جلسة 26 من يناير سنة 1980
برئاسة السيد المستشار عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: د. إبراهيم علي صالح، ومحمود حسن رمضان، وعبد العزيز عبد العاطي إسماعيل، وحسن عثمان عمار.
---------------
(61)
الطعن رقم 108 لسنة 45 القضائية
(1) إيجار. "الإخلاء للتغيير في العين".
الإضرار بالمؤجر الذي يتيح له إخلاء المستأجر لإجرائه تغييراً في العين المؤجرة. المقصود به. إضرار المستأجر بباقي المستأجرين في ذات العقار. اعتباره ضرراً يلحق بالمؤجر، علة ذلك. م 571 مدني.
(2) إيجار. نقض. "السبب الجديد".
النعي بأن سكوت المؤجر فترة من الزمن عن طلب إخلاء المستأجر لإجرائه تغييراً بالعين المؤجرة يعد إسقاطاً لحقه فيه. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(3) دعوى "مسئولية".
إساءة استعمال الحق. مناطه. معيار الموازنة بين مصلحة صاحب الحق وبين الضرر الواقع على الغير. معيار مادي دون النظر للظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور.
(4) خبرة. محكمة الموضوع.
عدم التزام الخبير بأداء عمله على وجه محدد. خضوع عمله ومدى كفايته لتقدير محكمة الموضوع.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه، وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 3850 لسنة 1974 مدني كلي شمال القاهرة ضد الطاعن للحكم بإخلاء الشقة المبينة بصحيفتها وإزالة ما أقامه فيها من منشآت، وقال بياناً لذلك أنه بعقد مؤرخ 30/ 5/ 1967 استأجر منه الطاعن تلك الشقة وقد حظر عليه العقد إحداث أي تغييرات فيها أو إقامة أبنية أو حواجز وإلا كان العقد مفسوخاً، بيد أن الطاعن خالف ذلك وأقام حجرات في واجهة الشقة وفي موضع لا يجوز البناء فيه قانوناً، مما أضر بالمطعون عليه ومن ثم أقام عليه دعواه، ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن قدم تقريره قضت برفض الدعوى. استأنف المطعون عليه الحكم بالاستئناف رقم 1980 لسنة 91 ق القاهرة، وبتاريخ 29/ 1/ 1975 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإخلاء الشقة وإزالة المنشآت. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون من وجهين أولهما في القول بتحقق الضرر بالمؤجر بما أحدثه الطاعن في العين المؤجرة من منشآت، إلى مخالفته لأحكام قانون تنظيم المباني وتعريضه الشقتين المجاورتين لشقته لحظر التسلل إليهما فضلاً عن تشويهه لواجهة المبنى في حين أنه لا اتصال للأمرين الأولين بالمؤجر لتعلق أولهما بجهة الإدارة والآخر بجيران المطعون عليه، هذا إلى انتفاء التشويه مع وجود منشآت أخرى مماثلة في المبنى، والوجه الآخر إغفال الحكم بحث دلالة سكوت المطعون عليه عن منازعة الطاعن مدى أربع سنوات مما يعتبر رضاء ضمنياً بما أحدثه من إنشاءات وإسقاطاً لحقه في طلب الإخلاء.
وحيث إن النعي في وجهه الأول مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد في أسبابه - بياناً لما لحق بالمطعون عليه من عذر - قوله "أن الثابت من الأوراق أن المستأنف ضده الطاعن - قد أقام غرفتين في منطقة الردود بجوانب زجاجية وخشبية وسقف من الخشب والصاج، وهذه المنطقة غير جائز إقامة أي مبان فيها..... وأن فيما أتاه مخالفاً لقوانين التنظيم إذ أن هذه الردود سماوية لا يجوز للمالك أو غيره أن يقيم بناء عليها كما أن ما أجرى مخالفاً لما اتفق عليه في عقد الإيجار بالبند الرابع منه وأن ما اتفق عليه ليس من الشروط التعسفية بل هو من الشروط المألوفة والمعقولة بين مؤجر ومستأجر وينطوي على الإضرار بالمؤجر مالك العقار وفق ما هو ثابت بتقرير الخبير المنتدب والذي تطمئن إليه المحكمة إذ ورد به أن الغرف التي أنشئت بوضعها الحالي تعرض كلاً من الشقة رقم 70 ورقم 72 المجاورتين لشقة النزاع لسهولة النزول إليها عن طريق القفز البسيط من الشرفة التي تعلوهما وأن هاتين الغرفتين مقامتان واجهة العمارة الرئيسية وهما ظاهرتان تماماً وفي ذلك تشويه لواجهة العمارة، والقول بغير ذلك يؤدي إلى إباحة إقامة غرفة في منطقة الردود المحظور البناء فيها وكان أولى بالمالك أن يقيمها لزيادة الأجرة "، ولما كان الإضرار بالمؤجرة كما يتحقق بالإخلال بإحدى مصالحه التي يحميها القانون - مادية كانت أو أدبية - حالاً كان هذا الإخلال أو مستقبلاً، ما دام لا ريب واقعاً - إذ كل في الحق في الاحتماء برعاية القانون سواء، يقوم كذلك بتهديد أي من هذه المصالح تهديداً جدياً، إذ في هذا تعرض لها الخطر المساس بها، مما يعتبر ذاته إخلالاً بحق صاحب المصلحة في الاطمئنان إلى فرصته في الانتفاع الكامل بها بغية انتقاصها وهو يشكل إضرار واقعاً به، وكان على المؤجر - حسبما تقضي به المادة 571 من القانون المدني - "أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، ولا يقتصر ضمان المؤجر على الأعمال التي تصدر منه أو من أتباعه، بل يمتد هذا الضمان إلى كل تعرض أو إضرار مبنى على سبب قانوني يصدر من أي مستأجر آخر أو من أي شخص تلقى الحق عن المؤجر" وكان من المقرر أنه وإن كان لا مسئولية على المؤجر عن التعرض المادي الواقع على المستأجر منه إذا كان صادراً من الغير إلا أنه يكون مسئولاً عنه إذا كان هذا الغير مستأجراً منه أيضاً، إذ يعتبر بذلك في حكم أتباعه المشار إليهم في المادة 571 من القانون المدني، باعتبار أنه تلقى الحق في الإيجار عنه، وأن صلته به هي التي مكنت له من التعرض للمستأجر الآخر، فيمتد ضمان المؤجر إلى هذا التعرض، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد استند فيما ارتآه من تحقق الضرر بالمطعون عليه نتيجة فعل الطاعن، إلى ما يصيب المستأجرين المجاورين لهذا الأخير من ضرر يتمثل في سهولة التسلل إلى مسكنيهما، مما يعتبر معه المطعون عليه مسئولاً عنه تجاههما، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون في ذلك وإذ كان في هذا الوجه من الضرر ما يعتبر بذاته دعامة كافية لحمل قضاء الحكم، فإن ما تطرحه إليه من استدلال على قيام أوجه ضرر أخرى: أياً ما كان وجه الرأي فيها - يكون غير ماس بسلامة قضائه، مما يجعل النعي عليه في شأنها غير منتج، والنعي في وجهه الآخر غير مقبول ذلك أنه لما كان من المقرر أنه لا يجوز التمسك أمام محكمة النقض بسبب واقعي - أو قانوني يخالطه واقع - لم يسبق إبداؤه أمام محكمة الموضوع. وكان الطاعن لم يرفق بطعنه ما يثبت سبق إثارته أمام تلك المحكمة أمر اعتبار سكوت المطعون عليه من استعمال حقه في طلب الإخلاء مدة من الزمن من قبيل التعبير الضمني عن الإرادة في إسقاط الحق في ذلك فإن التمسك بهذا الوجه من الدفاع أمام هذه المحكمة لأول مرة يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب قولاً منه بأنه على الرغم من تمسكه أمام محكمة الاستئناف بأن طلب الإخلاء في واقعة الدعوى ينطوي على إساءة لاستعمال الحق لفداحة ما يصيبه نتيجة الإخلاء من أضرار لا تتناسب مع ما يجنيه المطعون عليه من نفع ضئيل، فقد التفتت المحكمة عن الإشارة إلى هذا الدفاع أو الرد عليه، علاوة على إغفاله تفنيد ما قام عليه الحكم الابتدائي - الذي ألغاه الحكم المطعون فيه - من حجج في شأن إساءة استعمال الحق في طلب الإخلاء، مما يعيبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي في شقه الأول مردود ذلك أنه لما كان الأصل - حسبما تقضي به المادة 4 من القانون المدني - أن "من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر"، باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع خطأ، وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق لحقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها له هذا الحق، وكان خروج هذا الاستعمال من دائرة المشروعية، إنما هو استثناء من ذلك الأصل أوردت المادة 5 من ذلك القانون حالاته بقولها "يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية... ( أ ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير (ب) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها (جـ) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة"، وذلك درءاً لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستاراً غير أخلاقي لإلحاق الضرر بالغير، وكان يبين من استقراء تلك الصور أنه يجمع بينهما ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابي بتعمد السعي إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك، أو على نحو سلبي بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر فادح من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالاً هو إلى الترف أقرب مما سواه، بما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدي، وكان من المقرر أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة في هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع، هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو للمضرور يسراً أو عسراً، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه، قد تناول بالبيان - على نحو ما سلفت الإشارة إليه في الرد على السبب السابق - أسباب المفاضلة بين النفع والضرر وخلص من ذلك إلى أن الضرر القائم في الدعوى إنما أوقعه الطاعن بالمطعون عليه، فإنه يكون قد عرض لدفاع الطاعن في هذا الصدد ورد عليه رداً سائغاً يكفي لإطراحه، ويكون النعي على الحكم بهذا الشق على غير أساس، والنعي في شقه الآخر مردوداً أيضاً بأنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا إلزام على محكمة الدرجة الثانية بتفنيد ما قام عليه الحكم الابتدائي من أسانيد لم تلق منها مقنعاً. ما دامت بحكم هيمنتها على الدعوى وسلطتها في تأييد قضاء محكمة الدرجة الأولى أو إلغائه - قد أقامت قضاءها على أسباب تكفي لحمله إذ في هذا إطراح ضمني لكل ما خالف ذلك من أسباب، وكان الحكم المطعون فيه لم يخالف هذا المنهج في قضائه فإن النعي عليه بالقصور لهذا السبب يكون بدوره على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في القانون وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه على تقرير الخبير المنتدب في الدعوى على الرغم مما هو ثابت من عدم معاينة شقة الطاعن من الداخل مما يهدر قيمة عمله، وإذ كان الحكم لم يرد على ما أثاره الطاعن أمام محكمة الاستئناف في هذا الصدد فإنه يكون قاصر البيان علاوة على خطئه في القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر الإثبات الواقعية، في الدعوى يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لها سلطة الأخذ بما انتهى إليه إذا رأت فيه ما يقنعها ويتفق وما ارتأت أنه وجه الحق في الدعوى، ما دام قائماً على أسباب لها أصلها في الأوراق وتؤدي إلى ما انتهى إليه، وأن في أخذها بالتقرير محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في المطاعن الموجهة إليه ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير دون ما إلزام عليها بتعقب تلك المطاعن على استقلال، لما كان ذلك وكان لا إلزام في القانون على الخبير بأداء عمله على وجه محدد إذ بحسبه أن يقوم بما ندب له على النحو الذي يراه محققاً للغاية من ندبه، ما دام عمله خاضعاً لتقدير المحكمة، التي يحق لها الاكتفاء بما أجراه ما دامت ترى فيه ما يكفي لجلاء وجه الحق في الدعوى، ولما كان الطاعن لم ينع على ما استخلصه الحكم المطعون فيه من عمل الخبير، مخالفته لما يؤدى إليه، فإن النعي عليه بالقصور يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق