الطعن 165 لسنة 32 ق " دستورية
" المحكمة الدستورية العليا جلسة 6 / 5 /2017
منشور في الجريدة
الرسمية العدد 19 مكرر أ في 15/ 5/ 2017 ص 25
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت
السادس من مايو سنة 2017م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد
الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه
النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد
بجاتو والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد
الجواد شبل رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين
السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة
الدستورية العليا برقم 165 لسنة 32 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت
المحكمة الإدارية لوزارة المالية وملحقاتها بحكمها الصادر بجلسة 27/6/2010 ملف
الدعوى رقم 1301 لسنة 57 قضائية.
-----------
الوقائع
حيث إن الوقائع
تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعية - في الدعوى
الموضوعية - من العاملين ببنك ناصر الاجتماعي، وقد رخص لها مرتين بإجازة خاصة بدون
مرتب لرعاية طفلها، الأولى خلال المدة من 1/10/1989 إلى 30/9/1990، والثانية خلال
المدة من 14/3/1993، إلى 9/2/1995. إلا أن بنك ناصر الاجتماعي رفض منحها كامل
العلاوات الدورية التي منحت للعاملين بالبنك خلال أعوام 1990 و1994 و1995، وکذا ربع تلك العلاوة التي
منحت عام 1991، ونصف العلاوة التي منحت عام 1993، وذلك استنادا لنص المادة (76) من
لائحة نظام العاملين بالبنك الصادرة من مجلس إدارته بتاريخ 6/1/1980. فتقدمت
المدعية بطلب إلى لجنة التوفيق المختصة، والتي أصدرت بتاريخ 29/5/2001 توصية
بأحقيتها في إضافة تلك العلاوات لراتبها، ولرفض مجلس إدارة البنك تنفيذ هذه
التوصية لصدورها بأغلبية الآراء، أقامت المدعية، ضد البنك، الدعوى رقم 8944 لسنة
59 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري - وقيدت بعد ذلك برقم 1301 لسنة 57 قضائية،
أمام المحكمة الإدارية لوزارة المالية وملحقاتها بعد إحالتها إليها للاختصاص -
بطلب الحكم بأحقيتها في إضافة كامل رصيد تلك العلاوات الدورية لراتبها، وما يترتب
على ذلك من آثار وفروق مالية. وإذ ارتأت محكمة الموضوع أن نص المادة (76) من لائحة
نظام العاملين بالبنك المشار إليها، يحول دون إجابة المدعية لطلباتها، وتثور بشأنه
شبهة مخالفة أحكام الدستور، فقد قضت بجلسة 27/6/2010، بإحالة الأوراق إلى المحكمة
الدستورية العليا، للفصل في دستوريته.
بتاريخ الحادي والعشرين من سبتمبر سنة
2010، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 1301 لسنة 57
قضائية، تنفيذا للحكم الصادر بجلسة 27/6/2010، من المحكمة الإدارية لوزارة المالية
وملحقاتها، والقاضي بوقف الدعوى وإحالة أوراقها - بغير رسوم - إلى المحكمة
الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (76) من لائحة العاملين ببنك ناصر
الاجتماعي الصادرة بقرار مجلس إدارة البنك بجلسته رقم 48 المعقودة بتاريخ 6/1/1980.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها
الحكم أصليا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين
تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر
الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على
الأوراق، والمداولة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا
الدولة بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى، على سند من أن لائحة
العاملين بالبنك لا تعد تشريعا مما تختص هذه المحكمة بالفصل في مدى دستوريته،
فمردود بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور الصادر سنة 1971 قد عهد في
المادة (175) منه، وتقابلها المادة (192) من الدستور الحالي، إلى المحكمة
الدستورية العليا - دون غيرها - بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح
على الوجه المبين في القانون، ثم صدر القانون المنظم لأوضاعها رقم 48 لسنة 1979،
مبينا في المواد (25، 27، 29) اختصاصاتها، محددا ما يدخل في ولايتها حصرا، فخولها
الاختصاص المنفرد بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، مانعا أي جهة
من مزاحمتها في ذلك، مفصلا طرائق هذه الرقابة وكيفية إعمالها، وهي جميعا قاطعة في
دلالتها على أن اختصاص المحكمة الدستورية العليا في مجال الرقابة على الدستورية
منحصر في النصوص التشريعية أيا كان موضوعها أو نطاق تطبيقها، أو الجهة التي أقرتها
أو أصدرتها، ذلك أن هذه النصوص هي التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة، وما يميزها
كقاعدة قانونية هو أن تطبيقاتها مترامية، ودائرة المخاطبين بها غير متناهية،
والآثار المترتبة على إبطالها - إذا أهدرتها هذه المحكمة لمخالفتها الدستور -
بعيدة في مداها. متى كان ذلك، وكان بنك ناصر الاجتماعي - وفقا لقانون إنشائه
الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 - يعتبر هيئة عامة تهدف
إلى تحقيق التكافل الاجتماعي بين المواطنين، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية، ويعد
بالتالي شخصا من أشخاص القانون العام، ويعتبر العاملون به موظفين عموميين يرتبطون
به بعلاقة تنظيمية تحكمها لائحة نظام العاملين بالبنك، الصادرة عن مجلس إدارته في
6/1/1980 - ثم باللائحة الصادرة منه في 21/4/2008 - بما له من سلطة في ذلك، بمقتضى
المادة الثامنة من قانون إنشائه. وإذ كان النص المحال هو أحد نصوص هذه اللائحة،
فإنه بهذه المثابة يعتبر تشريعا بالمعنى الموضوعي، تمتد إليه رقابة هذه المحكمة.
وحيث إن المادة (76) من لائحة نظام
العاملين ببنك ناصر الاجتماعي، الصادرة بقرار مجلس إدارته بجلسته رقم (48)
المنعقدة بتاريخ 6/1/1980، ورد بها بيان الحالات التي يجوز فيها التصريح للعامل
بإجازة خاصة بدون مرتب، من بينها ما نصت عليه فقرتها الثالثة من أن:
"واستثناء مما تقدم، يجوز منح العاملة، بناء على طلبها، إجازة خاصة بدون مرتب
في الحالات الآتية:
(1) .................
(2) حاجة طفل العاملة إلى رعايتها، وذلك بحد
أقصى عامان في المرة الواحدة وثلاث مرات طوال حياتها الوظيفية، على أن يتحمل البنك
بحصته وحصة العاملة في اشتراكات التأمينات الاجتماعية".
ونصت الفقرة الخامسة من تلك المادة على أن
"وفي جميع الأحوال، لا يستحق العامل المصرح له بإجازة بدون مرتب أية علاوات
إذا جاوزت مدة الإجازة ستة أشهر، بصرف النظر عن وجوده بالعمل بالبنك من عدمه في
تاريخ استحقاق العلاوات، وإذا كانت مدة الإجازة خلال السنة تقل عن ستة أشهر، استحق
جزءا من العلاوة يتناسب مع مدة عمله بالبنك في تلك السنة وذلك وفقا للآتي:
- من يعمل طوال العام يمنح علاوة كاملة.
- من يعمل تسعة شهور وحتى أقل من 12 شهر
يمنح 3/4 علاوة.
- من يعمل ستة شهور وحتى أقل من 9 شهور يمنح
1/2 علاوة.
- من يعمل أقل من ستة شهور لا يستحق أي جزء
من العلاوة".
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي
شرط لقبولها، مناطها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون الفصل في
المسألة الدستورية مؤثرا في الطلبات المرتبطة بها والمعروضة على محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي، تدور رحاه حول مدى أحقية المدعية في أن يضاف
لراتبها كامل العلاوات الدورية التي منحت للعاملين ببنك ناصر الاجتماعي خلال مدتي
الإجازة الخاصة بدون مرتب المصرح لها بها، لرعاية طفلها. سواء التي حرمت منها
كاملا أم من ربع العلاوة أو نصفها، وهو ما ينصرف حكمه لنص الفقرة الخامسة من
المادة (76) من لائحة نظام العاملين ببنك ناصر الاجتماعي المشار إليها، وذلك في
مجال إعماله على ما ورد بنص البند (2) من الفقرة الثالثة من المادة ذاتها. ومن ثم
فإن الفصل في دستورية ذلك النص يرتب انعكاسا على الطلبات المطروحة على محكمة
الموضوع، وقضاء هذه المحكمة فيها، بما يتوافر معه شرط المصلحة في الدعوى المعروضة،
ويتحدد نطاقها في نص البند (2) من الفقرة الثالثة والفقرة الخامسة من المادة (76)
من هذه اللائحة - قبل استبدالها باللائحة الصادرة بتاريخ 21/4/2008 - فيما تضمنتاه
من حرمان العاملة من كل أو جزء من العلاوة الدورية التي تمنح للعاملين بالبنك خلال
مدة الإجازة بدون مرتب التي تحصل عليها لرعاية طفلها، دون سائر ما تضمنه نص تلك
المادة من أحكام أخرى.
وحيث إنه لا يغير من ذلك ما ورد بمذكرة
دفاع بنك ناصر الاجتماعي، بأن لائحة العاملين بالبنك المشتملة على النص التشريعي
المحال، قد تم استبدالها بلائحة أخرى، صدرت من مجلس إدارة البنك في اجتماعه رقم
(164) بتاريخ 21/4/2008، نصت المادة (30) منها على الحالات التي يجوز فيها التصريح
لأي من العاملين بالبنك بإجازة خاصة بدون مرتب، ومن بينها إجازة العاملة لرعاية
طفلها. ونص عجز البند (د) من تلك المادة على أنه "وفي جميع الأحوال يستحق
العامل المصرح له بإجازة بدون مرتب العلاوة الدورية"، ذلك أن المقرر في قضاء
هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم
في ظل العمل بها وحتى إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة أو حلت محلها قاعدة قانونية
أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة
القانونية القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من
القاعدتين، فما نشأ مكتملا في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية،
وجرت أثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعا لحكمها وحدها. متى كان ذلك، وكانت المادة
(42) من اللائحة الجديدة للعاملين ببنك ناصر الاجتماعي - الصادرة بتاريخ 21/4/2008
- نصت علي سريانها اعتبارا من 1/5/2008، ومن ثم لا تسري أحكامها على المراكز
القانونية التي اكتملت قبل تاريخ العمل بها، ومن ذلك المركز القانوني للمدعية في
الدعوى الموضوعية بشأن المطالبة بالعلاوات الدورية التي حرمت منها خلال مدتي
الإجازة بدون مرتب التي حصلت عليها لرعاية طفلها في تاريخ سابق للعمل باللائحة
الجديدة، إذ تظل خاضعة لأحكام لائحة نظام العاملين بالبنك السابقة عليها. وهو ما
أكد عليه كتاب إدارة الموارد البشرية ببنك ناصر الاجتماعي، ومذكرة دفاعه المقدمة
لمحكمة الموضوع بجلسة 28/6/2009 - وهو تاريخ تالي للعمل باللائحة الجديدة - بطلب
رفض الدعوى، لكون حرمان المدعية من العلاوات الدورية يستند لنص المادة (76) من
لائحة نظام العاملين بالبنك الصادرة من مجلس إدارته بتاريخ 6/1/1980. وقد رددت
المدعية المعنى ذاته في مذكرة دفاعها المقدمة بتاريخ 19/10/2010 أثناء تحضير
الدعوى أمام هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن محكمة الموضوع قد ثار لديها شبهة
عدم دستورية نص المادة (76) من لائحة نظام العاملين ببنك ناصر الاجتماعي، الصادرة
من مجلس إدارته بتاريخ 6/1/1980، لإخلاله بالحق في العمل، الوثيق الصلة بالتضامن
الاجتماعي وبالحرية الشخصية، فضلا عن تضمنه تمييزا لا يستند إلى مبرر موضوعي بين
العاملين بذلك البنك، وغيرهم من العاملين المدنيين بالدولة بصفة عامة، والعاملين
بالبنوك الأخرى بصفة خاصة، وهو ما ينصرف حكمه لمخالفة المواد (7، 13، 40، 41) من
دستور سنة 1971، والتي تطابق في مجملها الأحكام الواردة في المواد (8، 12، 13، 53،
54) من الدستور الحالي الصادر في 18/1/2014.
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة
الدستورية العليا أن حماية هذه المحكمة للدستور إنما تنصرف إلى الدستور القائم،
إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعي، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور
السابق الذي صدر التشريع المشتمل على النص المطعون عليه، أو المحال من محكمة
الموضوع، في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا التشريع قد عمل بمقتضاه إلى أن تم
إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان النص
التشريعي المحال من بين أحكام لائحة نظام العاملين ببنك ناصر الاجتماعي، الصادرة
من مجلس إدارته بتاريخ 6/1/1980، وقد تم استبدال لائحة أخرى - صدرت من مجلس إدارة
البنك بتاريخ 21/4/2008 - لتحل محل اللائحة السابقة، وذلك قبل العمل بأحكام
الدستور القائم الصادر بتاريخ 18/1/2014، ومن ثم فإنه لا يمكن الاحتكام إلى ما ورد
بالدستور الجديد فيما يتعلق بالنص التشريعي المحال للفصل في دستوريته، وإنما يتعين
الاحتكام بشأنه إلى ما ورد بدستور سنة 1971، الذي صدرت اللائحة السابقة لنظام
العاملين ببنك ناصر الاجتماعي - المشتملة على ذلك النص -، وعمل بها، إلى أن تم
إحلال لائحة جديدة محلها في ظل العمل بأحكامه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه
ولئن كان قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، يعد
الشريعة العامة التي تسري على جميع العاملين بالجهات الإدارية المختلفة، إلا أن
الطبيعة الخاصة للنشاط الذي تزاوله بعض هذه الجهات، أو الذي تزاوله الهيئات
العامة، والاشتراطات الواجب توافرها في العاملين فيها، قد يقتضي إفراد هؤلاء العاملين
بأحكام خاصة تختلف باختلاف ظروف ومقتضيات العمل بكل منها، شريطة ألا يؤدي هذا
الاختلاف أو المغايرة إلى الإخلال أو الانتقاص أو الحرمان من حق يكفل الدستور صونه
وحمايته، لكون التزام تلك الجهات الإدارية أو الهيئات العامة بأحكام الدستور أمرا
لا محيص منه أو فكاك عنه.
وحيث إن مبدأ تحديد مدة العامين، في المرة
الواحدة، للإجازة الخاصة التي يصرح بها للعاملة لرعاية طفلها، يجد أصله فيما ورد
بآيات القرآن الكريم بشأن مدة فطام الابن من الرضاعة، وهي من فروع الحضانة المقررة
للنساء، إذ يقول الله عز وجل "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"
(الآية 233 من سورة البقرة)، ويقول جل شأنه "وفصاله في عامين" (الآية 14
من سورة لقمان). وقد وجه الرسول - صل الله عليه وسلم - لأهمية دور المرأة في رعاية
طفلها، بقوله "كلكم راع، وکلكم مسئول عن رعيته، ...، والمرأة راعية في بيت
زوجها وولده ...".
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن
دستور سنة 1971 - شأنه في ذلك شأن الدساتير المصرية المتعاقبة - إذ نص في المواد
(9، 10، 11) منه على أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن
الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتهما ضرورة لتقدمها، وأن التوفيق بين
واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، هو ما ينبغي أن تتولاه الدولة وتنهض
عليه، باعتباره واقعا في نطاق مسئولياتها، مشمولا بالتزاماتها التي تضمنها
الدستور، يعينها على القيام به كافة طوائف المجتمع، أيا كان موقع الأسرة من البنيان
الاجتماعي، أو طبيعة عمل أحد الزوجين أو كليهما، أو واقعة خضوعهما أو أحدهما
لتنظيم وظيفي خاص أو عام، إذ يتعين دوما أن يكون مفهوم الأسرة ومتطلباتها، نائيا
بها عما يقوض بنيانها، أو يضعفها، أو يقود إلى انحرافها، وإلا كان ذلك إخلالا
بوحدتها التي قصد الدستور صونها لذاتها. وذلك كله يقتضي تهيئة النظام القانوني
الذي تخضع له المرأة العاملة على نحو يمكنها من الحصول على إجازة خاصة لرعاية
طفلها، دون أن تضار من ذلك، أو يحمل حقها في الحصول على هذه الإجازة بقيود وأعباء
تثقله، أو تعطل ممارستها له، لما يمثله ذلك من نكول الدولة عن التزامها الدستوري،
المقرر بالمواد (9، 10، 11) من دستور سنة 1971، ذلك أن الغاية التي تقرر من أجلها
حصول العاملة على هذه الإجازة، هي الحفاظ على الأسرة، وتماسكها، من خلال حماية حق
الطفل في أن يشمل برعاية أمه، خاصة في بواكير سنوات عمره، التي يكون فيها أحوج ما
يكون لرعايتها، وتوضع خلالها اللبنات الأولى لتكوين شخصيته، والتي على ضوئها يتشكل
مستقبله، بما ينعكس أثره على الأسرة، ويستطيل بالتالي إلى المجتمع بأسره، فالأطفال
هم ذخيرة الأمة ومناط آمالها في المستقبل، وفي توفير الرعاية اللازمة لهم توطيد
لدعائمها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة -
أيضا - أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم
يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتكون تخوما لها لا يجوز اقتحامها أو
تخطيها. وعلى ذلك، فإذا عهد الدستور إلى السلطة التشريعية بتنظيم موضوع معين، فإن
ما تقره من القواعد القانونية في شأن هذا الموضوع لا يجوز أن ينال من الحقوق التي
كفل الدستور أصلها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، ذلك أن إهدار هذه الحقوق
أو تهميشها، عدوان على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها، ولا يجوز
بالتالي أن يكون تنظيم هذه الحقوق اقتحاما لفحواها، بل يتعين أن يكون منصفا ومبررا.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان البند (2) من
الفقرة الثالثة من المادة (76) من لائحة العاملين ببنك ناصر الاجتماعي، الصادرة
بقرار مجلس إدارته بتاريخ 6/1/1980، ولئن قد التزم بما أوجبته المواد (9، 10، 11)
من دستور سنة 1971 - في شأن وجوب الحفاظ على وحدة وتماسك الأسرة، باعتبارها أساس
المجتمع، والتزام الدولة بحماية الأمومة والطفولة، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو
أسرتها وعملها في المجتمع - فنص على أحقية العاملة بالبنك في الحصول على إجازة
خاصة بدون مرتب لرعاية طفلها، وذلك بحد أقصى عامان في المرة الواحدة، وثلاث مرات
طوال حياتها الوظيفية. إلا أن نص الفقرة الخامسة من تلك المادة عاد ونقض غزل هذا
الحق من بعد قوة أنكاثا، بأن حمل هذا الحق بأعباء وقيود تثقله وتجعل ممارسته
إرهاقا للعاملة، وحائلا دون تمكينها من التوفيق بين عملها، وواجباتها نحو أسرتها
وأطفالها، وذلك بما تضمنه من قاعدة عامة أطلق حكمها لتسري على جميع العاملين
بالبنك الذين يحصلون على إجازة خاصة بدون مرتب، مؤداها قصر الحصول على أية علاوات
- بما في ذلك العلاوة الدورية السنوية - على من يعمل بالبنك طوال العام، ولا يستحق
العامل أية علاوات إذا جاوزت مدة الإجازة ستة أشهر خلال السنة، فإن عمل بالبنك
خلال السنة مدة تسعة أشهر وأقل من اثني عشر شهرا، استحق ثلاثة أرباع العلاوة، وإن
كانت مدة عمله بالبنك خلال السنة ستة أشهر وأقل من تسعة أشهر، استحق نصف العلاوة.
وعلى ذلك، فإن مؤدى إطلاق أحكام هذه الفقرة أن العاملة بالبنك التي صرح لها بإجازة
خاصة بدون مرتب لرعاية طفلها تكون بالخيار بين أمرين، إما أن تضحى بحق طفلها
لرعايتها، حتى يضاف لراتبها العلاوة الدورية السنوية، بما يرفع قوته الشرائية عند
عودتها إلى العمل، وإما أن تضحى بتلك العلاوة أو بجزء منها - رغم حاجتها الماسة
لها - وتتفرغ لرعاية طفلها طوال مدة الإجازة المصرح لها بها، أو بجزء منها، وبذلك
يكون النص التشريعي المحال - في النطاق السالف تحديده - قد خرج عن حدود تنظيم حق
العاملة بالبنك في الحصول على هذه الإجازة، إلى حد قد ينتقص من أصل هذا الحق من
أطرافه، أو ينقضه من أساسه، مخلا بذلك بنصوص المواد (9، 10، 11) من دستور سنة 1971.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن
لكل حق أوضاعا يقتضيها وأثارا يرتبها، ومن بينها - في مجال حق العمل - ضمان الشروط
التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفا وإنسانيا ومواتيا، فلا تنتزع هذه الشروط
قسرا من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها، ويتصل بها ألا يكون العمل
قسريا، أو النزول بأجر العامل عن الحد الأدنى الذي يكفي معاشه. متى كان ذلك، وكانت
العلاوة الدورية التي تمنح سنويا لكل من العاملين، تضاف إلى أجر العامل وتصير أحد
عناصر الأجر الأساسي الذي يستحقه عن عمله، لترفع من قدرته الشرائية، لمواجهة
ارتفاع أسعار السلع والخدمات. وعلى ذلك، فمتى توافر مناط استحقاق تلك العلاوة،
فإنها تعتبر جزءا من الأجر، وتتمتع بالحماية الدستورية ذاتها التي كفلها للأجر نص
الفقرة الثانية من المادة (13) من دستور سنة 1971. فلا يجوز لسلطة التشريع أن تتخذ
من منحها أو حجبها - كليا أو جزئيا - وسيلة لإهدار أو الانتقاص من حق آخر تقرر
للعامل، ومن ذلك حق العاملة في الحصول على إجازة خاصة بدون مرتب لرعاية طفلها، أو
اعتبار أدائها لواجباتها نحو أسرتها ورعاية أطفالها، سببا للمساس بحقها في هذه
العلاوة. متى كان ذلك، وكانت الفقرة الخامسة من النص التشريعي المحال، في مجال
إعمال أحكامها على نص البند (2) من الفقرة الثالثة من المادة ذاتها، قد حرم
العاملة من أن يضاف لراتبها كامل العلاوة الدورية السنوية التي تمنح للعاملين
بالبنك إذا جاوزت مدة الإجازة ستة أشهر خلال السنة، أو عدم إضافة جزء من هذه
العلاوة - الربع أو النصف - بحسب مدة عملها بالبنك خلال السنة، بما يمثل انتقاصا
من الأجر الأساسي الذي تستحقه، أو يجبرها - تحت وطأة الحاجة - للعمل قسرا بالبنك،
والتضحية بكل أو جزء من الإجازة الخاصة المقررة لرعاية طفلها، الأمر الذي يوقع
النص التشريعي المحال - في النطاق السالف تحديده - في حومة مخالفة نص المادة (13)
من دستور سنة 1971.
وحيث إن العلاوات الدورية، التي تمنح
سنويا للعاملين ببنك ناصر الاجتماعي، تضاف إلى أجر كل منهم، وتصير بذلك جزءا من
أجر العامل، ومن ثم لا يعدو أن يكون الحق فيها من العناصر الإيجابية لذمته
المالية، مما يندرج في إطار الحقوق التي كفلتها المادة (34) من دستور سنة 1971،
التي صان بها حق الملكية الخاصة، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على أتساعها للأموال
بوجه عام، وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها. متى كان ذلك،
فإن حرمان العاملة من الحصول على كامل أو جزء من العلاوات الدورية التي تمنح
للعاملين ببنك ناصر الاجتماعي خلال مدة قيامها بالإجازة الخاصة لرعاية طفلها، يكون
مخالفا للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص
التشريعي المحال - في النطاق السالف تحديده - يكون مخالفا لأحكام المواد (9، 10،
11، 13، 34) من دستور 1971.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند (2)
من الفقرة الثالثة، والفقرة الخامسة من المادة (76) من لائحة نظام العاملين ببنك
ناصر الاجتماعي الصادرة بقرار مجلس إدارة البنك بتاريخ 6/1/1980 - قبل استبدال تلك
اللائحة بقرار مجلس إدارة البنك الصادر بتاريخ 21/4/2008 - فيما تضمنتاه من حرمان
العاملة من كل أو جزء من العلاوة الدورية التي تمنح للعاملين بالبنك خلال مدة
الإجازة الخاصة بدون مرتب التي تحصل عليها لرعاية طفلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق