الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 مايو 2020

الطعن 4321 لسنة 52 ق جلسة 26/ 12/ 1982 مكتب فني 33 ق 214 ص 1046


جلسة 26 من ديسمبر سنة 1982
برياسة السيد المستشار/ أمين أمين عليوة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جمال الدين منصور، صفوت مؤمن، محمد صلاح خاطر وحسين لبيب.
----------------
(214)
الطعن رقم 4321 لسنة 52 القضائية

1 - رشوة. إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. مالا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
تطلب الفصل في الدعوى تحقيق دليل بعينه. على المحكمة تحقيقه مادام ذلك ممكنا. استغناؤها عن تحقيق هذا الدليل وتضمينها حكمها أسبابا سائغة دعتها إلى العدول عن تنفيذ ما سبق أن أمرت به من تحقيق هذا الدليل. لا تثريب. مثال لتسبيب غير معيب في رفضه طلب إنابة قضائية.
2 - إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". رشوة. إخلال بواجبات الوظيفة.
كفاية الشك في صحة إسناد التهمة إلى المتهم سندا للبراءة متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيره. مثال.

--------------
1 - من المقرر أنه اذا كانت المحكمة قد رأت أن الفصل في الدعوى يتطلب تحقيق دليل بعينه إظهارا لوجه الحق فيه - فواجب عليها أن تعمل على تحقيق هذا الدليل مادام ذلك ممكنا، فاذا استحال تحقيق الدليل أو تعذر فلا على المحكمة أن هي مضت في نظر الدعوى وفصلت في أدلتها القائمة، ولا يكون هناك محل للنعي عليها أنها حكمت في الدعوى دون إجراء هذا التحقيق التي أمرت نفسها بتحقيقه مادام هذا التحقيق لم يكن في مقدورها تنفيذه - وكان ما أورده الحكم فيما سلف - قاطعا في الدلالة على أن المحكمة لم تأل جهدا في سبيل تحقيق طلب النيابة العامة اتخاذ إجراءات الإنابة القضائية لتقديم حقيقة الحساب المصرفي، وإذ تبين لها أن اتخاذ هذا الإجراء - الذى قدرت جديته - أضحى متعذرا للأسباب السائغة التي أوردتها، فانه لا يعيب الحكم أن يفصل في الدعوى بحالتها استنادا إلى الأدلة والعناصر المطروحة.
2 - إن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية لم تشترط أن يتضمن الحكم بالبراءة أمورا أو بيانات معينة أسوة بأحكام الإدانة، وإنما يكفى لسلامة الحكم بالبراءة أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم، إذ المرجع في ذلك إلى ما تطمئن إليه من تقدير الدليل مادام ان الظاهر من الحكم انه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان الثابت من الاطلاع على مدونات الحكم انه أحاط بالدعوى وبظروفها وكافة أدلتها وتصدى بالرد على كل أوجه الدفاع والدفوع التي أثارها الخصوم، وانتهى إلى براءة المتهمين لعدم اطمئنانه إلى أدلة الإثبات المقدمة في الدعوى بعد تشككه فيها، للأسباب السائغة التي أوردها - والتي تكفى لحمل النتيجة التي خلص إليها، وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت بالبراءة بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد لا تصح لدى غيرها، لان ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه مادام أقام قضاءه على أسباب تحمله - كما هو الحال في الدعوى المطروحة، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم بقالة الفساد في الاستدلال أو القصور في التسبيب أو الخطأ في الإسناد.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في المدة من عام 1974 حتى 1977 بدائرة قسم الوايلي محافظة القاهرة: - المتهم الأول: (أولا) بصفته موظفا عموميا وزيرا للكهرباء طلب وأخذ عطيه للإخلال بواجبات وظيفته. ثانيا: بصفته سالفة الذكر أخل عمدا بأموال ومصالح وزارة الكهرباء. المتهم الثاني: قدم عطيه للمتهم الأول بصفته الوظيفية للإخلال بواجبات وظيفته. المتهم الثالث: اشترك بطريق المساعدة مع المتهم الثاني في ارتكاب جريمة الرشوة. ومحكمة جنايات أمن الدولة بالقاهرة قضت حضوريا للمتهمين الأول والثالث وغيابيا للثاني.مما أسند اليهم.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة
حيث ان مبنى طعن النيابة العامة أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتبرئة المطعون ضدهم من جرائم الرشوة والإضرار العمدى بالمال العام والاشتراك فيها، قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب فضلا عن مخالفة الثابت بالأوراق، ذلك بأن النيابة العامة طلبت إلى المحكمة اتخاذ إجراءات الإنابة القضائية لتقديم حقيقة الحساب المصرفي للمطعون ضده الأول في بنوك سويسرا - بيد أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وردت عليه برد غير سائغ، هذا إلى أن النيابة - ساقت في معرض الاتهام - عدة قرائن من بينها أن المطعون ضده الأول كان شديد اللهفة على إبرام العقد مع شركة.......، وأن هناك تواكبا زمنيا بين واقعة إبرام العقد وواقعة الرشوة، وان المتهم الأول تجاوز اختصاصه الوظيفي بإصدار أمر مباشر بالتعاقد مع الشركة الراشية وهو أمر نيط بمجلس إدارة مؤسسة الكهرباء وحده طبقا لنصوص لوائحها ونظمها المالية. إلا أن المحكمة لم تفطن إلى دلالة هذه القرائن وأطرحتها بدعوى أن موافقة المتهم الأول لم تكن هي الخطوة النهائية بل كان لابد مع الحصول بعد ذلك على موافقة لجنة البت باعتبارها السلطة المختصة لاعتماد الشراء بهذه الطريقة بعد موافقة الوزير - وهو ما يخالف الثابت بالأوراق، بالإضافة إلى ما ينطوي عليه رد الحكم من تجهيل في تحديد المسئول عن إصدار الأمر المباشر المقصود - هل هو الوزير أم مجلس إدارة المؤسسة أم لجنة البت - كل هذا مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث أنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه عرض لطلب النيابة العامة اتخاذ إجراءات الإنابة القضائية لبيان حقيقة الحساب المصرفي ببنوك سويسرا واطرحه في قوله "وحيث انه عن طلب النيابة العامة إصدار إنابة قضائية للسلطات السويسرية المختصة للكشف عن حقيقة صاحب الحساب السرى الذى جاء ذكره على لسان شاهد الإثبات الأول بمقولة انه خاص بالمتهم الأول وتلقى بيانه هذا منه ليودع له فيه الجزء الرئيسي من مبلغ الرشوة البالغ وقدره 250 ألف دولار، وانه قد تم إيداع هذا المبلغ في هذا الحساب فعلا كما علم منه على حد قول هذا الشاهد. وقد استندت النيابة في طلبها هذا إلى القول بأن سرية الحسابات السويسرية ليست مطلقة بل هناك حالات ترفع فيها السرية منها حالة ارتكاب صاحب الحساب جريمة جنائية تتعلق بهذا الحساب شريطة أن تقوم دلائل على جدية الاتهام، وذلك حسب قانون المصارف السويسري - والذى قدمت صورة منه مترجمة ضمت للأوراق - وهو ما ينطبق على حالة المتهم الأول أيضا - كما قدمت تأييد كذلك خطابا مؤرخا 9/ 12/ 1980 صادرا من البنك الأهلي السويسري لمحافظ البنك المركزي المصري ردا على الاستعلام من هذا الأخير تضمن أن البنوك السويسرية ملزمة بتقديم الدليل في الموضوعات الجنائية ويمكن أن يستفيد بهذا الالتزام الدول الأجنبية التي بينها وبين سويسرا معاهدات قضائية أو تلك التي تتعاون معها سويسرا على أساس متبادل، وان السلطة المختصة بالمساعدة المتبادلة في الموضوعات الجنائية هي الإدارة الإدارية للعدل والبوليس "بيرن" لما كان ذلك، وكان من المقرر أيضا أن في فقه القانون الدولي العام أن الإنابة القضائية الدولية يجب أن تستند أصلا إلى معاهدة دولية أو حتى اتفاقية دولية في الشكل البسيط فاذا لم يتوافر شيء من ذلك فلا أقل من أن تستند إلى مبادئ المجاملة الدولية والمعاملة بالمثل بين الدولة الطالبة للإجراء وتلك المطلوب منها، واذا كان ذلك وكانت النيابة العامة قد قدمت بجلسة 15/ 12/ 1981 بناء على استعلام المحكمة - خطابا صادرا من وزارة الخارجية المصرية تفيد أن جمهورية مصر العربية لم يسبق لها توقيع اتفاقية تعاون قضائي مع سويسرا وانها - أي الوزارة - في سبيلها إلى الاستعلام عن مدى استعداد السلطات السويسرية المختصة للموافقة على طلبات الإنابة القضائية في المسائل الجنائية التي يقدم بها الجانب المصري على أساس مبدأ المجاملة الدولية - وكانت النيابة العامة - رغم استعجال المحكمة لها عدة مرات بإيراد هذا البيان الأخير - لم تقدمه حتى قفل باب المرافعة في الدعوى وحجزها للحكم - فان المحكمة إزاء عدم وجود معاهدة أو اتفاقية بين جمهورية مصر العربية وبين السلطات السويسرية المختصة بشأن طلبات الإنابة القضائية في المسائل الجنائية - وإزاء عدم تقديم النيابة العامة البيان الخاص بمدى استعداد السلطات السويسرية المختصة للاستجابة إلى مثل تلك الطلبات من الجانب المصري على أساس مبدأ المجاملة الدولية ولخلو الأوراق مما يفيد شيئا من ذلك، فان المحكمة - والأمر كذلك لا يمكنها الاستجابة لطلب إصدار إنابة قضائية للسلطات السويسرية المختصة للكشف عما طلبته النيابة في هذا الشأن وذلك لافتقاره إلى الأساس الدولي والقانوني الذى يمكن أن يرتكز عليه مثل هذا الطلب، وذلك دون ما حاجه للخوض في بحث مدى انطباق شروط قانون المصارف السويسري على حالة المتهم الأول تمهيدا لطلب تلك الإنابة ولا إلى بحث إجراءاتها"، ثم أفصحت المحكمة عن ارتيابها وعدم اطمئنانها لقول الشاهد الأول..... بإيداع الجزء الأكبر من مبلغ الرشوة بحساب سرى للمطعون ضده الأول بأحد بنوك سويسرا في قولها. أن واقعة قيام المتهم الثالث "......." - بتنفيذ تعليمات الشاهد المذكور بتحويل مبلغ 250 ألف دولار الذى يمثل الجزء الأكبر من مبلغ الرشوة من حساب البنك العربي المحدود في بيروت إلى البنك السويسري في الحساب السرى الذى أرشد عن رقمه بمقولة "أنه خاص بالمتهم الأول. فان مستندات البنك المذكور وكشف حساب المتهم الثالث فيه وأقوال ذلك الأخير على ضوء تلك المستندات وكشف الحساب في شأن هذه الواقعة، لم تكشف عن حصول شيء من ذلك على وجه التحديد، وغاية ما تمحضت عنه هذه الأقوال والمستندات وكشف الحساب أن المتهم الثالث حرر في 5/ 6/ 1975 شيكا لحامله بمبلغ 450 ألف دولار من حسابه - قال ذلك المتهم أنه سلمه للمتهم الثاني - ....... - تنفيذا لتعليمات الشاهد، ولم تكشف تحقيقات الدعوى ولا مستنداتها عن مصير ذلك المبلغ بعد ذلك - لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه اذا كانت المحكمة قد رأت أن الفصل في الدعوى يتطلب تحقيق دليل بعينه إظهارا لوجه الحق فيه - فواجب عليها أن تعمل على تحقيق هذا الدليل مادام ذلك ممكنا، فاذا استحال تحقيق الدليل أو تعذر فلا على المحكمة أن هي مضت في نظر الدعوى وفصلت في أدلتها القائمة، ولا يكون هناك محل للنعي عليها أنها حكمت في الدعوى دون إجراء هذا التحقيق التي أمرت نفسها بتحقيقه مادام هذا التحقيق لم يكن في مقدورها تنفيذه - وكان ما أورده الحكم فيما سلف - قاطعا في الدلالة على أن المحكمة لم تأل جهدا في سبيل تحقيق طلب النيابة العامة اتخاذ إجراءات الإنابة القضائية لتقديم حقيقة الحساب المصرفي، وإذ تبين لها أن اتخاذ هذا الإجراء - الذى قدرت جديته - أضحى متعذرا للأسباب السائغة التي أوردتها، فانه لا يعيب الحكم أن يفصل في الدعوى بحالتها استنادا إلى الأدلة والعناصر المطروحة - وإذ خلصت المحكمة في تدليل سائغ إلى ارتيابها كلية في أقوال شاهد الإثبات الأول...... وأفصحت عن عدم الاطمئنان إليها جملة بما فيها قوله بإيداع الجزء الأكبر من مبلغ الرشوة بحساب سرى للمطعون ضده الأول بأحد بنوك سويسرا - على ما سلف بيانه - فان ذلك مما يدخل في سلطتها التقديرية بغير معقب عليها في ذلك، وينحل وجه الطعن في حقيقته إلى جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو التعرض في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون انه اعتمد في قضائه بتبرئة المطعون ضدهم - ضمن ما اعتمد - على ما شهد به أعضاء اللجنة التي انتدبتها المحكمة لفحص العقود ومدى صحتها وملائمتها وصحة الإجراءات التي اتخذت فيها - وقد انتهوا جميعا في شهادتهم حسبما حصلها الحكم - بما له سنده من أقوالهم بمحاضر جلسات المحاكمة - من أن العقود قد اتخذت فيها الإجراءات الصحيحة قانونا، وان قرار الوزير بالموافقة لم يكن نهائيا، بل تم العرض على لجنة البت وكان بوسعها لو أن العقد فيه تجاوزات أن ترفضه، لكنها بعد أن بحثته وافقت عليه وهى السلطة المختصة في ذلك، فضلا عن أن العرض المقدم من الشركة يعتبر عرضا صالحا للموافقة عليه من ناحية الأثمان وكذلك التنفيذ ويعتبر مناسبا في الظروف الفنية والواقعية التي تم فيها التعاقد - وان بعض الاعتراضات كانت من باب التمويه وشد أزر المفاوض المصري ووسائل ضغط لإمكان الحصول على شروط أفضل إن امكن ذلك، وانتهت المحكمة في حكمها إلى أن التهم المسندة إلى المتهمين لا أساس لها ومن ثم قضت ببراءتهم، لما كان ذلك، وكان الأصل - على ما جرى به قضاء النقض - أن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية لم تشترط أن يتضمن الحكم بالبراءة أمورا أو بيانات معينة أسوة بأحكام الإدانة، وإنما يكفى لسلامة الحكم بالبراءة أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم، إذ المرجع في ذلك إلى ما تطمئن إليه من تقدير الدليل مادام أن الظاهر من الحكم انه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان الثابت من الاطلاع على مدونات الحكم انه أحاط بالدعوى وبظروفها وكافة أدلتها وتصدى بالرد على كل أوجه الدفاع والدفوع التي أثارها الخصوم، وانتهى إلى براءة المتهمين لعدم اطمئنانه إلى أدلة الإثبات المقدمة في الدعوى بعد تشككه فيها، للأسباب السائغة التي أوردها - والتي تكفى لحمل النتيجة التي خلص إليها، وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت بالبراءة بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد لا تصح لدى غيرها، لان ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه مادام أقام قضاءه على أسباب تحمله - كما هو الحال في الدعوى المطروحة، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم بقالة الفساد في الاستدلال أو القصور في التسبيب أو الخطأ في الإسناد، لما كان ما تقدم فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق