الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 نوفمبر 2023

الطعن 2529 لسنة 6 ق جلسة 21 / 11 / 1964 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 8 ص 59

جلسة 21 من نوفمبر سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ عبد العزيز الببلاي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي وعادل زخاري وأبو الوفا زهدي المستشارين.

----------------

(8)

القضية رقم 2529 لسنة 6 القضائية

موظف - معاش 

- استقطاع احتياطي المعاش - إحالة الموظف إلى المعاش بناء على طلبه طبقاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 مع ضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين - خضوع هذه المدة المضافة لاستقطاع مقابل المعاش - أساس ذلك.

----------------
إن مجلس الوزراء أصدر في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك، وذلك "رغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية" ثم أصدر المجلس المذكور في 25 نوفمبر سنة 1953 قراراً مكملاً لقراره الأول جرى نصه بما يلي "الموافقة على منح الموظفين الذين يعتزلون الخدمة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء والمعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش هذا مع مراعاة إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش" وقد أجريت أحكام هذين القرارين على موظفي الدرجة الثالثة فما دونها بموجب قرار ثالث صدر في 9 من ديسمبر سنة 1953.
ويخلص من استظهار نصوص القرارين المتقدمي الذكر أن كل ما قصد إليه مجلس الوزراء في شأن ذلك "الفرق" الذي قرر أداءه للموظفين معتزلي الخدمة مشاهرة هو أن يؤدى إليهم ما طرأ من نقص - بسبب اعتزالهم الخدمة - على ما كانوا يتقاضونه شهرياً من قبل وذلك إبقاء لحالهم على ما كان عليه كما لو كانوا مستمرين في الخدمة طوال السنتين المضمومتين اللتين قدر أنهما كافيتان لإعداد أنفسهم لمواجهة ذلك النقص في المستقبل، وبهذه المثابة لا يدخل في حساب الفرق الذي قصد أداؤه للموظف ما لم يكن يتقاضاه من قبل أي ما كان يقتطع من مرتبه لاحتياطي المعاش، يعزز هذا النظر أن القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي شرع لتحقيق الغاية ذاتها من إصدار قراري 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 وجاء مكملاً لهما قد استعمل عبارة "الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة" الواردة بذاتها في القرارين المذكورين وتضمنت مذكرته الإيضاحية صراحة أنه سيراعي "ألا يقل مجموع ما يصرف للموظف عما كان يصرفه إليه قبل إحالته إلى المعاش".
ومن حيث إنه من ناحية أخرى فإن ما نص عليه قرار مجلس الوزراء في 25 من نوفمبر سنة 1953 من عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش ومن مراعاة إدخال ماهيات هذه المدة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، يكشف عن أنه اعتبر هذه المدة المضافة ملحقة بمدة الخدمة الفعلية وآخذة حكمها، ومن ثم نص على مراعاة إدخالها في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش نفاذاً للحكم المقرر لمدة الخدمة الفعلية في المادة 15 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات، وافترض أن ثمة علاوات تستحق خلالها ولكنه استبعد بصريح النص إدخال هذه العلاوات في حساب المعاش. وإذ كان من بين الأحكام الجارية على مدد الخدمة الفعلية حكم اقتطاع احتياطي المعاش الذي فرضته المادة التاسعة من القانون المذكور كشرط لازم لحساب أية مدة في تسوية المعاش، فإن سكوت مجلس الوزراء عن حظر تطبيق هذا الحكم على خلاف ما فعل في شأن العلاوات - يعني اتجاه قصده إلى وجوب سريانه والخضوع له، والاقتطاع في هذه الحالة يكون محله أو أساسه المرتبات التي كانت تستحق للموظفين معتزلي الخدمة خلال المدة المضافة لو بقوا فعلاً في الخدمة، وهي بذاتها المرتبات التي نص قرار 25 من نوفمبر سنة 1953 على إدخالها في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، وليس ثمة اقتطاع من المبالغ المصروفة لهؤلاء الموظفين والتي لا مجادلة في أنها لا تعد مرتباً.


إجراءات الطعن

في 25 من أغسطس سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة سكرتارية هذه المحكمة بالنيابة عن السيدين وزير الخزانة ووزير الصحة بصفتيهما، تقرير طعن في الحكم الصادر في 3 من يوليو سنة 1960 من المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة في الدعوى رقم 217 لسنة 7 قضائية المقامة من السيد/ رياض حنا مرقص ضد وزارتي الصحة والخزانة والذي قضى بأحقية المدعي في استرداد قيمة المعاش الذي استقطع من مرتبه خلال السنتين اللتين ضمتا إلى مدة خدمته طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 9 من ديسمبر سنة 1953 مع إلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وللأسباب المبينة بتقرير الطعن طلب الطاعنان إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عند الدرجتين، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 2 من مارس سنة 1961، وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام ضد السيدين وزيري الصحة والخزانة الدعوى رقم 446 لسنة 6 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارة الصحة بصحيفة أودعت سكرتارية تلك المحكمة في 6 من يونيو سنة 1959 طالباً الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له مبلغ 48 جنيهاً و600 مليم والمصروفات والأتعاب، وقال بياناً للدعوى إنه أحيل إلى المعاش في أول يناير سنة 1954 بناء على قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 واللذين يقضيان بضم سنتين، أو المدة الباقية حتى بلوغ سن الستين، لطالبي اعتزال الخدمة خلال ستين يوماً، مع صرف الفرق بين المرتب والمعاش شهرياً عن المدة المضمومة ومع عدم إدخال العلاوات صرف الفرق بين المرتب والمعاش شهرياً عن المدة المضمومة ومع إدخال ماهياتها في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش وعلى أن تبدأ المدة المضافة من أول يناير سنة 1954، وأن وزارة الخزانة قد خصمت منه خلال عامي 1954، 1955 احتياطي معاش بواقع 7.5% من المرتب الأصلي وقدره سبعة وعشرون جنيهاً أي مبلغ جنيهان وخمسة وعشرون مليماً شهرياً وبلغت جملة المخصوم عن السنتين ثمانية وأربعون جنيهاً وستمائة مليم، وأن الفرق بين المعاش والراتب إن هو إلا عنصر من عناصر التعويض ولا يجوز خصم احتياطي معاش عنه بعد أن انفصلت رابطة التوظف اعتباراً من أول يناير سنة 1954 بتاريخ الإحالة إلى المعاش وبذلك يكون هذا الخصم مخالفاً للقانون.
وقد ردت الإدارة العامة للمعاشات بوزارة الخزانة على الدعوى بأن القرار الذي أحيل المدعي بمقتضاه قضى بصرف ماهيته في السنتين المضافتين ولم يكن القصد من ذلك هو تعويض جزافي يمنح له نظير تركه الخدمة بل حدد ما يصرف وهو الماهية بكل ما يتبعها من خصومات وإضافات فالمقصود هو أن يصرف له ما كان يتقاضاه فعلاً أو (ما كان يصل إلى يده من الماهية) وأن قرار مجلس الوزراء قضى بإدخال ماهية السنتين المضافتين في حساب متوسط الماهية أي جعل منها ماهيات فعلية ولذا سوى معاشه على أساس الماهية الأخيرة واعتبر أنه قضى بهذه الماهية سنتين كما قضت بذلك المادة 15 من قانون المعاشات، وقدمت إدارة المعاشات تأييداً لنظرها صورة من فتوى صادرة من الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع في 12 من أغسطس سنة 1959 وقد جاء بها "ومن حيث إن مجلس الوزراء يستهدف من قراريه المشار إليهما إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام خريجي الجامعات وذلك بترغيب موظفي الحكومة الذين يشغلون درجات كبيرة ولم يبق على انتهاء خدمتهم إلا مدة قصيرة في اعتزال الخدمة مقابل مزايا تمنح إليهم وهي ضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين لموظفي الدرجة الثانية الذين يطلبون اعتزال الخدمة ومنحهم الفرق بين المرتب وإعانة الغلاء وبين المعاش وإعانة الغلاء مشاهرة لم يقصد المجلس منحهم بعد اعتزالهم الخدمة مبالغ تزيد عما كانوا يتقاضونه قبل ذلك، ومن ثم فإن الفرق الذي يصرف إليهم يحسب على أساس صافي المرتب الذي كانوا يتقاضونه لا إجمالي المرتب ويمنحون الفرق بين هذا الصافي بعد اقتطاع احتياطي المعاش وإعانة الغلاء المقررة وبين المعاش وإعانة الغلاء، لأن هذا الفرق هو وحده الذي يحقق لهم ثبات المبالغ التي كانوا يتقاضونها والتي رتبوا عليها حياتهم. يؤيد هذا النظر ما نص عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 من إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش إذ أن مقتضى ذلك أن تدخل ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يربط المعاش على أساسه. وبذلك يكون المجلس قد ألحق هذه المدة بمدة الخدمة الحقيقية التي تدخل وحدها في حساب المعاش طبقاً للمادة 15 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية. ومن ثم يتعين خصم احتياطي المعاش عن هذه المدة طبقاً للمادة 9 من هذا المرسوم بقانون والتي تقضي بأن الخدمات التي لا يجرى على ماهياتها حكم الاقتطاع لا تحسب في تسوية المعاش أو المكافأة في حال من الأحوال. ولم يرد في قراري مجلس الوزراء المشار إليهما استثناء من حكم هذه المادة ومن ثم يتعين إعماله واقتطاع احتياطي المعاش عن مدة السنتين المضافة إلى مدة خدمة الموظفين الذين اعتزلوا الخدمة طبقاً للقرارين المشار إليهما.
وقد عقب المدعي على رد الإدارة العامة للمعاشات بما يأتي:
1 - إن مجلس الوزراء قرر منح الفرق بين المرتب والمعاش ولم يقل الفرق بين صافي المرتب والمعاش.
(2) إن الموظف وقد انقطعت صلته بالحكومة بإحالته إلى المعاش لا يحق خصم احتياطي معاش منه لأن احتياطي المعاش لا يخصم إلا عن مدة الخدمة الحقيقية للموظف ولا يصح خصمه من موظف وهو خارج الخدمة.
(3) يؤيد هذا أن إدارة التأمينات والمعاشات بوزارة الخزانة كانت تخصم 1% من ماهية الموظفين نظير التأمين على حياتهم فلما أحيلوا إلى المعاش أوقف هذا الخصم لأن الموظف أصبح خارجاً من الحكومة وخدماته انقطعت.
(4) إن الفرق بين المرتب والمعاش ما هو إلا بمثابة تعويض عن خروجه قبل السن المحددة.
(5) إن القول بأن إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب متوسط المعاش قصد به إلحاق المدة المضافة بمدة الخدمة الحقيقية مما يستتبع حسابها في المعاش بعد أخذ احتياطي عنها، وهذا القول مجرد افتراض يخالف الواقع إذ أن المدة المضافة لم تكن مدة خدمة حقيقية يتطلب الأمر أخذ احتياطي معاش عنها وحسابها في المعاش وإنما هي في الحقيقة عنصر من عناصر التعويض وميزة من المزايا المشجعة للموظف الذي يطلب اعتزال الخدمة.
وفي 29 من فبراير سنة 1960 أصدرت المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية حكمها في الدعوى قاضياً بعدم اختصاصها بنظرها وبإحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة للاختصاص مع إبقاء الفصل في المصروفات، وأسست حكمها على أن الاختصاص ينعقد للمحكمة الإدارية التي تتبعها الجهة الإدارية المتعلق بها موضوع النزاع المطروح للفصل فيه، وهذه الجهة الإدارية في الدعوى هي وزارة الخزانة دون وزارة الصحة لأن علاقة المدعي بوزارة الصحة قد انقطعت بإحالته إلى المعاش أي بتركه الخدمة فيها فكل ما يتعلق بالمنازعات الخاصة بمعاشه إنما يتركز قبل وزارة الخزانة وحدها والتي تتبعها إدارة المعاشات التي قامت بتسوية معاش المدعي.
وقد نظرت الدعوى بعدئذ أمام المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين، وقيدت برقم 217 لسنة 7 قضائية محاكم، وقدم فيها مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إلى أن الدعوى متعينة الرفض وذلك بناء على أن المادة التاسعة من القانون رقم 37 لسنة 1929 تنص على أن "الخدمات التي لا يجري على ماهياتها حكم الاستقطاع لا تحسب في تسوية المعاش أو المكافأة في حال من الأحوال..." ومفاد هذا النص أن الأصل أن حكم الاستقطاع لا يجري إلا على ماهيات المدد المحسوبة في المعاش أو المكافأة إلا في الأحوال الاستثنائية المنصوص عليها في القانون فمتى تقرر ضم مدة معينة إلى المدة المحسوبة في المعاش أو المكافأة ترتب على ذلك بحكم اللزوم خصم احتياطي المعاش عنها ومن ناحية أخرى إذا ما تقرر إدخال ماهيات مدة معينة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش كان ذلك إفصاحاً عن إلحاق هذه المدة بمدة الخدمة المحسوبة في المعاش ومن ثم وجب أن يجري على هذه الماهيات حكم الاستقطاع، وأنه يبين من مطالعة قرارات مجلس الوزراء في 4 و25 نوفمبر سنة 1953 و9 من ديسمبر سنة 1953 أنه قد قصد من إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش وإلحاق هذه المدة بمدة الخدمة الحقيقية وأن يجري عليها ما يجري على المدة الحقيقية من أحكام متعلقة بالمعاش فيما عدا إدخال العلاوات الدورية التي تستحق أثناءها في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، وأن قرارات مجلس الوزراء المشار إليها لم تقرر استثناء من حكم المادة التاسعة من القانون رقم 37 لسنة 1929 المشار إليه ومن ثم يتعين إعماله واقتطاع احتياطي المعاش عن المدة المضافة إلى مدة خدمة المدعي.
وعقب المدعي على تقرير المفوض بقوله إن المرتب هو عبارة عن المقابل الذي يتقاضاه الموظف نظير عمل يؤديه ومن الواضح أن الفرق الذي يؤدى للموظف وفقاً لقرار مجلس الوزراء ليس مرتبطاً طبقاً لهذا التعريف ولا تسري عليه تبعاً لذلك الأحكام التي تسري على المرتبات ومنها استقطاع مقابل احتياطي المعاش، بل إن هذا الفرق في حقيقته تعويض جزافي للموظف المفصول أو المستقيل الأصل فيه أن يدفع بمجرد تحقق الواقعة القانونية المنشئة للحق وهي الفصل من الخدمة إلا أنه رؤى لاعتبارات تتعلق بصالح الخزانة العامة من جهة ورعاية للموظف من جهة أخرى أن يمنح هذا التعويض مقسطاً على أقساط شهرية وهذا التقسيط لا يمكن أن يغير من طبيعته كتعويض ثابت محدود، وأنه لا وجه لاستناد المفوض إلى المادة التاسعة من القانون رقم 37 لسنة 1929 والتي تقضي بأن الخدمات التي لا يجري على ماهيتها حكم الاستقطاع لا تحسب في تسوية المعاش أو المكافأة ذلك لأن هذا النص يقصد الماهيات التي تؤدى عن خدمات كساعات العمل الإضافية أو ما شابهها أي نظير خدمات يؤديها الموظف خلاف عمله الأصلي وفي الحالة المطروحة فإن الفروق التي تدفع للموظف ليست نظير خدمات يؤديها ولكنها تدفع إليه على سبيل التعويض، وأن عدم إدخال العلاوات الدورية التي تستحق للموظف في بحر المدة التي تصرف خلالها الفروق لأبلغ دليل على انقطاع الرابطة الوظيفية وزوال صفة المرتب عن هذه الفروق بل عن المرتب الذي يصرف إليه بالكامل لأنه أصبح عبارة عن المعاش المستحق للموظف مضافاً إليه التعويض الذي قدره القانون.
وفي 3 من يوليو سنة 1960 حكمت المحكمة الإدارية بأحقية المدعي في استرداد قيمة المعاش الذي استقطع من مرتبه خلال السنتين اللتين ضمتا إلى مدة خدمته طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 9 من ديسمبر سنة 1953 وألزمت جهة الإدارة المصروفات ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة - وأقامت قضاءها على أن قرارات مجلس الوزراء الخاصة بتيسير اعتزال الموظفين للخدمة قررت لمن يعتزلون الخدمة وفق أحكامها تعويضاً يعادل الفرق بين المرتب والمعاش لمدة سنتين على أن يؤدى هذا الفرق مشاهرة، وأن التعويض المذكور إنما يقدر إجمالاً في وقت بذاته فلا أثر لتقسيط أدائه مشاهرة في تعديل قيمته أو زوال صفته الأصلية، وأن الرابطة الوظيفية تنتهي بمجرد صدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزال الموظف الخدمة ومن ثم فإن المدة المضمومة تعتبر مدة خدمة اعتيادية لا يسري عليها ما يسري على مدة الخدمة الحقيقية من أحكام قانون المعاشات بل هي على هذا الوصف اعتبرت كعنصر من عناصر التعويض التي قدرتها قرارات مجلس الوزراء، وأن احتياطي المعاش لا يستقطع إلا أثناء مدة الخدمة الحقيقية كما أن الاستقطاع يكون من المرتب وأنه لا يجوز خصم احتياطي المعاش من ذلك المبلغ الذي تحددت صفته بما لا ينطوي تحت كلمة مرتب، وأن الرأي القائل بخصم احتياطي المعاش عن المدة المضافة قد استند إلى أنها مدة خدمة حقيقية وهو أمر يخالفه الواقع ويتنافى مع إنهاء رابطة الوظيفة بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزال الخدمة.
وبعريضة أودعت سكرتارية هذه المحكمة في 25 من أغسطس سنة 1960 طعنت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزيري الخزانة والصحة في حكم المحكمة الإدارية المشار إليه طالبة إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وبني الطعن على ما جاء بفتوى الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع الصادرة بتاريخ 12 من أغسطس سنة 1959 والتي سبق إيرادها، وعلى أنه من القواعد التي قررها القانون رقم 37 لسنة 1929 أن استقطاع الاحتياطي يكون أيضاً بالنسبة للمدد التي تضم للموظف سواء أكانت مدة خدمته فعلية أو اعتبارية ولا خروج على الأصل إلا بنص خاص كما هو الحال في الفقرة الثانية من المادة التاسعة الخاصة بالإجازات المرضية بدون مرتب وليس بشرط لازم لاستقطاع احتياطي المعاش عن المدة المضمومة أن تقوم الحكومة بصرف المرتب عنها ذلك أن المفروض بالنسبة للمدة الاعتبارية المحتسبة في المعاش ألا يقبض الموظف عنها مرتباً بل لا تكون له بالحكومة علاقة فعلية ومع ذلك يخصم عنها احتياطي المعاش.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده واستندت إلى حكم سابق لهذه المحكمة صادر في 7 من يناير سنة 1961 وكذا إلى فتوى الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع سابقة الذكر، وقدم المطعون ضده أخيراً مذكرة ختامية ردد فيها أوجه دفاعه السابقة.
ومن حيث إن مجلس الوزراء أصدر في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً لاعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك، وذلك "رغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية" ثم أصدر المجلس المذكور في 25 من نوفمبر سنة 1953 قرار مكملاً لقراره الأول جرى نصه بما يلي "الموافقة على منح الموظفين الذين يعتزلون الخدمة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء والمعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش. هذا مع مراعاة إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، وقد أجريت أحكام هذين القرارين على موظفي الدرجة الثالثة فما دونها بموجب قرار ثالث صدر في 9 من ديسمبر سنة 1953.
ومن حيث إنه يخلص من استظهار نصوص القرارين المتقدمي الذكر أن كل ما قصد إليه مجلس الوزراء في شأن ذلك "الفرق" الذي قرر أداءه للموظفين معتزلي الخدمة مشاهرة هو أن يؤدى إليهم ما طرأ من نقص - بسبب اعتزالهم الخدمة - على ما كانوا يتقاضونه شهرياً من قبل وذلك إبقاء لحالهم على ما كان عليه كما لو كانوا مستمرين في الخدمة طوال السنتين المضمومتين اللتين قدر أنهما كافيتان لإعداد أنفسهم لمواجهة ذلك النقص في المستقبل، وبهذه المثابة لا يدخل في حساب الفرق الذي قصد أداؤه للموظف ما لم يكن يتقاضاه من قبل أي ما كان يقتطع من مرتبه لاحتياطي المعاش، يعزز هذا النظر أن القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي شرع لتحقيق الغاية ذاتها من إصدار قراري 4، 25 من نوفمبر سنة 1953 وجاء مكملاً لهما قد استعمل عبارة "الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة" الواردة بذاتها في القرارين المذكورين وتضمنت مذكرته الإيضاحية صراحة أنه سيراعي "ألا يقل مجموع ما يصرف للموظف عما كان يصرف إليه قبل إحالته إلى المعاش".
ومن حيث إنه من ناحية أخرى فإن ما نص عليه قرار مجلس الوزراء في 25 من نوفمبر سنة 1953 من عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش ومن مراعاة إدخال ماهيات هذه المدة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، يكشف عن أنه اعتبر هذه المدة المضافة ملحقة بمدة الخدمة الفعلية وآخذة حكمها، ومن ثم نص على مراعاة إدخالها في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش نفاذاً للحكم المقرر لمدة الخدمة الفعلية في المادة 15 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات، وافترض أن ثمة علاوات تستحق خلالها ولكنه استبعد بصريح النص إدخال هذه العلاوات في حساب المعاش، وإذ كان من بين الأحكام الجارية على مدد الخدمة الفعلية حكم اقتطاع احتياطي المعاش الذي فرضته المادة التاسعة من القانون المذكور كشرط لازم لحساب أية مدة في تسوية المعاش، فإن سكوت مجلس الوزراء عن حظر تطبيق هذا الحكم - على خلاف ما فعل في شأن العلاوات - يعني اتجاه قصده إلى وجوب سريانه والخضوع له، والاقتطاع في هذه الحالة يكون محله أو أساسه المرتبات التي كانت تستحق للموظفين معتزلي الخدمة خلال المدة المضافة لو بقوا فعلاً في الخدمة، وهي بذاتها المرتبات التي نص قرار 25 من نوفمبر سنة 1953 على إدخالها في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، وليس ثمة اقتطاع من المبالغ المصروفة لهؤلاء الموظفين والتي لا مجادلة في أنها لا تعد مرتباً.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه مما يتعين معه إلغاؤه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق