الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 19 يوليو 2023

الطعن 995 لسنة 13 ق جلسة 14 / 12 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 17 ص 131

جلسة 14 من ديسمبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

-----------------

(17)

القضية رقم 995 لسنة 13 القضائية

عامل - عامل بالقطاع العام "تأديبه". 

صدور عبارات شائنة منه بقصد النيل من رؤسائه - مخالفة تأديبية - لا حجة في القول بأن هذه العبارات صدرت في اجتماع سياسي بالشركة فلم يكن خلاله قائماً بأعمال وظيفته - أساس ذلك.

-------------------
إن العبارات التي صدرت من المطعون ضده شائنة بذاتها وتحمل معنى الإهانة بحيث لا تترك مجالاً لافتراض حسن النية بل تقطع بأنه قصد بها النيل من اثنين من رؤسائه والتشهير بهما والحط من قدرهما أثناء مناقشة موضوعات تدخل في صميم اختصاصهما باعتبارهما من مديري الشركة وذلك في اجتماع ضم كثيراً من العاملين فيها - وهي عبارات لم يكن المقام يقتضيها ولا يبررها قول المطعون ضده إنها كانت وليدة لحظة انفعال بعد مهاجمة السيد/..... لقسم الصيانة إذ أن ما أدلى به هذا الأخير أثناء الاجتماع قد خلا من أي استفزاز أو تعد - ومسلك المطعون ضده على الوجه السابق بيانه ينطوي على خروج عما تقتضيه وظيفته من احترام لرؤسائه وتوقيرهم.
ولا حجة في قوله إن الاجتماع كان سياسياً وأنه لم يكن خلاله قائماً بأعمال وظيفته بل كان يباشر حقوقه السياسية متحرراً من السلطة الرئاسية وعلاقة العمل - لا حجة في ذلك إذ فضلاً عن أن واجب كل من يشترك في اجتماع أن يتجنب الألفاظ الجارحة وأن يصون لسانه عما فيه تشهير بغيره وإهانة له دون مقتض - فإن الاجتماع سالف الذكر قد انعقد بدعوة من رئيس مجلس الإدارة والتقى فيه أعضاء مجلس الإدارة وكثير من مديري الشركة بأعضاء لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية للعاملين بالشركة وكان الغرض من انعقاده مناقشة ما أنجزته الشركة وما هو منوط بها في الخطة المقبلة - وبذلك كان الموضوع المطروح للبحث هو عمل الشركة وإنتاجها وما قد يقتضيه ذلك من التعرض لمسئولية واختصاصات القائمين على إدارتها والمنفذين لأوجه نشاطها - وأنه ولئن كان لكل من المشتركين في هذا الاجتماع أن يبدي رأيه بحرية وصراحة تامة وأن يتناول بالنقد ما يراه جديراً بذلك من أعمال الشركة أياً كان المسئول عنه - وأن يقترح ما يراه كفيلاً بعلاج ما فيها من عيوب - إلا أنه ليس له أن يجاوز ذلك إلى الطعن والتجريح والتطاول دون مقتض على الزملاء والرؤساء وإلا أصبح مثل هذا الاجتماع مجالاً للنيل من الرؤساء والتشهير بهم والحط من كرامتهم الأمر الذي لا يتفق مع المصلحة العامة وما تقتضيه من قيام الثقة والتعاون بين العاملين رؤساء ومرؤوسين - بل ومن شأنه أن يفوت الغرض الذي من أجله عقد الاجتماع.
لذلك فإن وقوع المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده أثناء الاجتماع سالف الذكر - وهو حسبما سبق البيان اجتماع وثيق الصلة بأعمال الشركة وباختصاصات العاملين فيها ومسئولياتهم - ليس من شأنه إعفاؤه من المسئولية عما بدر منه من عبارات غير لائقة تنطوي على خروج على مقتضيات وظيفته على وجه يستوجب مؤاخذته تأديبياً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بتاريخ 15 من أكتوبر سنة 1966 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة العاملين بوزارة الصناعة أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجل تلك المحكمة برقم 19 لسنة 9 القضائية وكذلك تقرير اتهام ضد السيد/ أحمد بسطاوي علي - رئيس إدارة صيانة الطلمبات بشركة النصر للبترول متضمناً اتهامه بأنه في 12 من يوليه سنة 1966 بشركة النصر للبترول بدائرة محافظة السويس خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن وجه للسيدين محمود حامد الحفناوي مدير عام الشئون الفنية وأحمد نور الدين أحمد مدير قطاع العمليات بالشركة بعض العبارات الغير لائقة خلال اجتماع مجلس إدارة الشركة بأعضاء لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية بالشركة وذلك على النحو الموضح بالتحقيقات وبذلك يكون ارتكب المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادة 53 من القرار الجمهوري رقم 3546 لسنة 1962 - وطلبت النيابة الإدارية محاكمته بالمادة سالفة الذكر وتطبيقاً للمواد 2/ 3، 5، 6 من القانون رقم 19 لسنة 1959 و14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 - وبسطت النيابة الإدارية الوقائع في مذكرتها المرافقة لتقرير الاتهام وهي تتحصل في أنه بتاريخ 11 من يوليه سنة 1966 اجتمع رئيس مجلس إدارة شركة النصر للبترول مع أعضاء مجلس الإدارة ولجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي - وعلى أثر ما عرضه السيد/ محمود حامد الحفناوي مدير عام الشئون الفنية لما حققته الشركة خلال عام 65/ 1966 من زيادة في الإنتاج رد على ذلك السيد أحمد بسطاوي رئيس إدارة صيانة الطلمبات بما مفاده أن إدارة العمليات تقوم في سبيل تحقيقها للخطة - بتشغيل الأجهزة والمعدات بأكثر من طاقتها المصممة عليها - فرد عليه المدير العام نافياً ذلك - واستدعى رئيس مجلس الإدارة السيد/ أحمد نور الدين مدير العمليات المختص بهذا الموضوع للاجتماع حيث أعيدت المناقشة فنفى ما جاء بأقوال السيد/ أحمد بسطاوي مقرراً أن إصلاح الطلمبات لم يعد يتم على الوجه المرغوب وعزا ذلك إلى عدة أسباب منها عدم توافر قطع الغيار وأن المختصين بالإصلاح حالياً تنقصهم الخبرة والتدريب لأن ذوي الخبرة العملية العالية منهم أبعدوا عن العمل نتيجة لترقيتهم حيث تركت العمليات الهامة لعمال محدودي الخبرة والتمرين - فما كان من السيد/ أحمد بسطاوي إلا أن وصف كلاً من السيد/ محمود الحفناوي مدير عام الشركة والسيد/ أحمد نور الدين بالكذب كما وجه بعض العبارات الغير لائقة والجارحة إلى الأول - فغادرا مقر الاجتماع.
وأودع المتهم حافظة بمستنداته ومذكرة بدفاعه انتهى فيها إلى طلب الحكم ببراءته.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه ببراءة المتهم على أن الثابت أن الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس الإدارة كان مع لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية بالشركة لمناقشة ما تم من أعمال وما هو موكل إلى الشركة من مشروعات في الخطة الثانية ولإبراز المشاكل والصعاب التي تعترض العاملين بالشركة - وأن الاجتماع بهذه الصورة يعد في المقام الأول اجتماعاً سياسياً وليس وظيفياً فانتفت الصفة الوظيفية عن المشتركين فيه لتبرز صفتهم السياسية باعتبارهم أعضاء في لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية - إذ أن الغاية من الاجتماعات السياسية لا يمكن أن تتحقق إلا بممارسة الموجودين في الاجتماع لحقهم المشروع في القول والفكر وإبداء وجهات النظر دون التقيد بالرابطة التقليدية الوظيفية بين الأعضاء بحكم مراكزهم في الشركة أو التقيد بأي قيد آخر إلا تحقيق الصالح العام والتنزه عن الأغراض الشخصية - ومتى انتفت الصفة الوظيفية عن الاجتماع الذي حدث فيه التعدي يبقى النظر في الأقوال التي بدرت من المتهم وهل تعتبر من قبيل الأفعال التي تمس ما يجب أن يتحلى به العامل سواء خارج الوظيفة أو داخلها من احترام للذات وللأخلاق والعرف العام والمعلوم أن الاجتماعات السياسية تصطبغ مناقشاتها بالحدة مما يعرض المتناقشين لزلات اللسان ولذلك تنص الدساتير على عدم مسئولية أعضاء البرلمان عما يبدر منهم أثناء انعقاد الجلسات فإذا نعت المتهم المدير العام للشئون الفنية ومدير العمليات بالشركة بالكذب أو الانحراف فإن هذا القول من جانبه وبمراعاة الظروف التي قيل فيها لا يعد انتهاكاً للعرف العام والواضح من وقائع الحال أن المتهم لم يكن يقصد إهانة المعتدى عليهما وإنما كان يقصد التدليل على عدم صحة البيانات التي أدلى بها كل منهما فلا تشكل الواقعة المنسوبة إليه مخالفة تأديبية يمكن محاسبته عنها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المحكمة التأديبية قد أخطأت إذ اعتبرت الاجتماع الذي تعدى فيه المطعون ضده على مدير عام الشئون الفنية ومدير قطاع العمليات بالشركة اجتماعاً سياسياً وليس وظيفياً ذلك أن الاجتماع قد تم في مقر الشركة ومن أشخاص يشترط فيهم لحضوره أن يكونوا أصلاً موظفين في الشركة ولولا هذه الصفة لما جاز انتخابهم في لجنة العشرين ولا في اللجنة النقابية وكان الموضوع المطروح للبحث هو عمل الشركة وإنتاجها وهو أمر متعلق بصميم عملهم وصفتهم كموظفين ومن ثم يجب مراعاة الحدود العامة لمسئولية الموظف في علاقته بزملائه ورؤسائه لأن هذه الحدود لم تشرع لحماية شخص الموظف والرئيس بقدر ما شرعت لحماية المصلحة العامة التي يمثلها والتي تهدر عند التعدي عليه بصورة خارجة عن الحدود العامة لحق الشكوى والمناقشة الموضوعية القائمة على التزام الحقيقة دون قذف أو تجريح - أما ما ذهبت إليه المحكمة من أن الموظف في هذا الاجتماع يخلع صفة الموظف ويتحول إلى عضو في برلمان صغير يكتسب حصانة تعطيه حق القذف فغير مقبول إذ فضلاً عن عدم صحة التصوير الذي ذهبت إليه المحكمة فإن الاجتماع لم يكن بحكم القانون بل كان اجتماعاً استشارياً دعا إليه رئيس مجلس إدارة الشركة للتشاور والاسترشاد بآراء العاملين حول شئون متعلقة بالعمل دون أن تكون هناك قوة إلزامية للآراء التي تبدى لأن الأمر مرجعه إلى مجلس الإدارة ورئيسه - وقد صدرت من المتهم ألفاظ تشكل بطبيعتها قذفاً حتى خارج نطاق الوظيفة إذ أنها تخالف السلوك العام الواجب ولا تحمل حسن النية بل وليس مما يقبل حتى في مجال الاجتماعات السياسية أن ينعت الشخص بصفات تدل على الخيانة الوطنية - فتكون الواقعة المنسوبة إلى المطعون ضده مخالفة تأديبية وتكون المحكمة إذ قضت ببراءته رغم ذلك قد أخطأت في تطبيق القانون.
ومن حيث إن المطعون ضده قد عقب على الطعن بمذكرة قال فيها إن الاتهام المنسوب إليه قد تركز على كونه قد خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته وذلك يقتضي أن تكون هناك أعمال وظيفية يقوم بها وأن يكون هناك خروج على مقتضى الواجب أثناء قيامه بالأعمال المذكورة وكلا الأمرين غير متوافرين إذ أنه لم يكن قائماً بأي عمل من أعمال الوظيفة بل كان يباشر حقوقه السياسية كمواطن وعضو لجنة عشرين بالاتحاد الاشتراكي في الشركة متحرراً من السلطة الرئاسية وعلاقة العمل فإن زلة لسان تقع من أحد الموجودين في الاجتماع المشار إليه فضلاً عن كونها غير مقصودة لا يمكن أن تعتبر اعتداء من مرؤوس على رئيسه يستوجب المؤاخذة - وإذا كان قد خانه التعبير في اختيار اللفظ المناسب بسبب حماسه فإن الاجتماعات السياسية عموماً طابعها الحماس والدفاع عن الصالح العام وأية زلات يغفرها الغرض الاسمى الذي من أجله عقد الاجتماع وهو محاسبة كل رئيس عن الأعمال التي يشرف عليها - وأشار المطعون ضده إلى كفاحه الطويل في النشاط النقابي وفي دائرة العمل بالشركة وذكر أنه عندما وقف ليتكلم في الاجتماع كان يقصد التنبيه إلى خطورة تحميل وسائل الإنتاج أكثر من طاقتها حرصاً على مصلحة الإنتاج في الشركة مستقبلاً وكان تحت يده الأدلة التي أودع جزءاً منها في حافظة مستنداته المقدمة للمحكمة التأديبية كما أشار إلى تحامل وتحيز بعض الرؤساء ضده لأسباب شخصية وإلى محاولة الشهود إلصاق تهم كيدية به - وقال إنه بسبب الخلافات بينه وبين السيد/ الحفناوي سعى المذكور إلى نقله من الشركة ونقل فعلاً إلى شركة بترول خليج السويس اعتباراً من 12 من إبريل سنة 1967 ونفذ قرار النقل - وبنقله أصبح من غير المجدي الاستمرار في محاكمته عن وقائع نسبت إليه إبان عمله في الشركة الأولى بعد أن انقطعت صلته بها وما يترتب على ذلك من استحالة توقيع أي جزاء عليه الأمر الذي أصبحت معه الدعوى غير ذات موضوع - وأضاف المطعون ضده في مذكرة ثانية تقدم بها أن شركة بترول خليج السويس شركة خاصة تخضع للقوانين الخاصة ولا تعتبر من شركات القطاع العام الخاضعة لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 بل يخضع العاملون فيها لأحكام قانون عقد العمل الفردي كما هو ثابت في عقد العمل المحرر بينه وبين تلك الشركة وإذ انقطعت صلته بشركة النصر للبترول ولم يعد خاضعاً للقوانين المتعلقة بشركات القطاع العام فإنه لا يتصور تطبيق أي جزاء من الجزاءات التأديبية عليه وانتهى المطعون ضده إلى طلب رفض الطعن.
ومن حيث إن المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده هي أنه خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن وجه إلى السيدين محمود حامد الحفناوي مدير عام الشئون الفنية وأحمد نور الدين مدير قطاع العمليات بالشركة بعض العبارات غير اللائقة خلال اجتماع مجلس إدارة الشركة بأعضاء لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية بالشركة وذلك على النحو الموضح بالتحقيقات.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق وإلى ما أجرته النيابة الإدارية من تحقيقات يبين أنه بناء على دعوة رئيس مجلس إدارة شركة النصر للبترول عقد في 11 من يوليه سنة 1966 اجتماع بمقر الشركة حضره بض أعضاء مجلس إدارة الشركة وأعضاء الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي بالشركة وأعضاء اللجنة النقابية وذلك لعرض ومناقشة ما تم إنجازه بالشركة والمشروعات المسندة إليها في الخطة المقبلة ولدراسة الوسائل الكفيلة برفع مستوى الكفاية الإنتاجية بها - وطلب رئيس مجلس الإدارة من مديري الإدارات العامة وأعضاء مجلس الإدارة أن يشرح كل منهم في حدود اختصاصه تفاصيل الأعمال المذكورة - وبعد أن ذكر السيد/ محمود حامد الحفناوي مدير الشئون الفنية أن الشركة جاوزت ما كان محدداً لها في الخطة بزيادة قدرها مائة وستة آلاف طن في تكرير البترول خلال عام 1965/ 1966 - عقب المطعون ضده على ذلك بقوله إن إدارة العمليات لكي تحقق الخطة تجرى على تشغيل الأجهزة والمعدات بأكثر من الطاقة التي صممت على أساسها مما سيؤدي إلى الإضرار بهذه الأجهزة والمعدات في وقت لا تتوافر فيه الكفاية من قطع الغيار - واستدعى السيد/ أحمد نور الدين مدير العمليات إلى الاجتماع للإدلاء برأيه في هذا الشأن فنفى ما قرره المطعون ضده في شأن تشغيل الطلمبات بأكثر من طاقتها وقرر أن إصلاح الطلمبات أصبح لا يتم على الوجه المرغوب وعزا ذلك إلى عدم توافر قطع الغيار وإلى أن المختصين بالإصلاح تنقصهم الخبرة والتدريب لأن ذوي الخبرة العملية العالية منهم حصلوا أخيراً على ترقيات أبعدتهم عن العمل بأيديهم تاركين ذلك لعمال محدودي الخبرة والمران - وأضاف أنه بنقده لا يريد أن يجرح أحداً ولكنه يثير هذا الموضوع بصراحة تامة لأنه جدير بأن يحوز اهتمام المجتمعين بغية الوصول إلى حل بشأنه - وما انتهى مدير العمليات من قوله حتى انبرى المطعون ضده قائلاً بصوت مرتفع إن مدير الشئون الفنية ومدير العمليات قد أدليا ببيانات كاذبة كما قال إن الحفناوي كذاب وأحمد نور الدين كذاب وأنهما مخربان فانسحب السيد/ أحمد نور الدين من الاجتماع - وقال السيد/ محمود الحفناوي لرئيس مجلس الإدارة إن ما حدث يحتاج إلى تحقيق فثار المطعون ضده قائلاً (مش أنت اللي تحقق معايا - أنت كان الواجب تكون في محكمة الدجوى - أنا أعرف أوديك في داهية - أنا الوحيد اللي عارفك يا حفناوي والحق على أني ماوديتكش زي مصطفى راغب - أنت حجيت وأنت بتكذب - أنت بتحج على جبل المقطم مش على جبل عرفات - أنا أقل عامل عندي يفهم أحسن منك وأحسن من نور الدين) - وقد أدى ذلك إلى حدوث اضطراب في الاجتماع الأمر الذي اضطر معه رئيس مجلس الإدارة إلى إنهائه - وقرر المطعون ضده في أقواله في التحقيق أن الألفاظ التي وجهها إلى السيدين محمود الحفناوي وأحمد نور الدين لم يقصد بها إهانة أي منهما ولكنها كانت وليدة لحظة انفعال بعد أن هاجم السيد/ أحمد نور الدين قسم صيانة الطلمبات.
ومن حيث إن العبارات التي صدرت من المطعون ضده شائنة بذاتها وتحمل معنى الإهانة بحيث لا تترك مجالاً لافتراض حسن النية بل تقطع بأنه قصد بها النيل من اثنين من رؤسائه والتشهير بهما والحط من قدرهما أثناء مناقشة موضوعات تدخل في صميم اختصاصهما باعتبارهما من مديري الشركة وذلك في اجتماع ضم كثيراً من العاملين فيها - وهي عبارات لم يكن المقام يقتضيها ولا يبررها قول المطعون ضده أنها كانت وليدة لحظة انفعال بعد مهاجمة السيد/.... لقسم الصيانة إذ أن ما أدلى به هذا الأخير أثناء الاجتماع قد خلا من أي استفزاز أو تعد - ومسلك المطعون ضده على الوجه السابق بيانه ينطوي على خروج عما تقتضيه وظيفته من احترام لرؤسائه وتوقيرهم.
ومن حيث إنه لا حجة في قوله أن الاجتماع كان سياسياً وأنه لم يكن خلاله قائماً بأعمال وظيفته بل كان يباشر حقوقه السياسية متحرراً من السلطة الرئاسية وعلاقة العمل - لا حجة في ذلك إذ فضلاً عن أن واجب كل من يشترك في اجتماع أن يتجنب الألفاظ الجارحة وأن يصون لسانه عما فيه تشهير بغيره وإهانة له دون مقتض - فإن الاجتماع سالف الذكر قد انعقد بدعوة من رئيس مجلس الإدارة والتقى فيه أعضاء مجلس الإدارة وكثير من مديري الشركة بأعضاء لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية للعاملين بالشركة وكان الغرض من انعقاده مناقشة ما أنجزته الشركة وما هو منوط بها في الخطة المقبلة - وبذلك كان الموضوع المطروح للبحث هو عمل الشركة وإنتاجها وما قد يقتضيه ذلك من التعرض لمسئولية واختصاصات القائمين على إدارتها والمنفذين لأوجه نشاطها - وإنه ولئن كان لكل من المشتركين في هذا الاجتماع أن يبدي رأيه بحرية وصراحة تامة وأن يتناول بالنقد ما يراه جديراً بذلك من أعمال الشركة أياً كان المسئول عنه - وأن يقترح ما يراه كفيلاً بعلاج ما فيها من عيوب - إلا أنه ليس له أن يجاوز ذلك إلى الطعن والتجريح والتطاول دون مقتض على الزملاء والرؤساء وإلا أصبح مثل هذا الاجتماع مجالاً للنيل من الرؤساء والتشهير بهم والحط من كرامتهم الأمر الذي لا يتفق مع المصلحة العامة وما تقتضيه من قيام الثقة والتعاون بين العاملين رؤساء ومرؤوسين - بل ومن شأنه أن يفوت الغرض الذي من أجله عقد الاجتماع.
ومن حيث إنه لذلك فإن وقوع المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده أثناء الاجتماع سالف الذكر - وهو حسبما سبق البيان اجتماع وثيق الصلة بأعمال الشركة وباختصاصات العاملين فيها ومسئولياتهم - ليس من شأنه إعفاؤه من المسئولية عما بدر منه من عبارات غير لائقة تنطوي على خروج على مقتضيات وظيفته على وجه يستوجب مؤاخذته تأديبياً.
ومن حيث إن المطعون ضده قد ذهب في دفاعه إلى أنه وقد نقل إلى شركة بترول خليج السويس اعتباراً من 27 من إبريل سنة 1967 وهي شركة خاصة لا تخضع للقوانين واللوائح المتعلقة بشركات القطاع العام فإنه من غير الجائز أن يوقع عليه أي جزاء من الجزاءات التأديبية.
ومن حيث إن الشركة المذكورة قد تكونت من المؤسسة المصرية العامة للبترول وشركة بان أمريكان وفقاً لأحكام المادة السابعة من اتفاقية الامتياز البترولي التي رخص لوزير الصناعة في إبرامها معهما بمقتضى القانون رقم 58 لسنة 1964 - وقد اشتركت المؤسسة المصرية العامة للبترول في تكوين (شركة بترول خليج السويس) المشار إليها بنصف رأس المال - وإنه ولئن كانت المادة السابعة سالفة الذكر والتي أسبغ القانون رقم 58 لسنة 1964 على أحكامها قوة القانون قد استثنت الشركة المذكورة من الخضوع لبعض القوانين وأحد القرارات الجمهورية إلا أنها فيما عدا ما استثنيت منه تخضع للقوانين السارية في الجمهورية العربية المتحدة ومن بينها القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات الخاصة - وينص هذا القانون في المادة الأولى منه على أنه (مع عدم الإخلال بحق الجهة التي يتبعها الموظف في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق تسري أحكام المواد من 3 إلى 11 و14 و17 من القانون رقم 117 لسنة 1958 المشار إليه على... (3) موظفي الشركات التي تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات والهيئات العامة بنسبة لا تقل عن 25% من رأسمالها أو تضمن لها حداً أدنى من الأرباح) وإذ كانت المؤسسة المصرية العامة للبترول قد اشتركت في تكوين (شركة بترول خليج السويس) بنسبة 50% من رأسمالها فإن العاملين في هذه الشركة يخضعون لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 وتختص المحكمة التأديبية المنصوص عليها في المادة الخامسة منه بمحاكمة من يجاوز مرتبه منهم خمسة عشر جنيهاً.
ومن حيث إنه لذلك فإن نقل المطعون ضده إلى (شركة بترول خليج السويس) لا أثر له على مسئوليته التأديبية عما ثبت في حقه وليس من شأنه أن يؤثر على جعل تأديبه من اختصاص المحكمة التأديبية باعتبارها مختصة بمحاكمة موظفي الشركات التي سبق بيانها.
ومن حيث إنه وقد ثبت في حق المطعون ضده ما يستوجب مؤاخذته تأديبياً على الوجه السابق بيانه - فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب وقضى ببراءته يكون قد جانب الصواب الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه وتوقيع الجزاء المناسب لما فرط منه وتقدر المحكمة هذا الجزاء بالخصم من مرتبه لمدة خمسة عشر يوماً وذلك مع إلزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة السيد/ أحمد بسطاوي على المطعون ضده بالخصم من مرتبه لمدة خمسة عشر يوماً وألزمته بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق