جلسة 31 من يناير سنة 1967
برياسة السيد المستشار/ حسين السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور
السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود العمراوي.
--------------------
(24)
الطعن
رقم 1172 لسنة 36 القضائية
(أ، ب، ج) إثبات. " إثبات بوجه عام ". حكم. "
تسبيبه. تسبيب غير معيب ". دفاع. " إخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره ".
(ا) دليل الإدانة. وجوب أن يكون مشروعا. دليل البراءة. مشروعيته غير
لازمة.
(ب) حرية القاضي الجنائي في اختيار طريق الإثبات الذي يراه موصلا
إلى الكشف عن الحقيقة ووزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر.
(ج) لمحكمة الموضوع استمداد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه. طالما
أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق.
----------------
1 - من المقرر أنه وإن كان يشترط في دليل الإدانة أن يكون مشروعا
إذ لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، إلا أن المشروعية ليست
بشرط واجب دليل البراءة، ذلك بأنه من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن
كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم نهائي وأنه إلى أن يصدر
هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى
وما تحيط نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف
النفوس البشرية، وقد قام على هدى هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح
حقا مقدسا يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما
يؤذيها ويؤذي العدالة معا إدانة برئ.
2 - من المقرر أن القانون - فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة
للإثبات - فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه
موصلا إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر، مع حرية مطلقة
في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع كل
أدلة وظروفها.
3 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل
تطمئن إليه، طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم في خلال شهر مارس سنة 1960
بدائرة قسم عابدين: بددوا المبلغ المبين بالمحضر والمسلم إليهم من إبراهيم سليم
حديده على سبيل الوكالة لتوصيله إلى سنيه أحمد باشا فاختلسوه لأنفسهم إضرارا
بالمجني عليها. وطلبت عقابهم بالمادة 341 من قانون العقوبات. وادعى الدكتور فؤاد
السيد السعدني - ابن المجني عليها - مدنيا بمبلغ 51 ج قبل المتهمين على سبيل
التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة عابدين الجزئية - بعد أن دفع
المتهمان الثالث والرابعة بعدم جواز الإثبات بالبينة قضت حضوريا في 29/ 4/ 1963
(أولا) برفض الدفع بعدم جواز الإثبات. (وثانيا) براءة كل من المتهمين مما نسب إليه
ورفض الدعوى المدنية وألزمت المدعي بالحقوق المدنية المصروفات المدنية وخمسة
جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنفت النيابة هذا الحكم كما استأنفه المدعي
بالحق المدني. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت بتاريخ 15/ 11/
1964 حضوريا للثانية والرابع وغيابيا للأول والثالثة بقبول الاستئنافين شكلا وفي
موضوعها برفضهما وتأييد الحكم المستأنف في شقيه وألزمت المدعي المدني المصاريف
المدنية الاستئنافية. فطعن المدعي بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي
لأسبابه وقضى ببراءة المطعون ضدهم من تهمة التبديد المسندة إليهم، قد أخطأ في
تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه أغفل الرد على ما أثاره الدفاع عن
الطاعن من بطلان الدليلين المستمد أولهما من شهادة الأستاذ حبيب بشري رزق المحامي
وذلك لامتناع الشهادة عليه لوصول ما تضمنه من معلومات إليه بسبب مهنته، والمستمد
ثانيهما من التقرير المكتوب بمعلومات القاضي حامد المراغي لأن قانون الإجراءات
الجنائية لا يعرف ذلك النوع من الشهادة المكتوبة، كما أغفل الحكم الرد على دفاع
الطاعن الذي لم يطرحه من قبل أمام محكمة الدرجة الأولى وحاصله عدم جواز قبول دليل
البراءة اللذين استند إليهما الحكم المستأنف مما يعيب الحكم المطعون فيه يستوجب
نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي
المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن المجني عليه
كانت قد أفضت لمحاميها الأستاذ حبيب بشري رزق الله باستيلاء ابنها المدعي بالحقوق
المدنية على بعض أموالها إذا كانت تعيش في كنفه ورعايته واستغل ضعف شخصيتها أمامه
وقام بصرف مبلغ 500 ج من حسابها الجاري ببنك مصر بدعوى الإنفاق منها على قضاياها ثم
طردها من منزله ورفض أن يسلمها ملابسها الشخصية، فلجأت إلى ابنتيها المطعون ضدهما
الثانية والثالثة، واستشارت محاميها الأستاذ حبيب بشري رزق الله في أن تهب ما
تملكه من أسهم إليهما وسألته طريقة تضمن بها عدم رجوع إبنها المدعي بالحقوق
المدنية عليهما في ثمن الأسهم بعد وفاتها، فأفتاها ببيعها للغير وتوزيع الثمن
عليهما فاقتنعت وباعت الأسهم عن طريق مكتب إبراهيم حديدة السمسار وأمرته بتسليم
الثمن إلى ابنتيها المذكورتين ولما عادت إلى ابنها المدعي بالحقوق المدنية ووقف
منها على ما كان من تصرفها، دفعها مرغمة إلى أن تشكو ابنتيها وزوجيهما متهمة إياهم
بتبديد المبالغ المسلمة إليهم من إبراهيم حديدة السمسار على سبيل الوكالة لتسليمها
إليها، ثم رتبت المحكمة على ذلك أن تسليم الثمن لم ينشأ ولم يتولد عن عقد الوكالة
أو أي عقد آخر من عقود الائتمان المنصوص عليها في المادة 314 من قانون العقوبات،
وانتهت إلى الحكم ببراءة المطعون ضدهم من تهمة التبديد المنسوبة إليهم. وقد استند
الحكم في قضائه إلى شهادة الأستاذ حبيب بشري رزق الله المحامي المدعمة بشهادة
القاضي حامد أحمد المراغي في تقرير شهادته الذي تلي بالجلسة والذي تضمن أن المجني
عليها قالت للأول في حضوره إنها أخذت برأيه وباعت الأسهم وسلمت ابنتيها الثمن. لما
كان ذلك، فإنه مع افتراض أن ما أدلى به الأستاذ المحامي واتخذه الحكم عمادا له في
قضائه ببراءة المطعون ضدهم، يعد في حكم الأسرار التي وصلت إلى علمه بسبب مهنته
ويحظر القانون عليه البوح بها أو إفشائها، فإن ذلك لا يقدح في سلامة الحكم لما هو
مقرر - من أنه وإن كان يشترط في دليل الإدانة أن يكون مشروعا إذ لا يجوز أن تبنى
إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، إلا أن المشروعية ليست بشرط واجب في دليل
البراءة ذلك بأنه من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع
بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم نهائي وأنه وإلى أن يصدر هذا الحكم له
الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما تحيط
نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس
البشرية، وقد قام على هدى هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقا
مقدسا يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي يضيرها تبرئة المذنب بقدر ما يؤذيها
ويؤذي العدالة معا إدانة برئ. هذا إلى أن ما هو مقرر من أن القانون - فيما عدا ما
استلزمه من وسائل خاصة للإثبات - فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار
من كل طرقه ما يراه موصلا إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل
عنصر، مع حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما
يستفاد من وقائع كل دعوى وظروفها. لما كان ما تقدم، فإنه لا يقبل تقييد حرية
المحكمة في دليل البراءة باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة، ومن ثم فلا
جدوى للطاعن مما يثيره في هذا الشأن. أما نعيه على الحكم استدلاله بما جاء بتقرير
الأستاذ حامد المراغي القاضي، فمردود بأن البين من محضر جلسة محكمة أول درجة أن المحكمة
قامت بتلاوة هذه الشهادة على المتهمين والمدعي بالحقوق المدنية واكتفى كلاهما بما
دون بالتقرير ولم يطلب الطاعن أو محاميه أمام محكمة ثاني درجة استدعاء للشهادة.
لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل
تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق فإنه لا وجه لما ينعاه
الطاعن في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يبين في أسباب طعنه أوجه الدفاع
التي يقول إن الحكم المطعون فيه قصر في الرد عليها، فإن نعيه في هذا يكون مجهلا.
وحيث إنه لما تقدم، يكون
الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا ومصادرة الكفالة مع إلزام الطاعن
المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق