باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 مايو سنة 2000 الموافق 2 صفر سنة 1421ه
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبدالقادر عبدالله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى
وحضور السيد المستشار/ عبدالوهاب عبدالرازق حسن رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 2 لسنة 21 قضائية " دستورية"
المقامة من
السيد / أحمد ماهر عز
ضد
1 - السيد رئيس مجلس الوزراء
2 - السيد رئيس جامعة الزقازيق
" الإجراءات "
بتاريخ الرابع عشر من يناير سنة 1999، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى- وكان يشغل وظيفة أستاذ بكلية الحقوق جامعة الزقازيق - قد أقام الدعوى رقم 100 لسنة 1998 أمام محكمة الزقازيق الإبتدائية ضد المدعى عليه الثانى طالباً الحكم له بباقى مستحقاته عن رصيد أجازاته السنوية التى تجاوز مدة أربعة أشهر. وأثناء نظر تلك الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 معدلة بالقانون رقم 219 لسنة 1991تنص على أن: "يستحق العامل إجازة اعتيادية سنوية بأجر كامل لايدخل فى حسابها أيام عطلات الأعياد والمناسبات الرسمية فيما عدا العطلات الأسبوعية وذلك على الوجه التالى:
..............................................................
ولا يجوز تقصير أو تأجيل الأجازة الاعتيادية أو إنهاؤها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل.
ويجب فى جميع الأحوال التصريح بأجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة. ويحتفظ العامل برصيد أجازاته الاعتيادية. على أنه لا يجوز أن يحصل على أجازة اعتيادية من هذا الرصيد بما يجاوز ستين يوماً فى السنة بالإضافة إلى الأجازة الاعتيادية المستحقة له عن تلك السنة.
فإذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاذ رصيده من الأجازات الاعتيادية استحق عن هذا الرصيد أجره الاساسى مضافاً إليه العلاوات الخاصة التى كان يتقاضاها عند انتهاء خدمته، وذلك بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر ولا تخضع هذه المبالغ لأية ضرائب أو رسوم ".
وحيث إن المادة (2) من القانون رقم 219 لسنة 1991 المشار إليه تنص على أن "تسرى أحكام هذا القانون على المعاملين بكادرات خاصة ويلغى كل حكم ورد على خلاف ذلك فى القواعد المنظمة لشئونهم".
كما تنص المادة (3) من ذات القانون على أن " ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من اليوم التالى لتاريخ نشره " وقد نشر هذا القانون فى 7/12/1991.
ومفاد ما تقدم أنه اعتباراً من تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 219 لسنة 1991- المشار إليه- فى 8/12/1991 فإن العاملين الذين تنتظم شئون توظفهم قوانين خاصة -ومن بينها قانون تنظيم الجامعات - يسرى فى شأنهم حكم الفقرة الأخيرة من المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة - بقدر ارتباطها بالطلبات المطروحة فى النزاع الموضوعى - يتحدد بنص الفقرة الأخيرة من المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 219 لسنة 1991.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وآثاراً يرتبها، من بينها -فى مجال حق العمل- ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلاتنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها؛ أو تناقض بأثرها ماينبغى أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها. ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها إنحرافاً بها عن غاياتها يستوى فى ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التى تتصل بالأوضاع التى ينبغى أن يُمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق فى الأجازة السنوية التى لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد إلتزاماتها الجوهرية التى لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها ونكولاً عن الحدود المنطقية التى ينبغى وفقاً للدستور أن تكون إطارا لحق العمل، واستتاراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه.
وحيث إن المشرع قد صاغ - فى هذا الإطار - بنص المادة (65) المشار إليها حق العامل فى الأجازة السنوية فغدا بذلك حقاً مقرراً له بنص القانون، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة؛ محدداً للأجازة السنوية مدداً تختلف باختلاف مدة خدمة العامل، ولم يجز تقصيرها أو تأجيلها أو إنهاءها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، كما أجاز للعامل أن يحتفظ بما قد يكون له من رصيد الأجازات الاعتيادية السنوية مع وضع ضوابط معينة للحصول عليها بحيث لا يجوز له الحصول على أجازة من هذا الرصيد تزيد على ستين يوماً فى السنة الواحدة فإذا انتهت خدمة العامل وكان له رصيد من تلك الأجازات حق له اقتضاء بدل نقدى عن هذا الرصيد، بيد أن المشرع قيد اقتضاء هذا البدل بشرطين، أولهما: ألا تجاوز مدة الرصيد الذى يستحق عنها البدل النقدى أربعة أشهر. وثانيهما: حساب هذا البدل على أساس الأجر الأساسى عند انتهاء الخدمة مضافاً إليه العلاوات الخاصة.
وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل فى أجازة سنوية بالشروط التى حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية. ولايجوز بالتإلى أن ينزل العامل عنها ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هى فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، ولا أن يدّعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلى عنها إنهاكاً لقواه، وتبديداً لطاقاته، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التى يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع. بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على أجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل سنة أمراً لايجوز الترخيص فيه، أو التذرع دون تمامة بدواعى مصلحة العمل وهو ما يقطع بأن الحق فى الأجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه، وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية. ومن ثم كان ضرورياً بالتالى - ضماناً لتحقيق الأغراض المتوخاه من الأجازة السنوية - أن تنص المادة (68) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ذاته على أن اشتغال العامل بأجر أو بدون أجر لدى جهة أخرى خلال أجازته المقررة وفق القانون يجيز لجهة الإدارة أن تحرمه من أجره عن مدة الأجازة أو أن تسترد ما دفعته إليه من أجر عنها فضلاً عن تعرضه للجزاء التأديبى.
وحيث إن المشرع قد دل بالفقرة الأخيرة من المادة (65) المشار إليها على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها التى تراخى فى استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على مايقابلها من الأجر، وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده، فلم يجز له أن يحصل على ما يساوى أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر، وهى بعد مدة قدر المشرع أن قِصَرها يعتبر كافلاً للأجازة السنوية غاياتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها؛ بيد أن هذا الحكم لا ينبغى أن يسرى على إطلاقه، بما مؤداه: أنه كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ -وكأصل عام - أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من أجازاته السنوية على هذا النحو ممكناً عيناً، وإلا كان التعويض النقدى عنها واجباً، تقديراً بأن المدة التى أمتد إليها الحرمان من استعمال تلك الأجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك .
وحيث إن الحق فى هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج فى إطار الحقوق التى تكفلها المادتان (32، 34) من الدستور اللتان صان بهما الملكية الخاصة والتى جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وإنصرافها بالتالى إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها. متى كان ذلك، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.
وحيث إنه وقد خلص قضاء هذه المحكمة إلى أن المقابل النقدى المستحق عن رصيد الأجازات السنوية التى لم يحصل عليها العامل - بسبب مقتضيات العمل- حتى انتهاء خدمته، يعد تعويضاً له عن حرمانه من هذه الإجازات؛ وكان المشرع قد اتخذ أساساً لحساب هذا التعويض الأجر الأساسى الذى وصل إليه العامل عند انتهاء خدمته - رغم تباين أجره خلالها- مضافاً إليه العلاوات الخاصة التى كان يتقاضاها؛ جبراً للضرر الناجم عن عدم حصوله على أجازاته السنوية، فإن هذا النهج لا يكون مصادماً للعدالة ولا مخالفاً لأحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدى لرصيد أجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.كل التفاعلات:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق