جلسة 25 إبريل سنة 1940
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.
-----------------
(53)
القضية رقم 82 سنة 9 القضائية
(أ) نقض وإبرام.
تنبيه نزع ملكية. المعارضة فيه بناء على المقاصة. رفض المعارضة. إعادة التنبيه. المعارضة فيه بناء على أن المعارض محجوز لديه وعلى أنه وكيل عن الحاجز. الحكم الصادر في المعارضة الثانية بقبولها. الطعن فيه بدعوى مخالفته للحكم السابق صدوره في المعارضة الأولى. لا يجوز لاختلاف الموضوع في المعارضتين. (المادة 11 من قانون محكمة النقض)
(ب) إثبات.
ورقة ضدّ. وجوب قصر آثارها على طرفي الاتفاق فيها. تعدية أثرها إلى غيرهما والحكم بالمقاصة بناء عليها. خطأ. مثال.
(المادة 349 مدني)
(جـ) حجز ما للمدين لدى الغير.
محجوز لديه. دفعه الدين للحاجز بناء على صحة الحجز وقيامه. لا يجوز.
(المادة 421 مرافعات)
(د) نزع ملكية.
انشغال ذمة المدين ولو بجزء من الدين. بقاء تنبيه نزع الملكية قائماً. طلب المدين الاقتصار على بيع جزء من العقار بقدر المستحق من الدين. جوازه.
(المادة 573 مدني)
الوقائع
تتحصل وقائع هذه الدعوى - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق الأخرى التي كانت تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن من يدعى محمد سعيد عبد ربه أفندي كان قد حصل في 12 من أكتوبر سنة 1910 على حكم من محكمة مصر الابتدائية الأهلية في القضية رقم 1156 كلي سنة 1910 قضى بإلزام عليش بكار مورّث الطاعنين بأن يدفع له مبلغ 20411 قرشاً و7 بارات وفوائده بسعر 9% سنوياً ابتداء من أوّل يونيه سنة 1910 لغاية السداد وما يستجد من الإيجار لغاية الإخلاء وفسخ عقد الإيجار وإخلاء العين المؤجرة وتسليمها لمحمد سعيد عبد ربه أفندي مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 28 من مايو سنة 1911 أعلن محمد سعيد عبد ربه أفندي مورّث الطاعنين بتنبيه نزع ملكية بناء على ذلك الحكم وفاء لمبلغ 633 جنيهاً و550 مليماً. فعارض عليش بكار مورّث الطاعنين في ذلك التنبيه أمام محكمة مصر الابتدائية، وهذه قضت في 7 من فبراير سنة 1912 بتعديل تنبيه نزع الملكية طبقاً للحساب الذي بينته في أسباب حكمها. وفي 25 من مارس سنة 1923 تنازل محمد سعيد عبد ربه أفندي للمطعون ضدّه عن الدين الثابت له في ذمة عليش بكار من أصل وملحقات وجعل له حق قبضه لنفسه. وقد أعلن ذلك التنازل إلى عليش بكار مورّث الطاعنين في 20 من مايو سنة 1923 مع التنبيه عليه بأن يدفع إلى المطعون ضدّه مبلغ 67179 قرشاً و7 بارات قيمة الباقي في ذمته لمحمد سعيد عبد ربه أفندي.
وفي سنة 1926 تدخل المطعون ضدّه في توزيع ثمن أرض نزعت ملكيتها من مورّث الطاعنين أمام محكمة مصر المختلطة مستنداً إلى حكم الدين المتنازل عنه إليه من محمد سعيد عبد ربه أفندي، فعارض مورّث الطاعنين في دخول المطعون ضدّه في ذلك التوزيع لبطلان التنازل الصادر إليه إذ هو لم يقبله، وقضت محكمة مصر المختلطة في 3 من فبراير سنة 1927 بقبول معارضة عليش بكار مورّث الطاعنين وعدم جواز التمسك ضدّه بتنازل 25 من مارس سنة 1923 وباستبعاد قبول المطعون ضدّه في قائمة التوزيع المؤقتة. وقد صار ذلك الحكم نهائياً. وفي 3 من يناير سنة 1928 صدر من المطعون ضدّه إقرار بقلم كتاب محكمة مصر قال فيه بعد سرد واقعة تحويل الدين إليه من محمد سعيد عبد ربه أفندي "وبناء على هذا التحويل قد أخذت في إجراءات التنفيذ ولم أستطع السير في بعضها ولم أتحصل على شيء فحصل الاتفاق على أن أحوّل له (محمد سعيد عبد ربه) دينه بالثاني ليقوم بتنفيذه باسمه". وفي الوقت نفسه وبقلم كتاب نفس المحكمة صدر من محمد سعيد عبد ربه: (أوّلاً) إقرار يقول فيه "أقرّر أن التحويل الصادر لي من الشيخ محمد أمين حسين (المطعون ضدّه) بتاريخ 3 من يناير سنة 1928 عن الحكم الصادر لصالحي ضدّ عليش حسن بكار أفندي (مورّث الطاعنين) من محكمة مصر الابتدائية الأهلية بتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1910 في القضية رقم 1156 سنة 1910 السابق عمل تحويل مني له عنه بتاريخ 25 من مارس سنة 1923 هو تحويل صوري الغرض منه التنفيذ باسمي على المبالغ المستحقة للمدين بالمحكمة المختلطة وغيرها، وأقرّر بموجب هذا أن كل مبلغ استلمه بموجب هذا الحكم وملحقاته يكون من حق الشيخ محمد أمين حسين، وأتعهد بتسليمه له فوراً بمجرد استلامي له". (ثانياً) توكيل عام للمطعون ضدّه في جميع القضايا التي تختص بالدين المحكوم به له على مورّث الطاعنين بحكم محكمة مصر سالف الذكر وفي قبض واستلام الودائع وما يستحق له (أي محمد سعيد عبد ربه) من الحقوق نقوداً كانت أو غيرها إلى آخر ما تضمنه ذلك التوكيل من تصرفات. ولقد صدرت تلك الأوراق الثلاث على إثر إعلان مورّث الطاعنين إلى المطعون ضدّه في 6 من ديسمبر سنة 1927 بتنبيه نزع ملكية بناء على حكم استئنافي صادر له في 29 من يونيه سنة 1927 قضى بإلزام المطعون ضدّه بأن يدفع لمورّث الطاعنين مبلغ 1302 جنيه و648 مليماً. وقد عارض المطعون ضدّه في ذلك التنبيه طالباً إلغاءه وبنى معارضته على أنه دائن لعليش بكار بمقتضى الحكم المحوّل إليه من محمد سعيد عبد ربه، وهذه الحوالة جعلته دائناً وهو مدين، فتساقط الدينان بحكم المقاصة القانونية، فقضت محكمة مصر الابتدائية في 15 من مايو سنة 1928 برفض تلك المعارضة بانية حكمها على بطلان الحوالة وصار الحكم المذكور نهائياً.
وفي أوّل يوليه سنة 1928 أوقع محمد سعيد عبد ربه أفندي حجزاً تنفيذياً تحت يد المطعون ضدّه وآخر وفاء لمبلغ 83126 قرشاً بناء على حكم محكمة مصر الصادر له ضدّ عليش بكار مورث الطاعنين، وطلب من المحجوز لديهما عدم دفع شيء للطاعنين إلا بعد سداد مطلوبه، وكلفهما بتقرير ما في ذمتهما بقلم كتاب محكمة مصر مع تسليمه كل ما هو مستحق تحت يدهما خصماً من أصل مطلوبه أو إيداعه بخزانة المحكمة المذكورة. وفي 3 من يوليه سنة 1928 رفع الطاعنون دعوى أمام محكمة مصر الابتدائية ضدّ المطعون ضدّه وزميله الآخر المحجوز تحت يدهما وضدّ محمد سعيد عبد ربه أفندي الحاجز طلبوا فيها الحكم بإلغاء الحجز الموقع في أوّل يوليه سنة 1928 مدّعين سقوط الدين المحكوم به لمحمد سعيد عبد ربه أفندي بالتقادم الطويل، وقضت محكمة مصر في 8 من أكتوبر سنة 1928 برفض تلك الدعوى وأيدت محكمة الاستئناف حكمها في 28 من يناير سنة 1929. بعد أن قضى من محكمة مصر في 15 من مايو سنة 1928 برفض معارضة المطعون ضدّه في تنبيه نزع الملكية المعلن إليه من مورّث الطاعنين في 6 من ديسمبر سنة 1927 وأصبح حكمها نهائياً استمر الطاعنون في إجراءات نزع الملكية حتى وصلوا إلى قاضي البيوع، وأمامه دفع المطعون ضدّه بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بإجراءات نزع الملكية لوجود رهن لدائن أجنبي هو صندوق الرهنيات فقضى بعدم الاختصاص فاتخذ الطاعنون إجراءات جديدة ضدّ المطعون ضدّه أمام المحكمة المختلطة ثم عدلوا عنها عندما انتقلت حقوق صندوق الرهنيات لبنك التسليف العقاري وهو مؤسسة مصرية وأعلنوا إلى المطعون ضدّه في 21 من يونيه سنة 1936 تنبيهاً جديداً بنزع الملكية وفاء لمبلغ 1108 جنيهات و828 مليماً فعارض المطعون ضدّه في ذلك التنبيه في 22 من أغسطس سنة 1936 أمام محكمة مصر الابتدائية، وهذه المعارضة هي محل النزاع الآن بين الطاعنين والمطعون ضدّه وقد قيدت بجدول محكمة مصر تحت رقم 1321 سنة 1936 كلي. كان الطاعنون قد أوقعوا حجوزات تنفيذية على زراعة المطعون ضدّه ومحصولاته في إبريل ومايو وأغسطس سنة 1936، فرفع ضدّهم دعوى مستعجلة أمام محكمة العياط طلب فيها إلغاء تلك الحجوزات، وقد تم الصلح في تلك الدعوى بين الطرفين على القواعد الآتية: (1) دفع الطعون ضدّه للطاعنين نقداً مبلغ 153 جنيهاً ورخص لهم أن يقبضوا من خزانة محكمة عابدين مبلغ 23 جنيه و852 مليماً مودعاً على ذمته ومن خزانة محكمة العياط مبلغ 102 جنيه و700 مليم مودعاً على ذمته أيضاً من ثمن المحصولات المحجوز عليها، فيكون الباقي للطاعنين بعد خصم هذه المبالغ الثلاثة 831 جنيهاً و260 مليماً. (2) يستمر الطاعنون في إجراءات نزع الملكية بالنسبة لذلك المبلغ الباقي لهم. (3) يستمر المطعون ضدّه في معارضته في تنبيه نزع الملكية المبنية على براءة ذمته. لم يتيسر للطاعنين صرف مبلغ 102 جنيه و700 مليم لوجود حجوزات أخرى موقعة عليه. ولقد بنى المطعون ضدّه معارضته هذه الجديدة الصادر بشأنها الحكم المطعون فيه على ثلاثة أسباب: (الأوّل) أنه محجوز تحت يده حجزاً تنفيذياً بناء على طلب محمد سعيد عبد ربه وهذا الحجز يمنعه من الدفع إلى الطاعنين. (الثاني) أن تحت يده إقراراً من محمد سعيد عبد ربه يجعله صاحب الحق في المبلغ المحجوز من أجله فيكون من حقه أن يطلب إجراء المقاصة فيما له وعليه. (الثالث) أن الطاعنين قرّروا في الصلح الذي تم أمام محكمة العياط في قضية رفع الحجوزات أنهم يقبلون الحوالة الصادرة من محمد سعيد عبد ربه أفندي إلى المطعون ضدّه. قضت محكمة مصر في 13 من ديسمبر سنة 1937 برفض معارضة المطعون ضدّه وبنت حكمها على ما يأتي: (1) أن المطعون ضدّه لم يثبت أنه دفع المبلغ المحجوز عليه تحت يده إلى الحاجز محمد سعيد عبد ربه أفندي، ولم يثبت أنه أودعه بخزانة المحكمة حتى تبرأ ذمته منه. (2) أن الحوالة الصادرة من محمد سعيد عبد ربه أفندي إلى المطعون ضدّه هي حوالة باطلة، وقد سبق أن حكم ببطلانها من المحكمة المختلطة في مواجهة المطعون ضدّه. (3) أن محضر الصلح الذي تم بين الطرفين أمام محكمة العياط لم يتضمن إقراراً من الطاعنين بقبول الحوالة خلافاً لما ادّعاه المطعون ضدّه. استأنف المطعون ضدّه حكم محكمة مصر أمام محكمة استئناف مصر واستند في استئنافه إلى: (أوّلاً) أنه بصفته محجوزاً تحت يده قد دفع ما في ذمته للطاعنين إلى محمد سعيد عبد ربه أفندي. (ثانياً) بصفته صاحب الحق في المبلغ المحجوز من أجله تحت يده قد أصبح دائناً للطاعنين ويكون له حق إجراء المقاصة فيما له وعليه. (ثالثاً) أنه بصفته وكيلاً عن محمد سعيد عبد ربه يقرّر أنه قبض المبلغ المحجوز من أجله وأبرأ ذمة الطاعنين منه.
ومحكمة استئناف مصر قضت في استئناف المطعون ضدّه في 26 من فبراير سنة 1939 بقبوله شكلاً وإلغاء الحكم المستأنف وإلغاء تنبيه نزع الملكية المعلن من الطاعنين إلى المطعون ضدّه في 21 من يونيه سنة 1936 ومحو جميع التسجيلات التي ترتبت عليه، وألزمت الطاعنين بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وقد أعلن هذا الحكم للطاعنين في 14 من أغسطس سنة 1939 فقرّروا في 13 من سبتمبر سنة 1939 بالطعن فيه بطريق النقض والإبرام للأسباب التي ضمنوها تقريرهم الذي أعلنوه إلى المطعون ضدّه في 23 من سبتمبر سنة 1939 إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعنين يبنون طعنهم على أوجه ثلاثة:
(الأوّل) مخالفة الحكم المطعون فيه للحكم الصادر من محكمة مصر بتاريخ 15 من مايو سنة 1928 في القضية رقم 581 سنة 1928 الذي صار نهائياً - ذلك الحكم الذي قضى برفض معارضة المطعون ضده في تنبيه نزع الملكية الأوّل.
(الثاني) خطأ محكمة الاستئناف في أخذ الطاعنين بورقة الضد الصادرة في 3 من يناير سنة 1928 من محمد سعيد عبد ربه لمصلحة المطعون ضدّه وحده ولم يكن الطاعنون طرفاً فيها. وخطؤها كذلك في تطبيق حكم المادة 421 من قانون المرافعات التي توجب على المحجوز لديه إيداع المبلغ المحجوز عليه تحت يده بخزانة المحكمة لتبرأ ذمته منه.
(الثالث) خطأ الحكم المطعون فيه في اعتبار ذمة المطعون ضدّه بريئة قبل الطاعنين حالة كون ذمته لا تزال مشغولة على الأقل بمبلغ 102 جنيه الذي رخص للطاعنين في قبضه من خزانة محكمة العياط بموجب محضر الصلح المحرّر بين الطرفين وتعذر عليهم قبضه وسكوت الحكم المطعون فيه سكوتاً تامّاً عن الرد على دفاع الطاعنين في هذا الشأن.
وحيث إنه عن الوجه الأوّل فإن الحكم الصادر من محكمة مصر في 15 من مايو سنة 1928 في المعارضة الأولى (القضية رقم 581 سنة 1928) والذي صار نهائياً بإقرار الطرفين - ذلك الحكم لم يتعرّض - كما سبق البيان في الوقائع - للفصل فيما يستند إليه المطعون ضدّه في هذه المعارضة وهو كونه محجوزاً لديه بناء على طلب محمد سعيد عبد ربه الدائن للطاعنين حجزاً صحيحاً بحكم نهائي صادر في مواجهتهم وكونه في الوقت نفسه وكيلاً عن ذلك الدائن الحاجز ومن حقه أن يدفع الدين المحجوز عليه للدائن مباشرة أو أن يقرّر بصفته وكيلاً عنه بقبضه وبراءة ذمة الطاعنين منه. فمع اختلاف أسباب النزاع في الدعويين على هذه الصورة لا يصح القول باعتبار الحكم المطعون فيه صادراً على خلاف حكم سابق مما يدخل في نطاق ما نص عليه في المادة 11 من قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام. وعليه يكون هذا الوجه على غير أساس.
وحيث إنه عن الوجه الثاني فإن الحكم المطعون فيه قد جعل دعامة مبناه ورقة الضد الصادرة من محمد سعيد عبد ربه إلى المطعون ضدّه التي قرّر فيها صورية التحويل الجديد واعتبار المطعون ضدّه صاحب الحق وحده في المبلغ المحوّل إليه من قبل. وفي صدد هذا يقول الحكم المطعون فيه:
"وحيث إنه ظاهر بوضوح من هذه الوقائع...... أن محمد سعيد عبد ربه أفندي حجز حجزاً تنفيذياً صحيحاً... تحت يد المستأنف (المطعون ضدّه) والدينان يعتبران متساويين بمقتضى حكم الصلح سالف الذكر. وبحصول هذا الحجز الصحيح... أصبح المبلغ المحجوز من حق المستأنف بمقتضى ورقة الضدّ المشار إليها فحقت له المقاصة. وجميع حجج المستأنف عليهم (الطاعنين) مردودة بذلك وهي تنحصر في...... كل هذا يجبه الحجز التنفيذي الحاصل من محمد سعيد عبد ربه أفندي بنفسه في أوّل يوليه سنة 1928 وورقة الضدّ السالفة الذكر، وليس هناك ما يمنع من احترام هذه الورقة لعدم احتوائها على أمر غير مشروع ولعدم إضرارها بالمستأنف عليهم لأنهم رفعوا دعوى بإلغاء ذلك الحجز ضدّ الحاجز والمحجوز لديه ورفضت، ومعنى هذا أن ذمتهم لم تبرأ من الدين الذي عليهم لمحمد سعيد عبد ربه أفندي، وأن الحجز صحيح ويصح به دفع المحجوز لديه للحاجز وتصح به ورقة الضدّ...... وفضلاً عن ذلك فإنه بمجرّد حصول حجز تحت يد مدين المدين يحبس المبلغ المحجوز، ولا ينفك قيد الحجز عنه ولو أودعه المحجوز لديه خزانة المحكمة حتى يرفع الحجز بناء على طلب المحجوز عليه. وذلك طبقاً للمادتين 420 و421 من قانون المرافعات، ومع ذلك فقد حصل في هذه الدعوى أن طلب المحجوز عليهم إلغاء الحجز كما تقدّم في مواجهة الحاجز والمحجوز لديه ورفضت دعواهم".
هذا ما قاله الحكم المطعون فيه في ذلك الصدد.
وحيث إنه وإن كانت ورقة الضدّ لم تتضمن أمراً غير مشروع إلا أن أثرها لا يصح أن يتعدّى من عدا محمد سعيد عبد ربه أفندي والمطعون ضدّه وهما طرفا الاتفاق فيها، إذ القانون ينص في جلاء تام على أنه لا يترتب على الاتفاقات منفعة أو ضرر لغير عاقديها (مادة 141 و142 من القانون المدني). ولا تقرّ هذه المحكمة ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف من أن ورقة الضدّ هذه لا تضر بالطاعنين. ذلك أن إخضاعهم لحكم هذه الورقة يجعلهم رغماً منهم قابلين حوالة الحكم الصادر ضدّ مورّثهم لمصلحة محمد سعيد عبد ربه أفندي إلى المطعون ضدّه - تلك الحوالة المقضى نهائياً ببطلانها في وجه ذلك المطعون ضدّه بسبب عدم رضاء مورّث الطاعنين بها.
وحيث إن الدفاع عن المطعون ضدّه يطلب من هذه المحكمة أن تقرّر جواز حوالة الديون بدون حاجة إلى رضاء المدين لأن هذا الرضاء لا مبرر له ولأن في انتقال الديون إلى الغير تسهيلاً كبيراً في المعاملات بين الناس.
وحيث إنه ليس من شأن القضاء وضع قواعد تتنافى مع أحكام القانون الصريحة. فالمادة 349 من القانون المدني تنص على أنه "لا تنتقل ملكية الديون والحقوق المبيعة ولا يعتبر بيعها صحيحاً إلا إذا رضى المدين بذلك بموجب كتابة". ولم يرد في القانون ما يخرج الديون الثابتة بأحكام نهائية عن حكم تلك المادة.
وحيث إنه يخلص مما تقدّم أن محكمة الاستئناف قد أخطأت في أخذ الطاعنين بورقة الضدّ التي لم يكونوا طرفاً فيها.
وحيث إنه بإسقاط هذه الورقة بالنسبة لهم يصبح المطعون ضدّه في مركزه الأوّل كمحتال بحوالة باطلة لا يجوز له الاستناد إليها في علاقاته القانونية مع الطاعنين ولا يبقى له غير مركزه الجديد كمحجوز لديه وكوكيل عن الحاجز.
وحيث إن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف من أن للمطعون ضدّه أن يدفع للحاجز دينه ما دام أن حجزه صحيح ولم يرفع بحكم قضائي بناء على طلب الطاعنين - هذا الذي ذهبت إليه لا يتفق مع حكم المادة 421 من قانون المرافعات التي تقول "لا يوقف الحجز جريان الفوائد التي تستحق على المحجوز لديه ولا يمنع المدين المحجوز ماله من مطالبة المحجوز لديه بالدفع ويكون الدفع بإيداع الدين بصندوق المحكمة التابع لها المدين ولا ينفك قيد الحجز عنه". وقد سبق البيان في الوقائع أن الطاعنين ومورّثهم من قبل كانوا يطالبون المطعون ضدّه بالدفع قبل الحجز تحت يده وبعده، فمع قيام هذه المطالبة لا يكون من حق المطعون ضدّه أن يدفع شيئاً بصفته محجوزاً لديه إلى الدائن الحاجز.
وحيث إنه عن الوجه الثالث فإنه في الواقع نقد لعدم الرد على دفاع الطاعنين؛ وقد ثبت من الاطلاع على صورة المذكرة التي قدّمها الطاعنون لمحكمة الاستئناف أنهم طلبوا رفض هذه المعارضة لانشغال ذمة المعارض ضدّه بمبلغ 102 جنيه الذي رخص لهم في تسلمه من خزانة محكمة العياط وتعذر عليهم ذلك لوقوع حجوزات أخرى عليه، ولم تتعرّض محكمة الاستئناف لبحث هذه المسألة على أهميتها فإن الصلح الذي تم بين الطرفين أمام محكمة العياط يتضمن إقراراً من المطعون ضدّه بمديونيته في هذا المبلغ بلا نزاع وباتفاقه على سداده من طريق استيلاء الطاعنين عليه من خزانة المحكمة، ولا جدال في أنه متى كانت ذمة المدين مشغولة بجزء من الدين مهما قل مقداره فإن تنبيه نزع الملكية يبقى قائماً، وللمدين أن يطلب في دعوى نزع الملكية الاقتصار على بيع جزء من العقار المطلوب نزع ملكيته متى كان ثمن ذلك الجزء كافياً لوفاء دين طالب البيع والديون الأخرى المستحقة الوفاء منه (المادة 557 من قانون المرافعات).
وحيث إن عدم بيان الأسباب التي من أجلها أهملت محكمة الاستئناف الردّ على هذا الذي دفع به الطاعنون وخلوّ أسباب الحكم المطعون فيه مما يدل على وجهة نظر المحكمة في الأمر - كل هذا يجعل هذا الحكم معيباً لقصوره في التسبيب.
وحيث إنه يخلص من كل ما تقدّم أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون في اعتبار ذمة المطعون ضدّه بريئة من الدين المطالب به بموجب تنبيه نزع الملكية براءة مبينة على ورقة الضدّ الصادرة من محمد سعيد عبد ربه أفندي وعلى حق المطعون ضدّه كمحجوز لديه في أن لا يودع الدين المحجوز عليه في خزانة المحكمة على ذمتهم وذمة الحاجز، كما أن ذلك الحكم جاء معيباً في تسبيبه لإغفاله الرد على ما دفع به الطاعنون من وجوب رفض المعارضة ما دامت ذمة المطعون ضدّه لا تزال مشغولة على الأقل بمبلغ 102 جنيه، ويتعين إذن قبول الوجهين الثاني والثالث من أوجه الطعن ونقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن موضوع الدعوى غير صالح للحكم فيه لأنه فضلاً عن غموض الوقائع بالنسبة لمبلغ 102 جنيه، فإن المطعون ضدّه كان ولا يزال يستمسك بمركزه قبل الطاعنين كوكيل للدائن الحاجز، ومحكمة الاستئناف لم تتعرّض لبحث الآثار القانونية التي تترتب على هذا المركز الجديد في علاقة الطرفين بعضهما ببعض، وخاصة إذا لوحظ أن الطاعنين يقولون في مذكرتهم الأخيرة المقدّمة لهذه المحكمة إن وكالة المطعون ضدّه عن الدائن الحاجز قد سقطت بوفاة هذا الأخير منذ أكثر من عشر سنوات.
وحيث إنه لذلك يتعين إعادة القضية لمحكمة الاستئناف للفصل فيها من جديد في نطاق ما أوضحته هذه المحكمة في الأسباب السالفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق