الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 13 نوفمبر 2023

الطعن 42 لسنة 19 ق جلسة 7 / 2 / 1998 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 131 ص 1087

جلسة 7 فبراير سنة 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وحمدي محمد علي وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

--------------

قاعدة رقم (131)
القضية رقم 42 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - عقوبة "تفريدها".
الأصل في العقوبة هو تفريدها - مناط مشروعية العقوبة دستورياً أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً وفق ظروف كل جريمة.
2 - عقوبة "تفريدها: وقف تنفيذها".
سلطة القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة فرع من تفريدها - التفريد يتصل بالمفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية - تفريد العقوبة يردها إلى جزاء يعايش الجريمة ويتناسب مع ظروفها.
3 - عقوبة "تفريد عقوبة الغرامة" - الوظيفة القضائية.
تفريد عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها - ينبغي أن يكون للقاضي الكلمة الأخيرة في شأن إيقافها؛ مؤدى ذلك: تجريده من هذا الاختصاص يعد عدواناً على الوظيفة القضائية.
4 - غرامة "طبيعتها: عقوبة" – الضريبة.
الغرامة تعد عقوبة جنائية ولا تعتبر عوضاً مالياً عن الجريمة - الضريبة لا تقابل جرماً ولا يُقصد بها أن تكون إيلاماً للمكلفين بها.
5 - تشريع "المادة الثانية من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992: وظيفة قضائية - حرية شخصية - محاكمة منصفة".
نص هذه المادة على عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة يتضمن تدخلاً في شئون الوظيفة القضائية ويقيد الحرية الشخصية ويهدر ضوابط المحاكمة المنصفة.

----------------
1 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن المتهمين لا يجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، تقديراً بأن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم؛ وأن عقوبتهم ينبغي أن تكون واحدة في كل تطبيقاتها، بما يجردها من تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها؛ ويحيلها جزاء بغير ضرورة؛ متضمناً تقييداً للحرية الشخصية دون مقتض، ومنتهياً إلى حرمان كل قاض من سلطته في مجال التدرج بالعقوبة الجنائية وتجزئتها، تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً، فلا يكون تطبيقها كافلاً معقوليتها وإنسانيتها، ولا جابراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها.
2 - الجزاء الجنائي لا يجوز أن يكون تطبيقه عشوائياً أو آلياً، ذلك أن تفريده لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية التي تأبى إنزال عقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة - شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها - على الجريمة محل التداعي؛ وتفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بها اتصال قرار.
3 - تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها، ومن بينها أنها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ ومن المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يرتبطان بمن يعد قانوناً مسئولاً عن مقارفتها، على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر؛ فلا يكون جزاء الجناة عن جريمتهم إلا موافقاً لخياراتهم بشأنها؛ وكان لا يجوز على الإطلاق أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بمحيطها ضماناً لموضوعية تطبيقها؛ فلا يكون إنفاذها دالاً على قسوتها، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل، مؤكداً شذوذها أو مجاوزاً حدود الاعتدال التي ينبغي معها أن يكون للقاضي الكلمة الأخيرة في شأنها إيقافها، فلا يكون تجريده من هذا الاختصاص إلا عدواناً على الوظيفة القضائية بما يخل بمقوماتها.
4 - تجريم أفعال بذاتها لا يتم إلا من خلال عقوبة جنائية تمثل جزاء قدره المشرع عند مقارفتها. ولا يعتبر هذا الجزاء - وتلك طبيعته - عوضاً مالياً عن الجريمة التي عينها المشرع، بل جزءاً منها لا ينفصل عنها، فلا جريمة بغير عقوبة، ولا عقوبة إلا عن فعل أو امتناع أخل بقيم الجماعة أو نقضها؛ وصار مؤثماً ضماناً لصونها، فلا تُقَابَل الجرائم - أياً كان نوعها - بتعويض يكون مكافئاً للضرر الناجم عنها، وإنما يتحدد جزاؤها بقدر خطورتها ووطأتها؛ فلا يكون مجاوزاً قدر الضرورة الاجتماعية التي يقتضيها، ولا واقعاً دون متطلباتها أما الضريبة فلا تقابل جرماً، ولا يفترض فيما نشأ عنها من إيراد، أن يكون متأتياً من مصدر غير مشروع. ولا يقصد بها كذلك أن تكون إيلاماً للمكلفين بها، وإنما يقع عبؤها على أموال بوصفهم مواطنين يسهمون عدلاً في تحمل نصيبهم من التنمية وتطوير مجتمعهم، بما يؤكد تضامنهم. ولا كذلك الغرامة المطعون عليها التي فرضها المشرع متوخياً بها أن تكون عقاباً زاجراً، حائلاً بمداه دون الجريمة التي نهى عند ارتكابها، ومحيطاً بها بعد وقوعها من خلال جزاء جنائي يناسبها.
5 - حدد المشرع بنص المادة الثانية من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 المشار إليهما، أركان جريمة أداء المصنفات السمعية والبصرية بمكان عام، وكذلك عرضها وإذاعتها، بدون ترخيص؛ ناهياً بنص المادة 15 من هذا القانون، عن وقف تنفيذ عقوبة الغرامة المقررة بها؛ وبذلك يكون النص المطعون عليه متضمناً تدخلاً مباشراً في شئون الوظيفة القضائية بما ينال من جوهرها، ويقيد كذلك الحرية الشخصية في غير ضرورة، ولا يقيم المحاكمة المنصفة وفق متطلباتها.


الإجراءات

بتاريخ 10 مارس سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أقامت ضد المدعي الدعوى الجنائية رقم 1547 لسنة 1996 - أمام محكمة فوة الجزئية، بتهمة أنه بتاريخ 9/ 3/ 1996 قام بأداء أحد المنصفات البصرية من خلال عرضها في مكان عام "مقهى" بغير ترخيص بذلك من الجهة المختصة، وطلبت عقابه بالمواد 1، 2 ثانياً و15، 17 من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992. وإذ قضت المحكمة غيابياً بتغريم المدعي مبلغ خمسة آلاف جنيه والمصادرة والمصاريف، فقد طعن المدعي في هذا الحكم بطريق المعارضة، ودفع - أثناء نظر المعارضة - بعدم دستورية نص المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955 - المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 - المشار إليه، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، وإذ كانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع، فقد خولته رفع دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعي ينعى على نص المادة 15 - المطعون عليها - مخالفتها للمواد 86 و119 فقرة أولى و165 و166 من الدستور، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة، وذلك تأسيساً على ما يأتي:
أولاً: أن وقف تنفيذ العقوبة جزء من تفريدها. فإذا حال المشرع دون مباشرة السلطة القضائية لولايتها هذه، كان ذلك افتئاتاً عليها.
ثانياً: أن السلطة التشريعية لا تتقيد في ممارستها لولايتها في مجال إقرار القوانين بغير الضوابط التي ألزمها الدستور بمراعاتها. فإذا كان تنظيمها لموضوع معين على خلافها، كان ذلك إهداراً منها الدستور.
ثالثاً: أن النص المطعون فيه يتمحض عن ضريبة بلا قانون، ذلك أن السياسة التي انتهجها لمواجهة عرض المصنفات دون ترخيص، لم تكن غايتها الردع أو الإيلام، وإنما استهدفت أغراضها تمويلية بحتة، وضمان توفير الموارد التي يقتضيها دعم الأغراض التي يقوم عليها صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المتهمين لا يجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، تقديراً بأن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم؛ وأن عقوبتهم ينبغي أن تكون واحدة في كل تطبيقاتها، بما يجردها من تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها؛ ويحيلها جزاء بغير ضرورة؛ متضمناً تقييداً للحرية الشخصية دون مقتض، ومنتهياً إلى حرمان كل قاض من سلطته في مجال التدرج بالعقوبة الجنائية وتجزئتها، تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً، فلا يكون تطبيقها كافلاً معقوليتها وإنسانيتها، ولا جابراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن الجزاء الجنائي على ضوء ما تقدم، لا يجوز أن يكون تطبيقه عشوائياً أو آليا، ذلك أن تفريده لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية التي تأبى إنزال عقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة - شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها - على الجريمة محل التداعي؛ وتفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بها اتصال قرار؛ وكان تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها، ومن بينها أنها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ ومن المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكباً، يرتبطان بمن يعد قانوناً مسئولاً عن مقارفتها، على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر؛ فلا يكون جزاء الجناة عن جريمتهم إلا موافقاً لخياراتهم بشأنها؛ وكان لا يجوز على الإطلاق أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بمحيطها ضماناً لموضوعية تطبيقها؛ فلا يكون إنفاذها دالاً على قسوتها، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل، مؤكداً شذوذها أو مجاوزاً حدود الاعتدال التي ينبغي معها أن يكون للقاضي الكلمة الأخيرة في شأنها إيقافها، فلا يكون تجريده من هذا الاختصاص إلا عدواناً على الوظيفة القضائية بما يخل بمقوماتها.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من أن الغرامة المحكوم بها وفقاً لنص المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 المشار إليهما؛ هي في حقيقتها ضريبة فرضها المشرع، متوخياً بها توفير الموارد التي يقتضيها دعم صندوق التنمية الثقافية وكذلك الإنفاق منها على جهة الرقابة على المصنفات بوزارة الثقافة، مردود أولاً: بأن تجريم أفعال بذاتها لا يتم إلا من خلال عقوبة جنائية تمثل جزاء قدره المشرع عند مقارفتها. ولا يعتبر هذا الجزاء - وتلك طبيعته - عوضاً مالياً عن الجريمة التي عينها المشرع، بل جزءاً منها لا ينفصل عنها، فلا جريمة بغير عقوبة، ولا عقوبة إلا عن فعل أو امتناع أخل بقيم الجماعة أو نقضها؛ وصار مؤثماً ضماناً لصونها، فلا تُقَابَل الجرائم - أياً كان نوعها - بتعويض يكون مكافئاً للضرر الناجم عنها، وإنما يتحدد جزاؤها بقدر خطورتها ووطأتها؛ فلا يكون مجاوزاً قدر الضرورة الاجتماعية التي يقتضيها، ولا واقعاً دون متطلباتها.
ومردود ثانياً: بأن الضريبة لا تقابل جرماً، ولا يفترض فيما نشأ عنها من إيراد، أن يكون متأتياً من مصدر غير مشروع. ولا يقصد بها كذلك أن تكون إيلاماً للمكلفين بها، وإنما يقع عبؤها على أموالهم بوصفهم مواطنين يسهمون عدلاً في تحمل نصيبهم من التنمية وتطوير مجتمعهم، بما يؤكد تضامنهم. ولا كذلك الغرامة المطعون عليها التي فرضها المشرع متوخياً بها أن تكون عقاباً زاجراً، حائلاً بمداه دون الجريمة التي نهى عن ارتكابها، ومحيطاً بها بعد وقوعها من خلال جزاء جنائي يناسبها.
وحيث إنه متى كان ذلك؛ وكان المشرع قد حدد بنص المادة الثانية من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 المشار إليهما، أركان جريمة أداء المصنفات السمعية والبصرية بمكان عام، وكذلك عرضها وإذاعتها، بدون ترخيص؛ ناهياً بنص المادة 15 من هذا القانون، عن وقف تنفيذ عقوبة الغرامة المقررة بها؛ فإن النص المطعون عليه، يكون متضمناً تدخلاً مباشراً في شئون الوظيفة القضائية بما ينال من جوهرها، ويقيد كذلك الحرية الشخصية في غير ضرورة، ولا يقيم المحاكمة المنصفة وفق متطلباتها، ومخالفاً بالتالي أحكام المواد 41 و67 و165 و166 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (15) من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق