جلسة 11 أكتوبر سنة 1997
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.
-----------------
قاعدة رقم (129)
القضية رقم 13 لسنة 10 قضائية "دستورية"
1 - دستور سنة 1956 "المادة 191" - المحكمة العليا - المحكمة الدستورية العليا.
تقيد الحكمة الدستورية العليا بقضاء المحكمة العليا في شأن مفهوم هذه المادة.
2 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المتصلة بها.
3 - حصانة "نطاقها".
من المتعين أن يتقيد مجال الحصانة التي يضفيها الدستور على أعمال بذواتها بما يرتبط عقلاً بالأغراض التي تفرضها.
4 - دستور - مصادرة "أموال أسرة محمد علي" - حق الملكية.
المصادرة التي قررها الدستور في شأن أموال أسرة علي تجب موازنتها بحقوق الملكية التي كفلها.
5 - دستور "حضانة" - تشريع "المادتان 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة".
الحصانة التي تضمنتها المادة 191 من دستور سنة 1956 كانت المدخل لتقرير الأحكام التي تضمنتها هاتان المادتان فيما قررته أولاهما من عدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال محلها وثانيهما من عدم جواز الرجوع بتعويض على الدولة في شأنها.
6 - مصادرة "أموال أسرة محمد علي - حق الملكية".
القول بامتداد المصادر التي قضى بها قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 إلى كل أموال المشمولين بها من أفراد أسرة محمد علي، لا يلتئم والأغراض التي توختها - إخلاله كذلك بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية كلما كان مصدرها مشروعاً.
7 - مصادرة "أموال أسرة محمد علي - استثناء".
المصادرة التي تضمنها قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 لا شأن لها بأموال أشخاص غير منتمين لأسرة محمد علي، أو مرتبطين بها ولكن اكتسابهم لهذه الأموال تم عن غير طريقها، كذلك إذا كان مصدرها أعمالاً قانونية لا دخل لهذه الأسرة بها.
8 - تشريع "المادتان 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953: ضمانة التقاضي".
استهداف هاتين المادتين تعطيل ضمانة التقاضي.
9 - دستور - ضمانة التقاضي.
مؤدى صون الدستور لهذه الضمانة امتناع إهدارها بعمل تشريعي.
10 - دستور "حصانة: نطاقها" - مصادرة.
الحصانة التي بسطها دستور سنة 1956 على التدابير التي اتخذها مجلس قيادة الثورة في مجال تأمينها يلزم أن يتحدد نطاقها في إطار علاقة منطقية تصلها على الأخص بأهدافها - ليس من شأن هذه الحصانة تعطيل حقوق لا صلة لها بأموال لا شأن لأسرة محمد علي بها.
11 - تشريع "المادتان 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953: ضمانة التقاضي" - السلطة القضائية.
إسقاط هاتين المادتين ضمانه التقاضي المكفولة في الدستور، تعطيل السلطة القضائية - من ثم عن مباشرة مهامها المنوطة بها دستورياً، انتقاص المادة 14 كذلك من قيمة الأحكام الصادرة عن هذه السلطة.
-----------------
1 - قضاء المحكمة العليا - التي تتقيد المحكمة الدستورية العليا بأحكامها على ما جرى به قضاؤها - مؤداه أن دستور 1956 لم يتخذ موقفاً واحداً من التشريعات السابقة على العمل به، بل غاير بينها على ضوء أهميتها لثورة يوليو 1952، فما كان منها ملبياً متطلباتها الرئيسية، وكاشفاً عن تدابير ثورية استثنائية، فإن حصانتها من الطعن عليها أو التعويض عنها أمام أية جهة، تكون نهائية لا رجوع فيها على ما تقضي به المادة 191 من هذا الدستور؛ وما كان من تشريعاتها في درجة أدنى، فإن حمايتها تكون أقل، إذ تبقى نافذة مع جواز إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، فلا يكون نفاذها عملاً بنص المادة 190 من ذلك الدستور، مؤدياً إلى تحصينها، بما يحول دون الطعن عليها.
2 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوع، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المتصلة بها.
3، 4 - كل حصانة يُضفيها الدستور على أعمال بذواتها بما يحول دون طلب إلغائها أو التعويض عنها، يتعين أن يتقيد مجالها بما يرتبط عقلاً بالأغراض التي توختها، وأن ينظر إليها على ضوء طبيعتها الاستثنائية، وبمراعاة أن الأصل في نصوص الدستور أنها تتكامل فيما بينها، فلا يكون لبعضها مضمون أو نطاق يعارض سواها. وهو ما يعني أن المصادرة التي قررها الدستور في شأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، تجب موازنتها بحقوق الملكية التي كفلها، والتي ينظر إليها عادة بوصفها أحد العناصر المبدئية لضمان الحرية الشخصية التي لا يستقيم بنيانها إلا إذا تحرر اقتصادياً من يطلبونها، وكان بوسعهم بالتالي الاستقلال بشئونهم والسيطرة عليهاA self - Governing Life.
5 - الحصانة التي تضمنتها المادة 191 من دستور 1956، هي التي اتخذها القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، مدخلاً لتقرير الأحكام التي تضمنتها المادتان 14 و15 من هذا القانون، التي تقضي أولاهما بعدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال التي صدر قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 بمصادرتها، وتنص ثانيتهما على عدم جواز الرجوع بتعويض على الدولة لجبر الأضرار الناشئة عن تنفيذ هذا القرار بعد أن صار نائباً عن الإلغاء والتعويض بمقتضى المادة 191 المشار إليها، والتي لا زال حكمها - وعلى حد تعبير المحكمة العليا - قائماً حتى بعد سكوت ما تلاه من الدساتير عن النص عليها، بالنظر إلى استنفادها لأغراض.
6 - القول بامتداد المصادرة التي قضى بها قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953 إلى كل أموال المشمولين بها من أفراد أسرة محمد علي، لا يلتئم والأغراض التي توختها؛ ولا يوفر كذلك نوع الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية كلما كان مصدرها مشروعاً، ولأن الأموال موضوعها لا تتساقط في الأعم من الأحوال على أصحابها دون جهد يبذل من جانبهم، ولكنها الأعمال التي يباشرونها - سواء في مجال تكوينها أو إنمائها - هي التي أنتجتها، فلا يكون تجريدهم منها بغير حق إلا عدواناً بئيساً عليها.
7 - المصادرة التي يعنيها قرار مجلس قيادة الثورة، لا شأن لها بأموال تملكها أشخاص لا ينتمون إلى أسرة محمد علي، أو يرتبطون بها ولكن اكتسابها تم عن غير طريقها، ويندرج تحتها تلك التي تلقوها عن آخرين قبل انضمامهم إلى أسرة محمد علي أياً كان سند كسبهم لملكيتها، وكذلك إذا كان مصدرها أعمالاً قانونية ارتبطوا بها بعد انضمامهم إليها، ولم يكن لهذه الأسرة دخل بها، ويتأكد هذا المعنى على ضوء أمرين أولهما: أن قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953، لا يتوخى غير استرداد أموال وصفها بأنها من أموال الشعب من هذه الأسرة، فلا تكون يدها عليها إلا غصباً وانتهازاً من منظور هذا القرار، وانتهابها على هذا النحو، يحتم مصادرتها ضماناً لنقل ملكيتها نهائياً إلى الدولة التي تمثل مصالح مواطنيها: ثانيهما: أن رئيس مجلس الوزراء كان قد شكل - بمقتضى قراره رقم 906 لسنة 1977 - لجنة اختصها بإجراء ما تراه لازماً من أعمال التحقيق لتحديد مصدر الأموال المصادرة فصلاً في تأتيها من أسرة محمد علي أو من غيرها، على أن تقدم لرئيس مجلس الوزراء - وبعد دراستها للحالات التي تقدم إليها - مقترحاتها في شأن ما تراه لازماً في مجال تسويتها والتعويض عن الأضرار التي لابستها.
8، 9، 10 - توخى المشرع بالفقرة الأولى من المادة 14، وكذلك بنص المادة 15 المطعون عليهما، تعطيل ضمانة التقاضي في مجال تطبيقها في شأن الأموال التي قرر مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 مصادرتها من أسرة محمد علي، سواء تعلق الأمر بسماع الدعاوى التي ينازع بها أصحابها في مشروعية هذه المصادرة في ذاتها، أو تلك التي يرفعونها للتعويض عن الأضرار الناشئة عن تنفيذ هذا القرار، ومن البدهي، فإن صون الدستور لهذه الضمانة، مؤداه امتناع هدمها أو انتقاصها بعمل تشريعي. ومن ثم حرص دستور 1956 على إسقاطها من خلال الحصانة التي بسطها بنص المادة 191 على التدابير التي اتخذها مجلس قيادة الثورة في مجال تأمينها، فلا تكون النصوص المطعن عليها - وبقدر تعلقها بتلك الحصانة التي تستمد أصلها من الدستور - إلا ترديداً لحكم المادة 191 التي أدرجها في صلبه. ويبقى بعدئذ أن نحدد لهذه الحصانة نطاقها، فمن ناحية لا يجوز تفسيرها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها، ولا تطبيقها تطبيقاً مرناً بما يوسع من دائرتها، ولا تغليبها في شأن أموال تملكها أصحابها بطريق مشروع وفقاً للدستور أو القانون، كذلك لا يجوز من ناحية أخرى أن تكون آثارها نكالاً بأفراد هذه الأسرة من خلال مصادرة تحيط بأموالهم جميعها، فلا يبقى منها بعدئذ ما يعولون عليه من معاشهم. وإنما يتعين أن يكون لهذه الحصانة نطاقها في إطار علاقة منطقية تصلها على الأخص بأهدافها، فلا يكون تسليطها على هذه الأسرة نافياً لوجودها، ولا مهدراً حقها في الحياة، ولا معطلاً جريان حقوق لا صلة لها بأموال انتهبتها، ويندرج تحتها أموال لا شأن لهذه الأسرة بها، بل تلقاها عن غير طريقها أشخاص ينتمون إليها، أو اكتسبها أغيار لا يعتبرون من أعضائها، فلا تجوز مصادرتها إلا بحكم قضائي عملاً بنص المادة 36 من الدستور.
(11) الإخلال بضمانة التقاضي المنصوص عليها في المادة 68 من الدستور، قد آل إلى إسقاطها بمقتضى المادتين 14/ 1 و15 المطعون عليهما، وإلى حرمان السلطة القضائية بفروعها - على اختلافها - من تقديم الترضية القضائية التي يطلبها مواطنون لرد عدوان على الحقوق التي يدعونها، وعطل بذلك هذه السلطة عن مباشرة مهامها التي ناطها الدستور بها، كذلك فإن الفقرة الثانية من المادة 14 المطعون عليها، تنال من قيمة الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية التي اختصها الدستور بالفصل في المنازعات جميعها، ذلك أن أحكامها الصادرة قبل 8/ 11/ 1953 ضد الأشخاص المصادرة أموالهم، لا تعتبر وفقاً لهذه الفقرة، أكثر من مجرد سندات، فلا تكون حجة بما تضمنتها إلا إذا كانت نهائية، ولا صورية فيها، وبشرط أن تعتمد تنفيذها، اللجنة العليا المنصوص عليها في المادة 11 من القانون رقم 598 لسنة 1953 المشار إليه. ولا يعدو ذلك أن يكون امتهاناً للسلطة القضائية من خلال ازدراء أحكامها، وافتراض صوريتها بما يصمها بالتواطؤ، وكذلك عن طريق تعليق تنفيذها على قرار يصدر عن لجنة إدارية بطبيعتها، هي اللجنة العليا التي شكلها مجلس قيادة الثورة وفقاً للمادة 11 من هذا القانون فلا تكون لها حجيتها التي تستمدها من نصوص الدستور ذاتها، تقديراً بأن تجريدها منها - ولو لم تكن نهائية - إنما يحيل الخصومة القضائية عبثاً، ويقوض مدخلها ممثلاً في حق التقاضي.
الإجراءات
بتاريخ 1/ 3/ 1988 أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالبين الحكم بعدم دستورية المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 3134 لسنة 1986 مدني جنوب القاهرة الابتدائية، بطلب الحكم بتثبيت ملكيتهم - كل فيما يخصه - للعقارات المبينة الحدود والمعالم بالصحيفة.
وقالوا بياناً لذلك أنهم يمتلكون أعياناً بعضها بطريق الميراث الشرعي عن والدتهم التي تمتلكها بدورها ميراثاً عن والدتها ومنها ما آل إليهم وقفاً، أو بطريق الشراء بعقود مسجلة.
وبتاريخ 8/ 11/ 1953 أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بمصادرة أموال أسرة محمد علي وما آل منها إلى غيرهم إرثاً أو مصاهرة أو قرابة. وإذ فوجئ المدعى عليه الأول - الذي لا ينتمي إلى هذه الأسرة - بإدراج اسمه ضمن أفرادها الذين صودرت أموالهم، وكان ليس ثمة مال تلقاه عن طريق أحدهم، فقد تقدم بتظلم إلى اللجنة المشكلة وفقاً لأحكام القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، طلب فيه الإفراج عن ممتلكاته التي صودرت، فأجابته اللجنة إلى طلبه بالنسبة إلى ما آل إليه منها بطريق الوقف أو الشراء أو الاكتساب الشخصي. أما ما آل إليه ميراثاً عن والدته، فقد اعتبرته اللجنة من أموال أسرة محمد علي بمقولة أن جدته كانت قد تزوجت من أحد أفرادها. وقد تأيد هذا القرار من اللجنة العليا التي لم تتحقق من مصدر أموال المدعين، ومن ثم فقد أقاموا دعواهم الموضوعية التي دفعوا أثناءً نظرها بعدم دستورية المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة. وبجلسة 9/ 2/ 1988 قررت المحكمة التأجيل لجلسة 19/ 4/ 1988، ليتمكن المدعون من رفع الدعوى الدستورية، فأقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إنه أثناء نظر هذه الدعوى توفى إلى رحمة الله كل من السيد/ إسماعيل حسين شيرين وشقيقته السيدة/ ماهوش حسين شيرين والسيدة/ شهرزاد إسماعيل راتب - المدعون الأصليون - وبعد أن قضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاتهم تم تعجيلها على النحو المبين بالأوراق.
وحيث إن المدعين ينعون على المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 المشار إليه، مخالفتهما لحكم المادة 68 من الدستور التي تحظر النص على تحصين أي عمل أو قرار من رقابة القضاء، وتكفل للناس كافة حق التقاضي إلغاءً وتعويضاً باعتباره الوسيلة التي رسمها الدستور لحماية حقوق الأفراد وضمان تمتعهم بها، ورد العدوان عليها. وهي بعد ضمانة لها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يجب مراعاتها وإهدار ما يخالفها من تشريعات. ولو كانت سابقة على العمل بالدستور القائم. ولأن ما عناه دستور 1956 بنص المادة 191 منه، لا يعدو مجرد استمرار نفاذ التشريعات السابقة على هذا الدستور - تجنباً لفراغ تشريعي – وذلك دون تحصينها من الطعن عليها بعدم الدستورية.
وحيث إن المادة 191 من دستور 1956، تقضي بأن جميع القرارات التي صدرت عن مجلس قيادة الثورة، وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها، وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس بتشكيلها من قرارات أو أحكام، وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من أية هيئة أخرى من الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم، لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه، وأمام أية هيئة كانت.
وحيث إن قضاء المحكمة العليا - التي تتقيد المحكمة الدستورية العليا بأحكامها على ما جرى به قضاؤها - مؤداه أن دستور 1956 لم يتخذ موقفاً واحداً من التشريعات السابقة على العمل به، بل غاير بينها على ضوء أهميتها لثورة يوليو 1952، فما كان منها ملبياً متطلباتها الرئيسية، وكاشفاً عن تدابير ثورية استثنائية، فإن حصانتها من الطعن عليها أو التعويض عنها أمام أية جهة، تكون نهائية لا رجوع فيها على ما تقضي به المادة 191 من هذا الدستور؛ وما كان من تشريعاتها في درجة أدنى، فإن حمايتها تكون أقل، إذ تبقى نافذة مع جواز إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، فلا يكون نفاذها عملاً بنص المادة 190 من ذلك الدستور، مؤدياً إلى تحصينها، بما يحول دون الطعن عليها.
ولئن كان المشرع الدستوري لم ينقل حكم المادة 191 من دستور 1956 إلى الدساتير اللاحقة عليه، فذلك بالنظر إلى استنفادها لأغراضها، فلا يكون تكرار النص عليها مفيداً أو لازماً.
وحيث إن مجلس قيادة الثورة - وبناء على الإعلان الدستوري المنشور في 18/ 6/ 1953 - كان قد أصدر بتاريخ 8/ 11/ 1953 قراراً باسترداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد علي، وذلك بمصادرة أموالها وممتلكاتها، وكذلك مصادرة ما يكون قد انتقل منها من أفرادها إلى غيرها عن طريق الوراثة أو المصاهرة أو القرابة.
وحيث إن المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة - المطعون عليهما - تجريان على النحو الآتي: -
مادة 14:
(فقرة أولى) استثناء من حكم المادة 12 من قانون نظام القضاء والمادتين 3 و10 في قانون مجلس الدولة، لا يجوز للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال لتي صدر قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 بمصادرتها. ويسري ذلك على الدعاوى المنظورة أمام المحاكم وقت العمل بهذا القانون، ولو لم يكن الأشخاص المصادرة أموالهم خصوماً فيها.
(فقرة ثانية) ولا تعتبر الأحكام التي صدرت قبل 8/ 11/ 1953 ضد الأشخاص متقدمي الذكر إلا مجرد سندات إلا إذا كانت تلك الأحكام انتهائية غير مشوبة بالصورية، فإنها تكون حجة بما تضمنتها بعد صدور قرار اللجنة المنصوص عليها في المادة الحادية عشرة بتنفيذها.
مادة: 15:
لا يجوز الرجوع على الدولة بأي تعويض ناشئ عن إجراءات اتخذت أو تتخذ بصدد قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المتصلة بها.
وحيث إن المدعين، وإن نعوا على المادتين 14 و15 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، مخالفتهما للدستور، ابتغاء تجريدهما من قوة نفاذهما في مجال سريانهما في شأن أموال اكتسبها أشخاص من غير أسرة محمد علي، أو كانوا من أعضائها لكنهم تلقوا أموالهم عن غير طريقها؛ وكانت مناعيهم هذه تجمعها بنص المادة 11 من هذا القانون وحدة لا تتجزأ، تقديراً بأن اللجنة العليا المنصوص عليها فيها، هي التي تسلط رقابتها على أعمال اللجنة الابتدائية - المنصوص بمقتضى المادة العاشرة على تشكيلها - سواء بتأييد قراراتها الصادرة في نزاع يتعلق بالأموال المصادرة أو بتعديلها أو بإلغائها؛ وكان قرار اللجنة العليا في ذلك مما لا يقبل الطعن فيه؛ وكان قضاء هذه المحكمة في شأن دستورية المادتين 14 و15 المطعون عليهما - فيما لو خلص إلى بطلانها - لن يزحزح الحصانة المانعة من الطعن التي أسبغتها المادة 11 من هذا القانون على قرارات اللجنة العليا، فقد صار متعيناً النظر إلى هذه المواد جميعها لتقرير صحتها أو بطلانها على ضوء تكامل أحكامها.
وحيث إن كل حصانة يُضفيها الدستور على أعمال بذواتها بما يحول دون طلب إلغائها أو التعويض عنها، يتعين أن يتقيد مجالها بما يرتبط عقلاً بالأغراض التي توختها، وأن ينظر إليها على ضوء طبيعتها الاستثنائية، وبمراعاة أن الأصل في نصوص الدستور أنها تتكامل فيما بينها، فلا يكون لبعضها مضمون أو نطاق يعارض سواها. وهو ما يعني أن المصادرة التي قررها الدستور في شأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، تجب موازنتها بحقوق الملكية التي كفلها، والتي ينظر إليها عادة بوصفها أحد العناصر المبدئية لضمان الحرية الشخصية التي لا يستقيم بنيانها إلا إذا تحرر اقتصادياً من يطلبونها، وكان بوسعهم بالتالي الاستقلال بشئونهم والسيطرة عليهاA self - Governing Life.
وحيث إن الحصانة التي تضمنتها المادة 191 من دستور 1956، هي التي اتخذها القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، مدخلاً لتقرير الأحكام التي تضمنتها المادتان 14 و15 من هذا القانون، التي تقضي أولاهما بعدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال التي صدر قرار مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 بمصادرتها، وتنص ثانيتهما على عدم جواز الرجوع بتعويض على الدولة لجبر الأضرار الناشئة عن تنفيذ هذا القرار بعد أن صار نائياً عن الإلغاء والتعويض بمقتضى المادة 191 المشار إليها، والتي لا زال حكمها - وعلى حد تعبير المحكمة العليا - قائماً حتى بعد سكوت ما تلاه من الدساتير عن النص عليها، بالنظر إلى استنفادها لأغراضها.
وحيث إن القول بامتداد المصادرة التي قضى بها قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953 إلى كل أموال المشمولين بها من أفراد أسرة محمد علي، لا يلتئم والأغراض التي توختها؛ ولا يوفر كذلك نوع الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية كلما كان مصدرها مشروعاً، ولأن الأموال موضوعها لا تتساقط في الأعم من الأحوال على أصحابها دون جهد يبذل من جانبهم، ولكنها الأعمال التي يباشرونها - سواء في مجال تكوينها أو إنمائها - هي التي أنتجتها، فلا يكون تجريدهم منها بغير حق إلا عدواناً بئيساً عليها.
وحيث إن المصادرة التي يعنيها قرار مجلس قيادة الثورة، لا شأن لها بأموال تملكها أشخاص لا ينتمون إلى أسرة محمد علي، أو يرتبطون بها ولكن اكتسابها تم عن غير طريقها، ويندرج تحتها تلك التي تلقوها عن آخرين قبل انضمامهم إلى أسرة محمد علي أياً كان سند كسبهم لملكيتها، وكذلك إذا كان مصدرها أعمالاً قانونية ارتبطوا بها بعد انضمامهم إليها، ولم يكن لهذه الأسرة دخل بها.
وحيث إن هذا المعنى يتأكد على ضوء أمرين أولهما: أن قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 8/ 11/ 1953، لا يتوخى غير استرداد أموال وصفها بأنها من أموال الشعب من هذه الأسرة، فلا تكون يدها عليها إلا غصباً وانتهازاً من منظور هذا القرار، وانتهابها على هذا النحو، يحتم مصادرتها ضماناً لنقل ملكيتها نهائياً إلى الدولة التي تمثل مصالح مواطنيها: ثانيهما: أن رئيس مجلس الوزراء كان قد شكل - بمقتضى قراره رقم 906 لسنة 1977 - لجنة اختصها بإجراء ما تراه لازماً من أعمال التحقيق لتحديد مصدر الأموال المصادرة فصلاً في تأتيها من أسرة محمد علي أو من غيرها، على أن تقدم لرئيس مجلس الوزراء - وبعد دراستها للحالات التي تقدم إليها - مقترحاتها في شأن ما تراه لازماً في مجال تسويتها والتعويض عن الأضرار التي لابستها.
وحيث إن المشرع قد توخى بالفقرة الأولى من المادة 14، وكذلك بنص المادة 15 المطعون عليهما، تعطيل ضمانة التقاضي في مجال تطبيقها في شأن الأموال التي قرر مجلس قيادة الثورة في 8/ 11/ 1953 مصادرتها من أسرة محمد علي، سواء تعلق الأمر بسماع الدعاوى التي ينازع بها أصحابها في مشروعية هذه المصادرة في ذاتها، أو تلك التي يرفعونها للتعويض عن الأضرار الناشئة عن تنفيذ هذا القرار.
ومن البدهي، فإن صون الدستور لهذه لضمانة، مؤداه امتناع هدمها أو انتقاصها بعمل تشريعي. ومن ثم حرص دستور 1956 على إسقاطها مع خلال الحصانة التي بسطها بنص المادة 191 على التدابير التي اتخذها مجلس قيادة الثورة في مجال تأمينها، فلا تكون النصوص المطعن عليها - وبقدر تعلقها بتلك الحصانة التي تستمد أصلها من الدستور - إلا ترديداً لحكم المادة 191 التي أدرجها في صلبه. ويبقى بعدئذ أن نحدد لهذه الحصانة نطاقها، فمن ناحية لا يجوز تفسيرها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها، ولا تطبيقها تطبيقاً مرناً بما يوسع من دائرتها، ولا تغليبها في شأن أموال تملكها أصحابها بطريق مشروع وفقاً للدستور أو القانون.
كذلك لا يجوز من ناحية أخرى أن تكون آثارها نكالاً بأفراد هذه الأسرة من خلال مصادرة تحيط بأموالهم جميعها، فلا يبقى منها بعدئذ ما يعولون عليه من معاشهم. وإنما يتعين أن يكون لهذه الحصانة نطاقها في إطار علاقة منطقية تصلها على الأخص بأهدافها، فلا يكون تسليطها على هذه الأسرة نافياً لوجودها، ولا مهدراً حقها في الحياة، ولا معطلاً جريان حقوق لا صلة لها بأموال انتهبتها، ويندرج تحتها أموال لا شأن لهذه الأسرة بها، بل تلقاها عن غير طريقها أشخاص ينتمون إليها، أو اكتسبها أغيار لا يعتبرون من أعضائها، فلا تجوز مصادرتها إلا بحكم قضائي عملاً بنص المادة 36 من الدستور.
وحيث إن الإخلال بضمانة التقاضي المنصوص عليها في المادة 68 من الدستور، قد آل إلى إسقاطها بمقتضى المادتين 14/ 1 و15 المطعون عليهما، وإلى حرمان السلطة القضائية بفروعها - على اختلافها - من تقديم الترضية القضائية التي يطلبها مواطنون لرد عدوان على الحقوق التي يدعونها، وعطل بذلك هذه السلطة عن مباشرة مهامها التي ناطها الدستور بها.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 14 المطعون عليها، تنال من قيمة الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية التي اختصها الدستور بالفصل في المنازعات جميعها، ذلك أن أحكامها الصادرة قبل 8/ 11/ 1953 ضد الأشخاص المصادرة أموالهم، لا تعتبر وفقاً لهذه الفقرة، أكثر من مجرد سندات، فلا تكون حجة بما تضمنتها إلا إذا كانت نهائية، ولا صورية فيها، وبشرط أن تعتمد تنفيذها، اللجنة العليا المنصوص عليها في المادة 11 من القانون رقم 598 لسنة 1953 المشار إليه. ولا يعدو ذلك أن يكون امتهاناً للسلطة القضائية من خلال ازدراء أحكامها، وافتراض صوريتها بما يصمها بالتواطؤ، وكذلك عن طريق تعليق تنفيذها على قرار يصدر عن لجنة إدارية بطبيعتها، هي اللجنة العليا التي شكلها مجلس قيادة الثورة وفقاً للمادة 11 من هذا القانون فلا تكون لها حجيتها التي تستمدها من نصوص الدستور ذاتها، تقديراً بأن تجريدها منها - ولو لم تكن نهائية - إنما يحيل الخصومة القضائية عبثاً، ويقوض مدخلها ممثلاً في حق التقاضي.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون النصان المطعون عليهما، مخالفين لأحكام المواد 32 و34 و36 و68 و72 و165 و166 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية ما تنص عليه المادة 11 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، من عدم جواز الطعن بأي طريق في قرارات اللجنة العليا الصادرة بتأييد أو تعديل أو إلغاء قرارات اللجنة الابتدائية المنصوص عليها في المادة العاشرة من هذا القانون، والصادرة في شأن المنازعات المتعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي.
ثانياً: بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 14 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي، ولو كان موضوعها أموال تلقاها - عن غير طريقها - أشخاص ينتمون إليها، أو اكتسبها أشخاص من غير أفرادها.
ثالثاً: بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 14 من هذا القانون بكامل أجزائها.
رابعاً: بعدم دستورية نص المادة 15 من هذا القانون في مجال تطبيقها بالنسبة إلى أموال تمت مصادرتها، إذا كان أصحابها لا ينتمون لأسرة محمد علي، أو يرتبطون بها وتلقوها من غير طريقها.
خامساً: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.