الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 يوليو 2017

الطعن 1265 لسنة 43 ق جلسة 11 / 2 / 1974 مكتب فني 25 ق 29 ص 126

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حسن أبو الفتوح الشربيني، وإبراهيم أحمد الديواني، وعبد الحميد محمد الشربيني، وحسن علي المغربي.
-------------
- 1  محكمة الموضوع " سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات " بوجه عام".
تساند الأدلة في المواد الجنائية عدم تقيد القاضي في تكوين عقيدته بدليل معين . كفاية أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها .
من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة دون أن تتقيد في التصوير بدليل بعينه أو بأقوال الشهود بذواتهم أو بالأدلة المباشرة إذ أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينة لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
- 2  حكم " بيانات الحكم . بيانات التسبيب". دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي على كل : شبهة يثيرها اطمئنانها لأدلة الثبوت التي عولت عليها . مفاده اطراحها لهذا الدفاع .
المحكمة ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحته اطمئنانا منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة.
- 3  جلب . قصد جنائي . مواد مخدرة .
الجلب هو استيراد المخدر بالذات أو بالواسطة ملحوظا فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس .
إن المشرع إذ عاقب في المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي.
- 4 جلب . مواد مخدرة .
الجلب لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل الجمهورية .
إن جلب المواد المخدرة لا يعدو في واقع الأمر أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل أراضي الجمهورية، فهو في مدلوله القانوني الدقيق ينطوي ضمناً على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها.
- 5  جلب . مواد مخدرة .
الحيازة المادية للمخدر ليست شرطا لاعتبار الشخص حائزا لمادة مخدرة كفاية أن يكون سلطانه مبسوطا على المخدر .
من المقرر أنه لا يشترط لاعتبار الجاني حائزاً لمادة مخدرة أن يكون محرزاً مادياً للمادة المخدرة بل يكفي أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصاً غيره.
- 6  جلب . مواد مخدرة . فاعل اصلى .
متى يعد المتهم فاعلا أصليا فى جريمة جلب مواد مخدرة .
إذ نصت المادة 39 من قانون العقوبات على أنه يعتبر فاعلاً في الجريمة من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتي عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها، فقد دلت على أن الجريمة إذا تركبت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها، فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلاً مع غيره ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده، بل تمت بفعل واحد ممن تدخلوا معه فيها، متى وجدت لدى الجاني نية التدخل تحقيقاً لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قصد قصد الفاعل معه في إيقاع تلك الجريمة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها.
-----------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يومي 30 و31 من ديسمبر سنة 1971 بدائرة قسمي النزهة والموسكي محافظة القاهرة: (المتهمون الثلاثة) جلبوا جوهرا مخدرا (أفيونا) إلى جمهورية مصر العربية دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة المختصة. (المتهم الثالث أيضاً) تعدى على موظف عمومي قائم على تنفيذ القانون رقم 182 سنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها هو المقدم ....... الضابط بإدارة مكافحة المخدرات بأن ضربه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي ومزق سترته وكان ذلك أثناء تأدية وظيفته وبسببها وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام. فقرر ذلك في 8 بولية سنة 1972. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً بتاريخ 29 من أكتوبر سنة 1972 عملاً بالمواد 1 و2 و3 و33/1 و42 من القانون 182 سنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 سنة 1966 مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين الثلاثة بالأشغال الشاقة المؤبدة مع تغريم كل منهم خمسة آلاف جنيه والمصادرة. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
-------------
المحكمة
حيث إن الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث قد استوفى الشكل المقرر في القانون
وحيث إن الطاعن الثاني ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة جلب جوهر مخدر قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وخطأ في الإسناد، ذلك بأن مجرد شرائه للجوهر المخدر يجعله مرتكباً جريمة حيازة هذا المخدر وليس جريمة جلبه. كما أن الحكم لم يعرض - إيراداً ورداً - لدفاعه المؤسس على أن اسمه لم يرد ذكره على لسان مرشد الشرطة في محاضر التحريات الأولى وأن وقائع الضبط قد خلت هي الأخرى من ذكره والتفت عن دفعه ببطلان ضبط بعض البرقيات والصور وعلى الرغم من أنه قد تمسك بجلسة المحاكمة بسماع موظف المبيعات بشركة الطيران إلا أن المحكمة لم تجبه لطلبه، هذا فضلاً عن أن الطاعن أرجع ما ورد في أقوال أخيه المتهم الثالث (الطاعن الثالث) عنه بوجود خلاف بينه وبين والدة أخيه المذكور ومع إقرار المتهم الثالث بوجود هذا الخلاف فإن الحكم أطرح هذا الدفاع استناداً إلى أنه مجرد قول مرسل لم يقم عليه دليل وكذبه المتهم الثالث في حين أنه وإن كان الأخير قد نفى قيام خلاف بينه وبين أخيه، إلا أنه لم ينف وجود خلاف بين والدته وبين الطاعن الثاني، كما ينعى الطاعن الثالث على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة جلب جوهر مخدر والاعتداء على أحد القائمين على تنفيذ قانون مكافحة المخدرات قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون، وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه أسس دفاعه على أن الواقعة المسندة إليه - بفرض صحتها - لا توفر سوى جريمة إحراز جوهر مخدر وليست جريمة جلب لأن دوره اقتصر على مجرد التوجه إلى مرشد الشرطة لاستلام المخدر، كما أن الحكم عول في ثبوت جريمة الجلب في حقه على ما جاء بأقوال المتهم الأول في الدعوى من أنه عضو في عصابة لجلب المخدرات دون أن يورد الحكم تلك الأقوال تفصيلاً أو يدلل على صحتها
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن المتهمين (الطاعنين الثلاثة) وقد اتفقوا على تكوين عصبة لجلب المخدرات وجدوا في المواطن ... (مرشد الشرطة) فرصة لتنفيذ غرضهم ليجلبوا بواسطته كمية من المخدرات من بيروت واتفقوا معه على السفر إلى بيروت لجلب كمية المخدرات التي تسلم إليه من عملائهم ببيروت نظير مبلغ 500 جم كأتعاب له وأتعاب لمن يسهل له الخروج من المنطقة الجمركية من رجال الجمارك بخلاف مصاريف السفر ذهاباً وإياباً ومصاريف الإقامة ببيروت وتنفيذاً لذلك سافر الوسيط إلى بيروت يوم 22 من ديسمبر سنة 1971 بتذكرة سفر سلمها إليه المتهم (الطاعن) الثاني الذي رافقه إلى المطار وسلمه مبلغاً من النقود وأقام ببيروت بالفندق الذي طلب إليه الإقامة فيه حيث حضر لمقابلته شخصان أحدهما يدعى ..... والآخر يدعى ... وسلمه هذا الأخير كمية المخدرات المضبوطة وطلب إليه إخفاءها خلف ملابسه حول جسمه ثم رافقه يوم 30 ديسمبر سنة 1971 إلى مطار بيروت حيث ركب الطائرة العربية التي وصلت ميناء القاهرة الجوي الساعة 4 و15 دقيقة م حيث كان رجال مكافحة المخدرات الذين كان قد أخطرهم بالمأمورية قبل سفره من القاهرة ورجال مصلحة الجمارك في انتظاره فعرض عليهم ما يحمل من مواد مخدرة فأثبتوا حالتها ووزنها وتبين أنها لجوهر الأفيون وزنتها 6 كيلو و500 جرام ثم ولعدم حضور أحد من أفراد العصابة خارج المنطقة الجمركية سلمه إلى رجال مكتب مكافحة المخدرات للاحتفاظ بها حتى يطلبها جالبوها وفي يوم 31 من ديسمبر سنة 1971 اتصل المتهم (الطاعن) الثالث بالوسيط وطلب منه تسليمه المخدرات التي جلبها فحدد له الساعة 8 و45 دقيقة من مساء ذات اليوم لمقابلته بمقهى ..... بشارع ... قسم .... حيث يستلم منه الأجر المتفق عليه ويسلمه البضاعة، وهناك وفي الميعاد المذكور تقابلا ومعهما المقدم ... الضابط بإدارة مكافحة المخدرات متخفياً وباعتباره موظف الجمرك الذي سهل عملية الخروج من المنطقة الجمركية كما كان العقيد ... يقف بالقرب من مكان جلوسهم متخفياً أيضاً باعتباره حمالاً، وإذ تعهد المتهم الثالث بدفع مستحقات الوسيط ورجل الجمارك بعد استلامه للمخدرات المجلوبة وتسليمها لشقيقه وللمتهم الأول فإنهما سمحا له باستلام المخدرات التي كان يحملها الرائد .... الذي بادر بمجرد أن امتدت إليه يد المتهم الثالث إلى الإمساك به، وإذ حاول هذا الأخير الهرب أطلق عليه باقي رجال مكتب مكافحة المخدرات الذين كانوا بالقرب من المقهى فاعتدى المتهم على المقدم ... الضابط بإدارة مكافحة المخدرات بالضرب محدثاً به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوماً"، ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال مرشد الشرطة ورجال إدارة مكافحة المخدرات ومن تقرير تحليل المادة المخدرة المضبوطة، ومما ورد بالتقرير الطبي عن نتيجة توقيع الكشف الطبي على ضابط إدارة مكافحة المخدرات الذي وقع عليه الاعتداء ومن اعتراف كل من المتهمين على الآخر، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. ثم عرض الحكم لدفاع الطاعنين وأطرحه في قوله: "وحيث إن دفاع المتهمين ودفوعهم مردود جملة وتفصيلاً بما يأتي": (أولاً) إن الدليل قبل المتهمين الأولين (الأول والثاني) قام ضدهما من أقوال شاهد الإثبات الأول (مرشد الشرطة) والتي اطمأنت إليها المحكمة والتي جاءت قاطعة في أن المتهم الأول هو الذي اتفق معه على السفر إلى بيروت لجلب مخدرات أعدها مقدماً وأودعها طرف عميل ببيروت كما جاءت قاطعة أيضاً في أن المتهم الثاني هو الذي اشترى له تذكرة السفر ورافقه إلى شركة السياحة ودفع الثمن كما رافقه إلى المطار وسلمه مبلغاً من النقود وطلب منه الاتصال بذات الشخص الذي أخبر عنه المتهم الأول والموجود ببيروت وهو .... و(ثانياً) إن الدليل قبل المتهم الثالث قد قام ضده من ماديات الدعوى، إذ أنه وإن كان لم يرد اسمه ضمن من ساهم مع الوسيط عند سفره إلى بيروت فإنه هو الذي حضر لاستلام المخدرات المجلوبة وواقعة الجلب كانت مطروحة للمناقشة بين الوسيط وبينه وبحضور المقدم ... الذي تواجد بالمجلس باعتباره أنه موظف الجمرك الذي ساهم في إخراج المخدرات المجلوبة من المنطقة الجمركية كما أن النقاش كان واضحاً إذ طالب الطالب المتخفي بأجرته في تسهيل الإجراءات الجمركية فوعده المتهم بدفع المبلغ المتفق عليه بعد توصيل المخدرات للمتهمين الأولين. وذلك كله يقطع بمساهمته في عملية الجلب بصفته فاعلاً أصلياً شأنه في ذلك شأن المتهمين الأولين و(ثالثاً) يؤيد هذا النظر ويؤكده ما قرره المتهم الأول من أن المتهمين الثاني والثالث عضوان في عصابة لجلب المخدرات ولم يطعن هذان الأخيران على شهادته بأي مطعن وليس له مصلحة في توجيه الاتهام إليهما زوراً كما أن أقواله تأيدت أيضاً بالقرائن القاطعة - إذ لو سلمنا جدلاً يصدق ما قرره المتهم الثاني من أنه لم يكلف الوسيط بشراء شيء كما أنه لم يكلف أخاه المتهم الثالث بمقابلة الوسيط وكان الثابت من أقوال الوسيط أنه لم يسبق له رؤية المتهم الثالث فمن أين عرف هذا الأخير الوسيط ويتصل به ويقابله بالمقهى إلا أن يكون ذلك ناشئاً عن تكليف صادر إليه من آخر بمقابلة الوسيط فإذا أضفنا إلى ذلك بأنه لا مصلحة للمتهم الثالث في اتهام أخيه المتهم الثاني يكون الثابت في حق هذا الأخير أنه هو الذي أرسل أخاه المتهم الثالث لاستلام المخدرات خاصة وقد ثبت من أقوال الوسيط أن المتهمين الأول والثاني وحدهما اللذين اتصلا به وسهلا له عملية السفر على الوجه السابق بيانه و(رابعاً) إن ادعاء المتهم الثاني بوجود خصومة بينه وبين أخيه المتهم الثالث هو قول مرسل لم يقم على دليل وكذبه المتهم الثالث نفسه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه أو بأقوال الشهود بذواتهم أو بالأدلة المباشرة، إذ أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، إذ أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحت اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة، وكان الحكم المطعون فيه مع ذلك قد تصدى لدفاع الطاعنين - الموضوعي والقانوني - بتفصيل ينم عن إحاطة شاملة وإلمام كامل به، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم بياناً لواقعة الدعوى وفي تحصيله لأدلة الإثبات ورده على دفاع الطاعنين - يتحقق به توافر جريمة جلب جوهر مخدر في حق كل منهما، ذلك بأن الشارع إذ عاقب في المادة 33 من القانون رقم 182 سنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي, وإذ كان جلب المواد المخدرة لا يعدو في واقع الأمر أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل أراضي الجمهورية فهو في مدلوله القانوني الدقيق ينطوي ضمناً على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها. وكان لا يشترط لاعتبار الجاني حائزاً لمادة مخدرة أن يكون محرزاً عادياً للمادة المخدرة بل يكفي أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصاً غيره وكانت المادة 39 من قانون العقوبات إذ نصت على أنه يعتبر فاعلاً في الجريمة من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتي عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها فقد دلت على أن الجريمة إذا تركبت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلاً مع غيره فيها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده، بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها، متى وجد لدى الجاني نية التدخل تحقيقاً لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قصد قصد الفاعل معه في إيقاع تلك الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في منطق سائغ وتدليل مقبول أن المتهمين الثلاثة اتفقت كلمتهم على جلب المواد المخدرة وأن كلاً منهم أسهم - تحقيقاً لذلك - بالدور الذي أعد له في خطة تنفيذ تلك الجريمة على النحو الذي أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وكان الطاعنان لا ينازعان في أن ما عول عليه الحكم من أدلة الثبوت له مأخذه الصحيح من الأوراق. وقد انصبت مجادلتها على ما استخلصه الحكم من هذه الأدلة ورتب عليها أن كلاً منهما قد ارتكب جريمة جلب المخدر، وكان ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، فإن منعى الطاعنين على الحكم بقالة الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الثاني من نعي على الحكم لعدم رده على دفعه ببطلان ضبط بعض الصور والبرقيات لديه مردوداً بأن الحكم قد بنى قضاءه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التي قام عليها ولم يعول على أي دليل مستمد من تلك الصور والبرقيات التي لم يشر إليها في مدوناته ومن ثم فإنه قد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على هذا الدفع، ولما كان الطاعن الثاني لم يسلك الطريق الذي رسمه القانون في المواد 185 و186 و187 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى سماع أقوال مدير المبيعات بشركة الطيران أمام المحكمة، فإنه لا تثريب على المحكمة إذا هي أعرضت عن طلب سماعه، ويكون النعي على الحكم من هذه الناحية في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من أن ادعاء الطاعن الثاني بوجود خلاف بينه وبين أخيه المتهم الثالث هو قول مرسل لم يقم عليه دليل وكذبه المتهم الثالث نفسه - له معينه الصحيح من محضر جلسة المحاكمة، مما تنتفي معه عن الحكم دعوى الخطأ في الإسناد، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها السلطة المطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حقه نفسه وعلى غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وكانت المحكمة غير ملزمة بأن تورد في حكمها من الأدلة - إلا ما تقيم عليه قضاءها، وكان الطاعن الثالث لا يماري في أن ما أورده الحكم من أن المتهم الأول قد ذكر أن الطاعن المذكور من بين أفراد عصابة لجلب المخدرات له سنده من الأوراق، وكانت المحكمة قد اكتفت بهذا الذي أوردته في حكهما من أقوال المتهم الأول بجانب أدلة الثبوت الأخرى التي تساندت إليها في قضائها، فإن منعى الطاعن الثالث على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة لها أصلها في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. وكان ما يثيره الطاعنان ينحل في مجموعه إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى مما لا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق