جلسة 30 نوفمبر سنة 1939
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.
---------------
(8)
القضية رقم 34 سنة 9 القضائية
استئناف.
الأثر القانوني لرفعه. نقل موضوع النزاع برمته إلى محكمة الاستئناف. مستأنف عليه محكوم له بكل طلباته. الأسانيد القانونية التي أقام عليها دعواه أمام محكمة الدرجة الأولى. تمسكه بها أمام محكمة الدرجة الثانية. جوازه. استئناف فرعي. محله. عدم القضاء بكل الطلبات. معنى الطلب في القانون. دعوى بالشفعة. إقامتها على الشيوع وعلى أن أطيان المدّعي تجاور الأطيان المشفوع فيها من جهتين ولها عليها حق ارتفاق. القضاء فيها لثبوت الجوار من حدّين دون السببين الآخرين. تمسك الشفيع (المستأنف عليه) أمام محكمة الاستئناف بهذين السببين أيضاً. التفات المحكمة عنهما بمقولة إنه لا يجوز له التمسك بهما مع عدم رفع استئناف منه عن الحكم. لا يصح. (المواد 357 و368 و369 مرافعات)
الوقائع
تتلخص وقائع الدعوى - على ما جاء بتقرير الطعن والحكم المطعون فيه وباقي الأوراق المقدّمة من طرفي الخصومة والتي كانت من قبل مقدّمة لمحكمة الموضوع - فيما يلي:
يقول الطاعن إنه يملك فدانين و8 قراريط و20 سهماً شائعة مع شركائه المطعون ضدّهم عدا الأوّل، وإن هذه الأطيان تقع في نقطتين: الأولى في القطعة رقم 14 بحوض أبي جابر رقم 6 ويملك فيها فداناً و6 قراريط و20 سهماً، والثانية في القطعة رقم 124 بحوض العمدة رقم 5 ويملك فيها فداناً وقيراطين. وإنه بعقد عرفي ابتدائي تاريخه 24 من نوفمبر سنة 1933 مسجل في 20 من فبراير سنة 1934 اشترى محمد فريد علي يوسف أفندي المطعون ضدّه الأوّل من باقي المطعون ضدّهم 3 فدادين وقيراطين و4 أسهم. منها فدانان وقيراطان بحوض أبي جابر رقم 6 ضمن القطعة رقم 14 وفدان و4 أسهم بحوض العمدة رقم 5 ضمن القطعة رقم 124. وبتاريخ 25 من فبراير سنة 1934 أبدى الطاعن رغبته في أخذ هذه الأطيان بالشفعة فأنذر المشتري بذلك رسمياً في هذا التاريخ، ثم أعقب ذلك في 19 من مارس سنة 1934 بإعلان دعوى الشفعة التي تقيدت تحت رقم 224 سنة 1934 بجدول محكمة بني سويف الكلية واستند في دعواه إلى: (1) أنه شريك على الشيوع في العين المشفوع فيها. (2) أن أرضه تجاور الأرض المشفوع فيها من ناحيتين. (3) أن له حق ارتفاق عليها. وطلب الحكم بأحقيته لأن يأخذ بطريق الشفعة أو الاسترداد الأرض المذكورة نظير قيامه بدفع ثمنها الحقيقي وقدره 200 جنيه وملحقاته أو الثمن الوارد بالعقد وقدره 262 جنيهاً و660 مليماً ومصاريف التسجيل مع إلزام المشتري بالمصاريف والأتعاب والنفاذ بلا كفالة.
أنكر المشتري على الشفيع دعواه بأنه شريك على الشيوع في الأرض المشفوع فيها وأنه يحدّها من جهتين، وأن له حق ارتفاق عليها، وزاد بأن طلب الحكم بسقوط حقه في الأخذ بالشفعة لمضي أكثر من خمسة عشر يوماً على علمه بالبيع قبل إبداء رغبته في الأخذ بالشفعة.
وبتاريخ 19 من ديسمبر سنة 1934 حكمت محكمة بني سويف الأهلية بندب خبير لمعاينة الأطيان المشفوع فيها وأطيان الشفيع وتحقيق الأوجه التي يستند إليها الشفيع. فباشر الخبير مأموريته، وقدّم تقريره، فناقشته المحكمة في هذا التقرير، وخلاصته أن الشفيع يجاور الأرض المشفوع فيها من الحدّين الشرقي والغربي ولكنه ليس بمالك فيها على المشاع، كما أنه ليس له حق ارتفاق عليها. بعد ذلك وبتاريخ 5 من فبراير سنة 1936 حكمت المحكمة بتحقيق ما ادعاه المشتري من مضي أكثر من خمسة عشر يوماً على علم الشفيع قبل إبداء رغبته رسمياً في الأخذ بالشفعة، ونفذت المحكمة هذا الحكم وسمعت شهود الطرفين ورجحت شهود الشفيع. ولذلك قضت له بالشفعة في نظير المبلغ الوارد بالعقد.
صدر هذا الحكم بتاريخ 29 من ديسمبر سنة 1937 فاستأنفه المشتري بتاريخ 7 من فبراير سنة 1938 وتقيد استئنافه بجدول محكمة استئناف مصر تحت رقم 445 سنة 55 قضائية، وقد طلب الحكم في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول دعوى الشفعة وسقوط حق الشفيع فيها مع إلزامه بالمصاريف عن الدرجتين وأتعاب المحاماة. وبتاريخ 7 من مارس سنة 1939 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول دعوى الشفعة وإلزام الشفيع بالمصاريف عن الدرجتين و300 قرش أتعاب محاماة عنهما للمدعى عليه الأوّل في الطعن.
لم يعلن هذا الحكم للطاعن ولكن وكيله قرّر بالطعن فيه بطريق النقض في 10 من مايو سنة 1939 بتقرير أعلن إلى المدعى عليهم في الطعن في 17 و20 من ذلك الشهر، وأودع إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن مبنى الوجه الأوّل من وجهي الطعن أن الطاعن استند في طلب الشفعة إلى ثلاثة أمور: الأول الشركة على الشيوع في الأرض المشفوع فيها. الثاني الجوار لها من جهتين. الثالث وجود حق ارتفاق لأطيانه على الأرض المشفوع فيها. وأن الطاعن قد تمسك بهذه الأسس إلى إقفال باب المرافعة أمام محكمة الاستئناف ولكن الحكم المطعون فيه أغفل البحث في الأمرين الأوّل والثالث مع أن كلاً منهما قد يؤدّي إلى أحقيته في الأخذ بالشفعة، وقصر الحكم بحثه على الجوار بمقولة إن الشفيع انتهى إلى التمسك بالجوار دون سواه مع أنه استمسك بالسببين الآخرين.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي يبين أن الطاعن أقام دعواه على أسس ثلاثة. الأوّل الشيوع. الثاني الجوار من حدّين. الثالث حق الارتفاق.
وقد ندبت محكمة أوّل درجة خبيراً في الدعوى لتحقيق هذه الأوجه الثلاثة فقدّم تقريره وعلقت عليه المحكمة في حكمها بقولها: "إن الخبير قدّم تقريره الذي ظهر منه أن المدعي - الطاعن - ليس مالكاً على المشاع في العين المطلوب أخذها بالشفعة وليس له حق ارتفاق عليها ولكنه يجاورها من الحدّين الشرقي والغربي كما تبين ذلك من مناقشة الخبير بجلسة 15 يناير سنة 1936". وعوّلت المحكمة على قيام هذا السبب وهو الجوار من حدّين واعتبرته كافياً لأحقية المدّعي في الأخذ بالشفعة وحكمت له بطلباته. وعندما استأنف المشتري هذا الحكم أصر الشفيع على طلباته وقدّم مذكرته الختامية التي استهلها بما نصه "أساس الشفعة ثلاثة أوجه: (1) الجوار من حدّين. (2) الشركة على الشيوع. (3) حق الارتفاق. وأي سبب من هذه الأسباب وحده كافٍ للأخذ بالشفعة... إلخ".
وبعد أن أسهب الشفيع في بيان كل سبب من هذه الأسباب تناول دفع المشتري وردّ عليه، ثم ختم مذكرته بما نصه "فبناء عليه وعلى ما سبق إيضاحه بمذكراتنا السابقة نطلب بحق تأييد الحكم المستأنف". (صورة هذه المذكرة مقدّمة بحافظة مستندات الطاعن رقم 8/ 4 تحت رقم 6).
وهذا كله صريح في أن الطاعن استمسك أمام محكمة الاستئناف بجميع الأسس التي أقام عليها دعواه أمام محكمة أوّل درجة، فمن الخطأ أن يقول الحكم المطعون فيه "إن الطاعن انتهى إلى التمسك بالجوار دون سواه" ويغضي عن الأساسين الآخرين مع أن أيهما لو صح يكون كافياً لأحقية الشفيع في الأخذ بالشفعة.
وحيث إن المدعى عليه الأوّل في الطعن ذهب في مذكرته التي ردّ بها على الطاعن إلى أنه ليس لهذا الأخير أن يتمسك بالشيوع أو بحق الارتفاق بعد أن فصلت محكمة أول درجة بانعدامهما، وبعد أن سكت الطاعن عن استئناف ذلك الحكم ولو استئنافاً فرعياً.
وحيث إن هذا القول في غير محله. لأن الأثر القانوني الذي يترتب على رفع الاستئناف هو نقل موضوع النزاع برمته وإعادة طرحه على محكمة الاستئناف مع أسانيده القانونية والأدلة المقدمة عليها، ولذلك يجوز للمستأنف عليه الذي صدر الحكم لمصلحته أن يعيد كل ما تمسك به أمام محكمة أوّل درجة من الأسانيد القانونية التي أقام عليها دعواه، ولا يطلب منه في أية حال أن يرفع استئنافاً فرعياً لانعدام المصلحة في هذا الاستئناف بعد أن حكم له ابتدائياً بطلباته كلها، وإنما محل الاستئناف الفرعي أن تكون محكمة أوّل درجة لم تقض للمحكوم له بكل طلباته فيحق له عندئذ أن يرفع استئنافاً فرعياً يطلب فيه الحكم بالطلبات التي رفضت ابتدائياً، وكل ما يجب في هذه الحالة هو أن يكون هناك طلب بالمعنى القانوني (Chef de demande)، وفي الدعوى المطروحة لم تكن الحال كذلك.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في إغفال الرد على هذين الأساسين اللذين استند إليهما الطاعن في دعواه واللذين لو صح أيهما لكان منتجاً في مصيرها. وهذا القصور يعيب الحكم ويقتضي نقضه بغير حاجة إلى بحث الوجه الثاني من وجهي الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق