الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 نوفمبر 2023

الطعن 1941 لسنة 58 ق جلسة 2 / 2 / 1989 مكتب فني 40 ق 31 ص 171

جلسة 2 من فبراير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن وعبد الوهاب الخياط نائبي رئيس المحكمة وعبد اللطيف أبو النيل وعمار إبراهيم.

-----------------

(31)
الطعن رقم 1941 لسنة 58 القضائية

(1) نيابة عامة. نقض "المصلحة في الطعن والصفة فيه".
للنيابة العامة الطعن في الحكم ولو كانت المصلحة للمحكوم عليه. أساس ذلك؟
(2) دعوى جنائية "انقضاؤها بوفاة المتهم". نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون".
انقضاء الدعوى الجنائية بوفاة المتهم. المادة 14 إجراءات.
صدور حكم اعتبار الحكم الغيابي قائماً بعد وفاة المتهم. خطأ في القانون.
يوجب النقض والتصحيح والقضاء بانقضاء الدعوى الجنائية.
(3) رشوة. غرامة. عقوبة "تطبيقها". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". محكمة النقض "سلطتها".
عقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة 109 عقوبات. لجريمة عرض الرشوة ليست من الغرامات النسبية. وجوب الحكم بها على كل متهم دين بها. إغفال الحكم بها. خطأ في القانون. يوجب النقض والتصحيح.
(4) قانون "تفسيره".
التحرز في تفسير القوانين الجنائية وإلزام الدقة في تفسيرها. وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل. واجب.
صياغة النص في عبارات واضحة جلية. اعتبارها تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع. عدم جواز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل. أو بدعوى الاستهداء بحكمة الشارع.
- الاستهداء بحكمة التشريع ودواعيه. لا تكون إلا عند غموض النص.
- الأحكام تدور مع علتها لا مع حكمتها.
- لا اجتهاد مع صراحة النص.
(5) رشوة. قانون "تفسيره".
- إيراد الشارع مصطلحاً معيناً في نص ما. وجوب صرفه لهذا المعنى في كل نص آخر يرد فيه.
(6) رشوة. عقوبة "توقيعها". مصادرة. قانون "تفسيره".
جزاء المصادرة المنصوص عليها في المادة 110 عقوبات. طبيعته. عقوبة.
وجوب توقيعها على من يثبت مقارفته الجريمة فاعلاً كان أو شريكاً.
وجوب تفسير نص المادة 110 عقوبات على هدي نص المادة 30 من ذات القانون.
(7) حكم "بياناته". رشوة. جريمة "أركانها". قانون "تفسيره".
صحة الحكم بالمصادرة طبقاً للمادة 110 عقوبات. رهينة يكون موضوعها شيئاً دفعه من تصدق عليه صفة الراشي أو الوسيط في جريمة الرشوة.
(8) رشوة. جريمة "أركانها". قانون "تفسيره".
جريمة الرشوة. عدم قيامها إلا بانعقاد الاتفاق غير المشروع بين الراشي والمرتشي أو الوسيط.
(9) رشوة. جريمة "أركانها". عقوبة "تطبيقها". مصادرة. قانون "تفسيره". 

مجرد عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة أو وسيطه. عدم كفايته لوقوع الرشوة. اعتباره جريمة خاصة لها ذاتيتها. لا يمتد إليها حكم المصادرة المقررة كعقوبة تكميلية إلى جريمة الرشوة. أساس ذلك؟

----------------
1 - لما كانت النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل يختص بمركز قانوني خاص بحسبانها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية، فلها بهذه المثابة أن تطعن في الأحكام وإن لم تكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن، بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه، ومن ثم فإن مصلحتها في الطعن الماثل تكون قائمة.
2 - لما كان البين من الأوراق أن المحكوم عليه الأول....... قد توفي إلى رحمة الله بتاريخ 29 من ابريل سنة 1986، وذلك حسبما هو ثابت بشهادة قيد وفاته المرفقة بالأوراق. لما كان ذلك وكانت المادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "تنقضي الدعوى الجنائية بوفاة المتهم...." وإذ كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 23 نوفمبر سنة 1987 - وهو تاريخ لاحق لوفاة المحكوم عليه المذكور باعتبار الحكم الغيابي القاضي بإدانته بتاريخ 10 فبراير سنة 1977 ما زال قائماً. في حين أنه كان يتعين القضاء بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له بالوفاة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه وتصحيحه والقضاء بذلك.
3 - لما كان النص في المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات - التي دين المطعون ضده الثاني... بها على أنه: "من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام......" مؤداه أن الغرامة المقررة هي الغرامة العادية إذ هي محددة بحدين يتعين التزامهما وليست محددة بنسبة الضرر المترتب على الجريمة أو الفائدة التي تحصل عليها الجاني أو كان يأمل الحصول عليها - فهي ليست من قبيل الغرامات النسبية ومن ثم تعين وفقاً للمادة 44 من قانون العقوبات أن يحكم بها على كل متهم دين عن هذه الجريمة. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل القضاء بعقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات رغم وجوب ذلك - بالإضافة إلى العقوبة المقيدة للحرية المقضى بها على المطعون ضده الثاني، فإنه يكون قد خالف القانون مما يتعين معه تصحيحه بتغريم المطعون ضده المذكور خمسمائة جنيه بالإضافة إلى العقوبة المقضى بها.
4 - من المقرر أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنها يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك ولا الخروج على النص متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته لأن البحث في حكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام القانونية مع علتها لا مع حكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه.
5 - الأصل في قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً في نص ما لمعنى معين وجب صرف هذا المعنى في كل نص آخر يرد فيه.
6 - إن نص المادة 110 من قانون العقوبات وإن جرى على أن "يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقاً للمواد السابقة. وقد أضيفت هذه المادة إلى قانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 69 لسنة 1953 الصادر في 19 فبراير سنة 1953 وما جاء في مذكرتها الإيضاحية تعليقاً عليه ما نصه: "ونصت المادة 110 من المشروع صراحة على مصادرة ما دفعه الراشي على سبيل الرشوة. وقد كانت المحاكم تطبق من قبل نص الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي تجيز بصفة عامة الحكم بمصادرة الأشياء التي تحصلت من الجريمة" والبين من النص في صريح لفظه وواضح دلالته، ومن عبارة المذكرة الإيضاحية أن جزاء المصادرة المنصوص عليه فيه عقوبة، وهي بهذه المثابة لا توقع إلا في حق من يثبت عليه أنه قارف الجريمة فاعلاً كان أو شريكاً ولا تتعدى إلى غيره ممن لا شأن له بها، وأن الشارع افترض توقيع هذه العقوبة على سبيل الوجوب، بعد أن كان الأمر فيها موكولاً إلى ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات من جواز الحكم بها اعتباراً بأن الأشياء التي ضبطت على سبيل الرشوة قد تحصلت من الجريمة مع ملاحظة التحفظ الوارد في ذات الفقرة من عدم المساس بحقوق الغير حسن النية. وبذلك فإن حكم المادة 110 من قانون العقوبات يجب أن يفهم في ضوء ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي توجب كأصل عام حماية حقوق الغير حسن النية.
7 - لما كان نص المادة 110 من قانون العقوبات - آنف الذكر - يوجب لصحة الحكم بالمصادرة أن يكون موضوعها شيئاً دفعه من تصدق عليه صفة الراشي أو الوسيط في جريمة الرشوة.
8 - إن جريمة الرشوة لا تتم إلا بانعقاد الاتفاق غير المشروع بين الراشي والمرتشي أو الوسيط بينهما في ذلك.
9 - إن مجرد عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة أو وسيطه لا يعد وحده كافياً لوقوع الرشوة كما هي معرفة به قانوناً ولا يجعل من عرضها أو توسط في عرضها راشياًً أو وسيطاً، ولا يجعل من المعروض ما يصدق عليه وصف ما دفع على سبيل الرشوة، وقد رأى المشرع تجريم السعي نحو إرشاد الموظف وإفساد ذمته بعرض الرشوة عليه، ولم تكن القواعد العامة بدون نص المادة 109 مكرراً لتؤدي إلى هذه النتيجة، طالما أن الجريمة التي أراد الراشي الاشتراك فيها لم تقع قانوناً كما وأن الشروع غير متصور في القانون وهو ما حدا بالشارع إلى النص على اعتبار فعل عرض الرشوة الذي لم يلق القبول، جريمة خاصة لها ذاتيتها المستقلة عن جريمة الرشوة، وفي حين أن الشارع الفرنسي قد اعتبر جريمة الإرشاء كاملة بمجرد عرض الرشوة ولو لم تصادف قبولاً من المرتشي فإن القانون المصري قد عاقب على عرض الرشوة دون قبولاً باعتبارها جريمة مستقلة، وقد حاول مشروع قانون العقوبات الجديدة الأخذ بنظرية القانون الفرنسي فنص المشروع الأول (المشروع الموحد) على أن كل من عرض الرشوة على الموظف يعد راشياً، دون أن يعلق هذا العرض على قبول المرتشي، إلا أن المشروع الأخير عاد فأخذ بوجهه نظر القانون الحالي - نص المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات - واشترط للعقاب على مجرد عرض الرشوة أن تصادف عدم قبول من الموظف العام. لما كان ما تقدم وكانت جريمة عرض الرشوة على الموظف العام المنصوص عليها في المادة المشار إليها لا تعد جريمة رشوة كما عناها القانون في تطبيق حكم المادة 110 من ذات القانون وأن لها ذاتيتها المستقلة وتغاير تلك الجريمة. فإنه يتعين ألا يمتد إليها حكم المصادرة الوجوبية كعقوبة تكميلية مقررة لجريمة الرشوة. وكان لا يصح في القانون الاحتجاج بنص الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات لأن المصادرة فيها مقررة على سبيل الجواز وليس على سبيل الإلزام. فلا على الحكم إن لم يقض بمصادرة ما عرض من نقود - وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر. فإنه يكون قد برئ من عيب مخالفة القانون، ويضحى نعي النيابة العامة عليه في هذا الخصوص غير سديد مستوجب الرفض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما أولاً: عرضا رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن عرضا على....... بشركة طنطا للزيوت والصابون التابعة للمؤسسة المصرية العامة للصناعات الغذائية مبالغ من النقود وقدم له الأول عنها عشرة جنيهات على سبيل الرشوة مقابل التجاوز عن سرقتهما كميات من الزيوت التي ينقلانها للشركة وإثبات ورودها ببطاقات الوزن المنوط به تحريرها على خلاف الحقيقة ولكن الموظف العمومي لم يقبل الرشوة منهما. ثانياً: اشتركا بطريق الاتفاق والمساعدة مع الموظف العمومي سالف الذكر حسن النية في ارتكاب تزوير بمحرر لإحدى شركات القطاع العام بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن اتفقا فيما بينهما على حمله على تغيير حقيقة كميات الزيوت التي ينقلانها للشركة سالفة الذكر ببطاقات الوزن المنوط به تحريرها بقصد إخفاء سرقتها فأملاه الأول بيان الوزن بالبطاقة المبينة بالتحقيقات المؤرخة 30 من يونيه سنة 1973 على خلاف الحقيقة تنفيذاً لهذا الغرض فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. ثالثاً: سرقا كمية الزيت المبينة بالتحقيقات المملوكة لشركة طنطا للزيوت والصابون التابعة للمؤسسة المصرية العامة للصناعات الغذائية حالة كونهما مكلفين بنقلها للمرفق العام المذكور وكان ذلك في زمن الحرب. وأحالتهما إلى محكمة أمن الدولة العليا بطنطا لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 23 من نوفمبر سنة 1987 عملاً بالمواد 40/ 2 - 3، 41، 104، 109/ 1 مكرراً، 111/ 6، 213، 214 مكرراً، 317/ 8 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 32، 17 من قانون العقوبات أولاً: باعتبار الحكم الغيابي ما زال قائماً بالنسبة للمتهم الأول. ثانياً: بمعاقبة....... المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة عن جميع التهم المسندة إليه وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون. ذلك أنه قضى باعتبار الحكم الغيابي قائماً بالنسبة للمحكوم عليه الأول.... رغم الثابت بالأوراق أنه توفي إلى رحمة الله قبل صدوره، وهو ما كان يستوجب القضاء بانقضاء الدعوى الجنائية قبله كما أن الحكم المطعون فيه وإن دان المطعون ضده الثاني..... عن الجرائم المسندة إليه بوصف الاتهام وأعمل حكم المادة 32/ 2 من قانون العقوبات وأنزل عليه العقوبة المقررة لجريمة عرض الرشوة إلا أنه أغفل الحكم عليه بعقوبتي الغرامة والمصادرة كعقوبتين تكميليتين مقررتين لهذه الجريمة الأمر الذي يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إنه لما كانت النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل يختص بمركز قانوني خاص بحسبانها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية، فلها بهذه المثابة أن تطعن في الأحكام وإن لم تكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن، بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه، ومن ثم فإن مصلحتها في الطعن الماثل تكون قائمة وإذ كان ذلك وكان هذا الطعن قد استوفى باقي أوجه الشكل المقررة في القانون فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن البين من الأوراق أن المحكوم عليه الأول..... قد توفي إلى رحمة الله بتاريخ 29 من ابريل سنة 1986، وذلك حسبما هو ثابت بشهادة قيد وفاته المرفقة بالأوراق. لما كان ذلك وكانت المادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "تنقضي الدعوى الجنائية بوفاة المتهم...." وإذ كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 23 نوفمبر سنة 1987 - وهو تاريخ لاحق لوفاة المحكوم عليه المذكور باعتبار الحكم الغيابي القاضي بإدانته بتاريخ 10 فبراير سنة 1977 ما زال قائماً. في حين أنه كان يتعين القضاء بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له بالوفاة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه وتصحيحه والقضاء بذلك.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن خلص إلى ثبوت الاتهام بجرائم عرض الرشوة على موظف عام للإخلال بواجبات وظيفته، والسرقة، والاشتراك في التزوير في محرر لإحدى شركات القطاع العام. واعتبار هذه الجرائم مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة في مشروع إجرامي واحد المنطبق عليه نص المادة 32 من قانون العقوبات، أفصح عن توقيع عقوبة الجريمة الأشد من هذه الجرائم وهي في الدعوى الماثلة جريمة عرض الرشوة على موظف عام. لما كان ذلك وكان النص في المادة 109 مكرراًً من قانون العقوبات - التي دين المطعون ضده الثاني.... بها على أنه: "من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام......" مؤداه أن الغرامة المقررة هي الغرامة العادية إذ هي محددة بحدين يتعين التزامهما وليست محددة بنسبة الضرر المترتب على الجريمة أو الفائدة التي تحصل عليها الجاني أو كان يأمل الحصول عليها - فهي ليست من قبيل الغرامات النسبية ومن ثم تعين وفقاً للمادة 44 من قانون العقوبات أن يحكم بها على كل متهم دين عن هذه الجريمة. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل القضاء بعقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات رغم وجوب ذلك - بالإضافة إلى العقوبة المقيدة للحرية المقضى بها على المطعون ضده الثاني، فإنه يكون قد خالف القانون مما يتعين معه تصحيحه بتغريم المطعون ضده المذكور خمسمائة جنيه بالإضافة إلى العقوبة المقضى بها.
ومن حيث إنه من المقرر أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنها يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك ولا الخروج على النص متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته لأن البحث في حكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام القانونية مع علتها لا مع حكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه وكان الأصل في قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً في نص ما لمعنى معين وجب صرف هذا المعنى في كل نص آخر يرد فيه. ومن حيث إن نص المادة 110 من قانون العقوبات وإن جرى على أن "يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقاً للمواد السابقة". وقد أضيفت هذه المادة إلى قانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 69 لسنة 1953 الصادر في 19 فبراير سنة 1953 وما جاء في مذكرتها الإيضاحية تعليقاً عليه ما نصه: "ونصت المادة 110 من المشروع صراحة على مصادرة ما دفعه الراشي على سبيل الرشوة. وقد كانت المحاكم تطبق من قبل نص الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي تجيز بصفة عامة الحكم بمصادرة الأشياء التي تحصلت من الجريمة" والبين من النص في صريح لفظه وواضح دلالته، ومن عبارة المذكرة الإيضاحية أن جزاء المصادرة المنصوص عليه فيه عقوبة، وهي بهذه المثابة لا توقع إلا في حق من يثبت عليه أنه قارف الجريمة فاعلاً كان أو شريكاً ولا تتعدى إلى غيره ممن لا شأن له بها، وأن الشارع افترض توقيع هذه العقوبة على سبيل الوجوب، بعد أن كان الأمر فيها موكولاً إلى ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات من جواز الحكم بها اعتباراً بأن الأشياء التي ضبطت على سبيل الرشوة قد تحصلت من الجريمة مع ملاحظة التحفظ الوارد في ذات الفقرة من عدم المساس بحقوق الغير حسن النية. لما كان ذلك وكان نص المادة 110 من قانون العقوبات - آنف الذكر - يجب أن يفهم في ضوء ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي توجب كأصل عام حماية حقوق الغير حسن النية، ولما كان ذلك، وكان نص المادة 110 من قانون العقوبات - آنف الذكر - يوجب لصحة الحكم بالمصادرة أن يكون موضوعها شيئاً دفعه من تصدق عليه صفة الراشي أو الوسيط في جريمة الرشوة. وكانت جريمة الرشوة لا تتم إلا بانعقاد الاتفاق غير المشروع بين الراشي والمرتشي أو الوسيط بينهما في ذلك فإن مجرد عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة أو وسيطه لا يعد وحده كافياً لوقوع الرشوة كما هي معرفة به قانوناً ولا يجعل من عرضها أو توسط في عرضها راشياً أو وسيطاً، ولا يجعل من المعروض ما يصدق عليه وصف ما دفع على سبيل الرشوة، وقد رأى المشرع تجريم السعي نحو إرشاد الموظف وإفساد ذمته بعرض الرشوة عليه، ولم تكن القواعد العامة بدون نص المادة 109 مكرراً لتؤدي إلى هذه النتيجة، طالما أن الجريمة التي أراد الراشي الاشتراك فيها لم تقع قانوناً كما وأن الشروع في الاشتراك غير متصور في القانون وهو ما حدا بالشارع إلى النص على اعتبار فعل عرض الرشوة الذي لم يلق القبول، جريمة خاصة لها ذاتيتها المستقلة عن جريمة الرشوة، وفي حين أن الشارع الفرنسي قد اعتبر جريمة الإرشاء كاملة بمجرد عرض الرشوة ولو لم تصادف قبولاً من المرتشي فإن القانون المصري قد عاقب على عرض الرشوة دون قبولها باعتبارها جريمة مستقلة، وقد حاول مشروع قانون العقوبات الجديد الأخذ بنظرية القانون الفرنسي فنص المشروع الأول (المشروع الموحد) على أن كل من عرض الرشوة على الموظف يعد راشياً، دون أن يعلق هذا العرض على قبول المرتشي، إلا أن المشروع الأخير عاد فأخذ بوجهه نظر القانون الحالي - نص المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات - واشترط للعقاب على مجرد عرض الرشوة أن تصادف عدم قبول من الموظف العام ولما كان ما تقدم وكانت جريمة عرض الرشوة على الموظف العام المنصوص عليها في المادة المشار إليها لا تعد جريمة رشوة كما عناها القانون في تطبيق حكم المادة 110 من ذات القانون وأن لها ذاتيتها المستقلة وتغاير تلك الجريمة. فإنه يتعين ألا يمتد إليها حكم المصادرة الوجوبية كعقوبة تكميلية مقررة لجريمة الرشوة. وكان لا يصح في القانون الاحتجاج بنص الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات لأن المصادرة فيها مقررة على سبيل الجواز وليس على سبيل الإلزام. فلا على الحكم إن لم يقض بمصادرة ما عرض من نقود - وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر. فإنه يكون قد برئ من عيب مخالفة القانون، ويضحى نعي النيابة العامة عليه في هذا الخصوص غير سديد مستوجب الرفض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق