جلسة 26 من أبريل سنة 1960
برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى
جندي، ومحمد عطية إسماعيل، ومحمود حلمي خاطر، ورشاد القدسي المستشارين.
--------------
(77)
الطعن
رقم 188 لسنة 30 القضائية
(أ - ز) نقض. بطلان. دعوى جنائية.
المصلحة في الطعن بالنقض:
توافرها بالنسبة للنيابة العامة ولو كانت المصلحة هي للمحكوم عليه. علة ذلك.
متى تنتفي مصلحة المتهم
في التمسك بعدم إعلانه؟
أوجه الطعن: بطلان. وسيلة
التمسك ببطلان الحكم.
عدم جواز التمسك ببطلان
الحكم بغير طرق الطعن. سناد هذه القاعدة في قانوني الإجراءات الجنائية والمرافعات
المدنية والتجارية. عدم جواز سماع الدعوى الأصلية ببطلان الحكم.
تصحيح البطلان: قوة الأمر
المقضي: سموها على قواعد النظام العام.
دلالة الحكم برفض الطعن:
صدور الحكم بعد بحث تشكيل المحكمة التي نظرت الدعوى. الم 35 من ق 57 لسنة 59.
انقضاء الدعوى الجنائية
بالحكم البات: آثار ذلك.
(ح) انعدام الأحكام.
أسباب الانعدام: ليس من
بينها بطلان تشكيل المحكمة.
(ط) قضاة. حكم.
ندب القضاة عند وجود
مانع: سناد الندب ونطاقه.
ما لا يلزم بيانه في
ديباجة الحكم: الإشارة إلى الندب لوجود المانع.
(ي، ك) محكمة الجنايات.
مكان انعقادها: هو الجهة
التي بها مقرها. عدم اشتراط انعقادها بذات المبنى الذي تجري فيه جلسات المحكمة
الابتدائية. صدور قرار من وزير العدل. محله: انعقاد المحكمة خارج المدينة التي يقع
بها مقرها.
----------------
1 - من المقرر أن النيابة العامة - وهي تمثل الصالح العام وتسعى في
تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى العمومية - هي خصم عام تختص بمركز قانوني خاص
يجيز لها أن تطعن في الحكم - وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن - بل
كانت المصلحة هي للمحكوم عليه من المتهمين، ولما كانت مصلحة المجتمع تقتضي أن تكون
الإجراءات في كل مراحل الدعوى الجنائية صحيحة وأن تبني الأحكام فيها على تطبيق
قانوني صحيح خال مما يشوبه من أسباب الخطأ والبطلان، وكان المتهم يرمي من وراء
دعواه أن تقضي له محكمة الجنايات ببطلان الحكم - وهو أمر يتجاوز حدود سلطتها فضلاً
عن مساسه بقوة الشيء المقضي - فإن مصلحة النيابة في الطعن تكون قائمة بكل صفاتها
ومميزاتها - ولو أن الحكم قد قضى برفض الدعوى موضوعاً.
2 - إذا كان مآل دعوى المتهم حتماً هو القضاء بعدم جواز سماعها،
فإن ما يثيره في شأن عدم إعلانه وما ينسبه من خطأ إلى المحكمة في ذلك لم يكن يغير
من تلك النتيجة إذ أن المحكمة قد اتصلت بالدعوى بصدور الأمر بإحالتها إليها.
3 - نظم قانون الإجراءات الجنائية أحوال البطلان في قواعد عامة
أوردها في الفصل الثاني عشر من الباب الثاني من الكتاب الثاني - ودل الشارع بما نص
عليه في المادتين 332 و333 من قانون الإجراءات الجنائية - في عبارة صريحة - على أن
التمسك بالدفع بالبطلان إنما يكون أثناء نظر الدعوى التي وقع البطلان في إجراءاتها
- وهذا الإجراء الباطل - أياً كان سبب البطلان يصححه عدم الطعن به في الميعاد
القانوني - ولهذا اشترط لقبول أسباب النظام العام لأول مرة أمام محكمة النقض ألا
يكون الحكم المطعون فيه قد اكتسب قوة الشيء المحكوم به، وأن تكون هذه الأسباب
مستفادة من الأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع وألا يخالطها أي عنصر واقعي
لم يسبق عرضه عليها - وذلك تغليباً لأصل اكتساب الحكم قوة الشيء المحكوم فيه على
أصل جواز التمسك بالأسباب الجديدة الماسة بالنظام العام.
4 - نصت المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية في قوة الأحكام
النهائية على ما يأتي "تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه
والوقائع المسندة فيها إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو الإدانة - وإذا صدر
حكم في موضوع الدعوى الجنائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم
بالطرق المقررة في القانون"، ولما كان القانون قد بين طرق الطعن في الأحكام
الجنائية وهي المعارضة والاستئناف والنقض، ورسم أحوال وإجراءات كل منها فإن الطعن
في تلك الأحكام الجنائية بالبطلان بدعاوى مستقلة ترفع بصفة أصلية يكون غير جائز في
القانون مما يقتضي الحكم بعدم جواز سماع دعوى البطلان فيها.
5 - أجازت المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 لمحكمة النقض أن
تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها ولغير الأسباب التي بني عليها الطعن في
أي حالة من الحالات المشار إليها فيه - فيكون قضاء محكمة النقض برفض الطعن معناه
بالضرورة أنها أصدرت حكمها بعد بحث تشكيل المحكمة التي نظرت الدعوى ولم تر في ذلك
عيباً - ومثل هذا الحكم بعد هذه المرحلة يحوز قوة الشيء المقضي ويعتبر عنواناً
للحقيقة بما جاء فيه.
6 - لا يسوغ في القانون تأخير تنفيذ الأحكام النهائية إلى غير مدى
بدعوى أن يجد المحكوم عليهم سبيلاً للطعن بالبطلان مما يتحتم معه القول بأن الشارع
قد قصد بغير شك أن يجعل لطرق الطعن الممنوحة للمتهم والمذكورة في القانون على سبيل
الحصر حداً يجب أن تقف عنده الأحكام ضماناً لحسن سير العدالة واستقراراً للأوضاع
النهائية التي انتهت إليها كلمة القضاء.
7 - دل الشارع بما نص عليه في المادة 396 من قانون المرافعات
المدنية والتجارية المعدلة بالقانون رقم 137 لسنة 1956 على أن الطعن في الأحكام
بدعوى البطلان الأصلية غير جائز - إذ لو كان الأمر كذلك لما كان هناك محل لإيراد
ذلك النص الذي خرج به عن القواعد التي حددت نصاب الاستئناف - ولم يخرج الشارع عن
هذا الأصل - إلا بقدر ما خول لمحكمة النقض من حق إعادة النظر في الدعاوى التي
أصدرتها هي - في حالة واحدة نصت عليها المادة 314 مرافعات في باب رد القضاة عن
الحكم إذ نصت على: "عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة - أحوال عدم الصلاحية
- ولو باتفاق الخصوم يقع باطلاً - وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض
جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى" وذلك
باعتبار أن محكمة النقض - وهي المحكمة العليا - لا سبيل إلى تصحيح حكمها - في
الحالة المشار إليها في المادة المذكورة إلا بالرجوع إليها فيها - أما في غير هذه
الحالة التي جاءت على سبيل الاستثناء والحصر - فإن في سلوك طرق الطعن العادية منها
وغير العادية ما يكفل إصلاح ما وقع في الأحكام من أخطاء - فإذا توافر سبيل الطعن
وضيعه صاحب الشأن فلا يلومن إلا نفسه.
8 - إذا جاز القول في بعض الصور بانعدام الأحكام لفقدانها مقوماتها
الأساسية فليس هذا هو الشأن فيما يثيره الطاعن بشأن تشكيل المحكمة التي نظرت
الدعوى.
9 - ندب رئيس محكمة الاستئناف أحد مستشاري المحكمة لنظر الطلب الذي
تقدم به المتهم ببطلان الحكم بدلاً من المستشار الأصلي - الذي وجد لديه مانع -
إجراء مطابق لما نصت عليه المادة 71 في فقرتها الثانية من القانون رقم 56 لسنة
1959 - في شأن السلطة القضائية - والواردة في الفصل الثاني منه المعنون "في
نقل القضاة وندبهم" - سواءً في محاكم الاستئناف، أو في المحاكم الابتدائية -
ولا يلزم الإشارة إلى هذا الندب في الحكم.
10 - المادة السابعة من قانون السلطة القضائية وإن اشترطت أن تنعقد
محكمة الجنايات في كل مدينة بها محكمة ابتدائية إلا أنها لم تشترط أن تنعقد
المحكمة في ذات المبنى الذي تجري فيه جلسات المحاكم الابتدائية - وما دامت محكمة الجنايات
التي نظرت الطلب قد انعقدت في مقرها وهو مدينة القاهرة، فإن انعقادها يكون صحيحاً.
11 - صدور قرار من وزير العدل إنما يكون واجباً إذا كان محل انعقاد
محكمة الجنايات في مكان آخر خارج المدينة التي تقع بها ذات المحكمة الابتدائية.
الوقائع
تخلص الواقعة في أنه بتاريخ 30/ 4/ 1959 أصدرت محكمة جنايات القاهرة
حكماً قضى بمعاقبة حسني أحمد توفيق مورو بالإعدام شنقاً. فطعن في هذا الحكم بطريق
النقض وقضي فيه بتاريخ 17/ 11/ 1959 بقبوله شكلاً وبرفضه موضوعاً. وبتاريخ 13/ 12/
1959 قدم المحكوم عليه المذكور طلباً إلى محكمة استئناف القاهرة يطلب فيه القضاء
بانعدام الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة والقاضي بإعدامه شنقاً واعتبار
الدعوى كأنما لم يصدر فيها حكم. وقال في طلبه إن محكمة الجنايات التي أصدرت حكم
الإعدام لم تكن مشكلة تشكيلاً صحيحاً. ومحكمة الجنايات قضت في الدعوى بتاريخ 31/
12/ 1959 بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وبصحة الحكم الصادر من محكمة جنايات
القاهرة في 30/ 4/ 1959 القاضي بإعدام حسني أحمد توفيق مورو شنقاً. فطعن كل من
المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
...
من حيث إن النيابة العامة
تعيب على الحكم المطعون فيه - الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وفي بيان ذلك تقول
أن سبيل الطعن في الأحكام الجنائية هي المعارضة والاستئناف والنقض وليس من بينها
رفع دعوى أصلية بطلب بطلان الحكم - فمتى استنفد صاحب الشأن هذه الطرق أو سكت عن
سلوكها، فإن الحكم يحوز قوة الشيء المقضي به ويرتفع عنه وصف البطلان أياً كان
العيب الذي لحقه، ومن ثم فإن محكمة جنايات القاهرة - إذ أجازت رفع دعوى البطلان
وأسبغت على نفسها ولاية البحث في صحة تشكيل المحكمة التي أصدرت الحكم في الموضوع -
تكون قد تجاوزت حدود اختصاصها المقرر لها في القانون.
وحيث إن واقع الحال في
الدعوى أن محكمة جنايات القاهرة حكمت بتاريخ 30 من أبريل سنة 1959 بإعدام حسني
أحمد توفيق مورو شنقاًًًًً. فطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقضي فيه بالرفض في 17
من نوفمبر سنة 1959. فقدم المطعون ضده طلباًًًًً إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة
التمس فيه القضاء ببطلان الحكم الموضوعي بمقولة إن المحكمة التي أصدرته لم تكن
مشكلة تشكيلاًًًًًًًًًً صحيحاًًًًً إذ اشترك في الحكم المرحوم الأستاذ شفيق الكاشف
وكيل محكمة القاهرة في حين أن المادة السادسة من الباب الأول من القانون رقم 56
لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية والمعمول به من 21 من فبراير سنة 1959 قد نصت
على: "تشكل في كل محكمة استئناف محكمة أو أكثر للجنايات وتؤلف كل منها من
ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف. ويرأس محكمة الجنايات رئيس المحكمة أو أحد
رؤساء الدوائر وعند الضرورة يجوز أن يرأسها أحد المستشارين بها". كما نصت
المادة الأولى من قانون إصدار السلطة القضائية على أن "يلغى من قانون نظام
القضاء ومن قانون استقلال القضاء ومن قانون السلطة القضائية ما يخالف أحكام نصوص
القانون المرافق ويستعاض عنها بالنصوص المرافقة ويلغى كل نص آخر يخالف
أحكامه" وانتهى إلى القول بأن المادة 372 من قانون الإجراءات - التي كانت
تجيز - عند الاستعجال ندب رئيس محكمة ابتدائية أو وكيلها للجلوس في محاكم الجنايات
قد ألغيت بموجب هذا القانون - فأحال رئيس المحكمة الطلب إلى محكمة جنايات القاهرة
فقضت بتاريخ 31 من ديسمبر سنة 1959 بعد بحث تشكيل المحكمة والوقوف على صحته بقبول
الدعوى شكلاًًًًً وفي الموضوع برفضها وبصحة الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة
بتاريخ 30 من أبريل سنة 1959 والقاضي بإعدام حسني أحمد توفيق مورو شنقاًًًًً. هذا
هو الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الحاضر عن
المطعون ضده - دفع بعدم قبول طعن النيابة لانتفاء المصلحة منه وأشار بمذكرته أن
المصلحة هي مقياس الدعوى - وأن مصلحة النيابة من وراء هذا الطعن هي مصلحة نظرية
صرف، إذ هي تطلب من طعنها أن يقضي فيه بعدم قبول دعوى البطلان - في حين أن الحكم
المطعون فيه قد قضى برفض الدعوى موضوعاًًًًً وهو ما يستوي من الناحية العملية مع
الحكم بعدم قبول الدعوى - إذ أن الحكم المطعون فيه لم يمس موضوع الحكم الأصلي
واستبقاه على حاله دون أي مساس - فليس للنيابة من وراء الطعن أية فائدة عملية.
وحيث إن النيابة العامة -
وهي تمثل الصالح العام وتسعى في تحقيق موجبات القانون - من جهة الدعوى العمومية هي
خصم عام تختص بمركز قانوني خاص يجيز لها أن تطعن في الحكم - وإن لم يكن لها -
كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن - بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه من المتهمين،
وكانت مصلحة المجتمع تقتضي أن تكون الإجراءات في كل مراحل الدعوى الجنائية صحيحة
وأن تبنى الأحكام فيها على تطبيق قانوني صحيح خال مما يشوبه من أسباب الخطأ
والبطلان، وكان المطعون ضده يرمي من وراء طعنه أن تقضي له محكمة الجنايات - ببطلان
الحكم - وهو أمر يتجاوز حدود سلطتها فضلاًًًًً عن مساسه بقوة الشيء المقضي به، فإن
مصلحة النيابة في الطعن تكون قائمة بكل صفاتها ومميزاتها - ولو أن الحكم قد قضى
برفض الدعوى موضوعاًًًًً - والطعن من جانب النيابة - لم ينصب على تعييب الحكم
المطعون فيه من حيث الموضوع - كما يظن لأول وهلة، بل هو ينكر على المطعون ضده حقه
في سلوك هذا السبيل كما ينكر على المحكمة حقها فيما قضت به من قبول دعوى البطلان
بالمخالفة للقانون مما أدى بها بالضرورة إلى البحث في صحة تشكيل المحكمة التي
أصدرت الحكم وما قد يجره هذا البحث من إهدار قوة الشيء المقضي به التي حازها هذا
الحكم. لما كان ذلك، فإن الدفع يكون على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن الطعن استوفى
الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه - تحدث عن جواز رفع دعوى البطلان في قوله: "وحيث إن قانون الإجراءات
الجنائية وإن لم يتحدث عن دعوى البطلان الأصلية فإنه لم يجحد قيام البطلان في
الأحكام فتحدث في الفصل الثاني عشر من الباب الثاني من الكتاب الثاني عن أوجه
البطلان فقال إن البطلان يترتب على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء
جوهري، وأنه إذا كان البطلان راجعاًًًًً لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة
بتشكيل المحكمة أو بولايتها للحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة
المعروضة عليها أو غير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام جاز التمسك به في أية حالة
كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب - كما نص القانون رقم 57 لسنة
1959 الصادر في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على أن للمحكمة أن تنقض
الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على
مخالفة للقانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله أو أن المحكمة التي أصدرته لم
تكن مشكلة وفقاًًًًً للقانون ولا ولاية لها بالفصل في الدعوى أو إذا صدر بعد الحكم
المطعون فيه قانون يسري على واقعة الدعوى، كما نص قانون الإجراءات على ما عدا ذلك
من أنواع البطلان وقال بسقوط الحق في الدفع بها في الأحوال التي عددها. وحيث إن
مؤدى ما تقدم هو أن قانون الإجراءات الجنائية فرق بين البطلان الماس بالنظام العام
وبين غير ذلك من أوجه البطلان ورتب على النوع الأول جواز التمسك به في أية حالة
كانت عليها الدعوى وأن المحكمة تقضي به ولو بغير طلب - ومعنى هذا أن القانون افترض
قيام البطلان وقت نظر الدعوى وقبل استنفاذ طرق الطعن فيها ولم يفترض أن المحكوم
عليه كشف أمر البطلان وأراد الطعن في الحكم بدعوى أصلية بعد أن انتهت وسائله
القانونية للطعن فيه. وحيث إن البطلان الماس بالنظام العام والذي قد يشوب الحكم
النهائي الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه أمر محتمل الوقوع في بعض الصور رغم اجتياز
الحكم لجميع مراحل الطعن - بل إنه يمكن تصوره في الدعوى التي بصددها البحث والتي
رفض الطعن المرفوع عنها أمام محكمة النقض - ذلك أنه مع افتراض أن محكمة الجنايات
التي أصدرت الحكم المطعون فيه كانت مشكلة تشكيلاًًًًً باطلاًًًًً بإجماع الآراء
وبلا خلاف كأن كان العضو المكمل لها قاضياًًًًً ووصف خطأ في محضر الجلسة وفي الحكم
بأنه رئيس محكمة ابتدائية ولم يكشف الطاعن هذا الخطأ فيضمنه أسباب طعنه ولم تلتفت
محكمة النقض من تلقاء نفسها إلى ما شاب الحكم لأن محضر الجلسة صحيح حسب نصوص قانون
الإجراءات وتم القضاء برفض الطعن - هذه الحالة لم ينظمها قانون الإجراءات الجنائية
مع أنه لا سبيل إلى الطعن في مثل هذا الحكم بالطريق الآخر غير العادي وهو طلب
إعادة النظر لأن الأسباب التي بينها قانون الإجراءات الجنائية لهذا الطلب وردت على
سبيل الحصر وليس من بينها بطلان تشكيل المحكمة التي أصدرت الحكم. وحيث إن هذا
المثل الذي ساقته المحكمة يجعل إجازة رفع دعوى أصلية ببطلان الحكم لا مناص منه متى
استنفدت أوجه الطعن الأخرى وذلك إذا ما كان البطلان ماساًًًًً بالنظام العام لأن
هذا النوع من البطلان يجعل الحكم فاقداًًًًً لمقوماته الأساسية ويعد في حكم
العدم". ثم تحدث الحكم عن اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم الأول بنظر الدعوى
وانتهى من ذلك بقوله: "إن رفع هذه الدعوى أمامها قد وقع صحيحاًًًًً
مطابقاًًًًً للقانون".
وحيث إن قانون الإجراءات
القانونية - قد نظم أحوال البطلان في قواعد عامة أوردها في الفصل الثاني عشر من
الباب الثاني من الكتاب الثاني فنص في المادة 332 على أنه "إذا كان البطلان
راجعاًًًًً لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم
في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو
متعلق بالنظام العام جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى - وتقضي به
المحكمة ولو بغير طلب - كما نصت المادة 333 "في غير الأحوال المشار إليها في
المادة السالفة يسقط الحق في الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو
التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام
وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه. أما في مواد المخالفات فيعتبر الإجراء
صحيحاًًًًً إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام في الجلسة. وكذلك يسقط
حق الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به في حينه" فدل
الشارع بذلك في عبارة صريحة على أن التمسك بالدفع بالبطلان إنما يكون أثناء نظر
الدعوى التي وقع البطلان في إجراءاتها - وهذا الإجراء الباطل أياًًًًً كان سبب
البطلان يصححه عدم الطعن به في الميعاد القانوني، ولهذا اشترط لقبول أسباب النظام
العام لأول مرة أمام محكمة النقض ألا يكون الحكم المطعون فيه قد اكتسب قوة الشيء
المحكوم به وأن تكون هذه الأسباب مستفادة من الأوراق التي سبق عرضها على محكمة
الموضوع، وألا يخالطها أي عنصر واقعي لم يسبق عرضه عليها، وذلك تغليباًًًًً لأصل
اكتساب الحكم قوة الشيء المحكوم فيه على أصل جواز التمسك بالأسباب الجديدة الماسة
بالنظام العام. هذا وقد نصت المادة 454 من قانون الإجراءات - في قوة الأحكام
النهائية - على ما يأتي: "تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة
عليه والوقائع المسندة فيها إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو الإدانة. وإذا
صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم
بالطرق المقررة في القانون" لما كان ذلك، وكان القانون قد بين طرق الطعن في
الأحكام الجنائية وهي المعارضة والاستئناف والنقض ورسم أحوال وإجراءات كل منها،
فإن الطعن في تلك الأحكام الجنائية بالبطلان بدعاوى مستقلة ترفع بصفة أصلية يكون
غير جائز في القانون.
وحيث إنه فضلاًًًًً عن
ذلك فقد نصت المادة 396 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 137 لسنة 1956
على: "يجوز استئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من المحاكم الجزئية أو من
المحاكم الابتدائية بسبب وقوع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في
الحكم" فقد دل الشارع بذلك على أن سبيل تعييب الأحكام لا يكون إلا عن طريق
الطعن فيها بالطرق المقررة في القانون وأن الطعن فيها بدعوى البطلان الأصلية غير
جائز - إذ لو كان الأمر كذلك لما كان هناك محل لإيراد ذلك النص الذي خرج به عن
القواعد التي حددت نصاب الاستئناف - ولم يخرج الشارع عن هذا الأصل - إلا بقدر ما
خول لمحكمة النقض من حق إعادة النظر في الدعاوى التي أصدرتها هي - في حالة واحدة
نصت عليها المادة 314 من قانون المرافعات في باب رد القضاة عن الحكم إذ نصت على:
"عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر (أحوال عدم الصلاحية) ولو
باتفاق الخصوم، يقع باطلاًًًًً. وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض
جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى" -
وذلك باعتبار أن محكمة النقض وهي المحكمة العليا وأنه لا سبيل إلى تصحيح حكمها -
في الحالة المشار إليها في المادة المذكورة - إلا بالرجوع إليها فيها. أما في غير
هذه الحالة التي جاءت على سبيل الاستثناء والحصر فإن في سلوك طرق الطعن العادية
منها وغير العادية ما يكفل إصلاح ما وقع في الأحكام من أخطاء - فإذا توافر سبيل
الطعن وضيعه صاحب الشأن فلا يلومن إلا نفسه. لما كان ذلك، وكانت المادة 35 من
القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، قد نصت على
ما يأتي: "لا يجوز إبداء أسباب أخرى أمام المحكمة غير الأسباب التي سبق
بيانها في الميعاد المذكور بالمادة السابقة. ومع ذلك فللمحكمة أن تنقض الحكم
لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة
للقانون، أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله، أو أن المحكمة التي أصدرته لم تكن
مشكلة وفقاًًًًً للقانون ولا ولاية لها بالفصل في الدعوى، أو إذا صدر بعد الحكم
المطعون فيه قانون يسري على واقعة الدعوى" وبهذا أجازت لمحكمة النقض أن تنقض
الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها ولغير الأسباب التي بني عليها الطعن في أية
حالة من الحالات المشار إليها آنفاًًًًًًًًًً دون غيرها - فإن قضاء محكمة النقض
برفض الطعن، معناه بالضرورة أنها أصدرت حكمها - بعد بحث تشكيل المحكمة التي نظرت
الدعوى ولم تر في ذلك عيباًًًًً - فمثل هذا الحكم - بعد هذه المرحلة يحوز قوة
الشيء المقضي فتنقضي به الدعوى العمومية ويعتبر عنواناًًًًً للحقيقة بما جاء فيه
وحجة على الكافة. لما كان ذلك، وكان لا يسوغ في القانون تأخير تنفيذ الأحكام
النهائية إلى غير مدى بدعوى أن يجد المحكوم عليهم سبيلاًًًًً للطعن بالبطلان، فإنه
يتحتم القول بأن الشارع قصد بغير شك أن يجعل لطرق الطعن الممنوحة للمتهم والمذكورة
في القانون علي سبيل الحصر - حداًًًًً يجب أن تقف عنده ضماناًًًًً لحسن سير
العدالة واستقراراً للأوضاع النهائية التي انتهت إليها كلمة القضاء.
وحيث إنه متى تقرر ذلك،
وكان الحكم الصادر ضد المطعون ضده بتاريخ 30 أبريل سنة 1959 قد أصبح باتاًًًًً فلا
يجوز الطعن فيه بدعوى البطلان الأصلية - وحتى إذا جاز القول - في بعض الصور -
بانعدام الأحكام لفقدانها مقوماتها الأساسية، فليس هذا هو الشأن في الدعوى
الحالية، ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة جنايات القاهرة بتاريخ
31 ديسمبر سنة 1959 والقضاء بعدم جواز سماع دعوى البطلان.
بالنسبة للطعن المقدم من
المتهم:
من حيث إن الطعن قد
استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن يستند في
أوجه الطعن المقدمة منه على الحكم إلى وجوه متنوعة قسمها إلى طائفتين: الطائفة
الأولى ترد على الحكم المطعون فيه الصادر في 31 ديسمبر سنة 1959، والطائفة الثانية
ترد على الحكم الصادر في الموضوع بتاريخ 30 من أبريل سنة 1959. ويقول في الطائفة
الأولى أن الحكم بني على إجراءات باطلة إذ أن رئيس الدائرة التي نظرت الدعوى وقضت
فيها وهو السيد المستشار محمود عبد اللطيف لم يندب للعمل في محاكم الجنايات من قبل
الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة - كما تقضي بذلك المادتان 6 و35 من الباب
الأول من القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية، كما أن المحكمة قامت
بعقد جلساتها في دار القضاء العالي - دون مقر مبنى محكمة القاهرة الابتدائية
المقرر لعقدها بمقتضى القانون المذكور ولم يثبت أن وزير العدل قد أذنها في ذلك -
فتجاوزت بذلك قواعد تحديد مكان انعقاد المحاكم مما يترتب عليه بطلان الإجراءات
والأحكام بطلاناًًًًً مطلقاًًًًً. هذا إلى أن الطاعن لم يعلن بالحضور في الجلسة
وسارت الإجراءات في الدعوى في غيبته ودون إعلانه رغم أن القانون لا يسمح بأن يمثله
غيره فيها - وقد جاء الحكم خالياًًًًً من أية إشارة إلى ذلك. أما الطائفة الأخرى
فتتمثل في أن الحكم الصادر في 30 أبريل سنة 1959 قد صدر باطلاًًًًً قانوناًًًًً
لبطلان تشكيل المحكمة التي أصدرته، ذلك أن المادة السادسة من الباب الأول من
القانون رقم 56 لسنة 1959 والمادة الأولى من قانون الإصدار قد ألغتا المادة 372 من
قانون الإجراءات التي كانت تجيز ندب أحد رؤساء المحاكم الكلية أو وكلائها للجلوس
بمحكمة الجنايات - على ما سبق بيانه - وأنه لا يصح في مجال التفسير الاعتماد على
ما جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون لمخالفتها لنصوص القانون الصريحة في هذا
الخصوص.
وحيث إنه يبين من الأوراق
أن الطلب الذي تقدم به الطاعن إلى رئيس محكمة الاستئناف ببطلان الحكم الموضوعي قد
عرض على السيد المستشار محمد كامل البهنساوي رئيس الدائرة الجنائية الثانية من
دوائر محكمة جنايات القاهرة فاعتذر عن نظره فندب السيد رئيس محكمة الاستئناف
بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1959 السيد المستشار محمود عبد اللطيف للجلوس بدله. لما كان
ذلك، وكانت المادة 71 فقرة ثانية من القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة
القضائية والواردة في الفصل الثاني منه المعنون "في نقل القضاة وندبهم"
سواءً في محاكم الاستئناف أو في المحاكم الابتدائية قد نصت على: "وفي حالة
غياب أحد القضاة أو وجود مانع لديه يندب رئيس المحكمة من يحل محله..." فإن
ندب السيد المستشار محمود عبد اللطيف لنظر هذا الطلب بدلاًًًًً من المستشار الأصلي
- الذي وجد لديه المانع يكون مطابقاًًًًً للقانون - ولا داعي بعد ذلك للإشارة إلى
هذا الندب في الحكم.
وحيث إن المادة السابعة
من القانون المذكور - وإن اشترطت أن تنعقد محكمة الجنايات في كل مدينة بها محكمة ابتدائية
- إلا أنها لم تشترط أن تنعقد المحكمة في ذات المبنى الذي تجري فيه جلسات المحكمة
الابتدائية - وما دامت محكمة الجنايات التي نظرت الطلب قد انعقدت في مدينة القاهرة
- وهو ما لا ينازع فيه الطاعن - فإن انعقادها يكون صحيحاًًًًً. أما ما أشار إليه
الطاعن من وجوب صدور قرار من وزير العدل، فإن ذلك محله أن يكون محل انعقاد المحكمة
في مكان آخر خارج المدينة التي تقع بها دائرة المحكمة الابتدائية - وهو ما لم يحدث
في الدعوى. لما كان ذلك، وكان مآل دعوى الطاعن حتماًًًًً هو القضاء بعدم جواز
سماعها، فإن ما يثيره في شأن عدم إعلانه لم يكن يغير من تلك النتيجة، إذ أن
المحكمة قد اتصلت بالدعوى بصدور الأمر بإحالتها إليها. أما في خصوص الطعن الذي يرد
على الحكم الموضوعي، فإنه يضحى - بعدم جواز سماع دعوى البطلان - غير ذي موضوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق