جلسة 29 من يناير سنة 1980
برياسة السيد المستشار/ محمد صدقي العصار نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم فوده؛ حسن النسر، منير عبد المجيد ومحمد إبراهيم خليل.
------------------
(69)
الطعن رقم 604 لسنة 44 القضائية
(1) التزام. "الاشتراط لمصلحة الغير".
الاشتراط لمصلحة الغير. أثره. جواز نقض المشترط للاشتراط. شرطه.
(2) بيع. تسجيل.
تسجيل عقد البيع خلواً من الاشتراط لمصلحة الغير الوارد في العقد الابتدائي. لا يؤثر على حق المنتفع فيه. علة ذلك.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 4815 لسنة 1972 جنوب القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليه، بطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع لهم مبلغ 1517 ج و500 م، وقالوا شرحاً لدعواهم أنهم يمتلكون العقار.... حارة.... قسم....، وأن المطعون عليه أقام على الأرض المجاورة لعقارهم بناء تجاوز به حدود أرضه وجار على المناور الملحقة بعقارهم بمساحة 3 متراً و45 متراً مربعاً حسبما تبينها الخبير المنتدب في دعوى إثبات الحالة رقم 3831 لسنة 1972 مستعجل القاهرة التي كانوا قد أقاموها لإثبات التعدي على عقارهم، وإذ قدر الخبير قيمة القدر المغتصب بمبلغ 517 ج و500 م وقدروا ما نالهم من ضرر نتيجة هذا التعدي بمبلغ 1000 ج مقابل تعويضهم عن حرمانهم في المستقبل من فتح مطلات، فقد أقاموا الدعوى بطلب سالف البيان، وبتاريخ 24/ 10/ 1973 حكمت المحكمة بإلزام المطعون عليه بأن يدفع للطاعنين مبلغ 345 ج. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 5744 لسنة 90 ق القاهرة، كما استأنفه المطعون عليه بالاستئناف رقم 5849 لسنة 90 ق القاهرة، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئناف الأخير إلى الاستئناف الأول حكمت بتاريخ 28/ 3/ 1974 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعنين. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة، فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سببين، ينعى الطاعنون بأولهما على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، ومخالفة الثابت بالأوراق من أربع وجوه، (أولها) أن الحكم المطعون فيه اعتبر العقد الابتدائي المؤرخ 6/ 5/ 1971 الصادر من الملاك السابقين إليهم، عقداً بينهم وبين المطعون عليه وأن الفقرة المضافة إلى هذا العقد، تضمنت التزاماً من الطاعنين، دون أن يوضح ما إذا كانت هذه الإضافة تحمل ما يدل على قبولهم لما ورد بها بالتوقيع عليها منهم أو من وكيل منوب عنهم في حدود التصرف والالتزام الواردين بها مما يعيبه بالقصور في التسبيب.
(وثانيها) أنه رغم أن محكمة أول درجة أوردت في حكمها أن العقد الابتدائي المؤرخ 6/ 5/ 1971 موقع عليه بعد البند الإضافي من.... عن نفسه وبصفته وكيلاً عن الطاعنين من الثالث حتى الأخير بالتوكيلين رقمي 238 لسنة 1968، 846 لسنة 1970 توثيق الخليفة، فإن الحكم المطعون فيه نسب صدور العقد إلى الطاعنين، فخالف بذلك الثابت في الأوراق. (وثالثها) أن الحكم المطعون فيه اعتبر توقيع.... على العقد المذكور بصفته وكيلاً عن الطاعنين بالتوكيلين سالفي الذكر دون أن يبين حدود هذه الوكالة وما إذا كانت تشمل الشراء والتصرف والالتزام، مما يعيبه بالقصور في التسبيب. (ورابعها) أن.... لم يكن وكيلاً عن الطاعنين بالتوكيلين اللذين أشار إليهما إذ أن أولهما رقم 238 لسنة 1968 صادر من الطاعن الأول عن نفسه فقط وصدر ثانيهما رقم 846 لسنة 1970 من.... السورية الجنسية، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ احتج بالعقد المؤرخ 6/ 5/ 1971 على الطاعنين باعتبارهم طرفاً فيه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي في أوجهه الأول والثالث والرابع غير مقبول، ذلك أنه مع تمسك المطعون عليه بالعقد المؤرخ 6/ 5/ 1971 باعتباره حجة على الطاعنين فيما تضمنه من إقرارهم بعدم أحقيتهم في طلب إزالة المباني موضوع النزاع أو التعويض عنها، فلم يقدم الطاعنون ما يدل على أنهم نازعوا أمام محكمة الموضوع في صفة موقعة نيابة عنهم، مما يكون النعي بهذه الأوجه سبباً جديداً لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. والنعي في وجهه الثاني غير منتج، ذلك أن المادة 713 من القانون المدني نصت على أن "تطبق المواد 104 إلى 107 الخاصة بالنيابة في علاقة الموكل والوكيل بالغير الذي يتعامل مع الوكيل". وقد نصت المادة 105 من هذا القانون على أنه "إذا أبرم النائب في حدود نيابته عقداً باسم الأصيل، فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات تضاف إلى الأصيل". وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه، قد اعتبر العقد مبرماً بين الطاعنين والبائعين لهم، فإنه يستوي أن يكون الطاعنون هم الذين أبرموا العقد أو وكيل عنهم حيث ينصرف الأثر القانوني لإرادة الوكيل إلى شخص الأصيل كما لو كانت الإرادة قد صدرت من الموكل الأصيل.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن العقد المسجل الصادر للطاعنين وإن كان قد اشتمل على كل العقار المبيع بما في ذلك الجزء موضوع النزاع، إلا أنه لم يفسخ الالتزام الوارد بالعقد الابتدائي المؤرخ 6/ 5/ 1975 وأن المطعون عليه يعتبر خلفاً خاصاً للبائعين له، وله قبل الطاعنين من الحقوق ما لهم ومن ذلك إجبارهم على تنفيذ ما اتفق عليه في البند الإضافي. في حين أن عقد البيع المسجل دون - العقد الابتدائي هو قانون المتعاقدين وأن إغفال العقد النهائي لبعض الالتزامات الواردة في العقد الابتدائي يدل على عدول أطراف العقد منها، فضلاً عن أن المطعون عليه لا علاقة له بالعقد الابتدائي إذ أنه ليس طرفاً فيه ولو أنه تضمن شروطاً لصالحه، كما أنه لا يعتبر خلفاً للبائعين له إذ أنه لم يتلق عنهم حقاً عينياً مشهراً بالنسبة للقدر المعتدى عليه، ولا يعدو أن يكون صاحب حق شخصي قبلهم.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المادة 154 من القانون المدني إذ نصت على أنه "(1) يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية مادية كانت أو أدبية. (2) يترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط يستطيع أن يطالبه بوفائه، ما لم يتفق على خلاف ذلك. ويكون لهذا المتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد، ويجوز كذلك للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع، إلا إذا تبين أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك". ونصت المادة 155 منه على أنه "يجوز للمشترط.... أن ينقض المشارطة قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد رغبته في الاستفادة منها، ما لم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد"، فقد دلت، كما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني ومذكرة المشروع التمهيدي، على أن الاشتراط لمصلحة الغير أصبح قاعدة عامة، بعد أن كان استثناءاً لا يعمل به إلا في حالات بخصوصها، وهو ينطوي على خروج طبيعي على قاعدة اقتصار منافع العقود على المتعاقدين دون غيرهم فالمتعهد يلتزم قبل المشترط لمصلحة المنتفع، فيكسب الأخير بذلك حقاً مباشراً، ولو أنه ليس طرفاً في التعاقد، وبهذه المثابة يكون التعاقد بذاته مصدراً لهذا الحق. ولهذا أوجبت أن يكون للمشترط مصلحة شخصية، مادية أو أدبية في تنفيذ الالتزام المشترط لمصلحة الغير. أباحت له أن ينقض الاشتراط ما دام الغير لم يعلن رغبته في الاستفادة منها إلا أن يكون ذلك منافياً لروح التعاقد. فإذا قبل المنتفع الاشتراط أو كان الشرط التزاماً على المشترط أصبح حقه لازماً أو غير قابل للنقض، وهو حق مباشر مصدره العقد، فيجوز له أن يطالب بتنفيذ الاشتراط ويجوز للمتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تتفرع على العقد لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه، ومن عقد الطاعنين الابتدائي المؤرخ 6/ 5/ 1970 المقدم منهم بحافظتهم أنه ذيل ببند إضافي نص على أنه "من المتفق عليه بين الطرفين المتعاقدين أنه يوجد حوالي أربعة أمتار مربعة ركوب من العقار المجاور على العقار المبيع مملوكة للسيد..... المطعون عليه - وعليه لا يحق للمشترين طلب إنقاص الثمن عن هذه المساحة أو إجباره أو مقاضاته لإزالتها". وهو ذات القدر الذي يدخل في موضوع عقد البيع الصادر من ذات البائعين للطاعنين إلى المطعون عليه بموجب العقد المؤرخ في 9/ 2/ 1970 المقدم بذات الحافظة. ومفاد ذلك أن البائعين الطاعنين قد اشترطوا في عقدهم شرطاً لصالح المطعون عليه، وهو من الغير بالنسبة لهذا العقد وكان المشترطون يلتزمون به بموجب عقد البيع الصادر منهم إلى المطعون عليه ومن ثم لهم مصلحة مادية في اشتراطه، ولا يجوز لهم نقض هذا الاشتراط لأن في نقضه إخلال بالتزامهم قبل المطعون عليه بموجب العقد المبرم بينهما. مما يكسب المطعون عليه كمنتفع من هذا الاشتراط حقاً مباشراً قبل الطاعنين المتعهدين في عقد البيع الصادر إليهم. وكان مقتضى هذا التعهد إقرارهم بحق ركوب عقار المطعون عليه على هذا الجزء المتنازع عليه، والتزامهم بعدم إجباره أو مقاضاته لإزالته ومن ثم فلا يحق لهم طلب التعويض عنه أو المطالبة بقيمته، وكان لا يجوز نقض هذا الاشتراط بناء على اتفاق بينهم وبين البائعين له، لأن في ذلك إخلال بالتزامهم بموجب هذا الاشتراط لا يغير من ذلك تسجيل عقد البيع الصادر إلى الطاعنين خلواً من هذا الاشتراط لأنه وإن كان عقد البيع النهائي هو قانون المتعاقدين وليس العقد الابتدائي إلا أن هذه القاعدة قاصرة على العلاقة بين طرفي عقد البيع حيث لا يوجد حق مباشر للغير مستمد من هذا العقد الابتدائي، أما حيث يوجد هذا الحق بموجب الاشتراط لصالحه، فإن تسجيل العقد مع إغفال هذا الحق لا يؤثر على حقه الثابت بموجب العقد الابتدائي، ولئن كانت ملكية العقار كاملة بما في ذلك الجزء المتنازع عليه، قد انتقلت إلى الطاعنين بالتسجيل على نحو ما انتهى إليه الحكم الابتدائي القاضي برفض دعوى المطعون عليه رقم 33 لسنة 1973 بطلب صحة ونفاذ عقد البيع الصادر إليه في 9/ 2/ 1970، وأصبح نهائياً حائزاً لقوة الشيء المقضى به لعدم الطعن على هذا الشق من الدعوى، إلا أن حق المطعون عليه يبقى قائماً بالركوب دون أن يدفع ثمناً للأرض أو تعويضاً اقتضاء لحقه في الاشتراط لصالحة، إذ لا تعارض بين حق المطعون عليه في الركوب على القدر المتنازع عليه بموجب المشارطة مع حق الطاعنين في كسب ملكية هذا القدر بالتسجيل؛ مما تكون معه دعوى الطاعنين على غير سند. وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى النتيجة الصحيحة برفض الدعوى، فحسب محكمة النقض أن تبين التطبيق القانوني السليم مقومة الحكم على أساسه، مما يكون النعي على هذا الحكم بهذا السبب على غير أساس في شقه الأول وغير منتج في شقه الثاني.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق