جلسة 3 من فبراير سنة 2016
(21)
الطعن رقم 15321 لسنة 85 القضائية
(1) نقض " التقرير بالطعن وإيداع
الأسباب " .
تقديم أسباب الطعن دون التقرير به . يوجب
عدم قبوله شكلاً . أساس ذلك ؟
(2) نقض " التقرير بالطعن وإيداع
الأسباب . ميعاده " .
امتداد ميعاد
الطعن بالنقض إذا صادف نهايته عطلة رسمية إلى اليوم التالي لنهاية هذه العطلة . أساس ذلك ؟
مثال .
(3) اشتراك .
تجمهر . قصد جنائي . مسئولية جنائية . حكم " تسبيب . تسبيب معيب " . نقض
" حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " .
عدم مساءلة
الجاني بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكاً إلَّا عمَّا يكون لنشاطه دخل في وقوعه من
الأعمال المجرمة قانوناً بالقيام بالفعل أو الامتناع الذي يجرمه القانون . تحديد
مسئوليته بما ينسب إليه من وقائع لا بما يقع من غيره أو يُقضى به عليه . أساس ذلك ؟
مناط العقاب
على جريمة التجمهر وشرط تضامن المتجمهرين في المسئولية عن الجرائم الواقعة
تنفيذاً للغرض منه . ماهية وأساس ذلك ؟
جمع الحكم
المطعون فيه بين المسئوليتين التضامنية والشخصية للطاعنين واتخاذهما معاً سنداً
لقضائه بالإدانة . خلط بين أساسين متناقضين للمسئولية . عدم مفارقته بين الطاعنين
في أساس المسئولية عن الجرائم التي ضمَّنها بوصف الاتهام وفقاً لاختلاف مراكزهم
القانونية وجمعه بين المسئوليتين في إطلاق شمل كافة الطاعنين عن كل الجرائم التي ساءلهم
عنها . خطأ في القانون وتناقض في بيان أساس المسئولية التي عاقبهم على سند منها .
أثر ذلك ؟
مثال .
(4) اشتراك
. تجمهر . قصد جنائي . مسئولية جنائية . إثبات " بوجه عام " "
قرائن " . استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات
" . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . نقض " حالات الطعن . الخطأ
في تطبيق القانون " .
مسئولية المشتركين في
التجمهر وفقاً للمادة 3 من القانون 10 لسنة 1914 .
مناط تحققها ؟
وقوع جريمة تنفيذاً لقصد آخر غير الغرض من التجمهر
سواء أكان بيته أو أضمره مقارفها أم نبت عنده فجأة . مقتضاه : عدم مسئولية باقي
المشتركين في التجمهر عنها . متى كان
الالتجاء إليها لتنفيذ ذلك الغرض
بعيداً عن المألوف .
وجوب بناء الأحكام على
الأدلة التي يقتنع بها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته يحصِّلها مما يجريه من
التحقيق مستقلاً في تحصيل العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره .
إدخال القاضي في تكوين
عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاؤه أو بعدم صحتها حكماً لسواه . غير جائز
.
للمحكمة التعويل على
تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . عدم صلاحيتها وحدها دليلاً
أساسياً أو قرينة مستقلة على ثبوت التهمة . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر
وإقامة قضائه على تلك التحريات واتخاذه منها دليلاً أساسياً دون إيراد أي شواهد أو
قرائن . قصور .
التحريات . مجرد رأي
لصاحبها يحتمل الصحة والبطلان والصدق والكذب . تقدير قيمتها القانونية في الإثبات
. موضوعي .
تساند الأدلة في المواد
الجنائية. مؤداه؟
إدانة الحكم للطاعنين
بجريمة الاشتراك في تجمهر وتحميلهم مسئولية سائر ما وقع من جرائم تأسيساً على أنها كانت تنفيذاً للغرض من التجمهر . تدليله تدليلاً قاصراً
ومتهاتراً على توافر موجبات هذه المسئولية . قصور وتناقض .
مثال .
(5) حكم " بيانات حكم الإدانة " " بيانات
التسبيب " " تسبيبه . تسبيب معيب ". قتل عمد . نقض " أسباب
الطعن. ما يقبل منها " .
حكم الإدانة . بياناته ؟ المادة 310 إجراءات .
وجوب ألَّا يكون الحكم
مشوباً بإجمال أو إبهام . متى يكون كذلك ؟
وجوب
إيراد الحكم للأدلة التي استند إليها وبيان مؤداها بياناً كافياً وسرد مضمونها .
عدم
بيان الحكم المطعون فيه تفصيل الوقائع والأفعال التي قارفها كل من الطاعنين ودور كل منهم في ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه .
قصور وفساد في الاستدلال . علة وأثر ذلك ؟
مثال
.
(6) قتل عمد . شروع . فاعل أصلي . حكم " تسبيبه . تسبيب
معيب " . مسئولية جنائية .
اعتبار المتهم فاعلاً أصلياً في جريمة القتل العمد أو
الشروع فيه طبقاً للمادة 39 عقوبات . يوجب على المحكمة بيان اقترافه
في الواقع فعلاً من الأفعال المادية الداخلة في تكوين الجريمة .
مثال
لتسبيب معيب على إدانة الطاعنين بصفتهم فاعلين أصليين في جريمة القتل العمد
والشروع فيه .
(7) إثبات " خبرة " " شهود " . قتل عمد . حكم " بيانات
حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب معيب ". نقض " أسباب الطعن . ما
يقبل منها " .
وجوب
ألَّا يجهل الحكم لأدلة الثبوت في الدعوى .
تساند
الحكم في قضائه بالإدانة إلى أقوال الشهود وإقرارات المتهمين وتقارير الصفة التشريحية
دون بيان مواضع إصابات المجني عليهم وأماكن الضاربين وماهية ووصف الإصابات ومسار
الأعيرة النارية في جسم المجني عليهم وقصوره عن بيان علاقة السببية بين أفعال
الطاعنين وما لحق بالمجني عليهم من إصابات . قصور .
دفاع الطاعنين بتناقض الدليلين القولي والفني وأثره في
نفي علاقة السببية . جوهري . تعويل المحكمة عليهما . أثره ؟
مثال .
(8) قتل عمد . شروع . ظروف
مشددة . سبق إصرار. محكمة الموضوع
" سلطتها في تقدير توافر سبق الإصرار " . حكم " تسبيبه.
تسبيب معيب " .
سبق الإصرار . ماهيته ؟
للقاضي استخلاص توافر ظرف سبق الإصرار من الوقائع والظروف
الخارجية . ما دام سائغاً .
سبق الإصرار . شرط توافره ؟
معاقبة الحكم الطاعنين بعقوبة جرائم
القتل العمد والشروع فيه مع توافر ظرف سبق الإصرار وإعمال أثره دون إيراد ما يكفي
ويسوغ توافره في حقهم . قصور وفساد في الاستدلال .
مثال لتسبيب معيب
لإثبات توافر سبق الإصرار في جريمة القتل العمد والشروع فيه .
(9) حكم " بيانات
حكم الإدانة " " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب معيب "
. مسئولية جنائية .
وجوب ألَّا يكون الحكم
مشوباً بالغموض والابهام .
اتخاذ الحكم المطعون
فيه أساسين متناقضين للمسئولية . أثره ؟
مثال .
(10) اثبات " بوجه عام " . استدلالات . محكمة
الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب
" .
حق محكمة الموضوع في
تجزئة الدليل . حده : أن تكون التجزئة بأسباب خاصة بمتهم أو متهمين بذواتهم . لا
باعتبارات عامة تنصرف إلى كل المتهمين وتصدق في حقهم جميعاً .
قضاء الحكم المطعون فيه
ببراءة متهمَين لعدم كفاية التحريات التي لم تتأيد بدليل آخر وإفراده لآخرين بالإدانة مع اجتماع ذات الاعتبارات بالنسبة
إليهم . تناقض يبطله .
مثال
.
(11)
إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع "
الإخلال بحق الدفاع . ما يوفره " . محاماة . نقض " أسباب الطعن . ما
يقبل منها " .
وجوب
حضور محام يدافع عن كل متهم بجناية أحيلت إلى محكمة الجنايات . مقتضاه : حضوره إجراءات
المحاكمة من بدايتها إلى نهايتها . علة ذلك ؟
انتداب المحكمة للمتهم
من يقبل الدفاع عنه من المحامين أو تندب له المحامي صاحب الدور عن طريق النقابة في
حالة عدم توكيل محام للدفاع عنه وأن تتاح له الفرصة لإبداء دفاعه كاملاً . وجوبي .
المحكمة هي الملاذ
الأخير لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح . انحسار الجدية عن المحاكمة
الجنائية وغلق باب الدفاع في وجه طارقيه . تأباه العدالة.
حق المتهم في الدفاع عن
نفسه . يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية .
انتهاء المحكمة لإدانة
الطاعنين دون ندب مدافع لمن لم يحضر معه مدافع ولم تستمع لمرافعة بعض الحاضرين
مرافعة كاملة واستغناؤها عن سماع البعض الآخر لكون الدفاع يسير في نهج واحد . يبطل
إجراءات المحاكمة . علة وأثر ذلك ؟
(12) إثبات " أوراق رسمية " . طفل . قانون " تطبيقه
" . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما
يقبل منها " .
تحديد سن الطفل علي وجه دقيق . لازم . علة وأساس ذلك ؟
المادة 112 من القانون
12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل . مفادها ؟
خلو أسباب الحكم
المطعون فيه من الإشارة إلى الوثيقة أو المستند الرسمي الذي ارتكن إليه في تحديد
سن الطاعن . يعيبه . ورود بديباجته أن الطاعن سنه ست عشرة سنة . لا يغير من ذلك . علة
ذلك ؟
تقدير السن . موضوعي . تعرض محكمة النقض له . شرطه ؟
إقرار
الباحث الاجتماعي بمحاضر الجلسات عن مصدر علمه بسن الطاعن . لا أثر له .
مادامت المحكمة لم تطلع بمعرفتها على سنده المدعى فيما قرر به .
عدم استظهار الحكم المطعون
فيه بمدوناته سن الطاعن . مخالفة للقانون .
(13) إعدام . نيابة عامة . محكمة النقض
" سلطتها " . نقض " التقرير بالطعن وإيداع الأسباب . ميعاده " .
المادة
46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض .
مؤداها ؟
اتصال
محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها حضورياً بالإعدام بمجرد عرضها عليها.
ولو لم تقدم النيابة مذكرة برأيها أو قدمتها بعد فوات الميعاد المحدد للطعن سواء
كانت موقعة
بتوقيع مقروء أو غير مقروء وصادرة من محام عام على الأقل أو ما دونه . أساس وعلة
ذلك ؟
(14) اشتراك . تجمهر . مساهمة جنائية . قصد جنائي . جريمة
" أركانها " . مسئولية جنائية .
الأصل
ألَّا يسأل الجاني إلَّا عن الجريمة التي ارتكبها أو اشترك فيها . مسئولية المتهم
عن النتائج المحتملة لجريمته الأصلية متي كان في مقدوره أو كان من واجبه توقع
حدوثها . أساس ذلك؟
عدم ممايزة الحكم المطعون فيه في تحديده لأدوار المحكوم
عليهم في جرائم القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار بين مسئوليتهم المستندة
إلى المادة 3/2 من قانون التجمهر وتلك المنطبقة على المادة 43 عقوبات . غموض
وإبهام واضطراب في تحديد أساس المسئولية الجنائية . علة ذلك ؟
مؤاخذة الحكم المحكوم عليهم أو بعضهم بجرائم القتل العمد
والشروع فيه مع سبق الإصرار بحسبانها نتيجة محتملة لجريمة التجمهر . غير صحيح . ما
دام الحكم قد قصرت أسبابه وفسد استدلاله على ثبوت جريمة التجمهر . علة وأثر ذلك ؟
مثال لرد غير سائغ على الدفع بانتفاء أركان المساهمة
الأصلية في حق المحكوم عليهم .
(15) أسباب
الإباحة وموانع العقاب " الجنون والعاهة العقلية " . مسئولية جنائية .
حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما
يوفره " . دفوع " الدفع بانعدام المسئولية الجنائية " .
فقد الإرادة أو الإدراك لجنون أو عاهة عقلية . أثره :
انعدام المسئولية الجنائية للمتهم
أياً كان نوع الجريمة . أساس ذلك ؟
طلب
المدافع عن الطاعن عرضه على الطب الشرعي لبيان مدى سلامة قواه العقلية .
دفاع جوهري . علة ذلك ؟
تقدير حالة المتهم العقلية . جوهري . وجوب تحقيقه وتعيين
خبير للبت في هذه الحالة وجوداً وعدماً أو إيراد أسباب سائغة لرفضه . إغفال ذلك . قصور وإخلال بحق الدفاع .
علة ذلك ؟
(16)
إجراءات " إجراءات المحاكمة " . بطلان . محكمة
الجنايات " الإجراءات أمامها " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما يوفره " . محاماة . نقض
" أسباب الطعن . ما يقبل منها ".
وجوب حضور محام مع المتهم بجناية أمام محكمة
الجنايات للدفاع عنه .
اختصاص المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة
الاستئناف أو المحاكم الابتدائية دون غيرهم بالمرافعة أمام محكمة الجنايات .
المادة 377 إجراءات .
عدم الاستدلال على أسماء المحامين المترافعين عن
المتهمين بجناية لتشابه الأسماء ولعدم وجود رقم قيد . يعجز محكمة النقض عن الوقوف
على استيفائهم شرائط المرافعة . أثره : بطلان إجراءات المحاكمة .
مثال .
(17)
ارتباط . نقض " أثر الطعن " .
نقض الحكم في تهمة .
يوجب نقضه في جميع التهم المسندة للطاعنين . مادام قد اعتبرها مرتبطة وقضى بالعقوبة المقررة لأشدها . امتداد أثر
الطعن لمن لم يقبل طعنه شكلًا . علة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الطاعن .... وإن قدم أسبابًا لطعنه ، إلَّا أنه لم يقرر
بالطعن بالنقض طبقًا للمادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض
الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ، ومن ثم فإن الطعن المقدم منه يكون غير مقبول
شكلاً .
2- لما كان الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ .... ، وقدم
المحكوم عليهم مذكرة بأسباب طعنهم بتاريخ .... ، وكان من المقرر بالمادة 34 من
قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض سالف الذكر وجوب التقرير بالطعن
وإيداع الأسباب التي بُني عليها في ظرف ستين يومًا من تاريخ الحكم الحضوري ، وكان
هذا الميعاد ينقضي بالنسبة للحكم المطعون فيه في .... ، بيد أنه لما كان ذلك اليوم
يوم جمعة – وهو عطلة رسمية - ، ومن ثم فإن ميعاد الطعن يمتد إلى اليوم التالي ....
، وإذ أودعت مذكرة أسباب الطعن بالنقض سالفة البيان في ذلك اليوم ، فإنها تكون قد
أودعت في الميعاد المُقَرَّر ، ويكون طعن الطاعنين الثلاثة قد استوفى أوضاعه
الشكلية المقررة .
3- لما كان الحكم المطعون فيه وفي نطاق اطراحه لدفع
الطاعنين بانتفاء أركان المساهمة الجنائية الأصلية في حقهم ، وأثبت توافرها عملاً
بنص المادة 39 من قانون العقوبات في قوله – بعد أن عدد الأفعال المادية التي
قارفها بعض المحكوم عليهم - : "... ومن ثم ، يضحى الدفع بانتفاء المساهمة
الجنائية طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات دفعًا يفتقد سنده من صحيح القانون
والواقع ... " ، ثم عرض في إطار اطراحه لدفع الطاعنين بانتفاء أركان جريمة التجمهر في حقهم – وما ترتب عليها – وانتهى -
بدوره – إلى رفضه لثبوتها في قوله : " .... وهو ما يجزم بأن الوقائع
كانت نتاج تجمهر إجرامي متفقًا عليه ، ومقصوداً به قتل أكبر عدد من أفراد رجال
الشرطة انتقامًا من فض اعتصامين إجراميين بـ .... ، و .... بـ .... بما يدرأ ما
أثاره الدفاع من قول فاسد يفتقد أساسه من الواقع والقانون بإثارة .... الشك حول
مسئولية المتجمهرين التضامنية طبقًا لنص المادتين 2 ، 3 من القانون 10 لسنة 1914 ،
واعتبار كل من تواجد من المتهمين بهذا التجمهر
مسئولًا عما تم اقترافه من جنايات القتل والشروع فيه .... " . لما كان
ذلك ، وكان من المقرر أن مناط العقاب وفقًا لنص المادة 39 من قانون العقوبات هو
الأصل العام المقرر في التشريعات الجنائية الحديثة ، وهو أن الجاني لا يسأل بصفته
فاعلًا أصليًا أو شريكًا ، إلَّا عمَّا يكون لنشاطه دخْل في وقوعه من الأعمال التي
نص القانون على تجريمها ، سواء أكان ذلك بالقيام بالفعل أو الامتناع الذي يجرِّمه
القانون ، وأن مسئوليته تتحدد بما ينسب إليه من وقائع ، ولا يحاج بما يقع من غيره
، أو يُقضى به عليه ، كما أنه من المُقَرَّر أن مناط العقاب على جريمة التجمهر
المؤثمة بالمادتين الثانية ، والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 ، وشرط تضامن المتجمهرين في المسئولية عن الجرائم التي تقع
تنفيذًا للغرض منه ، هو ثبوت علمهم بهذا الغرض ، وأن تكون الجرائم التي
ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة
واحدة ، ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين تنفيذًا لغرض أو قصد خاص به ،
فإن الحكم – المطعون فيه – إذ جمع بين المسئوليتين التضامنية والشخصية للطاعنين -
واتخاذه لهما معًا سندًا لقضائه بالإدانة ، وما أوقعه من عقابٍ جسيم – يكون قد خلط
بين أساسين متناقضين للمسئولية من حيث الأركان والعناصر التي تَطَلَّب القانون
توافرها لكل منهما – على نحو ما مَرَّ بيانه –
حتى يصح الاستناد إليه كأساس للمسئولية الجنائية في قضائه بإدانة الطاعنين ،
سيما وأن الحكم لم يفارق بين الطاعنين في أساس المسئولية عن الجرائم التي ضمَّنها
وصف الاتهام وفقًا لاختلاف مراكزهم القانونية ، بل جمع بينهما – المسئوليتين –
بغير جامع في إطلاقٍ شمل كافة الطاعنين عن كل الجرائم التي سآءلهم عنها ، وكان ما
أورده الحكم – على نحو ما سلف – فوق خطئه في القانون قد أوقعه في تناقض في بيان
أساس المسئولية التي عاقب الطاعنين على سند منها ، كان له أثره فيما تردى فيه
الحكم من قصور وتناقض واضطراب في التسبيب فيما انتهى إليه من إدانة .
4- لما كانت الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 10
لسنة 1914 بشأن التجمهر قد نصت على أنه : " إذا وقعت جريمة بقصد تنفيذ الغرض
المقصود من التجمهر فجميع الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكاب هذه
الجريمة يتحملون مسئوليتها جنائيًا بصفتهم شركاء إذا ثبت علمهم بالغرض المذكور
" ، فيجب لأخذ المشتركين في التجمهر وفقًا لذلك النص ، فضلاً عن ثبوت علمهم
بالغرض الممنوع ، ووقوع الجريمة أثناء اشتراكهم في التجمهر ، أن يثبت أن وقوعها
كان بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر ، فإن كانت قد وقعت تنفيذًا لقصد آخر سواء أكان
قد بيَّته أو أضمره مقارفها ، أم كان قد نبت عنده فجأة ، فلا يسأل عنها باقي
المشتركين في التجمهر ، كما لا يسألون عنها إذا ارتكبها مقارفها بقصد تنفيذ الغرض
من التجمهر في رأيه ، متى تبيَّن أن الالتجاء إليها لتنفيذ ذلك الغرض كان بعيدًا
عن المألوف . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه فيما حصَّله في صورة الواقعة
أورد أن المتهمين العشرة الأول وآخر متوفى
عقدوا اجتماعًا يوم .... بمنزل المتهم الثاني ، وكان صاحب الأمر والنهي فيه المتهمون الخمسة الأول ، حيث اجتمعت إرادتهم
واستقر بهم العزم على شراء أسلحة نارية ... ، وعقد جميع المتواجدين بنفوس
هادئة عالمة بما تُدَبِر له على مهاجمة مركز شرطة كرداسة حال قيام الشرطة بفض الاعتصامين المتواجدين بـ .... ، وميدان .... بـ .... ، وقتل
كل من يتواجد بالمركز من ضباط الشرطة ورجالها . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مدونات
الحكم المطعون فيه أنه قد استدل على ذلك الاجتماع – الذي استمد منه العلم بالغرض
من التجمهر وما رتبه عليه – بتحريات الشرطة وبأقوال الضباط الذين أجروها ، وبما
قاله الشاهد الثامن والعشرون من أنه نما إلي علمه حدوث ذلك الاجتماع . لما كان ذلك
، وكان من المُقَرَّر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي
بإدانة المتهم أو ببراءته ، صادرًا في ذلك عن عقيدة يحصِّلها هو مما يجريه من
تحقيق ، مستقلًا في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ، ولا يصح في
القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم
صحتها حكمًا لسواه ، وكان من المُقَرَّر كذلك أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعوِّل
في تكوين عقيدتها على التحريات بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة ، إلَّا أنها
لا تصلح بمجردها أن تكون دليلًا كافيًا بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام ،
وهي من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان ،
والصدق والكذب ، إلى أن يُعرف مصدرها ويتحدد ،
حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ،
ويقدر قيمته القانونية في الإثبات . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مدونات الحكم
المطعون فيه أن المحكمة قد اتخذت من التحريات دليلًا أساسيًا في ثبوت واقعة
الاجتماع المذكور ، والغرض الذي تم الاتفاق عليه فيه ، دون أن تورد في حكمها من
الأدلة والقرائن اليقينية ما يساندها إضافة إلى أنها لم تشر في حكمها إلى اسم
الشاهد الثامن والعشرين للوقوف على صحة ما شهد به ومصدر علمه بما شهد به ، ومصدر
التحريات التي أجراها ضباط الشرطة على نحو
تمكنت معه المحكمة من تحديده والتحقق من ثم من صدق ما نقل عنه ، ولا يجزئ
في ذلك ما استدل به الحكم على العلم بالغرض من التجمهر من حركة إشارة الذبح التي
أشار بها المتهم / .... للتجمع الذي كان يتواجد خارج المركز ، والمكون من أتباعه
ومُريديه من المتجمهرين تعبيرًا – فيما استنتجه الحكم – عن ضرورة قتل كل من يتواجد
بالمركز عقب رفض مأمور المركز مغادرة المركز
والبلدة كلها ، ومعه جميع رجال الشرطة قبل اشتعال الأحداث ، ذلك أن الحكم
لم يورد من الأدلة ما يبين منها من كان متواجداً من المحكوم عليهم وقت حدوث هذه
الإشارة تحديدًا ، وبالتالي علمه بهذا الغرض ، تحديداً لمسئوليته عن الجرائم التي
وقعت تنفيذًا له إضافة إلى تناقض شاهدي الإثبات الملازم أول شرطة بمركز كرداسة /
.... ، وأمين الشرطة بالمركز ذاته / .... ، في
تحديد اليوم الذي وقعت فيه إشارة الذبح ، وما ارتبط بها ، وهل هو .... أم
.... وهو ما يعيب الحكم ، ولا يغير من ذلك كله أن يكون الحكم قد عوَّل في الإدانة
على أدلة أخرى ، لما هو مُقَرَّر من أن الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة ،
يكمل بعضها البعض الآخر ، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة بحيث إذا سقط أحدها أو
استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل المستبعد في الرأي الذي انتهت
إليه . لما كان ذلك ، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصَّل الواقعة التي دان
الطاعنين بها كما استقرت في وجدان المحكمة بأن الغرض من التجمهر تحديدًا هو مهاجمة
مركز شرطة كرداسة وقتل كل من يتواجد بالمركز من الشرطة ورجالها ، وكان ما انتهى
إليه الحكم بشأن وصف تهمة التجمهر المسندة إلى الطاعنين أن الغرض من التجمهر –
إضافة إلى ما سلف – ارتكاب جرائم التخريب والسرقة والتأثير على رجال السلطة العامة
في أداء أعمالهم باستعمال القوة حال حملهم أسلحة نارية وبيضاء وأدوات مما تستخدم
في الاعتداء على الأشخاص ، وقد وقعت تنفيذًا للغرض المقصود من التجمهر مع علمهم به
الجرائم التي أشار إليها وسآءلهم عنها ، فإن ما أوردته المحكمة في أسباب حكمها على الصورة المتقدمة يناقض بعضه البعض الآخر . لما
كان ذلك ، وكان البيِّن من الحكم أنه إذ دان الطاعنين بجريمة الاشتراك في
تجمهر، وحمَّلهم مسئولية سائر ما وقع من جرائم تأسيسًا على أنها كانت تنفيذاً
للغرض المقصود منه ، مع علمهم به ، حال أنه دلَّل تدليلًا قاصراً ومتهاترًا ، على
توافر موجبات هذه المسئولية من تحديد للغرض المقصود من التجمهر والعلم به ، ومن ثم
يكون الحكم معيبًا بالقصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال ، وهي عيوب
لها الصدارة على وجوه الطعن المتعلقة بمخالفة القانون ، وبما يعجز هذه المحكمة عن
إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقًا صحيحاً على واقعة الدعوى وتقول كلمتها
فيما ينعاه الطاعنون بوجه النعي الآخر لخطأ الحكم في تطبيق القانون ، إذ سآءلهم عن
سائر الجرائم استنادًا إلى هذا الأساس المعيب .
5- من المقرر أن الشارع
يوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل كل حكم بالإدانة على
بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها ، والأدلة التي استخلصت منها المحكمة
ثبوت وقوعها من المتهم ، وأن تلتزم بإيراد مؤدى الأدلة التي استخلصت منها
الإدانة ، حتى يتضح وجه استدلالها بها ، وسلامة مأخذها ، وإلا كان الحكم قاصرًا ،
وكان من المُقَرَّر أنه ينبغي ألَّا يكون الحكم مشوبًا بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبيَّن مدى صحة الحكم من فساده
في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى ، وهو يكون كذلك كلما جاءت أسبابه
مُجْمَلة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من وقائع ، سواء كانت متعلقة ببيان توافر
أركان الجريمة ، أو ظروفها، أو كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الهامة ، أو كانت
متصلة بعناصر الإدانة على وجه العموم ، أو كانت أسبابها يشوبها الاضطراب الذي ينبئ
عن اختلال فكرته من حيث تركيزها في موضوع الدعوى ، وعناصر الواقعة ، مما لا يمكن
معه استخلاص مقوماته ، سواء ما يتعلق منها بموضوع الدعوى ، أو بالتطبيق القانوني ،
ويُعْجز بالتالي محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح ، وكان من
المُقَرَّر – كذلك – أنه يجب إيراد الأدلة التي تستند إليها المحكمة ، وبيان
مؤداها في الحكم بياناً كافياً فلا يكفي مُجرَّد الإشارة إليها ، بل ينبغي سرد
مضمون الدليل وذكر مؤداه بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت
بها المحكمة ، ومبلغ اتساقه مع باقي الأدلة حتى يتضح وجه استدلاله بها . لما كان
ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يبيِّن بوضوح – سواء في معرض إيراده واقعة الدعوى
أو في سرده لأدلة الثبوت فيها – تفصيل الوقائع والأفعال التي قارفها كل من
الطاعنين ، ودور كل منهم في ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه لا سيما وأنه قد أفصح في
مدوناته بجلاء عن اتخاذه من بين ما أَسّس عليه قضاءه ما تضمنته المادة 39 من قانون
العقوبات – من أنه يعد فاعلًا للجريمة من
يرتكبها وحده أو مع غيره ، ومن يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال ،
فيأتي عمدًا عملًا من الأعمال المكونة لها - أساسًا للمسئولية في حقهم ولم يبيِّن
الأدلة الدالة على ذلك بيانًا يوضحها ويكشف عن قيامها ، وذلك من واقع الدعوى
وظروفها ، وكان الحكم قد اكتفى في ذلك بعبارات عامة مُجْمَلة ، ومُجهَّلة لا يبين
منها حقيقة مقصودة في شأن الواقع المعروض الذي هو مدار الأحكام ، ولا يتحقق بها
الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيبها من الوضوح والبيان ، ومن شواهد ذلك أنه
عوَّل على شهادة الشاهد الثالث / .... في حق المحكوم بإعدامه / .... ، وعلى شهادة
الشاهد الخامس / .... في حق المحكوم بإعدامهما / .... ، .... وعلى شهادة الشاهد
الثامن والعشرين – مجهول ذكر الاسم بالحكم – في حق المحكوم بإعدامه / .... ، دون
أن يورد فحوى شهاداتهم ووجه استدلاله بها على ثبوت التهمة بكافة عناصرها القانونية مكتفياً في ذلك بقالة أن الشاهد الثالث شاهد المتهم
/ .... ضمن المشرفين على عملية التجمهر أمام مركز الشرطة ، وكان يوجه
المتجمهرين لحثهم على القتل ، وأن الشاهد الخامس شاهد المتهمين / .... ، .... ضمن
المتجمهرين ، وممن يلقون بالحجارة والمولوتوف صوب مركز الشرطة ، وأن الشاهد الثامن
والعشرين شاهد من شرفة منزله بعض المتهمين
يحملون أسلحة آلية متوجهين بها نحو مركز الشرطة ، ومن ضمنهم المتهم / .... ،
وهي عبارات عامة مُعمَّاه ، ومُجهَّلة لا يبين منها وجه الحق في الدعوى ولا تؤدي
إلى ما رتَّبه الحكم عليها ، ولا تكفي لحمل قضائه الصادر بالإعدام ، وعوَّل على
أقوال لشهود إثبات جَهَّل أسمائهم خلافًا لنهجه في ذكر أسماء كل الشهود ، مكتفيًا
بالإشارة إلى أرقامهم ، كما عوَّل الحكم أيضًا على إقرار المحكوم بإعدامه / ....
من أنه يعمل سائق " توك توك " ، وكان يقوم بنقل الأهالي إلى ناحية مركز شرطة كرداسة بناءً على تعليمات صادرة له من
المتهم/ .... – توفي - ، وعلى إقرار المحكوم بإعدامه / .... ، من أنه قائد
اللودر الذي قام بهدم سور المركز بناءً على أوامر صادرة له من المتهمين/ .... ،
ونجله ، وأنهما أجبراه على ذلك ، وعلى إقرار المحكوم بإعدامها / .... من أنها قامت بالتعدي على مأمور المركز بالضرب باستخدام
زاحف عقب وفاته ، وهو ما يناقض ما حصَّله الحكم في ثلاثة مواضع من مدوناته
من أن ذلك الاعتداء تم والمجني عليه لا يزال على
قيد الحياة ، كما اكتفى الحكم بسرد إقرارات المحكوم عليهم / .... ، و.... ، و....
، و.... ، و.... ، و.... ، و.... ، و....، و.... ، و.... ، ثم خلص إلى
معاقبتهم بالإعدام دون أن يبيٍّن وجه استدلاله بهذه الإقرارات على ثبوت التهمة في
حقهم ، ودون أن يفطن إلى أن ما أورده من إقرارات للمتهمين عوَّل عليها وجعلها
عمادًا لقضائه لم تتضمن أن أيًا منهم ارتكب الجرائم المسندة إليه ولا تؤدي إلى ما
رتَّبه الحكم عليها من نتيجة . لما كان ذلك ، فإن ما أورده الحكم من بيان للأدلة
التي عوَّل عليها قد جاء غامضًا ناقصًا ومبتورًا ، بحيث لا يبين منه أن المحكمة حين استعرضت هذه الأدلة قد ألمَّت بها إلمامًا
شاملًا ، فإنه يكون معيبًا بالقصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ،
بما يبطله ، ولا يغني عن ذلك ما أورده من أدلة أخرى ، إذ الأدلة في المواد
الجنائية – وبحسب ما سلف في معالجة الوجهين الثاني والثالث - متساندة بحيث إذا سقط
أحدها أو استبعد تعذَّر الوقوف على الأثر الذي كان له في الرأي الذي انتهت إليه
المحكمة .
6- لما الحكم المطعون
فيه وإن اتخذ من المادة 39 من قانون العقوبات على ما أورده في بعض مدوناته –
أساسًا للمسئولية ، وأشار إلى الأفعال المادية التي قارفها بعض الطاعنين والمثبتة –
بما أورده من أدلة – لارتكابهم جرائم القتل العمد بأركانها القانونية دون ظرفها
المشدد - كالشأن مثلاً بالنسبة للمحكوم عليهم / .... ، و.... ، و....، و.... ،
و.... - ، إلَّا أنه لم يحدد بوضوح سواء في معرض إيراده لواقعة الدعوى ، أو في
مقام سرده لأدلة الثبوت فيها ، أو فيما انتهى إليه في وصف التهمة تفصيل الوقائع
والأعمال المادية التي قارفها باقي الطاعنين ، وحملته على أخذهم بصفتهم فاعلين
أصليين للقتل العمد ، والشروع فيه ، وبما يتسق مع الأساس القانوني للمسئولية الذي
آخذهم به ، رغم ما هو مقرر من أنه يجب على المحكمة – في حق من تريد اعتباره فاعلًا
أصليًا في جريمة القتل العمد ، أو الشروع فيه طبقًا للمادة 39 من قانون العقوبات -
أن تبيِّن أنه قد اقترف في الواقع فعلًا ماديًا من الأفعال المادية الداخلة في
تكوين الجريمة ، لا سيما أن البيِّن مما انتهى إليه في وصف الاتهام بالقتل العمد والشروع فيه أنه
لم يؤاخذ هذا الفريق من الطاعنين - ممن لم يقارف الركن المادي لتلك الجرائم - ،
ولم يُحمِّلهم المسئولية عنها ، بصفتهم شركاء فيها ، حسبما أوجبه المشرع في المادة
3/2 من قانون التجمهر ، وكل ذلك صدى لما اضطرب فيه الحكم ، متأثراً بما تردى فيه
من جمع وخلط بين أساسي المسئولية الشخصية والتضامنية على ما سبق بيانه بالوجه
الأول للطعن .
7- من المُقَرَّر
ووفقاً للمبدأ الوارد تفصيلًا في معالجة الوجهين الرابع والخامس من الطعن أنه يجب
ألَّا يُجهِّل الحكم أدلة الثبوت في الدعوى ، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه في
تحصيله لأقوال شهود الإثبات ، وإقرارات المتهمين ، خلا في الغالب منها من بيان
مواضع إصابات المجني عليهم بالأعيرة النارية ، ومن بيان أماكنهم من الضاربين آن
إطلاقهم الأسلحة النارية عليهم محدثين تلك الإصابات ، كما خلا ما حصَّله الحكم من
تقارير الصفة التشريحية لجثث المجني عليهم من بيان ماهية ووصف الإصابات التي لحقت
بهم ، وأغفل تمامًا تحديد مسار الأعيرة النارية في جسم كل منهم ، ولم يشر إلى
مسافة أو اتجاه أو مستوى إطلاق تلك الأعيرة التي أحدثت تلك الإصابات ، مما أودى
بحياته من واقع الدليل الفني عينه ، حتى يمكن التحقق من مدى التوافق بين أدلة
الدعوى التي عوَّل عليها ، وبما لا يجزئ فيه إشارته في مواضع منه لإصابات حاقت
بالمجني عليهم ، دون أن يحدد مصدرها ، وما إذا كان هو تقرير طب العدل ، فبات
قاصرًا في بيان علاقة السببية بين أفعال الطاعنين وما لحق بالمجني عليهم من إصابات
أدت إلى الوفاة ، الأمر الذي يعيب الحكم بالقصور في البيان مما يعجز محكمة النقض عن
أن تقول كلمتها فيما يثيره الطاعنون بشأن تعويله على الدليلين القولي والفني رغم
تناقضهما ، ويحول بذلك بينها وبين إعمال رقابتها كذلك على تطبيق القانون تطبيقًا
صحيحًا ، هذا إلى أن ما أثاره الدفاع عن هذا التناقض بين الدليلين القولي والفني ،
وأثره في نفي علاقة السببية يعد جوهريًا ، مما كان يتعيَّن معه على المحكمة ، وقد
عوَّلت عليهما معًا أن تورد في حكمها ما يفيد أنها عندما قضت في الدعوى كانت على
بيِّنة منه ، وأن ترد عليه بما يزيل هذا التعارض ، أما وهي لم تفعل ، فإن حكمها
يكون معيبًا .
8- من المُقَرَّر
أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني ، فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة
، بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي
منها استخلاصًا ، مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلًا مع هذا
الاستنتاج ، ويشترط لتوافره في حق الجاني أن يكون في حالة يتسنى له فيها
التفكير في عمله ، والتصميم عليه في رويَّة وهدوء ، كما أنه من المقرر أن سبق
الإصرار – وهو ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب – يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ، ورسم خطة تنفيذها بعيدًا عن ثورة الانفعال
، مما يقتضي الهدوء والرويَّة قبل ارتكابها ، لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفسٍ جاشت بالاضطراب ، وجمح بها الغضب حتى
خرج طوره ، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراض قيامه
، وكان ما ساقه الحكم استظهارًا لظرف سبق الإصرار ، وإن توافرت له في ظاهره مقومات
هذا الظرف - كما هو معرف به في القانون - ، إلَّا أن ما ساقه الحكم في هذا الشأن من عبارات مرسلة ليس في حقيقته إلَّا ترديدًا لوقائع الدعوى كما أوردها في
صدره ، وبسطًا لمعنى سبق الإصرار وشروطه ، ولا يعدو أن يكون تعبيرًا عن تلك
الحالة التي تقوم بنفس الجاني ، والتي يتعيَّن على المحكمة أن تستظهرها بما يدل
عليها ، وأن تبيِّن الوقائع والأمارات والمظاهر الخارجية التي تكشف عنها ، مما كان
ينبغي على المحكمة معه أن توضح كيف انتهت إلى ثبوت توافر ظرف سبق الإصرار في حق
الطاعنين ، وذلك بعد أن خلت أدلة الدعوى مما يدل على ذلك يقينًا ، ولا يقدح فيما
تقدم ما اعتنقه الحكم ودل عليه – من حصول اجتماع سابق على ارتكاب الواقعة بين بعض الطاعنين- اتُّفقفيه على شراء أسلحة نارية مستعينين
في ذلك ببعض من أسموهم اللجان الشعبية ، وذلك لاستخدامها في مواجهة مركز شرطة كرداسة إذا ما تم فض اعتصامي .... و .... ، إذ لا سند له إلَّا من تحريات الشرطة والتي لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معيَّنة
أو دليلًا أساسيًا على ثبوت ظرف سبق الإصرار وفقًا للمبدأ السابق بيانه عن حجية
التحريات – في خصوص الاجتماع المنوه عنه – بالوجه الثاني للطعن ، فإن الحكم لا
يكون قد أورد الدليل المعتبر في القانون على
ثبوت ذلك الظرف وهو إذ عاقب الطاعنين بعقوبة جرائم القتل العمد والشروع فيه ، مع توافر الظرف المشدد ،
وأعمل أثره في حقهم مسئوليةً وعقابًا ، دون أن يورد ما يكفي ويسوِّغ توافره في
جانبهم يكون قاصرًا فاسدًا استدلاله .
9- من المُقَرَّر أنه
يجب ألَّا يكون الحكم مشوبًا بالغموض ، والإبهام– وفقًا للمبدأ المُقَرَّر السابق
سرده في معالجة الوجه الرابع من الطعن - ، وكان الحكم المطعون فيه ولئن أثبت –
متأثرًا بأساس المسئولية الوارد في المادة 39 من قانون العقوبات – وبما أورده من
أدلة كافية وسائغة ، أن بعض الطاعنين قد حاز
وأحرز بالذات والواسطة أسلحة نارية وذخائر بدون ترخيص ، ومما لا يجوز الترخيص به ، للإخلال بالسلم العام ،
إلَّا أنه لم يستظهر ، ولم يدلل – متأثرًا بأساس المسئولية الوارد في المادتين
الثانية والثالثة من قانون التجمهر آنف البيان- على أن من سواهم قد حاز أو
أحرز لذات الغرض – الإخلال بالسلم العام – وهو ما يعد في خصوص الدعوى المطروحة
هامًا ومؤثرًا في توافر المسئولية ، فضلًا عن نوع ومقدار العقوبة ، سيما وأن بعض هذه الأدلة كما حصَّلها الحكم ومنها ما
شهد به شهود الإثبات / .... ، و.... ، و.... ، و.... ، و.... ، و.... ،
وكذا ما أقر به بعض المتهمين أنفسهم .... ، و....، و....، و.... ، و.... ، و.... ،
و.... ، قد انصبَّت في الواقع على أن بعض المتجمهرين قد استقلوا بأفعال السرقة لا سيما ما كان محلها الأسلحة النارية
والذخائر - لحسابهم ولمقاصد شخصية - ، ولم يكن وقوعها منهم – وخلافًا لما أجمله الحكم في وصف الاتهام – تنفيذ
الغرض المسمى من التجمهر ، وهو ما ظهر في تصرف الجناة في المسروقات بالبيع لحسابهم
أو تسليمها طوعًا لآخرين ، وكان الالتجاء إليها – السرقة – بعيدًا عن المألوف الذي
يصح أن يفترض معه أن غيرهم من المشتركين في التجمهر قد علموا بها بحيث يسوغ
محاسبتهم عليها ، على النحو المفصل في المبدأ المقرر والسابق بيانه في معالجة الوجه الثاني من الطعن ، فإن الحكم يكون مشوباً
بالغموض والإبهام ، وهو أثر من آثار اتخاذه أساسين متناقضين للمسئولية على
النحو المبيَّن بمعالجة الوجه الأول للطعن .
10- لما الحكم المطعون
فيه بعد أن بيَّن واقعة الدعوى بالنسبة للطاعنين ، حصَّلها – حسبما صوَّرتها سلطة الاتهام – بالنسبة للمتَّهمَين/
.... ، و.... ، ثم عرض لتبرئتهما بما نصه : " .... وحيث إن المحكمة
بعد أن محَّصت الدعوى وأحاطت بظروفها ، وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها ،
وذلك عن بصر وبصيرة ، ووازنت بينها وبين
الثابت بالأوراق ، وداخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات بالنسبة لهذين المتَّهمَين
، سيما وأن أوراق الدعوى قد خلت مما يشير ويجزم بتواجد هذين المتَّهمَين بمسرح
الأحداث ، وكان الدليل ضدهما قائمًا على تحريات الشرطة وحدها ، والتي لا
تعدو كونها قرينة يَلْزَمُها أن تتأيَّد بدليل للإثبات حتى يرقى إلى مرتبة الدليل
الكامل ، ولا تعدو سوى كونها رأيًا شخصيًا لمُجْرِيها ، وهو ما يحدو بالمحكمة إلى
أن ترى في دليل الاتهام قصورًا عن حد الكفاية لبلوغ ما قصد إليه في هذا المقام ،
ومن ثم لا تقيم المحكمة قدرًا لما سردته التحريات التي أجرتها الشرطة وذكرت على
استحياء منها اسم هذين المتَّهمَين ، وترفض ما جاء بها نسبة إليهما ، مما يتعيَّن
معه اطراحها ، وعدم التعويل على ما شهد به مُجْري التحريات ، وحيث إنه متى تسرب
الشك إلى عقيدة المحكمة بالنسبة لهذين المتَّهمَين ، وحامت الشبهات بأدلة الثبوت
فيها مما لا ينهض معه أمام المحكمة دليل تطمئن إليه ، ويظفر بقناعتها ، فإن ذلك
حسبها كي تقضي ببراءتهما مما أسند إليهما ، وتنتزع للمتَّهمَين حقًا لهما من براثن
قرائن لا تصلح سندًا للاتهام في مقام المواد الجنائية بالنسبة لهما. " ، وهذا
الذي ذكره الحكم تسبيبًا لبراءة المتَّهمَين سالفي الذكر ، مع إفراده هؤلاء
الطاعنين بالإدانة يشوبه التناقض في التسبيب ، ذلك أن الاعتبارات التي ساقها في
سبيل تبرئة هذين المتَّهمَين تأسيسًا على عدم كفاية التحريات ، والتي لم تتأيَّد
بدليل آخر ، وأنها لا تعدو أن تكون رأيًا شخصيًا لمُجريها ، تصدُق بالنسبة لهؤلاء
الطاعنين التي أحاطت بهم نفس الظروف التي أحاطت بالمتَّهمَين الآخرَين المحكوم
ببراءتهما – حسب تحصيل الحكم المطعون فيه عينه لأدلة الإثبات – فكانت إدانتهم مع اجتماع ذات
الاعتبارات بالنسبة إليهم وإلى المتهمين الآخرين المحكوم ببراءتهما تحمل معنى
التناقض في الحكم ، ولا يُعْتَرض بأن من حق محكمة الموضوع تجزئة الدليل ؛ لأن ذلك
حدَّه أن يكون فيما يمكن فيه التجزئة بأسباب خاصة بمتهم ، أو متهمين بذواتهم ، لا
باعتبارات عامة تنصرف إلى كل المتهمين وتصدُق في حقهم جميعًا ، وإذا ما كانت
تحريات الشرطة ، كما أوردها الحكم واستدل بها جمعت بين الطاعنين – أصحاب وجه النعي
– والمتَّهمَين الآخرين معهم في إطار واحد ،
فلا يمكن إفراد الأولين بوضع مستقل بغير مرجح لا سند له من الحكم ، ولا شاهد عليه
، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله .
11- من المُقَرَّر أن
القانون أوجب حضور محامٍ يدافع عن كل متهم بجناية أُحيلت إلى محكمة الجنايات ؛ كي
يكفل له دفاعًا حقيقيًا ، لا مجرد دفاع شكلي ، تقديرًا منه بأن الاتهام بجناية أمر
له خطره ، فإن هذا الغرض لا يتحقق إلَّا إذا كان هذا المدافع قد حضر إجراءات
المحاكمة من بدايتها إلى نهايتها ، حتى يكون مُلِمًّا بما أجرته المحكمة من تحقيق
، وما اتخذته من إجراءات طوال فترة المحاكمة ، كما أوجب القانون كذلك على المحكمة
أن تندب للمتهم من يقبل الدفاع عنه من المحامين ، أو تندب له المحامي صاحب الدور
عن طريق النقابة ، في حالة عدم توكيل محامٍ
للدفاع عنه ، وأن تُتِح له الفرصة لإبداء دفاعه كاملًا ، لما كان ذلك ، وكان الطاعنون / .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، ....
، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ،
.... ، .... لم يحضر معهم محامٍ أثناء جلسات المحاكمة ، ولم تندب لهم
المحكمة مدافعًا ، كما أن الدفاع الحاضر مع المتهمين التاسع / .... ، والسادس
والأربعين / .... ، والرابع والتسعين / .... ، لم يبدوا دفاعًا حقيقيًا ، فضلًا عن
أن الطاعنين / .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، ..... ، .... ، .... ، .... ،
..... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، ....، .... ، .... ، .... ،
.... ، .... ، .... ، .... ، .... ، وإن حضر
مع كل أو البعض منهم مدافعًا ، إلَّا أن المحكمة لم تمكنه من إبداء دفاعه . لما
كان ذلك ، وكانت المحكمة الملاذ الأخير الذي يتعيَّن أن ينفسح لتحقيق الواقعة ، وتقصِّيها على الوجه الصحيح ، وإلا انتفت الجدية ،
وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق ، وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء
، وقد قام على هدى هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقًا مقدسًا
يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية ، التي لا
يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معًا إدانة بريء ، ولما
كانت المحكمة قد انتهت إلى إدانة الطاعنين المذكورين دون أن تندب مدافعًا لمن لم
يحضر معه مدافع ، ولم تستمع إلى مرافعة بعض الحاضرين
مرافعةً كاملة ، واستغنت عن سماع البعض الآخر ، لكون الدفاع يسير في نهج واحد ،
وهو ما لا يقبل منها تعليلًا لرفض سماعهم ، لما ينطوي عليه من معنى القضاء المسبق
على دفاع لم يطرح عليها ، وهو ما لا يصح في
القانون ، ذلك أن القانون يوجب سماع الدفاع كاملًا ، ثم بعد ذلك يحق
للمحكمة أن تبدي ما تراه فيه لاحتمال أن يجئ هذا الدفاع بما يقنعها بحقيقة قد
يتغير بها وجه الرأي في الدعوى . لما كان ما تقدم
فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبًا بالإخلال بحق الدفاع ، والبطلان في إجراءات
المحاكمة .
12- لما كان الحكم
المطعون فيه قد دان الطاعن باعتباره طفلًا . لما كان ذلك ، وكان القانون رقم 12
لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل ، المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 قد غاير في بعض
العقوبات التي يمكن أن توقَّع على الطفل إذا ارتكب جريمة بحسب سنه ، ومايز فيها
بشأنه بين حالتين ، ما إذا كان سنه لم يتجاوز الخامسة عشر بالمادة 101 منه ، وإذا
لم يكن سنه متجاوزًا الثامنة عشر بالمادة 111 من القانون ذاته ، فإن تحديد سن
الحدث على وجه دقيق يضحى أمرًا لازمًا لتوقيع العقوبة المناسبة حسبما أوجب القانون
. لما كان ذلك ، وكانت المادة الثانية من القانون المار ذكره قضت بأنه : يقصد
بالطفل في مجال الرعاية المنصوص عليها في هذا القانون كل من لم يتجاوز سنه الثامنة
عشر سنة ميلادية كاملة ، وأوجبت فقرتها الثانية : وتثبت السن بموجب شهادة الميلاد
أو بطاقة الرقم القومي أو أي مستند رسمي آخر ، واستلزمت فقرتها الثالثة : فإذا لم
يوجد المستند الرسمي أصلًا قُدرت السن بمعرفة إحدى الجهات التي يصدر بتحديدها قرار
من وزير العدل ، بالاتفاق مع وزير الصحة ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلت أسبابه
من الإشارة إلى الوثيقة أو المستند الذي إرتكن إليه في تحديد سن الطاعن ، وكان لا
يعتد بما أورده الحكم بديباجته على غير سند من أن سن الطاعن يتجاوز الخامسة عشر،
ولم يتجاوز الثامنة عشر . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن تقدير السن أمر متعلق
بموضوع الدعوى ، لا يجوز لمحكمة النقض أن تعرض له ، إلَّا أن تكون محكمة الموضوع
قد تناولته بالبحث ، وهو ما قعدت عنه وبما لا يجزئ فيه ما قرر به الباحث الاجتماعي
في محاضر الجلسات عن مصدر علمه بسن الطاعن مادامت المحكمة لم تطَّلع بمعرفتها على
سنده المدعى فيما قرر به ، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يعني باستظهار سن الطاعن
، فإنه يكون قد خالف القانون .
13- لما كانت المادة 46
من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، الصادر بالقانون رقم 57 لسنة
1959 تنص على إنه : " مع عدم الإخلال بالأحكام المتقدمة إذا كان الحكم صادرًا
حضوريًا بعقوبة الإعدام ، يجب على النيابة العامة أن تعرض القضية على محكمة النقض
مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم ، وذلك في الميعاد المبيَّن بالمادة 34 ، وتحكم
المحكمة طبقًا لما هو مُقَرَّر في الفقرة
الثانية من المادة 35 ، والفقرتين الثانية ، والثالثة من المادة 39 " ،
ومفاد ذلك أن وظيفة محكمة النقض في شأن الأحكام الصادرة بالإعدام ذات طبيعة خاصة
يقتضيها إعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة ، موضوعية وشكلية ، وتقضي بنقض الحكم
إذا ما استبان لها أنه قد شابه عيب من العيوب ، ولو من تلقاء نفسها ، غير مقيدة في
ذلك بحدود أوجه الطعن أو مبنى الرأي الذي تعرض به النيابة تلك الأحكام ، وذلك هو
المستفاد من الجمع بين الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثة من
المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المشار إليه ، وإذ كانت محكمة النقض تتصل
بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقًا للمادة 46
سالفة الذكر ، وتفصل فيها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها قبل فوات الميعاد
المحدد للطعن أو بعده ، أو كانت تلك المذكرة موقعة بتوقيع مقروء أو غير مقروء ،
وصادرة من محامٍ عام على الأقل ، أو ما دونه ، فإن المحكمة تقضي بقبول عرض النيابة
العامة للقضية .
14- لما كان البيِّن من
مدونات الحكم المعروض ، أنه اطرح الدفع بانتفاء أركان ، المساهمة الأصلية في حق
جميع المحكوم عليهم ، بما مفاده أنه مردود بما هو مُقَرَّر بالمواد 39 ، 43 من
قانون العقوبات ، و3/2 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر – وقد سبق
للمحكمة معالجة الوجه الأول لطعن المحكوم عليهم ببيان خطأ الجمع بين أساسي
المسئولية المستند إلى المادتين 39 عقوبات ، 3/2 من القانون 10 لسنة 1914 - ، ثم
استعرض الحكم من الوقائع ما رتَّب عليها
قناعته بقوله : " وهو ما خلُصت معه المحكمة على نحو لا يقبل الشك ، أو
التأويل في أن ما حدث كان أمرًا معدًا له ، وممنهجًا على نحو أدى فيه المتهمون
أدوارهم التي حُددت لهم ، سواء من قام بالقتل العمدي والشروع فيه ، أو من أتى
عملًا من الأعمال المادية المكونة لفعلي القتل
العمد والشروع فيه ، أو من تواجد على مسرح الأحداث مشاركًا في التجمهر ،
عالمًا بالقصد منه ، ومتيقنًا للجرائم المزمع ارتكابها أثناء هذا التجمهر ... وهو
أمر يرتب مسئولية من قتل وشرع في القتل ،
وتواجد على مسرح الجريمة ليشد من أزر من تواجد ، بإعمال نص المادة 3/2 من
قانون التجمهر رقم 10 لسنة 914 ، أو بإعمال لنص المادة 43 من قانون العقوبات
" . لما كان ذلك ، وكانت المادة 43 من قانون العقوبات ، وإن جاءت على خلاف
الأصل في المسئولية الجنائية من أن الجاني لا يسأل إلَّا عن الجريمة التي ارتكبها
، أو اشترك فيها بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 40 من القانون ذاته ، إلَّا
أن الشارع إذ تصور حالات تقع فيها نتائج غير مقصودة ، إنما تقع نتيجة محتملة
للمساهمة في الجريمة الأصلية المقصودة ابتداءً ، وفقًا للمجرى العادي للأمور قد
خرج عن ذلك الأصل ، وجعل المتهم مسئولًا أيضًا عن النتائج المحتملة لجريمته
الأصلية ، متى كان في مقدوره ، أو كان من واجبه أن يتوقع حدوثها على أساس افتراض
أن إرادة الجاني لا بد أن تكون قد توجهت نحو الجرم الأصلي ، ونتائجه الطبيعية ، وهو
ما نص عليه في المادة 43 من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان الحكم المعروض لم
يمايز - في نطاق تحديده لأدوار المحكوم عليهم في جرائم القتل العمد والشروع فيه مع
سبق الإصرار واطراحه دفعهم بانتفاء أركان المساهمة الأصلية – بين مسئولية المحكوم
عليهم جميعاً المستندة إلى المادة 3/2 من قانون التجمهر ، وتلك المنطبقة على
المادة 43 من قانون العقوبات ، فإنه يكون قد عاد عودًا غير أحمد إلى الغموض
والإبهام والاضطراب في تحديد أساس المسئولية الجنائية ، ذلك أن مناط العقاب وفقاً
للمادة 3/2 سالفة الذكر ، وشرط تضامن المتجمهرين في المسئولية بموجبها عن الجرائم
التي تقع تنفيذًا للغرض من التجمهر ، هو ثبوت العلم الفعلي واليقيني بالغرض منه ،
وإذ كان الحكم قد تحدث – على نحو ما سلف سرده - عن أن جرائم القتل العمد والشروع
فيه كذلك ، كانت أمراً معدًا له وممنهجًا
لكافة المحكوم عليهم ، وبما تحقق به علمهم فعلًا بالجرائم المذكورة ، كما أفاض في
عدة مواضع منه في التدليل على توافر ظرف سبق الإصرار لديهم - بما يقتضيه من
إعداد وترتيب ووقت قبل مقارفة الجريمة على نحو ما سبق الإلمام إليه في الوجه
التاسع من أوجه الطعن - ، وهو ما يتناقض مع مساءلتهم عنها – وفقاً للمادة 43 من قانون العقوبات – باعتبارها
نتيجة محتملة للمساهمة في الجريمة
الأصلية – التجمهر- ، ويتجافى مع افتراض المشرع بأنه كان في مقدور الطاعنين ،
أو كان من واجبهم أن يتوقعوا حدوثها ، مادام العلم الفعلي بها مسبقًا ثابت يقينًا
، ومادام سبق الإصرار والاتفاق على مقارفتها ، قد جمع بينهم ، وفقاً لما قر في
عقيدة المحكمة– في هذا الخصوص - وأيًّا كان الرأي فيه ، هذا فضلاً عن أنه لما كان
الحكم قد قصرت أسبابه وفسد استدلاله على ثبوت
جريمة التجمهر – على النحو المفصًّل في الوجه الثاني من طعن المحكوم عليهم- ومن ثم
، فإن مؤاخذتهم – أو البعض منهم – بجرائم القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار
، بحسبانها نتيجة محتملة لجريمة التجمهر يكون غير مقترن بالصواب ، لما هو مُقَرَّر
من أنه لا قيام للجريمة الاحتمالية قِبَل المتهم إلَّا إذا ثبت بيقين أنه أسهم
فاعلًا كان أم شريكًا في جريمة قصد إليها ابتداءً ، فإن لم يدلِّل الحكم على ذلك
بتدليل كافٍ وسائغ – وهو الحال في الدعوى الماثلة – كان ما تناهى إليه من قيام
الجريمة الاحتمالية في حق سالفي الذكر غير صحيح في القانون . ولما كان ما تقدم ،
فإن الحكم يكون معيبًا فوق قصوره بالغموض وبالاضطراب ، ويدل على اختلال فكرته عن
عناصر الواقعة برمَّتها ، وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يجعلها
في حكم الوقائع الثابتة ، وينبئ عن أن الواقعة لم تكن واضحة لدى المحكمة إلى الحد
الذي يؤمَن به الخطأ في تقدير مسئولية المحكوم عليهم بعد أن تنافرت في حكمها الأسس
القانونية التي قامت عليها تلك المسئولية وعنى الحكم في تطبيقها – حسبما سلفت
الإشارة – إلى استعمال حرف " أو" حال أن موضعه في اللغة العربية
الاختيار بين أمرين مستقلين ومتغايرين ، دون أن يقطع الحكم بكل أساس أخذ به على
حده ، مستظهرًا أركان الجرائم التي توافرت وفقًا له ، مقيمًا الدليل على ثبوتها في
حق من نسبت إليه من المحكوم عليهم ، وبما يصح معه مساءلته عنها ، ويكون فيه الرد
على ما عساه قد أبداه به من أوجه دفاع جوهرية ، وإذ كان الحكم قد أسس بنيانه دون
التزام بما تقدم ، فإنه يكون قد ابتناه على شفا جرفٍ هار فإنهار به ، وهو ما
يُعْجِز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الوقائع كما صار إثباتها في
الحكم ، وهو ما جعله متخاذلًا متناقضًا ، يمحو بعضه البعض الآخر ، ولا يُعْرَفُ
منه ما قصدته المحكمة ، ويعيبه بما يبطله ، وهو بطلان يندرج تحت حكم الحالة
الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 التي أحالت إليها الفقرة
الثانية من المادة 39 من القانون ذاته .
15- لما كان البيِّن من
الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن المحكوم عليه الخامس والسبعين بعد
المائة / .... ، طلب إحالته لمستشفى الأمراض العقلية ، لبيان مدى سلامة قواه
العقلية . لما كان ذلك ، وكان من المُقَرَّر طبقًا لنص المادة 62 من قانون
العقوبات أن فقد الإرادة أو الإدراك لجنون أو عاهة عقلية ، يترتب عليه من الناحية
الجنائية انعدام مسئولية المتهم ، أيًا كان نوع الجريمة المسندة إليه ، وسواء كانت
عمدية أو غير عمدية ، فإن هذا الدفع من المحكوم عليه يُعَدُّ دفاعًا جوهريًا ، إذ
إن مؤداه لو ثبت إصابته بعاهة في العقل وقت ارتكابه الأفعال المسندة إليه انتفاء
مسئوليته عنها عملاً بنص المادة 62 من قانون العقوبات ، وكان من المُقَرَّر أن
تقدير حالة المتهم العقلية ، وإن كان في الأصل من المسائل الموضوعية التي تختص
محكمة الموضوع بالفصل فيها ، إلَّا أنه يتعيَّن عليها ليكون قضاؤها سليمًا أن
تُعَيِّن خبيرًا للبت في هذه الحالة وجودًا وعدمًا ، لما يترتب عليها من قيام أو
امتناع عقاب المتهم ، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد في القليل أسبابًا سائغة تبني
عليها قضاءها برفض هذا الطلب ، إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى ، وحالة
المتهم أن قواه العقلية سليمة ، وأنه مسئول عن الجرم الذي وقع منه ، ولما كانت
المحكمة لم تفعل شيئًا من ذلك ، فإن حكمها يكون مشوبًا بعيبي القصور في التسبيب ،
والإخلال بحق الدفاع ، بما يبطله .
16- لما كان البيِّن من
الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أنه قد حضر مع المحكوم عليهم التاسع / .... ،
والثاني عشر / .... ، والعشرين / .... ، والحادي والعشرين / ....، والثاني
والأربعون / .... ، والسبعين / .... الأستاذ / .... المحامي ، كما حضر مع المحكوم
عليهما السادس والأربعين / .... ، والرابع والتسعين / .... الأستاذ / .... المحامي
، وحضر مع المحكوم عليه الخامس عشر / .... ، الأستاذ / .... المحامي ، وهم الذين
قاموا بالدفاع عنهم حسبما هو مُدوَّن بمحاضر جلسات المحاكمة ، ولما كان من
المُقَرَّر وجوب حضور محامٍ مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات ، يتولى الدفاع
عنه ، وكانت المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن المحامين المقبولين
للمرافعة أمام محكمة الاستئناف أو المحاكم الابتدائية يكونون مختصين دون غيرهم
بالمرافعة أمام محكمة الجنايات ، وكان يبين من كتاب نيابة النقض المرفق عدم
الاستدلال على أسماء هؤلاء المحامين ، وذلك لوجود أكثر من اسم متشابه ، ولعدم وجود
رقم القيد ، ومن ثم يتعذر على محكمة النقض الوقوف على استيفائهم لشرائط المرافعة
أمام محكمة الجنايات ، فإن إجراءات المحاكمة تكون قد وقعت باطلة بما يعيب الحكم
أيضاً .
17- لما كانت الأوجه من
الثاني عشر حتى السادس عشر أو العيبين الثالث والرابع تقتصر كل منها في مبناها
وأثرها على طاعن واحد أو طاعنين بذواتهم ، إلَّا أن سائر الأوجه والعيوب تتصل بكل
الطاعنين ، وتؤدي هذه الأوجه والعيوب – في مجموعها – إلى تعيُّب الحكم المطعون فيه
، بما يوجب نقضه والإعادة ، وفي جميع التهم المسندة
إلى الطاعنين ، لما هو مُقَرَّر من أن نقض الحكم في تهمة يوجب نقضه في جميع
التهم ، مادام الحكم قد اعتبرها جرائم مرتبطة ، وقضى بالعقوبة المُقَرَّرة لأشدها
، عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات ، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن . ولما كان الغالب من الأوجه الناقضة تتصل
بالمحكوم عليه .... الذي لم يقبل طعنه شكلًا ، فإن أثر النقض يمتد إليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة كلاً
من .... ، .... ، .... ، " والبالغ عددهم مائة وثمانية وثمانين متهماً " حال كون المتهم رقم تسعين بلغ من العمر الخامسة عشر ولم
يجاوز الثمانية عشر عاماً :-
المتهمون
من الأول إلى المتهم مائة خمسة وثمانون :-
- اشتركوا وآخرون مجهولون في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشاخص من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر ، وكان الغرض منه ارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والشروع فيه ، والتخريب ، والسرقة ، والتأثير على رجال السلطة العامة في أداء أعمالهم باستعمال القوة ، حال حملهم أسلحة نارية ، وبيضاء ، وأدوات مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص ، وقد وقعت تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر مع علمهم به الجرائم الآتية :
1- قتلوا وآخرون
مجهولون المجني عليه / .... ، عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتَّوا النيَّة وعقدوا
العزم على قتل قوات الشرطة المتواجدة بمركز شرطة كرداسة ، انتقاماً لفض اعتصامي ....
و .... ، وأعدوا لذلك الغرض أسلحة نارية ، وبيضاء ، وقاذفات صاروخية ، وأدوات مما
تستخدم في الاعتداء على الأشخاص ، وتوجهوا إلى مقر المركز وحاصروهم داخله ، وما أن ظفروا به حتى أطلق المتهم السادس عيارين ناريين صوبه ، وتعدى عليه
آخرون من بينهم بأسلحة بيضاء قاصدين إزهاق روحه ، فاحدثوا إصابته الموصوفة بتقرير
الصفة التشريحية التي أودت بحياته ، وكان ذلك تنفيذاً لغرض إرهابي على النحو
المبين بالتحقيقات ، وقد اقترنت بجناية القتل آنفة البيان وتقدمتها وتلتها جنايات
أخرى ذلك أنهم في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر ، قتلوا وآخرون مجهولون المجني
عليهم / .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، ....، .... ، ....، .... " من
قوات الشرطة " ، و.... ، .... الذين تصادف مرورهم بمحل الواقعة
عمداً مع سبق الإصرار ، بأن بيَّتوا النيَّة وعقدوا العزم على قتل قوات الشرطة
المتواجدين بمركز شرطة كرداسة انتقاماً لفض اعتصامي .... ، و .... ، وأعدوا لذلك
الغرض الأسلحة والأدوات سالفة البيان ، وتوجهوا إلى مقر المركز وقذفوهم بالحجارة
وزجاجات الوقود مشتعلة الطرف " ملوتوف " وأشعلوا إطارات السيارات أمامه
وحاصروهم داخله ، وما أن ظفروا بهم حتى أطلقوا صوبهم وابلاً من الأعيرة النارية ، وقذائف
المدفعية ، قاصدين من ذلك إزهاق أرواحهم ، فأحدثوا بهم بعض الإصابات ، والتي أودت
بحياة اثنين منهم واقتادوا الباقين إلى خارج مركز الشرطة وانهالوا عليهم طعناً
بالأسلحة البيضاء ، والأدوات سالفة البيان ، وما أن خارت قواهم وسقطوا مضرجين في
دمائهم حتى عاجلوهم بعدة أعيرة نارية قاصدين من
ذلك قتلهم ، فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بتقارير الصفة التشريحية والتي أودت
بحياتهم ، وكان ذلك تنفيذاً لغرض إرهابي على النحو المبين بالتحقيقات .
- شرعوا وآخرون مجهولون
في قتل المجني عليه / .... ، وتسع وعشرين آخرين " الواردة أسماؤهم بكشف
المصابين المرفق " عمداً مع سبق الإصرار ، بأن بيتوا النيَّة ، وعقدوا العزم
على قتلهم ، وأعدوا لذلك الغرض الأسلحة والقذائف والأدوات سالفة البيان ، وما أن
ظفروا بهم حتى أطلقوا صوبهم وابلاً من الأعيرة النارية ، وقذائف المدفعية ، واقتادوهم
إلى خارج مركز الشرطة ، وانهالوا عليهم طعناً بالأسلحة البيضاء ، والأدوات سالفة
البيان ، قاصدين من ذلك إزهاق أرواحهم ، فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بتقارير
الطب الشرعي ، والتقارير الطبية المرفقة بالأوراق ، وقد خاب أثر جريمتهم لسبب لا
دخل لإرادتهم فيه ، وهو مداركة المجني عليهم بالعلاج ، وكان ذلك تنفيذاً لغرض
إرهابي حال كون أحد المجني عليهم طفلاً على النحو المبين بالتحقيقات .
- خربوا
وآخرون مجهولون عمداً مباني وأملاك عامة مخصصة لمصالح حكومية
" مبنى مركز شرطة كرداسة " ، "
مدرعة ومركبات الشرطة " ، بأن استخدموا معدة ثقيلة " لودر" ،
وقذائف أر . بي . جي وزجاجات مشتعلة الطرف
" ملوتوف " ، وأضرموا النار بها ، فأتوا عليها ، وكان ذلك
تنفيذاً لغرض إرهابي على النحو المبين بالتحقيقات .
- سرقوا المنقولات
المبينة وصفاً قيمة الأوراق والمملوكة للمجني عليه / .... وآخرين " الوارد أسماؤهم بالكشف المرفق " ، وكان ذلك بالطريق العام حال كون
المتهمين حاملين لأسلحة ظاهرة على النحو المبين بالتحقيقات .
2- حازوا وأحرزوا
بالذات والواسطة أسلحة نارية بعضها بترخيص والبعض الآخر مما لا يجوز الترخيص بحيازتها
أو إحرازها " مدافع ، مدافع رشاشة ، بنادق آلية " وأسلحة نارية مششخنة
" مسدسات " وغير مششخنة " أفراد خرطوش " ، وكان ذلك بإحدى
أماكن التجمعات بقصد استعمالها في الإخلال بالأمن والنظام العام على النحو المبين
بالتحقيقات .
3- حازوا وأحرزوا
بالذات والواسطة ذخائر مما تستعمل على الأسلحة سالفة الذكر حال كون بعضها بغير
ترخيص والبعض الآخر مما لا يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها ، وكان ذلك بإحدى
أماكن التجمعات وبقصد استعمالها في الإخلال بالأمن العام على النحو المبين
بالتحقيقات .
4- سرقوا وآخرون
مجهولون الأسلحة والمهمات الشرطية والمنقولات المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق ،
والمخصصة لقوات الشرطة بمركز شرطة كرداسة على النحو المبين بالتحقيقات .
5- مكَّنوا وآخرون
مجهولون مقبوضاً عليهم من الهرب على النحو المبين بالتحقيقات .
6- حازوا وأحرزوا أسلحة
بيضاء وأدوات مما تستعمل في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ قانوني أو مبرر من
الضرورة المهنية أو الحرفية ، وكان ذلك بإحدى أماكن التجمعات وبقصد استعمالها في
الإخلال بالأمن والنظام العام على النحو المبين بالتحقيقات .
المتهمون
من المائة ستة وثمانون وحتى الأخير :-
1- اشتركوا بطريق
المساعدة مع باقي المتهمين في ارتكاب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار ، وما
اقترن بها من جرائم أخرى ، وكذا حيازة وإحراز أسلحة نارية ، وذخائر موضوع التهمتين
الثانية والثالثة ، بأن أمدوهم بعدة أسلحة نارية وذخائر مما استخدمت في اقترافها ،
مع علمهم بها فوقعت تلك الجرائم بناء على تلك المساعدة على النحو المبين
بالتحقيقات .
وأحالتـهم إلى محكمة
جنايات .... لمعـاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحـالة .
ومحكمة الجنايات قضت عملاً بالمواد 1/1 ، 2 ، 3 مكرراً من القانون رقم
10 لسنة 1914 بشأن التجمهر ، المعدل بالقانون
رقم 87 لسنة 1968 ، والمواد 13 ، 39 ، 40 ثالثاً ، 41/1 ، 43 ، 45/1 ، 46 ، 86 ، 90/2،1 ، 142 ، 230 ، 231 ، 234 ، 235 ،
315/أولاً ، 317 خامساً من قانون العقوبات ، والمواد 1 ، 6 ، 25مكرراً ، 26
، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن
الأسلحة والذخائر المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981، والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والبنود
أرقام 4 ، 5 ، 7 من الجدول رقم 1 ، والجدول رقم 2 ، والبند " أ "
من القسم الأول ، والـبـنـدين " أ، ب " من القسم الثاني من الجدول رقم 3
الملحقين جميعاً بالقانون الأول ، والمعدل أولهما بقرار وزير الداخلية رقم 175 لسنة 2007 وثالثهما بقرار وزير الداخلية رقم
13354 ، والمواد أرقام 95 ، 116/2،1 ، 116 من القانون رقم 12 لسنة 1996
بشأن الطفل والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 ، مع إعمال المادة 32 من قانون
العقوبات :-
أولاً :- بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهمين.... ،
.... بوفاتهما .
ثانياً :- غيابياً وبإجماع الآراء بالنسبة للمتهمين ....
، .... ، " والبالغ عددهم أربعة وثلاثين " بالإعدام عما نسب إليهم .
ثالثاً : حضورياً بالنسبة للمتهم الحدث/ .... بالسجن
لمدة عشر سنوات .
رابعاً : حضورياً وبإجماع الآراء بمعاقبة كلٍ من ....
، .... ، " والبالغ عددهم مائة وتسعة وأربعين " بالإعدام عما نسب إليهم
.
خامساً : حضورياً
بالنسبة للمتهم/ .... ببراءته مما نسب إليه .
سادساً : غيابياً
بالنسبة للمتهم / .... ببراءته مما أسند إليه .
سابعاً : بمصادرة
الأسلحة المضبوطة التي وردت تفصيلاً بأدلة الثبوت بالدعوى .
ثامناً : بإحالة
الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة وبلا مصروفات .
فطعن
المحكوم عليهم حضورياً والرابع والثلاثون والمحكوم عليها الرابعة والأربعون
والمحكوم عليه الطفل
.... ، والمحكوم عليهم الخامس والسادس والسابع والتاسع والثلاثون ، كما طعن
الأستاذ / .... المحامي بصفته وكيلاً
عن المحكوم عليه المائة وسبعة وأربعون ، كما طعن الأستاذ / .... بصفته وكيلاً عن
المحكوم عليه السادس ، كما طعن باقي المحكوم عليهم حضورياً عدا المحكوم عليه
الحادي عشر في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ .
كما عرضت النيابة
العامة للقضية بمذكرة مشفوعة بالرأي بإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليهم
حضورياً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
أولاً : عن طعن المحكوم عليه / .... :
من حيث إن الطاعن وإن
قدم أسبابًا لطعنه ، إلَّا أنه لم يقرر بالطعن بالنقض طبقًا للمادة 34 من قانون
حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ، ومن ثم
فإن الطعن المقدم منه يكون غير مقبول شكلاً .
ثانياً : عن طعن المحكوم عليهم / .... ، .... ، .... .
من حيث إن الحكم
المطعون فيه صدر بتاريخ .... ، وقدم المحكوم عليهم مذكرة بأسباب طعنهم بتاريخ ....
، وكان من المقرر بالمادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض سالف
الذكر وجوب التقرير بالطعن وإيداع الأسباب التي بُني عليها في ظرف ستين يومًا من
تاريخ الحكم الحضوري ، وكان هذا الميعاد ينقضي بالنسبة للحكم المطعون فيه في ....
، بيد أنه لما كان ذلك اليوم يوم جمعة – وهو عطلة رسمية - ، ومن ثم فإن ميعاد
الطعن يمتد إلى اليوم التالي .... ، وإذ أودعت مذكرة أسباب الطعن بالنقض سالفة
البيان في ذلك اليوم ، فإنها تكون قد أودعت في الميعاد المُقَرَّر ، ويكون طعن
الطاعنين الثلاثة قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة .
ثالثاً : عن طعن سائر الطاعنين .
ومن حيث إن مما ينعاه
الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم الاشتراك في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص ، من شأنه أن
يجعل السلم العام في خطر ، وكان الغرض
منه ارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والشروع فيه ، والتخريب ، والسرقة ،
والتأثير على رجال السلطة العامة في أداء أعمالهم باستعمال القوة ، وبارتكاب جرائم
القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار ، والتخريب العمد لأملاك عامة تنفيذاً
لغرضٍ إرهابي، والسرقة في طريقٍ عام مع حمل أسلحة ظاهرة ، وحيازة وإحراز بالذات
وبالواسطة أسلحة نارية بغير ترخيص – غير مششخنة ومششخنة – بعضها مما لا يجوز
الترخيص بحيازتها وإحرازها ، وكان ذلك بإحدى أماكن التجمعات بقصد استعمالها في
الإخلال بالأمن والنظام العام ، إضافة إلى ذخائرها
، والسرقة ، وتمكين مقبوضٍ عليهم من الهرب ، وحيازة وإحراز أسلحة بيضاء دون مسوغ ،
واشتراك الأخير منهم في جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار وسائر الجرائم ، قد شابه
القصور والإجمال والإبهام والاضطراب والتناقض في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ،
واعتوره الخطأ في القانون ومخالفته ، وران عليه البطلان ، وانطوى على الإخلال بحق
الدفاع ، ذلك بأن:
الوجه الأول :
سآءل – الحكم –
الطاعنين عن كافة الجرائم التي دانهم بها استنادًا إلى أساسين متناقضين للمسئولية
الجنائية ، الأول ما نصت عليه المادة 39 من قانون العقوبات ، والثاني الوارد بنص
المادة 3/ فقرة 2 من القانون 10 لسنة 1914 مما يعيب الحكم بالتناقض والخطأ في
تطبيق القانون .
من حيث إن الحكم
المطعون فيه وفي نطاق اطراحه لدفع الطاعنين بانتفاء أركان المساهمة الجنائية
الأصلية في حقهم ، وأثبت توافرها عملاً بنص المادة 39 من قانون العقوبات في قوله –
بعد أن عدد الأفعال المادية التي قارفها بعض المحكوم عليهم - : "... ومن ثم ،
يضحى الدفع بانتفاء المساهمة الجنائية طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات
دفعًا يفتقد سنده من صحيح القانون والواقع ... " ، ثم عرض في إطار اطراحه
لدفع الطاعنين بانتفاء أركان جريمة التجمهر في
حقهم – وما ترتب عليها – وانتهى - بدوره – إلى رفضه لثبوتها في قوله : " ....
وهو ما يجزم بأن الوقائع كانت نتاج تجمهر إجرامي متفقًا عليه ، ومقصوداً به قتل
أكبر عدد من أفراد رجال الشرطة انتقامًا من فض اعتصامين إجراميين بـ .... ، و ....
بـ .... بما يدرأ ما أثاره الدفاع من قول فاسد يفتقد أساسه من الواقع والقانون بإثارة .... الشك حول
مسئولية المتجمهرين التضامنية طبقًا لنص المادتين 2 ، 3 من القانون 10 لسنة 1914 ،
واعتبار كل من تواجد من المتهمين بهذا التجمهر
مسئولًا عما تم اقترافه من جنايات القتل والشروع فيه .... " . لما كان
ذلك ، وكان من المقرر أن مناط العقاب وفقًا لنص المادة 39 من قانون العقوبات هو
الأصل العام المقرر في التشريعات الجنائية الحديثة ، وهو أن الجاني لا يسأل بصفته
فاعلًا أصليًا أو شريكًا ، إلَّا عمَّا يكون لنشاطه دخْل في وقوعه من الأعمال التي
نص القانون على تجريمها ، سواء أكان ذلك بالقيام بالفعل أو الامتناع الذي يجرِّمه
القانون ، وأن مسئوليته تتحدد بما ينسب إليه من وقائع ، ولا يحاج بما يقع من غيره
، أو يُقضى به عليه ، كما أنه من المُقَرَّر أن مناط العقاب على جريمة التجمهر
المؤثمة بالمادتين الثانية ، والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 ، وشرط تضامن المتجمهرين في المسئولية عن الجرائم التي تقع
تنفيذًا للغرض منه ، هو ثبوت علمهم بهذا الغرض ، وأن تكون الجرائم التي
ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ، ولم تكن جرائم استقل بها أحد
المتجمهرين تنفيذًا لغرض أو قصد خاص به ، فإن الحكم – المطعون فيه – إذ جمع
بين المسئوليتين التضامنية والشخصية للطاعنين - واتخاذه لهما معًا سندًا لقضائه
بالإدانة ، وما أوقعه من عقابٍ جسيم – يكون قد خلط بين أساسين متناقضين للمسئولية
من حيث الأركان والعناصر التي تَطَلَّب القانون توافرها لكل منهما – على نحو ما مَرَّ بيانه – حتى يصح الاستناد إليه كأساس
للمسئولية الجنائية في قضائه بإدانة الطاعنين ، سيما وأن الحكم لم يفارق
بين الطاعنين في أساس المسئولية عن الجرائم التي ضمَّنها وصف الاتهام وفقًا
لاختلاف مراكزهم القانونية ، بل جمع بينهما – المسئوليتين – بغير جامع في إطلاقٍ
شمل كافة الطاعنين عن كل الجرائم التي سآءلهم عنها ، وكان ما أورده الحكم – على
نحو ما سلف – فوق خطئه في القانون قد أوقعه في تناقض في بيان أساس المسئولية التي
عاقب الطاعنين على سند منها ، كان له أثره فيما تردى فيه الحكم من قصور وتناقض
واضطراب في التسبيب فيما انتهى إليه من إدانة ، مما كان له صداه في خصوص عدد من
الجرائم – على النحو الذي سيرد تاليًا – في نطاق معالجة ما عيَّبه به الطاعنون .
الوجهان الثاني والثالث :
الحكم
دلَّل على التجمهر ، والعلم والغرض منه بما لا يكفي ولا يسوغ وسآءل كل الطاعنين – بالبناء على ثبوته في
حقهم – عن سائر الجرائم على خلاف القانون .
ومن حيث إنه لما كانت
الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر قد نصت على
أنه : " إذا وقعت جريمة بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر فجميع الأشخاص
الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكاب هذه الجريمة يتحملون مسئوليتها جنائيًا بصفتهم
شركاء إذا ثبت علمهم بالغرض المذكور " ، فيجب لأخذ المشتركين في التجمهر
وفقًا لذلك النص ، فضلاً عن ثبوت علمهم بالغرض الممنوع ، ووقوع الجريمة أثناء
اشتراكهم في التجمهر ، أن يثبت أن وقوعها كان بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر ، فإن
كانت قد وقعت تنفيذًا لقصد آخر سواء أكان قد بيَّته أو أضمره مقارفها ، أم كان قد
نبت عنده فجأة ، فلا يسأل عنها باقي المشتركين في التجمهر ، كما لا يسألون عنها
إذا ارتكبها مقارفها بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر في رأيه ، متى تبيَّن أن
الالتجاء إليها لتنفيذ ذلك الغرض كان بعيدًا عن المألوف . لما كان ذلك ، وكان
الحكم المطعون فيه فيما حصَّله في صورة الواقعة أورد أن المتهمين العشرة الأول
وآخر متوفى عقدوا اجتماعًا يوم .... بمنزل المتهم
الثاني ، وكان صاحب الأمر والنهي فيه
المتهمون الخمسة الأول ، حيث اجتمعت إرادتهم واستقر بهم العزم على شراء أسلحة
نارية ... ، وعقد جميع المتواجدين بنفوس هادئة عالمة بما تُدَبِر له على
مهاجمة مركز شرطة كرداسة حال قيام الشرطة بفض الاعتصامين المتواجدين بـ .... ، وميدان .... بـ .... ، وقتل
كل من يتواجد بالمركز من ضباط الشرطة ورجالها . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مدونات
الحكم المطعون فيه أنه قد استدل على ذلك الاجتماع – الذي استمد منه العلم بالغرض
من التجمهر وما رتبه عليه – بتحريات الشرطة وبأقوال الضباط الذين أجروها ، وبما
قاله الشاهد الثامن والعشرون من أنه نما إلي علمه حدوث ذلك الاجتماع . لما كان ذلك
، وكان من المُقَرَّر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي
بإدانة المتهم أو ببراءته ، صادرًا في ذلك عن عقيدة يحصِّلها هو مما يجريه من
تحقيق ، مستقلًا في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ، ولا يصح في
القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم
صحتها حكمًا لسواه ، وكان من المُقَرَّر كذلك أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعوِّل
في تكوين عقيدتها على التحريات بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة ، إلَّا أنها
لا تصلح بمجردها أن تكون دليلًا كافيًا بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام ،
وهي من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان ،
والصدق والكذب ، إلى أن يُعرف مصدرها ويتحدد ، حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر
ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ، ويقدر قيمته القانونية في الإثبات . لما كان
ذلك ، وكان البيِّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد اتخذت من التحريات
دليلًا أساسيًا في ثبوت واقعة الاجتماع المذكور
، والغرض الذي تم الاتفاق عليه فيه ، دون أن تورد في حكمها من الأدلة والقرائن
اليقينية ما يساندها إضافة إلى أنها لم تشر في حكمها إلى اسم الشاهد الثامن
والعشرين للوقوف على صحة ما شهد به ومصدر علمه بما شهد به ، ومصدر التحريات التي
أجراها ضباط الشرطة على نحو تمكنت معه المحكمة من تحديده والتحقق من ثم من صدق ما
نقل عنه ، ولا يجزئ في ذلك ما استدل به الحكم على العلم بالغرض من التجمهر من حركة
إشارة الذبح التي أشار بها المتهم / .... للتجمع الذي كان يتواجد خارج المركز ،
والمكون من أتباعه ومُريديه من المتجمهرين تعبيرًا – فيما استنتجه الحكم – عن
ضرورة قتل كل من يتواجد بالمركز عقب رفض مأمور المركز مغادرة المركز والبلدة كلها
، ومعه جميع رجال الشرطة قبل اشتعال الأحداث ، ذلك أن الحكم لم يورد من الأدلة ما
يبين منها من كان متواجداً من المحكوم عليهم وقت حدوث هذه الإشارة تحديدًا ،
وبالتالي علمه بهذا الغرض ، تحديداً لمسئوليته عن الجرائم التي وقعت تنفيذًا له
إضافة إلى تناقض شاهدي الإثبات الملازم أول شرطة بمركز كرداسة / .... ، وأمين
الشرطة بالمركز ذاته / .... ، في تحديد اليوم الذي وقعت فيه إشارة الذبح ، وما
ارتبط بها ، وهل هو .... أم .... وهو ما يعيب الحكم ، ولا يغير من ذلك كله أن يكون
الحكم قد عوَّل في الإدانة على أدلة أخرى ، لما هو مُقَرَّر من أن الأدلة في
المواد الجنائية ضمائم متساندة ، يكمل بعضها البعض الآخر ، ومنها مجتمعة تتكون
عقيدة المحكمة بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان
للدليل المستبعد في الرأي الذي انتهت إليه . لما كان ذلك ، وكان يبين من الحكم
المطعون فيه أنه حصَّل الواقعة التي دان الطاعنين بها كما استقرت في وجدان المحكمة
بأن الغرض من التجمهر تحديدًا هو مهاجمة مركز شرطة كرداسة وقتل كل من يتواجد
بالمركز من الشرطة ورجالها ، وكان ما انتهى إليه الحكم بشأن وصف تهمة التجمهر
المسندة إلى الطاعنين أن الغرض من التجمهر – إضافة إلى ما سلف – ارتكاب جرائم
التخريب والسرقة والتأثير على رجال السلطة العامة في أداء أعمالهم باستعمال القوة
حال حملهم أسلحة نارية وبيضاء وأدوات مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص ، وقد
وقعت تنفيذًا للغرض المقصود من التجمهر مع علمهم به الجرائم التي أشار إليها
وسآءلهم عنها ، فإن ما أوردته المحكمة في
أسباب حكمها على الصورة المتقدمة يناقض بعضه البعض الآخر . لما كان ذلك ،
وكان البيِّن من الحكم أنه إذ دان الطاعنين بجريمة الاشتراك في تجمهر، وحمَّلهم
مسئولية سائر ما وقع من جرائم تأسيسًا على أنها كانت تنفيذاً للغرض المقصود منه ،
مع علمهم به ، حال أنه دلَّل تدليلًا قاصراً ومتهاترًا ، على توافر موجبات هذه
المسئولية من تحديد للغرض المقصود من التجمهر والعلم به ، ومن ثم يكون الحكم
معيبًا بالقصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال ، وهي عيوب لها الصدارة
على وجوه الطعن المتعلقة بمخالفة القانون ، وبما يعجز هذه المحكمة عن إعمال
رقابتها على تطبيق القانون تطبيقًا صحيحاً على واقعة الدعوى وتقول كلمتها فيما
ينعاه الطاعنون بوجه النعي الآخر لخطأ الحكم في تطبيق القانون ، إذ سآءلهم عن سائر
الجرائم استنادًا إلى هذا الأساس المعيب .
الوجهان الرابع والخامس :
الحكم عرض لواقعة
الدعوى وأدلتها في إجمال وإبهام ، وبما لا تتوافر به أركان الجرائم التي دانهم بها
، وينبئ عن أن المحكمة لم تحط بالدعوى عن بصر وبصيرة ، وعوَّل على أدلة وقرائن لم
يبيِّن وجه استدلاله بها على ثبوت مقارفتهم تلك الجرائم ولا تكفي لحمل قضائه ولا
تؤدي إلى ما رتَّبه عليها .
وحيث إن الشارع يوجب في
المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان
الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها
، والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ، وأن تلتزم بإيراد
مؤدى الأدلة التي استخلصت منها الإدانة ، حتى يتضح وجه استدلالها بها ، وسلامة
مأخذها ، وإلا كان الحكم قاصرًا ، وكان من المُقَرَّر أنه ينبغي ألَّا يكون الحكم
مشوبًا بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبيَّن مدى صحة الحكم من فساده في التطبيق
القانوني على واقعة الدعوى ، وهو يكون كذلك كلما جاءت أسبابه مُجْمَلة أو غامضة
فيما أثبتته أو نفته من وقائع ، سواء كانت متعلقة ببيان توافر أركان الجريمة ، أو
ظروفها، أو كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الهامة ، أو كانت متصلة بعناصر الإدانة
على وجه العموم ، أو كانت أسبابها يشوبها الاضطراب الذي ينبئ عن اختلال فكرته من
حيث تركيزها في موضوع الدعوى ، وعناصر الواقعة ، مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته
، سواء ما يتعلق منها بموضوع الدعوى ، أو بالتطبيق القانوني ، ويُعْجز بالتالي
محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح ، وكان من المُقَرَّر – كذلك – أنه
يجب إيراد الأدلة التي تستند إليها المحكمة ، وبيان مؤداها في الحكم بياناً كافياً
فلا يكفي مُجرَّد الإشارة إليها ، بل ينبغي سرد مضمون الدليل وذكر مؤداه بطريقة
وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ، ومبلغ اتساقه مع
باقي الأدلة حتى يتضح وجه استدلاله بها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم
يبيِّن بوضوح – سواء في معرض إيراده واقعة الدعوى أو في سرده لأدلة الثبوت فيها –
تفصيل الوقائع والأفعال التي قارفها كل من الطاعنين ، ودور كل منهم في ارتكاب
الجرائم المنسوبة إليه لا سيما وأنه قد أفصح في مدوناته بجلاء عن اتخاذه من بين ما
أَسّس عليه قضاءه ما تضمنته المادة 39 من قانون العقوبات – من أنه يعد فاعلًا للجريمة من يرتكبها وحده أو مع غيره ، ومن يدخل في
ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال ، فيأتي عمدًا عملًا من الأعمال
المكونة لها - أساسًا للمسئولية في حقهم ولم يبيِّن الأدلة الدالة على ذلك بيانًا
يوضحها ويكشف عن قيامها ، وذلك من واقع الدعوى وظروفها ، وكان الحكم قد اكتفى في
ذلك بعبارات عامة مُجْمَلة ، ومُجهَّلة لا يبين منها حقيقة مقصودة في شأن الواقع
المعروض الذي هو مدار الأحكام ، ولا يتحقق بها الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب
تسبيبها من الوضوح والبيان ، ومن شواهد ذلك أنه عوَّل على شهادة الشاهد الثالث /
.... في حق المحكوم بإعدامه / .... ، وعلى شهادة الشاهد الخامس / .... في حق
المحكوم بإعدامهما / .... ، .... وعلى شهادة الشاهد الثامن والعشرين – مجهول ذكر
الاسم بالحكم – في حق المحكوم بإعدامه / .... ، دون أن يورد فحوى شهاداتهم ووجه
استدلاله بها على ثبوت التهمة بكافة عناصرها القانونية مكتفياً في ذلك بقالة أن
الشاهد الثالث شاهد المتهم / .... ضمن المشرفين على عملية التجمهر أمام مركز
الشرطة ، وكان يوجه المتجمهرين لحثهم على القتل ، وأن الشاهد الخامس شاهد المتهمين
/ .... ، .... ضمن المتجمهرين ، وممن يلقون بالحجارة والمولوتوف صوب مركز الشرطة ،
وأن الشاهد الثامن والعشرين شاهد من شرفة منزله بعض المتهمين يحملون أسلحة آلية
متوجهين بها نحو مركز الشرطة ، ومن ضمنهم المتهم / .... ، وهي عبارات عامة
مُعمَّاه ، ومُجهَّلة لا يبين منها وجه الحق في الدعوى ولا تؤدي إلى ما رتَّبه
الحكم عليها ، ولا تكفي لحمل قضاءه الصادر بالإعدام ، وعوَّل على أقوال لشهود
إثبات جَهَّل أسمائهم خلافًا لنهجه في ذكر أسماء كل الشهود ، مكتفيًا بالإشارة إلى
أرقامهم ، كما عوَّل الحكم أيضًا على إقرار المحكوم بإعدامه / .... من أنه يعمل
سائق " توك توك " ، وكان يقوم بنقل الأهالي
إلى ناحية مركز شرطة كرداسة بناءً على تعليمات صادرة له من المتهم/ .... – توفي -
، وعلى إقرار المحكوم بإعدامه / .... ، من أنه قائد اللودر الذي قام بهدم
سور المركز بناءً على أوامر صادرة له من المتهمين/ .... ، ونجله ، وأنهما أجبراه
على ذلك ، وعلى إقرار المحكوم بإعدامها / ....
من أنها قامت بالتعدي على مأمور المركز بالضرب باستخدام زاحف عقب وفاته ،
وهو ما يناقض ما حصَّله الحكم في ثلاثة مواضع من مدوناته من أن ذلك الاعتداء تم
والمجني عليه لا يزال على قيد الحياة ، كما اكتفى الحكم بسرد إقرارات المحكوم
عليهم / .... ، و.... ، و.... ، و.... ، و.... ، و.... ، و.... ، و....، و.... ،
و.... ، ثم خلص إلى معاقبتهم بالإعدام دون أن يبيِّن وجه استدلاله بهذه الإقرارات
على ثبوت التهمة في حقهم ، ودون أن يفطن إلى أن ما أورده من إقرارات للمتهمين
عوَّل عليها وجعلها عمادًا لقضائه لم تتضمن أن أيًا منهم ارتكب الجرائم المسندة
إليه ولا تؤدي إلى ما رتَّبه الحكم عليها من نتيجة . لما كان ذلك ، فإن ما أورده
الحكم من بيان للأدلة التي عوَّل عليها قد جاء غامضًا ناقصًا ومبتورًا ، بحيث لا
يبين منه أن المحكمة حين استعرضت هذه الأدلة قد ألمَّت بها إلمامًا شاملًا ، فإنه
يكون معيبًا بالقصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، بما يبطله ، ولا يغني عن
ذلك ما أورده من أدلة أخرى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية – وبحسب ما سلف في
معالجة الوجهين الثاني والثالث - متساندة بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذَّر
الوقوف على الأثر الذي كان له في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة .
أوجه الطعن السادس ، والسابع ، والثامن ، والتاسع :
لم يبيِّن الحكم الأفعال
المادية التي ارتكبها كل طاعن في خصوص جرائم القتل العمد والشروع فيه ، وعلاقة
السببية بين هذه الأفعال ، والنتيجة ، وعوَّل على الدليلين القولي والفني رغم
تعارضهما ، ودون أن يعرض لدفاع الطاعنين في هذا الشأن ، ولم يدلِّل تدليلًا كافيًا
وسائغًا على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين ، مما يعيب الحكم .
من حيث إن الحكم –
المطعون فيه – وإن اتخذ من المادة 39 من قانون العقوبات على ما أورده في بعض
مدوناته – أساسًا للمسئولية ، وأشار إلى الأفعال المادية التي قارفها بعض الطاعنين
والمثبتة – بما أورده من أدلة – لارتكابهم جرائم القتل العمد بأركانها القانونية دون ظرفها المشدد - كالشأن مثلاً بالنسبة للمحكوم عليهم / .... ، و.... ،
و....، و.... ، و.... - ، إلَّا أنه لم
يحدد بوضوح سواء في معرض إيراده لواقعة الدعوى ، أو في مقام سرده لأدلة الثبوت
فيها ، أو فيما انتهى إليه في وصف التهمة تفصيل الوقائع والأعمال المادية
التي قارفها باقي الطاعنين ، وحملته على أخذهم بصفتهم فاعلين أصليين للقتل العمد ،
والشروع فيه ، وبما يتسق مع الأساس القانوني للمسئولية الذي آخذهم به ، رغم ما هو
مقرر من أنه يجب على المحكمة – في حق من تريد اعتباره فاعلًا أصليًا في جريمة
القتل العمد ، أو الشروع فيه طبقًا للمادة 39 من قانون العقوبات - أن تبيِّن أنه قد اقترف في الواقع فعلًا ماديًا من الأفعال
المادية الداخلة في تكوين الجريمة ، لا سيما أن البيِّن مما انتهى إليه في
وصف الاتهام بالقتل العمد والشروع فيه أنه لم يؤاخذ هذا الفريق من الطاعنين - ممن
لم يقارف الركن المادي لتلك الجرائم - ، ولم يُحمِّلهم المسئولية عنها ، بصفتهم شركاء فيها ، حسبما أوجبه المشرع في المادة 3/2 من
قانون التجمهر ، وكل ذلك صدى لما اضطرب فيه الحكم ، متأثراً بما تردى فيه
من جمع وخلط بين أساسي المسئولية الشخصية والتضامنية على ما سبق بيانه بالوجه
الأول للطعن . لما كان ذلك ، وكان من المُقَرَّر – ووفقاً للمبدأ الوارد تفصيلًا
في معالجة الوجهين الرابع والخامس من الطعن – أنه يجب ألَّا يُجهِّل الحكم أدلة
الثبوت في الدعوى ، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه في تحصيله لأقوال شهود
الإثبات ، وإقرارات المتهمين ، خلا في الغالب
منها من بيان مواضع إصابات المجني عليهم بالأعيرة النارية ، ومن بيان
أماكنهم من الضاربين آن إطلاقهم الأسلحة النارية عليهم محدثين تلك الإصابات ، كما
خلا ما حصَّله الحكم من تقارير الصفة التشريحية لجثث المجني عليهم من بيان ماهية
ووصف الإصابات التي لحقت بهم ، وأغفل تمامًا تحديد مسار الأعيرة النارية في جسم كل
منهم ، ولم يشر إلى مسافة أو اتجاه أو مستوى إطلاق تلك الأعيرة التي أحدثت تلك
الإصابات ، مما أودى بحياته من واقع الدليل الفني عينه ، حتى يمكن التحقق من مدى
التوافق بين أدلة الدعوى التي عوَّل عليها ، وبما لا يجزئ فيه إشارته في مواضع منه
لإصابات حاقت بالمجني عليهم ، دون أن يحدد مصدرها ، وما إذا كان هو تقرير طب العدل
، فبات قاصرًا في بيان علاقة السببية بين أفعال الطاعنين وما لحق بالمجني عليهم من
إصابات أدت إلى الوفاة ، الأمر الذي يعيب الحكم بالقصور في البيان مما يعجز محكمة
النقض عن أن تقول كلمتها فيما يثيره الطاعنون بشأن تعويله على الدليلين القولي
والفني رغم تناقضهما ، ويحول بذلك بينها وبين إعمال رقابتها كذلك على تطبيق
القانون تطبيقًا صحيحًا ، هذا إلى أن ما أثاره الدفاع عن هذا التناقض بين الدليلين
القولي والفني ، وأثره في نفي علاقة السببية يعد جوهريًا ، مما كان يتعيَّن معه
على المحكمة ، وقد عوَّلت عليهما معًا أن تورد في حكمها ما يفيد أنها عندما قضت في
الدعوى كانت على بيِّنة منه ، وأن ترد عليه بما يزيل هذا التعارض ، أما وهي لم
تفعل ، فإن حكمها يكون معيبًا . لما كان ذلك ، وكان من المُقَرَّر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني ، فلا يستطيع أحد
أن يشهد بها مباشرة ، بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصًا ، مادام موجب هذه الوقائع
والظروف لا يتنافر عقلًا مع هذا الاستنتاج ، ويشترط لتوافره في حق الجاني أن يكون في حالة يتسنى له فيها التفكير في عمله
، والتصميم عليه في رويَّة وهدوء ، كما أنه من المقرر أن سبق الإصرار – وهو
ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب – يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ، ورسم
خطة تنفيذها بعيدًا عن ثورة الانفعال ، مما يقتضي الهدوء والرويَّة قبل ارتكابها ،
لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفسٍ جاشت بالاضطراب ، وجمح بها الغضب حتى خرج
طوره ، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراض قيامه ، وكان ما
ساقه الحكم استظهارًا لظرف سبق الإصرار ، وإن توافرت له في ظاهره مقومات هذا الظرف
- كما هو معرف به في القانون - ، إلَّا أن ما ساقه الحكم في هذا الشأن من عبارات
مرسلة ليس في حقيقته إلَّا ترديدًا لوقائع
الدعوى كما أوردها في صدره ، وبسطًا لمعنى سبق الإصرار وشروطه ، ولا يعدو
أن يكون تعبيرًا عن تلك الحالة التي تقوم بنفس الجاني ، والتي يتعيَّن على المحكمة
أن تستظهرها بما يدل عليها ، وأن تبيٍّن الوقائع والأمارات والمظاهر الخارجية التي
تكشف عنها ، مما كان ينبغي على المحكمة معه أن توضح كيف انتهت إلى ثبوت توافر ظرف
سبق الإصرار في حق الطاعنين ، وذلك بعد أن خلت أدلة الدعوى مما يدل على ذلك يقينًا
، ولا يقدح فيما تقدم ما اعتنقه الحكم ودل عليه – من حصول اجتماع سابق على ارتكاب
الواقعة بين بعض الطاعنين- اتُّفق فيه على شراء أسلحة نارية مستعينين في ذلك ببعض
من أسموهم اللجان الشعبية ، وذلك لاستخدامها في مواجهة مركز شرطة كرداسة إذا ما تم فض اعتصامي .... و .... ، إذ لا سند له إلَّا
من تحريات الشرطة والتي لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معيَّنة أو دليلًا أساسيًا
على ثبوت ظرف سبق الإصرار وفقًا للمبدأ السابق بيانه عن حجية التحريات – في خصوص
الاجتماع المنوه عنه – بالوجه الثاني للطعن ، فإن الحكم لا يكون قد أورد الدليل
المعتبر في القانون على ثبوت ذلك الظرف وهو إذ
عاقب الطاعنين بعقوبة جرائم القتل العمد والشروع فيه ، مع توافر الظرف المشدد ،
وأعمل أثره في حقهم مسئوليةً وعقابًا ، دون أن يورد ما يكفي ويسوِّغ توافره في
جانبهم يكون قاصرًا فاسدًا استدلاله .
وجها الطعن العاشر والحادي عشر :
سآءل الحكم الطاعنين عن
جرائم حيازة وإحراز – بالذات والواسطة – أسلحة نارية وذخائر بدون ترخيص ، ومما لا
يجوز الترخيص بها للإخلال بالسلم العام ، وعن جرائم السرقة ، رغم أنه تساند إلى ما
لا يؤدي إلى ما انتهى إليه .
من حيث إنه لما كان من
المُقَرَّر أنه يجب ألَّا يكون الحكم مشوبًا بالغموض ، والإبهام– وفقًا للمبدأ
المُقَرَّر السابق سرده في معالجة الوجه الرابع من الطعن - ، وكان الحكم المطعون
فيه ولئن أثبت – متأثرًا بأساس المسئولية الوارد في المادة 39 من قانون العقوبات –
وبما أورده من أدلة كافية وسائغة ، أن بعض الطاعنين قد حاز وأحرز بالذات والواسطة
أسلحة نارية وذخائر بدون ترخيص ، ومما لا يجوز
الترخيص به ، للإخلال بالسلم العام ، إلَّا أنه لم يستظهر ، ولم يدلل – متأثرًا
بأساس المسئولية الوارد في المادتين الثانية والثالثة من قانون التجمهر آنف البيان-
على أن من سواهم قد حاز أو أحرز لذات الغرض – الإخلال بالسلم العام – وهو ما يعد
في خصوص الدعوى المطروحة هامًا ومؤثرًا في توافر المسئولية ، فضلًا عن نوع ومقدار
العقوبة ، سيما وأن بعض هذه الأدلة كما
حصَّلها الحكم ومنها ما شهد به شهود الإثبات / .... ، و.... ، و.... ،
و.... ، و.... ، و.... ، وكذا ما أقر به بعض المتهمين أنفسهم .... ، و....، و....،
و.... ، و.... ، و.... ، و.... ، قد انصبَّت في الواقع على أن بعض المتجمهرين قد
استقلوا بأفعال السرقة لا سيما ما كان محلها
الأسلحة النارية والذخائر - لحسابهم ولمقاصد شخصية - ، ولم يكن وقوعها منهم
– وخلافًا لما أجمله الحكم في وصف الاتهام – تنفيذ الغرض المسمى من التجمهر ، وهو
ما ظهر في تصرف الجناة في المسروقات بالبيع لحسابهم أو تسليمها طوعًا لآخرين ،
وكان الالتجاء إليها – السرقة – بعيدًا عن المألوف الذي يصح أن يفترض معه أن غيرهم
من المشتركين في التجمهر قد علموا بها بحيث يسوغ محاسبتهم عليها ، على النحو
المفصل في المبدأ المقرر والسابق بيانه في معالجة الوجه الثاني من الطعن ، فإن
الحكم يكون مشوباً بالغموض والإبهام ، وهو أثر من آثار اتخاذه أساسين متناقضين
للمسئولية على النحو المبيَّن بمعالجة الوجه الأول للطعن .
الوجه الثاني عشر والمقدم من الطاعنين / .... ، و.... ، و.... ، و.... ،
و.... ، و.... ، و.... ، و.... :
أن الحكم لم يعوِّل في
إدانتهم إلَّا على ما أسفرت عنه تحريات الشرطة رغم أنه اطرحها بالنسبة لمتَّهمَين
آخرين قضى ببراءتهما .
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بعد أن بيَّن واقعة الدعوى بالنسبة للطاعنين ، حصَّلها – حسبما صوَّرتها سلطة الاتهام – بالنسبة للمتَّهمَين/
.... ، و.... ، ثم عرض لتبرئتهما بما نصه : " .... وحيث إن المحكمة
بعد أن محَّصت الدعوى وأحاطت بظروفها ، وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها ،
وذلك عن بصر وبصيرة ، ووازنت بينها وبين الثابت
بالأوراق ، وداخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات بالنسبة لهذين المتَّهمَين ،
سيما وأن أوراق الدعوى قد خلت مما يشير ويجزم بتواجد هذين المتَّهمَين بمسرح
الأحداث ، وكان الدليل ضدهما قائمًا على تحريات الشرطة وحدها ، والتي لا
تعدو كونها قرينة يَلْزَمُها أن تتأيَّد بدليل للإثبات حتى يرقى إلى مرتبة الدليل
الكامل ، ولا تعدو سوى كونها رأيًا شخصيًا لمُجْرِيها ، وهو ما يحدو بالمحكمة إلى
أن ترى في دليل الاتهام قصورًا عن حد الكفاية لبلوغ ما قصد إليه في هذا المقام ،
ومن ثم لا تقيم المحكمة قدرًا لما سردته التحريات التي أجرتها الشرطة وذكرت على
استحياء منها اسم هذين المتَّهمَين ، وترفض ما جاء بها نسبة إليهما ، مما يتعيَّن
معه اطراحها ، وعدم التعويل على ما شهد به مُجْري التحريات ، وحيث إنه متى تسرب
الشك إلى عقيدة المحكمة بالنسبة لهذين المتَّهمَين ، وحامت الشبهات بأدلة الثبوت
فيها مما لا ينهض معه أمام المحكمة دليل تطمئن إليه ، ويظفر بقناعتها ، فإن ذلك
حسبها كي تقضي ببراءتهما مما أسند إليهما ، وتنتزع للمتَّهمَين حقًا لهما من براثن
قرائن لا تصلح سندًا للاتهام في مقام المواد الجنائية بالنسبة لهما. " ، وهذا
الذي ذكره الحكم تسبيبًا لبراءة المتَّهمَين سالفي الذكر ، مع إفراده هؤلاء
الطاعنين بالإدانة يشوبه التناقض في التسبيب ، ذلك أن الاعتبارات التي ساقها في
سبيل تبرئة هذين المتَّهمَين تأسيسًا على عدم كفاية التحريات ، والتي لم تتأيَّد
بدليل آخر ، وأنها لا تعدو أن تكون رأيًا شخصيًا لمُجريها ، تصدُق بالنسبة لهؤلاء
الطاعنين التي أحاطت بهم نفس الظروف التي أحاطت بالمتَّهمَين الآخرَين المحكوم
ببراءتهما – حسب تحصيل الحكم المطعون فيه عينه لأدلة الإثبات – فكانت إدانتهم مع
اجتماع ذات الاعتبارات بالنسبة إليهم وإلى المتهمين الآخرين المحكوم ببراءتهما
تحمل معنى التناقض في الحكم ، ولا يُعْتَرض بأن من حق محكمة الموضوع تجزئة الدليل
؛ لأن ذلك حدَّه أن يكون فيما يمكن فيه التجزئة بأسباب خاصة بمتهم ، أو متهمين
بذواتهم ، لا باعتبارات عامة تنصرف إلى كل المتهمين وتصدُق في حقهم جميعًا ، وإذا
ما كانت تحريات الشرطة ، كما أوردها الحكم واستدل بها جمعت بين الطاعنين – أصحاب
وجه النعي – والمتَّهمَين الآخرين معهم في إطار واحد
، فلا يمكن إفراد الأولين بوضع مستقل بغير مرجح لا سند له من الحكم ، ولا شاهد
عليه ، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله .
الأوجه الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر :
ذلك أن المحكمة أصدرت
حكمها على فريق من المتهمين دون حضور محامٍ معهم ، ولم تندب محاميًا للدفاع عنهم ،
كما أنها لم تمهل المحامين الحاضرين في الجلسات مع فريق آخر من المتهمين بعض الوقت
للدفاع عنهم بتعلَّة سير الدفاع في اتجاه واحد ومكرَّر ، إضافة إلى أن الدفاع عن
فريق ثالث من المتهمين كان دفاعًا شكليًا .
ومن حيث إنه لما كان من
المُقَرَّر أن القانون أوجب حضور محامٍ يدافع عن كل متهم بجناية أُحيلت إلى محكمة
الجنايات ؛ كي يكفل له دفاعًا حقيقيًا ، لا مجرد دفاع شكلي ، تقديرًا منه بأن
الاتهام بجناية أمر له خطره ، فإن هذا الغرض لا يتحقق إلَّا إذا كان هذا المدافع
قد حضر إجراءات المحاكمة من بدايتها إلى نهايتها ، حتى يكون مُلِمًّا بما أجرته
المحكمة من تحقيق ، وما اتخذته من إجراءات طوال فترة المحاكمة ، كما أوجب القانون
كذلك على المحكمة أن تندب للمتهم من يقبل الدفاع عنه من المحامين ، أو تندب له المحامي صاحب الدور عن طريق النقابة ، في حالة عدم توكيل محامٍ للدفاع عنه
، وأن تُتِح له الفرصة لإبداء دفاعه كاملًا ، لما كان ذلك ، وكان الطاعنون / .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ،
.... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ،
.... ، .... ، .... لم يحضر معهم محامٍ أثناء جلسات المحاكمة ، ولم تندب لهم
المحكمة مدافعًا ، كما أن الدفاع الحاضر مع المتهمين التاسع / .... ، والسادس
والأربعين / .... ، والرابع والتسعين / .... ، لم يبدوا دفاعًا حقيقيًا ، فضلًا عن
أن الطاعنين / .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، ..... ، .... ، .... ، .... ، ..... ، .... ، .... ، ....، ....، .... ، .... ،
....، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، وإن حضر مع كل أو البعض منهم مدافعًا ، إلَّا أن المحكمة
لم تمكنه من إبداء دفاعه . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة الملاذ الأخير الذي
يتعيَّن أن ينفسح لتحقيق الواقعة ، وتقصِّيها
على الوجه الصحيح ، وإلا انتفت الجدية ، وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق ،
وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء ، وقد قام على هدى هذه المبادئ حق المتهم في
الدفاع عن نفسه وأصبح حقًا مقدسًا يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية ، التي لا
يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معًا إدانة بريء ، ولما كانت
المحكمة قد انتهت إلى إدانة الطاعنين المذكورين دون أن تندب مدافعًا لمن لم يحضر
معه مدافع ، ولم تستمع إلى مرافعة بعض الحاضرين
مرافعةً كاملة ، واستغنت عن سماع البعض الآخر ، لكون الدفاع يسير في نهج واحد ،
وهو ما لا يقبل منها تعليلًا لرفض سماعهم ، لما ينطوي عليه من معنى القضاء المسبق
على دفاع لم يطرح عليها ، وهو ما لا يصح في
القانون ، ذلك أن القانون يوجب سماع الدفاع كاملًا ، ثم بعد ذلك يحق
للمحكمة أن تبدي ما تراه فيه لاحتمال أن يجئ هذا الدفاع بما يقنعها بحقيقة قد
يتغير بها وجه الرأي في الدعوى . لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون
معيبًا بالإخلال بحق الدفاع ، والبطلان في إجراءات المحاكمة .
الوجه السادس عشر :
الحكم لم يستظهر سن
الطاعن / .... على نحو ما استلزمه القانون حال كونه طفلًا .
ومن حيث إن الحكم
المطعون فيه قد دان الطاعن باعتباره طفلًا . لما كان ذلك ، وكان القانون رقم 12
لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل ، المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 قد غاير في بعض
العقوبات التي يمكن أن توقَّع على الطفل إذا ارتكب جريمة بحسب سنه ، ومايز فيها
بشأنه بين حالتين ، ما إذا كان سنه لم يتجاوز الخامسة عشر بالمادة 101 منه ، وإذا لم يكن سنه متجاوزًا الثامنة عشر بالمادة
111 من القانون ذاته ، فإن تحديد سن الحدث على وجه دقيق يضحى أمرًا لازمًا لتوقيع
العقوبة المناسبة حسبما أوجب القانون . لما كان ذلك ، وكانت المادة الثانية من
القانون المار ذكره قضت بأنه : يقصد بالطفل في مجال الرعاية المنصوص عليها في هذا
القانون كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشر سنة ميلادية كاملة ، وأوجبت فقرتها
الثانية : وتثبت السن بموجب شهادة الميلاد أو بطاقة الرقم القومي أو أي مستند رسمي
آخر ، واستلزمت فقرتها الثالثة : فإذا لم يوجد المستند الرسمي أصلًا قُدرت السن
بمعرفة إحدى الجهات التي يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل ، بالاتفاق مع وزير
الصحة ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلت أسبابه من الإشارة إلى الوثيقة أو المستند
الذي إرتكن إليه في تحديد سن الطاعن ، وكان لا يعتد بما أورده الحكم بديباجته على
غير سند من أن سن الطاعن يتجاوز الخامسة عشر، ولم يتجاوز الثامنة عشر . لما كان
ذلك ، وكان الأصل أن تقدير السن أمر متعلق بموضوع الدعوى ، لا يجوز لمحكمة النقض
أن تعرض له ، إلَّا أن تكون محكمة الموضوع قد تناولته بالبحث ، وهو ما قعدت عنه
وبما لا يجزئ فيه ما قرر به الباحث الاجتماعي في محاضر الجلسات عن مصدر علمه بسن الطاعن مادامت المحكمة لم تطَّلع بمعرفتها على
سنده المدعى فيما قرر به ، وإذ كان
الحكم المطعون فيه لم يعني باستظهار سن الطاعن ، فإنه يكون قد خالف القانون .
رابعاً : بالنسبة لعرض النيابة العامة القضية :
حيث إن المادة 46 من
قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 تنص على إنه : " مع عدم الإخلال بالأحكام
المتقدمة إذا كان الحكم صادرًا حضوريًا بعقوبة الإعدام ، يجب على النيابة
العامة أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم ، وذلك في
الميعاد المبيَّن بالمادة 34 ، وتحكم المحكمة طبقًا
لما هو مُقَرَّر في الفقرة الثانية من المادة 35 ، والفقرتين الثانية ، والثالثة
من المادة 39 " ، ومفاد ذلك أن وظيفة محكمة النقض في شأن الأحكام
الصادرة بالإعدام ذات طبيعة خاصة يقتضيها إعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة ،
موضوعية وشكلية ، وتقضي بنقض الحكم إذا ما استبان لها أنه قد شابه عيب من العيوب ،
ولو من تلقاء نفسها ، غير مقيدة في ذلك بحدود أوجه الطعن أو مبنى الرأي الذي تعرض
به النيابة تلك الأحكام ، وذلك هو المستفاد من الجمع بين الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثة من المادة 39
من القانون رقم 57 لسنة 1959
المشار إليه ، وإذ كانت محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقًا للمادة
46 سالفة الذكر ، وتفصل فيها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها قبل فوات
الميعاد المحدد للطعن أو بعده ، أو كانت تلك المذكرة موقعة بتوقيع مقروء أو غير
مقروء ، وصادرة من محامٍ عام على الأقل ، أو ما دونه ، فإن المحكمة تقضي بقبول عرض
النيابة العامة للقضية ، وكان الحكم المعروض قد تعيَّب بما يلي :
العيبان الأول والثاني :
من حيث إن البيِّن من
مدونات الحكم المعروض ، أنه اطرح الدفع بانتفاء أركان ، المساهمة الأصلية في حق
جميع المحكوم عليهم ، بما مفاده أنه مردود بما هو مُقَرَّر بالمواد 39 ، 43 من
قانون العقوبات ، و3/2 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر – وقد سبق
للمحكمة معالجة الوجه الأول لطعن المحكوم عليهم ببيان خطأ الجمع بين أساسي
المسئولية المستند إلى المادتين 39 عقوبات ، 3/2 من القانون 10 لسنة 1914 - ، ثم
استعرض الحكم من الوقائع ما رتَّب عليها
قناعته بقوله : " وهو ما خلُصت معه المحكمة على نحو لا يقبل الشك ، أو
التأويل في أن ما حدث كان أمرًا معدًا له ، وممنهجًا على نحو أدى فيه المتهمون
أدوارهم التي حُددت لهم ، سواء من قام بالقتل العمدي والشروع فيه ، أو من أتى
عملًا من الأعمال المادية المكونة لفعلي القتل
العمد والشروع فيه ، أو من تواجد على مسرح الأحداث مشاركًا في التجمهر ،
عالمًا بالقصد منه ، ومتيقنًا للجرائم المزمع ارتكابها أثناء هذا التجمهر ... وهو
أمر يرتب مسئولية من قتل وشرع في القتل ، وتواجد على مسرح الجريمة ليشد من أزر من
تواجد ، بإعمال نص المادة 3/2 من قانون التجمهر رقم 10 لسنة 914 ، أو بإعمال لنص
المادة 43 من قانون العقوبات " . لما كان ذلك ، وكانت المادة 43 من قانون
العقوبات ، وإن جاءت على خلاف الأصل في المسئولية الجنائية من أن الجاني لا يسأل
إلَّا عن الجريمة التي ارتكبها ، أو اشترك فيها بإحدى الطرق المنصوص عليها في
المادة 40 من القانون ذاته ، إلَّا أن الشارع إذ تصور حالات تقع فيها نتائج غير
مقصودة ، إنما تقع نتيجة محتملة للمساهمة في الجريمة الأصلية المقصودة ابتداءً ،
وفقًا للمجرى العادي للأمور قد خرج عن ذلك الأصل ، وجعل المتهم مسئولًا أيضًا عن
النتائج المحتملة لجريمته الأصلية ، متى كان في مقدوره ، أو كان من واجبه أن يتوقع
حدوثها على أساس افتراض أن إرادة الجاني لا بد أن تكون قد توجهت نحو الجرم الأصلي
، ونتائجه الطبيعية ، وهو ما نص عليه في المادة 43 من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان الحكم المعروض لم يمايز - في
نطاق تحديده لأدوار المحكوم عليهم في جرائم القتل العمد والشروع فيه مع سبق
الإصرار واطراحه دفعهم بانتفاء أركان المساهمة الأصلية – بين مسئولية المحكوم
عليهم جميعاً المستندة إلى المادة 3/2 من قانون التجمهر ، وتلك المنطبقة على
المادة 43 من قانون العقوبات ، فإنه يكون قد عاد عودًا غير أحمد إلى الغموض
والإبهام والاضطراب في تحديد أساس المسئولية الجنائية ، ذلك أن مناط العقاب وفقاً
للمادة 3/2 سالفة الذكر ، وشرط تضامن المتجمهرين في المسئولية بموجبها عن الجرائم
التي تقع تنفيذًا للغرض من التجمهر ، هو ثبوت العلم الفعلي واليقيني بالغرض منه ،
وإذ كان الحكم قد تحدث – على نحو ما سلف سرده - عن أن جرائم القتل العمد والشروع
فيه كذلك ، كانت أمراً معدًا له وممنهجًا
لكافة المحكوم عليهم ، وبما تحقق به علمهم فعلًا بالجرائم المذكورة ، كما أفاض في
عدة مواضع منه في التدليل على توافر ظرف سبق الإصرار لديهم - بما يقتضيه من
إعداد وترتيب ووقت قبل مقارفة الجريمة على نحو ما سبق الإلمام إليه في الوجه
التاسع من أوجه الطعن - ، وهو ما يتناقض مع مساءلتهم عنها – وفقاً للمادة 43 من
قانون العقوبات – باعتبارها نتيجة محتملة للمساهمة في الجريمة الأصلية – التجمهر-
، ويتجافى مع افتراض المشرع بأنه كان في مقدور الطاعنين ، أو كان من واجبهم أن
يتوقعوا حدوثها ، مادام العلم الفعلي بها مسبقًا ثابت يقينًا ، ومادام سبق الإصرار
والاتفاق على مقارفتها ، قد جمع بينهم ، وفقاً لما قر في عقيدة المحكمة– في هذا
الخصوص - وأيًّا كان الرأي فيه ، هذا فضلاً عن أنه لما كان الحكم قد قصرت أسبابه
وفسد استدلاله على ثبوت جريمة التجمهر – على النحو المفصًّل في الوجه الثاني من
طعن المحكوم عليهم- ومن ثم ، فإن مؤاخذتهم – أو البعض منهم – بجرائم القتل العمد
والشروع فيه مع سبق الإصرار ، بحسبانها نتيجة محتملة لجريمة التجمهر يكون غير
مقترن بالصواب ، لما هو مُقَرَّر من أنه لا قيام للجريمة الاحتمالية قِبَل المتهم
إلَّا إذا ثبت بيقين أنه أسهم فاعلًا كان أم شريكًا في جريمة قصد إليها ابتداءً ،
فإن لم يدلِّل الحكم على ذلك بتدليل كافٍ وسائغ – وهو الحال في الدعوى الماثلة –
كان ما تناهى إليه من قيام الجريمة الاحتمالية في حق سالفي الذكر غير صحيح في
القانون . ولما كان ما تقدم ، فإن الحكم يكون معيبًا فوق قصوره بالغموض وبالاضطراب
، ويدل على اختلال فكرته عن عناصر الواقعة برمَّتها ، وعدم استقرارها في عقيدة
المحكمة الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة ، وينبئ عن أن الواقعة لم
تكن واضحة لدى المحكمة إلى الحد الذي يؤمَن به الخطأ في تقدير مسئولية المحكوم عليهم بعد أن تنافرت في حكمها الأسس
القانونية التي قامت عليها تلك المسئولية وعنى الحكم في تطبيقها – حسبما سلفت
الإشارة – إلى استعمال حرف " أو" حال أن موضعه في اللغة العربية
الاختيار بين أمرين مستقلين ومتغايرين ، دون أن يقطع الحكم بكل أساس أخذ به على
حده ، مستظهرًا أركان الجرائم التي توافرت وفقًا له ، مقيمًا الدليل على ثبوتها في
حق من نسبت إليه من المحكوم عليهم ، وبما يصح معه مساءلته عنها ، ويكون فيه الرد
على ما عساه قد أبداه به من أوجه دفاع جوهرية ، وإذ كان الحكم قد أسس بنيانه دون
التزام بما تقدم ، فإنه يكون قد ابتناه على شفا جرفٍ هار فإنهار به ، وهو ما
يُعْجِز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الوقائع كما صار إثباتها في
الحكم ، وهو ما جعله متخاذلًا متناقضًا ، يمحو بعضه البعض الآخر ، ولا يُعْرَفُ
منه ما قصدته المحكمة ، ويعيبه بما يبطله ، وهو بطلان يندرج تحت حكم الحالة
الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 التي أحالت إليها الفقرة
الثانية من المادة 39 من القانون ذاته وهو ذات الشأن بالنسبة للعيوب التالية .
العيب الثالث :
لما كان البيِّن من الاطلاع على محاضر جلسات
المحاكمة أن المدافع عن المحكوم عليه الخامس والسبعون بعد المائة / .... ، طلب
إحالته لمستشفى الأمراض العقلية ، لبيان مدى سلامة قواه العقلية . لما كان ذلك ،
وكان من المُقَرَّر طبقًا لنص المادة 62 من قانون العقوبات أن فقد الإرادة أو
الإدراك لجنون أو عاهة عقلية ، يترتب عليه من الناحية الجنائية انعدام مسئولية
المتهم ، أيًا كان نوع الجريمة المسندة إليه ، وسواء كانت عمدية أو غير عمدية ،
فإن هذا الدفع من المحكوم عليه يُعَدُّ دفاعًا جوهريًا ، إذ إن مؤداه لو ثبت
إصابته بعاهة في العقل وقت ارتكابه الأفعال المسندة إليه انتفاء مسئوليته عنها
عملاً بنص المادة 62 من قانون العقوبات ، وكان من المُقَرَّر أن تقدير حالة المتهم
العقلية ، وإن كان في الأصل من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل
فيها ، إلَّا أنه يتعيَّن عليها ليكون قضاؤها سليمًا أن تُعَيِّن خبيرًا للبت في
هذه الحالة وجودًا وعدمًا ، لما يترتب عليها من قيام أو امتناع عقاب المتهم ، فإن
لم تفعل كان عليها أن تورد في القليل أسبابًا سائغة تبني عليها قضاءها برفض هذا
الطلب ، إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى ، وحالة المتهم أن قواه العقلية
سليمة ، وأنه مسئول عن الجرم الذي وقع منه ، ولما كانت المحكمة لم تفعل شيئًا من
ذلك ، فإن حكمها يكون مشوبًا بعيبي القصور في التسبيب ، والإخلال بحق الدفاع ، بما
يبطله .
العيب الرابع :
لما كان البيِّن من
الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أنه قد حضر مع المحكوم عليهم التاسع / .... ،
والثاني عشر / .... ، والعشرين / .... ، والحادي والعشرين / ....، والثاني
والأربعون / .... ، والسبعين / .... الأستاذ / .... المحامي ، كما حضر مع المحكوم
عليهما السادس والأربعين / .... ، والرابع والتسعين / .... الأستاذ / .... المحامي
، وحضر مع المحكوم عليه الخامس عشر / .... ، الأستاذ / .... المحامي ، وهم الذين
قاموا بالدفاع عنهم حسبما هو مُدوَّن بمحاضر جلسات المحاكمة ، ولما كان من
المُقَرَّر وجوب حضور محامٍ مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات ، يتولى الدفاع
عنه ، وكانت المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن المحامين المقبولين
للمرافعة أمام محكمة الاستئناف أو المحاكم الابتدائية يكونون مختصين دون غيرهم
بالمرافعة أمام محكمة الجنايات ، وكان يبين من كتاب نيابة النقض المرفق عدم
الاستدلال على أسماء هؤلاء المحامين ، وذلك لوجود أكثر من اسم متشابه ، ولعدم وجود
رقم القيد ، ومن ثم يتعذر على محكمة النقض الوقوف على استيفائهم لشرائط المرافعة
أمام محكمة الجنايات ، فإن إجراءات المحاكمة تكون قد وقعت باطلة بما يعيب الحكم
أيضاً . ولما تقدم – بناء على ما سلف معالجته من أوجه طعن الطاعنين ، وفيما استبان
للمحكمة من عيوب في نطاق عرض النيابة العامة – ولئن كانت الأوجه من الثاني عشر حتى
السادس عشر أو العيبين الثالث والرابع تقتصر كل منها في مبناها وأثرها على طاعن
واحد أو طاعنين بذواتهم ، إلَّا أن سائر الأوجه والعيوب تتصل بكل الطاعنين ، وتؤدي
هذه الأوجه والعيوب – في مجموعها – إلى تعيُّب
الحكم المطعون فيه ، بما يوجب نقضه والإعادة ، وفي جميع التهم المسندة إلى
الطاعنين ، لما هو مُقَرَّر من أن نقض الحكم في تهمة يوجب نقضه في جميع التهم ،
مادام الحكم قد اعتبرها جرائم مرتبطة ، وقضى بالعقوبة المُقَرَّرة لأشدها ، عملاً
بالمادة 32 من قانون العقوبات ، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن . ولما
كان الغالب من الأوجه الناقضة تتصل بالمحكوم عليه .... الذي لم يقبل طعنه شكلًا ،
فإن أثر النقض يمتد إليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق