية الممتازة تسع عشرة درجة, وكان يؤمل أن يظفر بالترقية إلى إحدى هذه الدرجات المخصصة للاختيار نظراً لكفايته وامتيازه, غير أن وزير المواصلات أصدر خمسة قرارات متتالية بالترقية إلى الدرجات المذكورة متخطياً إياه رغم توافر جميع شروط الترقية لديه، مخالفاً بذلك قواعد التنسيق التي اختطها كتاب وزارة المالية الدوري في شأن ترقيات التنسيق التي توجب قصر الإفادة من درجات التنسيق في كل مصلحة على موظفيها الموجودين بها حتى يوم 30 من يوليه سنة 1947, والتي لا تجيز الترقية بالتيسير إلا عند عدم وجود من يكون قد أمضى المدة القانونية المقررة للترقية وبشط عدم تخطي من هو أقدم في الدرجة. وأوضح المدعي في تلك الدعوى أن وزير المواصلات أصدر قراراً برقم 360 في 31 من أغسطس سنة 1947, اشتمل على نقل بعض الموظفين من الديوان العام إلى مصلحة البريد، وترقيتم على ثلاث درجات سادسة من الدرجات المخصصة لموظفي مصلحة البريد. ثم أصدر الوزير قراراً ثانياً برقم 483 في 30 من سبتمبر سنة 1947, اشتمل على نقل موظفين اثنين من الديوان العام إلى مصلحة البريد, وترقيتهما تيسيراً على درجتين من الدرجات السادسة المخصصة لموظفي مصلحة البريد, ثم نقلهما في نفس الوقت إلى وزارة الشئون الاجتماعية. ثم أصدر قراراً ثالثاً برقم 812 في 17 من ديسمبر سنة 1947, ثم قراراً رابعاً برقم 577 في 20 من أكتوبر سنة 1947, جرياً على نفس السياسة التي اتبعها. وأخيراً أصدر الوزير قراراً خامساً برقم 1018 في 15 من فبراير سنة 1948 اشتمل على نقل كل من عزيز سوريال وباسيلي يوسف تادرس والسيد محمد عبد الغني من الديوان العام إلى مصلحة البريد، وترقيتهم على ثلاث درجات سادسة من الدرجات التي خصصت لموظفي مصلحة البريد, ثم ندبهم فوراً للعمل في الديوان العام كما كانوا من قبل (وهذا القرار الأخير هو موضوع المنازعة الحالية محل هذا الطعن). وانتهى المدعي (كمال فوزي) إلى طلب إلغاء القرارات الخمسة السالف بيانها واعتبارها كأن لم تكن, وأحقيته هو في الترقية إلى الدرجة السادسة اعتباراً من أول مايو سنة 1947. وقال الدفاع عن الحكومة إن مصلحة البريد قد أصابها في التنسيق 189 درجة سادسة وزعت بين الأقدمية المطلقة وبين الاختيار للكفاية الممتازة طبقاً للنسبة المقررة لكل منهما, فخص الأقدمية 170 درجة روعيت الأقدمية المطلقة في الترقية إليها, وخص الاختيار للكفاية الممتازة 19 درجة, ولم يقع الاختيار على المدعي لوجود من هو أفضل منه. وبجلسة 3 من مايو سنة 1950 أصدرت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية) حكمها في تلك الدعوى "بإلغاء القرارات الصادرة من وزير المواصلات العمومية في 31 من أغسطس سنة 1947 برقم 360 وفي 30 من سبتمبر سنة 1947 برقم 483 وفي 15 من فبراير سنة 1948 برقم 1018 فيما تضمنته من شغل الدرجات السادسة التنسيقية بترقية موظفين لم يكونوا من عداد موظفي مصلحة البريد وما يترتب على ذلك من حرمان هؤلاء من الإفادة من التنسيق, وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها في تلك الدعوى على أن المدعي (كمال فوزي) ينعي على القرارات السالفة الذكر ومن بينها القرار رقم 1018 لسنة 1948 أنها اشتملت على نقل بعض الموظفين - ومن بينهم سوريال وباسيلي وعبد الغني - من الديوان العام إلى مصلحة البريد وترقيتهم في الوقت ذاته على الدرجات السادسة المخصصة في التنسيق لموظفي مصلحة البريد. ثم قالت المحكمة إنه قد بان لها من الاطلاع على صور القرارات المشار إليها صحة ذلك, وهو أمر قد حظرته قواعد التنسيق التي تضمنها كتاب وزارة المالية الدوري رقم ف 234 - 2/ 17 في 30 من يوليه سنة 1947؛ إذ نصت الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من تلك القواعد على أن تكون الترقية لدرجات التنسيق مقصورة على الموظفين والمستخدمين الموجودين في الخدمة وقت صدور القانون رقم 122 لسنة 1947 الخاص بالتنسيق, وهذا النص قد جاء من العموم والإطلاق بحيث يشمل الدرجات المخصصة للأقدمية المطلقة والدرجات المخصصة للاختيار للكفاية الممتازة على حد سواء, وإذ كانت القرارات الثلاثة السالف ذكرها لم تراع هذه القاعدة وشملت بالترقية إلى الدرجات السادسة المخصصة في التنسيق لمصلحة البريد موظفين نقلوا إليها بعد 30 من يوليه سنة 1947, فإنها تكون قد جاءت مخالفة للقانون متعيناً إلغاؤها في هذا الخصوص. وقالت محكمة القضاء الإداري في أسبابها إنها لا يفوتها في هذا المقام أن تنوه بأن إلغاء القرارات المشار إليها لا يلزم جهة الإدارة بترقية المدعي (كمال فوزي) حتماً, وإنما تؤدي فقط إلى وجوب إعمال الاختيار بين موظفي مصلحة البريد وحدهم الذين كانوا موجودين في خدمتها منذ 30 من يوليه سنة 1947, ومنهم كمال فوزي.
ومن حيث إنه ولئن كانت حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء, وفقاً لحكم المادة 9 من القانون رقم 9 لسنة 1949 التي رددتها المادة 17 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة التي تنص على أنه "تسري في شأن الأحكام جميعها القواعد الخاصة بقوة الشيء المقضي به, على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة", هي حجية عينية كنتيجة طبعية لإعدام القرار الإداري في دعوى هي في حقيقتها اختصام له في ذاته, إلا أن مدى الإلغاء يختلف بحسب الأحوال؛ فقد يكون شاملاً لجميع أجزاء القرار، وهذا هو الإلغاء الكامل, وقد يقتصر الإلغاء على جزء منه دون باقية, وهذا هو الإلغاء الجزئي؛ كأن يجري الحكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية, أو يجري الحكم "بإلغاء القرارات الصادرة من وزير المواصلات العمومية فيما تضمنته من شغل الدرجات السادسة التنسيقية بترقية موظفين لم يكونوا من عداد موظفي مصلحة البريد". وغني عن البيان أن مدى الإلغاء يتحدد بطلبات الخصوم وما تنتهي إليه المحكمة في قضاءها. فإذا تبين لها مثلاً من الاطلاع على القرار الوزاري رقم 1018 الصادر في 15 من فبراير سنة 1948 أنه صدر على النحو الآتي: (أولاً) اعتباراً من اليوم السادس عشر من شهر فبراير سنة 1948 ينقل مستخدمو الديوان العام لوزارة المواصلات المبينة حالة كل منهم فيما يلي:
1 - عزيز سوريال, سابعة شخصية. 2 - باسيلي يوسف تادرس, سابعة شخصية. 3 - السيد محمد عبد الغني, سابعة شخصية. (ثانياً) اعتباراً من نفس التاريخ يرقى كل من موظفي البريد الآتية أسماؤهم إلى الدرجة المبينة أمام كل منهم, وذلك طبقاً للبيان الآتي: 1 - محمد محمد أبو شادي من السادسة إلى الخامسة. 2 - عبد العزيز أحمد الشيخ من السابعة إلى السادسة. 3 - عزيز سوريال من السابعة الشخصية إلى السادسة. 4 - باسيلي يوسف تادرس من السابعة الشخصية إلى السادسة. 5 - السيد محمد عبد الغني من السابعة الشخصية إلى السادسة. (ثالثاً) اعتباراً من نفس التاريخ يندب كل من عزيز سوريال وباسيلي تادرس ويوسف والسيد محمد عبد الغني إلى العمل بالديوان العام بالوزارة" - إذ تبين للمحكمة ذلك, فإنه يكون من الواضح أن الإلغاء المقضي به بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 121 لسنة 3 ق بإلغاء القرار رقم 1018 لا يمكن أن ينصرف إلا إلى ترقية الموظفين الثلاثة الذين لم يكونوا من عداد موظفي مصلحة البريد وحدهم دون أن يمس حكم الإلغاء من شملهم القرار بالترقية من موظفي مصلحة البريد؛ فترقية عبد العزيز أحمد الشيخ, الذي هو موظف أصيل في خدمة مصلحة البريد منذ التحاقه بها في 9 من مارس سنة 1922, إلى الدرجة السادسة بقرار 1018 في 15 من فبراير سنة 1948, تظل - رغم الإلغاء، الصادر بجلسة 3 من مايو سنة 1950 - باقية لم يمسسها حكم الإلغاء وتظل المصلحة قائمة في الطعن فيه لمن لهم مصلحة في ذلك من موظفي البريد؛ ومن ثم يكون المطعون لصالحه في هذا الطعن (جورجي نجيب حنا) في حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه رقم 1018 من شأنها أن تجعله مؤثراً تأثيراً مباشراً في مصلحة شخصية له. ويكون الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بجلسة 26 من نوفمبر سنة 1956 بعدم قبول الدعوى لسابقة إلغاء القرار المطعون فيه إلغاءً مجرداً بالحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 3 ق قد جاء مخالفاً لمبدأ حجية الحكم بالإلغاء حقيقاً بإلغائه, والقضاء بجواز نظر الدعوى.
ومن حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الكشف المقدم من مصلحة البريد في 23 من نوفمبر سنة 1954 بناء على طلب محكمة القضاء الإداري ببيان موظفي مصلحة البريد من الدرجة السابعة الشخصية الذين تتوافر فيهم شروط المنسيين وهي 35 سنة في الخدمة وأربع سنين في الدرجة الأخيرة, وذلك وقت صدور القرار رقم 1018 في 15 من فبراير سنة 1948 وترتيب المدعي بينهم, فقد ثبت أن عددهم بلغ 14 موظفاً منسياً, وقد جاء ترتيب أسمائهم بالكشف المذكور بحسب تاريخ دخول كل منهم خدمة المصلحة, وأولهم محمد علي حسن دخل الخدمة في أول ديسمبر سنة 1904, وثانيهم صبحي أندراوس دخل الخدمة في أول أبريل سنة 1907, وثالثهم أنطوان ميخائيل دخل الخدمة في 7 من يونيه سنة 1909, ورابعهم غالي عبد الشهيد في أول فبراير سنة 1910, ثم حبيب غبريال في 15 من فبراير سنة 1910, وهكذا تضمن الكشف أسماءهم تدريجياً إلى أن ظهر اسم المطعون لصالحه في آخر القائمة قرين الرقم 14 ومؤشراً أمامه أنه دخل الخدمة في 28 من يناير سنة 1913. وظاهر أن جميع من سبقوه من المنسيين في الكشف المذكور قد التحقوا بخدمة مصلحة البريد في تواريخ متفاوتة, ولكنها سابقة على تاريخ التحاقه هو بخدمة المصلحة.
ومن حيث إن الفقرة هـ من البند رابعاً تحت رقم 10 الخاص بالمنسيين من الكتاب الدوري الصادر من وزارة المالية في شأن القواعد التي تتبع تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 فيما يتعلق بإنصاف بعض طوائف الموظفين والمستخدمين وعمال اليومية والخدمة الخارجين عن هيئة العمال, وهو الكتاب الصادر من وزارة المالية في 13 من فبراير سنة 1944 رقم 234 - 1/ 302 تنص على أنه "تمنح علاوة لكل من قضى 30 سنة في درجتين متتاليتين, ولو لم يتم في هذه الأخيرة منهما 15 سنة, مع سريان هذا على من رقى قبل أول يوليه سنة 1943. والموظف الذي رقي بقرار إنصاف المنسيين يرقى إلى درجة أعلى عند خلوها إذا ما بلغت مدة خدمته 35 سنة بشرط أن تكون مضت على آخر ترقية مدة لا تقل عن 4 سنوات, ولا يتمتع بقرار إنصاف المنسيين من ارتفعت درجته بمقتضى القواعد المبينة في هذا القرار الدوري, على أن الموظفين والمستخدمين الذين لا يستفيدون من التسويات المتقدمة بزيادة في ماهياتهم وتعديل في أقدميتهم يطبق عليهم قواعد إنصاف المنسيين (القواعد المبينة في هذه الفقرة رقم 10 تحل محل أحكام الكتابين الدوريين رقم ف 234 - 5/ 37 الصادرين في أول سبتمبر سنة 1943 و23 من يناير سنة 1944)", وجاء في كتاب وزارة المالية رقم 20/ 1/ 118 في 9 من فبراير سنة 1949 إلى سكرتير مالي وزارة الحربية "أن ما جاء بالفقرة هـ من البند العاشر من الكتاب الدوري رقم ف 234/ 1/ 302 في 13 من فبراير سنة 1944، والتي تنص على أن "الموظف الذي رقي بقرار إنصاف المنسيين يرقى إلى درجة أعلى عند خلوها إذا ما بلغت مدة خدمته 35 سنة بشرط أن يكون قد مضى على آخر ترقية مدة لا تقل عن أربع سنوات" - يلزم ترقية الموظف المنطبقة عليه هذه الشروط, وتكون الترقية في هذه الحالة في حدود سدس الدرجات". ويستفاد من أحكام هذه القواعد أنه لا يحق للمطعون لصالحه أن يطالب بترقيته منسياً إلى الدرجة السادسة في القرار رقم 1018 الصادر في 15 من فبراير سنة 1948 إلا إذا سمحت أقدميته بين رفاقه المنسيين في حكم الفقرة هـ من كتاب المالية الصادر في 13 من فبراير سنة 1944 بترقيته في سدس الدرجات الخالية من الدرجات السادسة. ومتى كان الثابت أن ترتيب المطعون لصالحه في كشف أقدمية زملائه المنسيين حتى تاريخ صدور القرار رقم 1018 هو الأخير, ويتقدمه في هذا المجال ثلاثة عشر موظفاً منسياً كل منهم أحق منه بالترقية على هذا الأساس وفي حدود النسبة المقررة في القواعد التنظيمية السالف الإشارة إليها, وكان الظاهر من الأوراق والملفات التي قررت محكمة القضاء الإداري ضمها إلى هذه الدعوى أن جميع عدد الدرجات السادسة التي خلت بمصلحة البريد من أول يوليه سنة 1947 حتى 4 من يوليه سنة 1949 قد بلغ 61 درجة يخص المنسيين منها سدس النصف أي خمس أو ست درجات على أكثر تقدير؛ ذلك لأن قواعد الإنصاف قد أوصت بتخصيص نصف الدرجات السادسة الإدارية الخالية للتعيين المباشر من الجامعيين ومن إليهم والنصف الآخر لترقية غيرهم, ومع التسليم جدلاً بإفراز السدس من كل من هذه الخلوات وتخصيصه للمنسيين - متى كان الثابت هو ما تقدم, فإن الدور على أحسن تقدير لا يمكن أن يصل إلى المطعون لصالحه, وقد جاء ترتيبه الطبعي بين المنسيين تحت رقم 14 من كشف الأقدمية. هذا وقد رقي المطعون لصالحه بالفعل إلى الدرجة السادسة في 19 من أبريل سنة 1949, ثم رقي إلى الدرجة الخامسة بعد ذلك بأربع سنوات في 19 من أبريل سنة 1953, وأحيل إلى المعاش لبلوغه سن التقاعد في 7 من مايو سنة 1953. وتكون الدعوى غير قائمة على أساس سليم من القانون. وإذا ذهب الطعن غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ فهم القانون وتأويله متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبجواز نظر الدعوى, وبرفضها موضوعاً, وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق